بسم الله الرحمن الرحيم
نظام
الممانعة في دمشق
رؤية
حقيقية
زهير سالم*
ما
زال النظام السوري معتمدَاً
كعامل استقرار في منطقة (الشرق
الأوسط) حسب التعبير الغربي.
المتمسك الأول بنظام بشار الأسد
في المنطقة هم حكام تل أبيب على
طبقات طيفهم السياسي، تتلوهم
بالتالي دول الاتحاد الأوروبي
ثم الولايات المتحدة، يضاف
إلى هؤلاء تلقائيا روسيا والصين
وإيران كداعمين أساسين لبقاء
هذا النظام.
جوهر
الموقف الغربي (الصهيوني –
الأمريكي - الأوروبي) يتبلور في
ضرورة الضغط على النظام أو عصره
للحصول على أكبر قدر من
التنازلات، وبالتالي المزيد من
التطويع في خدمة مشروعهم بشكل
عام، مع الحفاظ على عود النظام.
هذا ما يصرح به الساسة والقادة
هنا وهناك.
يلحظ
المتابع أن المطالبات
الأمريكية أو الغربية عموما
بالنسبة إلى هذا النظام قلما
تتطرق إلى الأوضاع الداخلية في
سورية (الاستبداد) (العدوان على
حقوق الإنسان) (الفساد وسرقة
المال العام) وإنما يتم الإلحاح
على قضايا تتعلق بمواقف النظام
في العراق أو في فلسطين أو في
لبنان. وهي مطالبة تجعل الكثير
من المغرورين يتمسكون بشكل
انفعالي بالدفاع عن هذا النظام.
بالمقابل
يسعى النظام في سورية، في ظلال
مجريات الواقع العراقي، ولا
سيما مشهد الإطاحة بصدام حسين،
إلى الحصول على (صك أمان) صريح،
يحمي وجوده، ويعطيه فسحة على
الساحة الإقليمية، ويطلق يده
على الساحة السورية واللبنانية
من جديد. وليحقق النظام أهدافه
هذه يقوم باللعب بأوراق عديدة
في المنطقة كأدوات ضغط مباشر
على الإدارة الأمريكية
وسياساتها. يخطئ من يظن، أن
علاقة النظام السوري بحركة
حماس، أو بمشروع المقاومة في
العراق، أو في لبنان؛ تقوم على
أساس استراتيجي. وكم يسئ إلى
أنفسهم أولئك الذين يتعاملون
سياسيا مع العناوين دون النفوذ
إلى الحقائق، التي ترسم أبعاد
الموقف الخاص و العام..
النظام
السوري ومستجدات الموقف على
الساحة الفلسطينية
(بطل
للصمود!!) لا يمكن لأحد أن ينسى
أن هزيمة عام 67 كانت بتدبير حافظ
أسد وزير دفاع سورية آنذاك،
خطورة الهزيمة ليست في الأراضي
التي احتلت فقط وإنما في كونها
نقلت الأمة من المطالبة بتحرير
فلسطين إلى المطالبة بغسل آثار
العدوان تحت عنوان (الأرض مقابل
السلام). وغني عن البيان أن
النظام في سورية قد أعلن، منذ أن
ذهب إلى مدريد استراتيجيته
الجديدة (السلام هو الخيار
الاستراتيجي الوحيد) وذلك
بديلا عن الخيار الذي استهلكه: (التوازن
الاستراتيجي)، الذي طرحه حافظ
الأسد منذ خروج مصر من المعركة،
وعمل عليه طيلة عقد الثمانينات.
وابتز من خلاله الكثير من
المواقف والكثير من الأموال
أيضا. ولكن منذ مدريد دخل النظام
اللعبة من باب آخر، فكانت
المداورات والمناورات واللعب
بأوراق الممانعة بديلا لشعار (الصمود
والتصدي) الذي أفل نجمه مع شمس
الاتحاد السوفياتي. منذ اشتراك
النظام في مدريد، واللقاءات
الثنائية والمتعددة، تتم مع
الطرف الصهيوني والتي أثمرت كما
يقول النظام (وديعة رابين) وهي
وثيقة أودعها رابين، كما يزعم
النظام، لدى الإدارة الأمريكية
بعد اللقاءات الأولية مع الجانب
السوري يتعهد فيها بالانسحاب من
كامل الجولان. والتي طرح على
أساسها شعار: انسحاب كامل سلام
كامل. مات رابين. وانتقل
الصهاينة في عهد نتنياهو الى
شعار (السلام مقابل الأمن) بدلاً
من (الأرض مقابل السلام) وهو
الشعار الذي تبناه شارون فيما
بعد. وكانت آخر جولة عملية لحافظ
الأسد على هذا المسار لقاءه
الشهير مع كلينتون في عهد باراك
والذي تم قبل أشهر من وفاته. قيل
يومها إن الخلاف على شريط ضيق
على بحيرة طبريا.
يجب
أن لا ننسى، ونحن نتابع حقيقة
الممانعة في مواقف النظام
السوري، المتضمنات والملحقات
الأمنية للاتفاق الذي أقر به
حافظ أسد، والتي استوجبت
التنازل عن الكثير من مراسم
السيادة الوطنية للدولة
السورية بدءاً بتعداد الجيش
وتسليحه وأماكن تمركزه،
وانتهاء بوسائل الإنذار المبكر.
كما لا يجوز أن ننسى أن هذه
التوافقات كانت تخص الطرف
السوري بشكل أساسي دون الطرف
الصهيوني – بالنسبة لتمركز
القوات وتسليح الجيش – ويجب أن
لا ننسى أن الجيش الصهيوني
يتمركز على بعد أميال معدودة من
العاصمة السورية دمشق. ويجب أن
لا ننسى ثالثاً أننا ما زلنا
نتحدث عن (الجولان) الأرض
السورية المحتلة، وليس عن
فلسطين بأي مرتسم من مرتسماتها.
وقبل أن ننتقل من هذا المقام لا
بد أن نتوقف عند الوضع المزري
لجيشنا العربي السوري البطل
والذي جُرد من سلاحه العملي، لا
سيما بعد خروج الاتحاد
السوفياتي من الساحة كمصدر
للتسليح، دون أن توجد القيادة
العسكرية مصدراً بديلاً جديداً.
أي أننا نستطيع أن نؤكد أن عملية
تحديث العتاد العسكري أو
استكماله قد توقفت عملياً منذ
سقوط الاتحاد السوفياتي.
تم
تحويل المقاتل السوري إلى عامل
سخرة في مزارع أو ورشات كبار
الضباط والمتنفذين في هذا
الجيش، حقيقة راسخة وشائعة.
يعلم كل إنسان سوري بأنه يستطيع
أن يعفي ولده من هذه السخرة
بمبلغ محدد يدفعه إلى سيد (القطعة
العسكرية) أو المزرعة من خلال
أخطبوط للفساد جعل من الخدمة
الإلزامية مورداً من موارد
الثروة والابتزاز. لا بد لهذه
الحقيقة أن تلقي ظلالها على
مشروع (الممانعة) أو التحرر
التحرير.
تحدثنا
حتى الآن عن الموقف من الجولان،
أما الموقف العملي من (فلسطين)
فكان له شأن آخر. فمنذ أن دخل
حافظ الأسد لبنان في أواسط
السبعينات تحت غطاء قوات الردع
العربية ثم انفرد فيه، وضع خطة
لتصفية الوجود الفلسطيني هناك:
استلحاقه (ليقوم بما يقوم به حزب
الله اليوم) أو إضعافه وتصفيته.
عند الحديث عن نصرة فلسطين
وشعبها لا يجوز لأي سياسي عاقل
أو منصف أن ينسى عشرات الألوف من
الفلسطينيين الذين ذبحهم حافظ
الأسد في تل الزعتر والكرنتينا...
-
ولا يجوز لأي سياسي عاقل أو منصف
أن يتناسى أن حافظ الأسد شكل
الطرف الآخر من الكماشة التي
أخرجت ياسر عرفات ومنظمة فتح من
لبنان، وبالطبع كان الطرف الأول
جيش الاحتلال الصهيوني.
ولا
يجوز لأي سياسي عاقل أو منصف أن
يغفل عن دور حافظ الأسد في تمزيق
منظمة التحرير الفلسطينية بشكل
عام، ومنظمة فتح بشكل خاص، وضرب
الفلسطينيين ببعضهم.
-
ولا يجوز لأي عاقل أو منصف أن
ينسى أن حافظ الأسد كان الأسبق
إلى عزل (ياسر عرفات) كزعيم
فلسطيني، وسحب الاعتراف به،
ومقاطعته (لإضعاف المنظمة
بالطبع). ولا يمكن لأحد أن ينسى
الكلام البذيء الذي تفوه به
مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري
ضد ياسر عرفات في خطاب له شهير.
وإذا نسي كل الناس هذا فلا يجوز
للفلسطينيين أن ينسوه، وإذا نسي
كل الفلسطينين هذا فلا يجوز
للعاملين لنصرة فلسطين أن ينسوه!!
وليتخلص
النظام من عبء القضية
الفلسطينية، في زمنها الصعب ولا
سيما بعد تغير الواقع الدولي،
وانتهاء الحرب الباردة،
وصيرورة اللعب بالأوراق حتى على
الصعيد الإعلامي مكلفاً، أطلق
بشار الأسد شعاره الاستراتيجي
الجديد في ظلال عملية أوسلو وما
تلاها من لقاءات (كامب ديفيد..)
الفلسطينية، وكان هذا الشعار (نقبل
بما يقبل به الفلسطينيون)
فأراح نفسه بذلك من حمل عبء الهم
الفلسطيني أو متابعة الدفاع عن
القضية.
وأمام
الضعف والتخاذل السوري وقلة
الحيلة الظاهرة وتمزق الواقع
العربي أدار الصهاينة
والأمريكان ظهرهم لعملية
السلام على الساحة السورية
فلماذا ينسحبون من الجولان؟!
وهم يتمتعون بثمرات الاحتلال
بلا ثمن؟! وأمام كل كل التنازلات
التي تقدم بها النظام يمعن
الصهاينة في دلالهم و فرض
المزيد من الاشتراطات. منذ ايام
قليلة طالب اولمرت بثمن لاستناف
المفاوضات وذلك ردا على ترامي
النظام السوري على الابواب
الامريكية الصهويونية .
مدّ
بشار الأسد يده لمصافحة قصاب في
الفاتيكان يوم وفاة البابا.
ولكن يده رجعت إليه خالية وقد ظن
أن يستجر بهذه المصافحة بعض
الأمن والأمان.
وكان
آخر تصريح عتيد له في هذا الشأن
قوله: (مستعدون للعيش جنباً إلى
جنب مع دولة إسرائيل) وعلق وزير
خارجيته المعلم على ذلك بقوله
إنه أول رئيس سوري يقول كلاماً
بهذا الوضوح، ولكن الكلام لم
يكن له أي صدى سياسي عملي.
(كمحراك)
للوضع السوري على الساحة
الإقليمية يأتي دور (حزب الله)
كقوة مقاومة، وكذلك المنظمات
الفاعلة الفلسطينية كأدوات في
يد سورية لتحريك وضعها الإقليمي
على الجبهة (الإسرائيلية). إن
النظر لعلاقة النظام السوري مع
قوى المقاومة أو الممانعة خارج
هذا الإطار يعني خداع الذات
والضحك على النفس..
وكما
استخدم النظام في تاريخه القريب
حزب العمال الكردستاني وعبد
الله أوجلان أداة من أدوات
الضغط على الحكومة التركية. ثم
نفض يديه منهم عندما اقتضت
مصلحته ذلك. كانت الحصيلة طبعاً
ثلاثين ألف تركي مسلم. كان هؤلاء
ضحايا لعبة يتسلى حافظ الأسد
بتحريك أدواتها. رقم قد يمر على
الذاكرة العربية، ولكنه حاضر في
الذاكرة التركية. لا أحد يتساءل
عمليا ماذا كان يريد حافظ الأسد
من تركيا، وهل أهدافه غير
المفهومة حتى اليوم تستحق هذا
العدد من الشهداء؟! ويجب أن
تقترن بتلك اللعبة بالطبع سياسة
التضييق إلى حد الاضطهاد
العنصري الذي يعامل به مواطنونا
الأكراد في سورية. الكردي
التركي الذي ظن أن نظام حافظ
الأسد كان حليفه الاستراتيجي هو
تماماً مثل الفلسطيني أو
اللبناني أو العراقي الذي يقع
في الإثم نفسه اليوم...
ومع
إيماننا المطلق بسنة الدفع
الربانية (ولولا دفع الله الناس
بعضهم ببعض) نرى أن من الحكمة
والسداد والرشاد أن يستفيد
العاملون على الساحة الإقليمية
اليوم، ومن إخوتنا الفلسطينيين
خاصة من كافة المعطيات والظروف،
وأن ينظروا إلى سورية الأرض
والشعب كقاعدة وفئة وملاذ في
حدود التحالفات السياسية التي
تسوغها ظروفها في كل حين..
ولكننا نربأ بأي مسلم بل بأي
عاقل منصف أن يصف هذا النظام
بأنه نظام ممانعة أو مناصر
لقضايا الأمة او مدافع عن
هويتها أو وجودها.
أطلنا
الشرح في هذا البعد لنقذف بالحق
على الباطل. إن محاولة البعض صنع
أبطال من ورق لتضليل الرأي
العام الإسلامي، والذهاب به
بعيداً عن مبتغاه هي عملية
تضليل آثمة يجب أن تتوقف وأن
تدان.
النظام
ومحاولة الاستحواذ على لبنان من
جديد:
لن
نطيل الحديث عن الساحة
اللبنانية، إلا أن سياسة
الاستحواذ والبحث عن دور إقليمي
من خلال التوسع
باتجاه لبنان، كان استراتيجية
أساسية للنظام. ولن نبالغ إذا
قلنا إن نظرة الساسة السوريين
إلى لبنان على أنه المضغة التي
انتزعت من الخاصرة السورية عنوة
بفعل التوافقات الدولية بعد
الحرب العالمية الأولى. ولكن
أحداً من الساسة التقليديين،
الذين دأبوا على التعامل مع
الساحة اللبنانية بخصوصية
شديدة من أبرز ملامحها عدم
تبادل السفراء، وأن تظل حركة
العبور تاريخياً بين البلدين
قائمة على البطاقة الشخصية،
نقول ولكن أحداً من الساسة
التقليديين السابقين لم يفكر
بأن يحول لبنان إلى ساحة للصراع
المكشوف، ومن ثم مزرعة
للاستبداد والفساد.
بدأ
ذلك مع خروج حافظ الأسد من حرب
تشرين منتصراً مزهوا،ً وكأنه
صنع نصراً حقيقياً. وعندما
أغلقت أمامه أبواب المجد على
الساحة الفلسطينية، انتقل
ليمارس نزعته التوسعية
الاستحواذية على الساحة
اللبنانية، فبدأ بتحريك القوى
اللبنانية وضرب بعضها ببعض. بدأ
بالتحالف مع حزب الكتائب
وميليشياته وانتهي عبر مخاضة من
الدم إلى النقطة التي هو فيها
اليوم. ذبح خلال ما يقرب من ربع
قرن كل القوى اللبنانية:
الفلسطينيين والمسيحيين و
جماعة أمل وجماعة التوحيد، وقاد
أعمال القتل في قادة لبنان
وزعمائه وما يزال، ودائماً كان
القتل على الساحة اللبنانية هو
الوسيلة الاجدى للتخلص من
الخصوم.. (كمال جنبلاط – الشيخ
حسن خالد مفتي لبنان – والعلامة
الشيخ صبحي الصالح، وستكشف
الأيام أنه لم يكن بعيداً عن
اختفاء أو قتل موسى الصدر). إن ما
آل إليه الوضع على الساحة
اللبنانية اليوم أن يتحول (شيعة
لبنان) في إطار مشروع سنفرده
بالبحث من خلال منظمتي أمل وحزب
الله إلى أداة استحواذ وسيطرة
على الساحة اللبنانية.
بالنسبة إلينا لا ننظر إلى مقتل
(رفيق الحريري) على أنه عملية
اغتيال ضمن تصفيات قطرية، بل
إنه جزء من مشروع إقليمي بالغ
الخطورة يريد أن ينشب أظفاره في
المنطقة. من الخطأ أن ينظر إلى
النظام السوري من زاوية أنه
داعم للمقاومة في لبنان، فهذا
النظام هو الذي أصر على حرمان
إخواننا من الجماعة الإسلامية
من أي وجود في البرلمان، من خلال
عمليات خداع وتزييف. وهو الذي
رفض أن يكون لسنة لبنان رمز أو
ظهير ينطق باسمهم سواه. ومن هنا
جاء مقتل الحريري. يتصور النظام
أنه بانزياح آل الحريري عن
طريقه فإن أهل السنة سيعودون
إلى بيت الطاعة السوري لأنهم لا
يملكون حليفاً عملياً لا على
الساحة الإقليمية ولا على
الساحة الدولية.
العراق...
المقاومة والفتنة:
أدرك
صدام حسين نقطة ضعف النظام
الأساسية حبه الجشع للمال!!
وقامت استراتيجية صدام حسين على
إحداث اختراق على الصعيد الدولي
بتمتين العلاقات الاقتصادية عن
طريق الصفقات والعقود لإنتاج
واقع سياسي جديد. ومن هنا فقد
فتح صدام حسين أبواب العطاء على
بشار الأسد فتحسنت العلاقات
الاقتصادية ثم السياسية وخفت
حدة القطيعة وأعادت السفارة
السورية فتح مقرها في بغداد،
وظل السوريون مع ذلك يتنصلون من
تحمل تبعة موقف قومي تجاه
العراق في أزمته، وكانوا بين
الفينة والأخرى يؤكدون أنهم لن
يذرفوا الدموع على صدام حسين،
وأن بعث سورية لا يرتبط بغير
الاسم ببعث العراق...!! وعلى
الرغم من المعارضة الظاهرية
التي أعلنها بشار الأسد ضد
الاحتلال، إلا أنه لم يتخذ أي
موقف عملي لدعم صمود العراق أو
لتصليب موقفه الدولي أو
الإقليمي. وبعد سقوط النظام في
العراق امتنع النظام في سورية
عن تأمين الملاذ الآمن للعديد
من المسؤولين ولا نقول القادة
العراقيين بمن فيهم أبناء
الرئيس الذين تم إعادتهم رسمياً
للعراق وكذلك زوجة الرئيس
وبناته. الشيء الوحيد الذي حظي
بالملاذ الآمن هو ملايين
الدولارات التي أودعت كأمانة
عند النظام ولا
أحد يعرف أين هي حتى الساعة.
قامت
رؤية النظام للاحتلال في العراق
على أن أي استقرار ينعم به
الأمريكيون سيجعل من العراق
عتبة للتدخل في شؤونه. وهي رؤية
ذات بعد استراتيجي حقيقي. ولكن
بدلاً من أن يمد
بشار الأسد يده بالخير
للساحة العراقية ويستخدم نفوذه
وإمكاناته لإيقاد جذوة
المقاومة وتمكينها وترشيدها،
ولا سيما بعد ان أظهر شيعة
العراق تحالفاً استراتيجياً مع
الاحتلال، باشر بعملية إشاعة
الفتنة وضرب القوى العراقية
ببعضها لاستثمار نتائج عدم
الاستقرار للغاية التي يريد،
متناسياً مصلحة العراق ومصلحة
أهله وقيمة الدم الإنساني فيه.
فراح يؤز نيران الفتنة ويدعم كل
الاتجاهات العنفية بما فيها تلك
التي تقتل العراقيين سنة وشيعة
وأكراداً...
يبدو
أن لعبة النظام تكشفت لأشقائنا
في العراق سريعاً وأدركوا خطورة
اللعبة التي يلعبها هذا النظام
.. فهو يدعم التكفيريين ليقتلوا
الشيعة، ويدعم الشيعة ليقتلوا
صفوة أهل السنة، ويستقبل
المقاومين العرب ليجعل من سورية
ممراً لهم، ثم يسلم بعضهم
للأمريكيين عنوان وفاء.
وهو
مع ارتدائه الثوب القومي،
وإدعائه الدعم المطلق للقضية
الفلسطينية، ووقوفه في وجه قوات
الاحتلال يرفض استقبال أكثر من
مئة أسرة سورية تعيش الرعب في
مدن العراق يتعرضون للخطف
والذبح والاعتقال من أكثر من
جهة لأنهم سوريون، كما يحاصر
مئات الأسر الفلسطينية من لحمنا
ودمنا على الحدود العراقية
بترهات باطلة لا يمكن لأحد أن
يبتلعها بل أن يتفهمها، وتبقى
هذه الأسر السورية الفلسطينية
عرضة للذبح على أيدي الناقمين
على سورية وفلسطين!!
النظام
السوري والمشروع الإيراني (المذهبي
– القومي)
من
الظلم للمشروع الإيراني
بأبعاده الدينية والدنيوية أن
يُحسب بشار الأسد ونظامه عليه.
فمشروع بشار الأسد هو مشروع
ذاتي يتطلع فقط إلى (السلطة
والمال) مستخدماً كل الأدوات
الدينية والطائفية والعسكرية
والسياسية والاقتصادية
للاستكثار منها...
من
مواطن الصدام بين بشار الأسد
والمشروع الأمريكي المعلن أن
المشروع الأمريكي يضع في
استراتيجيته الأساسية تضييق
الدور الإقليمي للحكام
المسلمين والعرب، في محاولة من
المؤسسين للمشروع الأمريكي
والداعمين له لإماطة فكرة (الأمة)
المفهوم والموقف عن الساحة.
يُستقبل اليوم في البيت الأبيض،
عندما يُستقبل، رئيس أكبر دولة
عربية على نفس المستوى مع أي شيخ
أو أمير عربي!! الصراع على
النفوذ أو على دائرته ضيقاً
واتساعاً أودت بحاكم العراق
السابق بعد تجربة فاشلة لاحتلال
الكويت. دول عربية كثيرة سلمت
بالأمر الواقع، طرفها لم يعد
يمتد إلى خارج حدودها إلا عندما
يطلب منها ذلك. السياسة
الانكفائية اللامبالية للحاكم
العربي أصبحت حالة معممة!! إيران
وحدها هي التي رفضت هذه الحالة
بل هي التي وجدت فيها الفرصة
لبسط نفوذها الذي كفكفته طويلاً
بعد الثورة الإسلامية لإعطاء
هذه الثورة بعداً مذهبياً
وبعداً قوميا. إيران اليوم
تتمرد على الرغبة الأمريكية
وتتمدد بالمنطقة على حساب
حكامها وشعوبها بعد أن تلقفت
الراية التي تخلى عنها كل
الأشقاء الكبار. الحكام العرب
حائرون يضربون كفاً بكف والشعوب
العربية ممزقة بين الراية
المفداة يلوح بها الإيرانيون
يمنة ويسرة وبين اليد التي تحمل
الراية.
وإيران،
والحق يقال، دولة ذات مرجعية،
وذات مشروع، وتحكمها حالة خاصة
من الإيديولوجيا ليس لنا إلا
نحترمها سواء اتفقنا أو اختلفنا
معها. وبعض الإيديولوجيا
الإيرانية هذه، بناء دولة
للمؤسسات بمعنى خاص، وبناء جيش
قوي متين قادر على فرض هيبة
إمبراطورية تعج ذاكرة أبنائها
بالأمجاد. واستعادة غير مصرح
بها لرد الاعتبار من (ألم، غلبت
الروم في أدنى الأرض وهم من بعد
غلبهم سيغلبون..) أو من معارك
جاءت بعدها..
وإيران
ببعدها الشاهنشاهي هذا لها بعد
مذهبي، دعوة تبشيرية لنصرة (آل
البيت) الذين ظلمهم المسلمون أو
أهل السنة!! طوال خمسة عشر قرنا
أو تزيد. وإيران ليست مثل الحكام
العرب الآخرين مستعدة لبناء
المؤسسات وتجنيد الدعاة وإنفاق
الأموال لنصرة مذهبها، ونشر
عقيدتها وبناء قواعد الارتكاز
في قلب المجتمعات والشعوب
والحكومات العربية وغير
العربية. وليس علينا أن نلومها
فالحياة صراع والمبادرة فرصة
جسور والشكوى فعل العاجزين..
وهكذا
يجد نظام دمشق نفسه في قلب
المشروع الإيراني، ويتحول، وهو
الذي تعود على استخدام الأدوات
إلى أداة من أدوات الإيرانيين
فيسير بركابهم ويأتمر بأمرهم،
وينوب عنهم في إرسال رسائل
الوعد والوعيد، ويقطع علاقاته
بالجوار العربي بطريقة غير
دبلوماسية اعتمادا عليهم ويفتح
لهم سورية من أبوابها الأربعة
لتكون ميدان نشاط وساحة عمل:
للدعاة المذهبيين بما يملكونه
من شعارات وأموال وفتاوى حتى
يضج المجتمع السوري بعد طول صمت
وترقب فمئات الحسينيات تبنى،
ورواتب شهرية تفرض لكل متشيع في
بلد أصبح ثلث سكانه تحت خط
الفقر، ورحلات تنظم إلى إيران،
وبعثات تعليمية إلى قم، وحوزات
علمية وكتب توزع وأشرطة فيديو
وكاسيت، ومراكز دراسات وجمعيات
خيرية وتعيين المتشيعين
الفاسدين في مناصب الفتوى
وإدارة الأوقاف. إيران أو آيات
الله فيها يخترعون مقامات
وقبوراً وهمية لشخصيات رمزية من
آل البيت لتكون محجاً ومقصداً
وبؤراً اجتماعية متفسخة لترويج
المخدرات أو لعقود نكاح باطلة
وفاسدة..
إيران
تتحرك، وبشار الأسد أداة من
أدواتها ومن خلال مشروعه الخاص (السلطة
والثروة) تحقق إيران ما تريد.
المقام
لا يتسع لذكر المزيد من
التفصيلات والإحصاءات والذي
نريد أن نؤكده
أنه من خلال لامبالاة الحكام
العرب، وخداع الشارع العربي
بلافتات المقاومة، وبكلام غير
موزون يلقيه قادة الدعوة أو
الرأي والفكر؛ ربما تتحول
العراق وسورية ولبنان إلى
امتداد للوجود لا للنفوذ
الإيراني فقط. إن نظام الطاعة
والانقياد التي تفرضه
المرجعيات الشيعية على أتباعها
ستجعل من كل بؤرة مذهبية مهما
صغرت في أفغانستان أو باكستان
أو دول آسيا الوسطى أو تركيا أو
سورية أو السعودية أو البحرين
أو الكويت متفجرة موقوتة تنفجر
في وجوهنا عندما تأمر المرجعية
العليا أو الدنيا بذلك.. الدور
اليوم يدور على بلدنا سورية
ونأسف أن نقول إن الكثير من
أشقائنا العرب أو إخواننا
المسلمين هم بعض العون علينا
تحت شعارات موهومة منها تصليب
موقف الممانعة للنظام الذي لم
يعرفها قط..
يوم
كان أولمرت يدمر لبنان، أعلن
أحمد نجاد أن إيران ستتدخل
بطريقة رادعة إذا امتد العدوان
إلى سورية!! لم يسأل أحد من دعاة
الممانعة نفسه : لماذا لا يبادر
إلى الرد الرادع لحماية لبنان؟!
كما أن أحداً لم يسأل نفسه عن
حقيقة (إيران غيت)، وعلاقة
حكام طهران الجدد التي تكشفت مع
تل أبيب، لم يسأل أحد نفسه عن
حقيقة ذبح ضباط العراق وعلماء
العراق، وأبناء العراق على
الهوية بالطريقة التي تمارسها
الميليشيات المنظمة والتابعة
رسمياً لإيران. إذا كان المشروع
الأمريكي قد فشل في المنطقة،
وحوصر في العراق حتى بات يبحث عن
مخرج، فإن المشروع الإيراني قد
استوفى نصره أو كاد في العراق،
وهو اليوم يقوم بعملية رمي
التمهيد.. باتجاه البلد الجديد
باتجاه سورية.
النظام
السوري مشروع التغريب
من
نافلة الخطاب في هذا المقام أن
نشير إلى أن النظام السوري
يستخدم أوراقه السياسية
والنضالية ليدرك بعض (الحظوة) أو
(الخصوصية) لدى الإدارة
الأمريكية والغرب عموما. بل إن
بشار الأسد علق على مطالبة
تركية الانضمام إلى الاتحاد
الأوربي بقوله نحن نؤيد ذلك
لأننا سنصبح عندها جيرانا
للاتحاد الأوربي!! رفعة كعب،
وعلو مقام، على مذهب من قال أو
قالت (نحن والقمر جيران). لا
يتوانى النظام السوري عن عرض
خدماته وتقديمها لإدراك هذه
الحظوة وتوظيفها في إطار مشروعه
الفردي أو الفئوي، وأبرز وجوه
التعاون التي قامت بين هذا
النظام والإدارة الأمريكية منذ
11\9\2001 هو التعاون (الاستخباري)!!
موقف يتباهى به النظام حتى وإن
كان من متضمناته أن يقدم أسماء
مواطني الدولة من جماعة الإخوان
المسلمين، مع ملفات مفبركة على
أنهم إرهابيون، ثم الأبلغ من
ذلك أن يقدم نفسه وعلى لسان بشار
الأسد شخصيا كخبير استخباري في
طريقة تصفية (الأصوليين) بدعوى
أنه انتصر عليهم، وثالثا أن يضم
العاصمة السورية دمشق وبقية
المدن السورية إلى (غولاغ)
المعتقلات الأمريكية السورية،
وأن تستخدم أقبية التعذيب
السورية بوسائلها الأكثر (بدائية
وحداثة!!) بالمعنيين معا لانتزاع
المعلومات من المعتقلين على
الذمة الأمريكية ولمصلحتها ولن
نبعد النجعة إذ نستشهد بالمواطن
الكندي (السوري الأصل) ماهر عرار
الذي يقاضي الحكومة الكندية
اليوم لأنها سلمته للإدارة
الأمريكية التي سلمته بدورها
للحكومة السورية لانتزاع
معلومات منه لمصلحة الإدارة
الأمريكية. للحقيقة وباعتراف
الأمريكيين أنفسهم فإن دائرة
التعاون الاستخباري بين النظام
الأمني في سورية ودوائر
الاستخبارت الأمريكية لم يكن
محدودا. والذي أوقف هذا التعاون
أو رفضه هو الإدارة الأمريكية!!
لأنها أرادته في إطار أوسع،
يخيل إلى النظام أن الاستجابة
العملية لتلك المتطلبات
الأمريكية سيكون له تأثير مباشر
على وجوده أو استمراره ولو على
المدى البعيد. يدرك النظام
السوري مقاتله الحقيقية أو نقاط
ضعفه الرئيسية (قليل من
الانفتاح) وبعض (الحرية) وهو
كالكيان الصهيوني تماما لا يريد
أن يعلق ورقة وجوده بيد طرف آخر
مهما كان قويا ومهما كانت ثقته
به. كثير من النخب الطافية على
الساحة الشعبية العربية
والإسلامية. لا تدرك أن البعد
السياسي المباشر في المشروع
الأمريكي هو البعد الأقل خطرا
لأنه البعد الظاهر لكل ذي عينين
حتى من عامة الناس.
فأحاديث
الإدارة الأمريكية عن الشأن
الفلسطيني أو العراقي مما يدرك
خطله وخلله الأطفال في الأقمطة
بالنسبة لأبناء شعوبنا، ومع ذلك
فعلينا أن نقر أن في ظاهر ذلك
المشروع بعض الإيجابيات
العملية من حديث عن ديموقراطية
وشفافية ومشاركة شعبية بناءة..
الأبعاد
الأخطر في المشروع الأمريكي من
وجهة نظرنا هي الأبعاد الفكرية
والثقافية والاجتماعية
والاقتصادية. هي في محاولة
تغريب العقل العربي الأولى
بالغين المعجمة والمعرفة
العربية وأنماط السلوك
العربية، ثم في رهن المقدرات
العربية الرسمية والشعبية
لمصلحة المشروع الرأسمالي
وتقديم شعوبنا كضحايا مجردة من
أي قدرة على المنافسة أو
المقاومة في مواجهة الشركات
الظاهرة والباطنة بين (عسكرتاريا)
النظام السوري بكل رموزه وبين
هذه الشركات أصبحت أخطر وأشهر
من أن يشار إليها..
إن
انخراط النظام السوري في هذا
المشروع، والإغراق فيه،
ومحاولة تمريره على شعبنا
بوسائل الترغيب والترهيب
والإكراه منذ أن قام هذا النظام
في أوائل الستينات أشهر من أن
يشار إليها. إن مراجعة مبسطة أو
مسطحة ولا نقول عميقة أو مبصرة
لحقيقة ما يقدم الإعلام السوري،
ولنترك البرامج السياسية
المباشرة جانبا، ستضع الحقيقة
أمام الباحث عنها. ثم إن مقارنة
أخرى بين المناهج التعليمية
السورية في أوائل الستينات وبين
ما هي عليه اليوم، ومستوى
التعليم الذي أغرق في الإقلاع
باتجاه التغريب منذ أن قرر
النظام في مجلته الرسمية مجلة
جيش الشعب أن يضع (الله والأديان
والإسلام والمسلمين في متاحف
التاريخ) سوف تصادر على كل الذين
يدعون الدعاوى للنظام رؤيتهم.
ولا
يجوز أن ننسى أن المنظمات
الشمولية التي تحكم حياة الطالب
السوري منذ المرحلة الابتدائية
طلائع البعث والأشبال وشبيبة
الثورة واتحاد الطلاب، وكذلك
منظمات المجتمع المدني التي
صودرت كلها لمصلحة النظام مثل
الإتحاد النسائي والنقابات
العامة. كل هذه المنظمات وإن
كانت تسعى سياسيا لتكريس صورة (الأخ
الكبير) ومكانته إلا أن حشوتها
الفكرية والثقافية والاجتماعية
حشوة تغريبة بكل معنى الكلمة..
كثيرا
ما يطالعنا بعض الفضلاء بأن
الحالة الإسلامية في سورية
متقدمة جدا، مدليا بعشرات
الشواهد عن حالة المجتمع السوري
في مساجده وجامعاته ومعاهده..
وينسى هؤلاء أنهم في الشام
المبارك، وان ما يرونه من مظاهر
الالتزام الإسلامي هو المظهر
العملي لرفض الجسم الحي لجرعات
التغريب تحقن كرها في جسد
المجتمع. وأن هذه المظاهر لا
يجوز أن تخطف أبصارنا عن مواطن
أخرى لا يراها ولا يسمعها
المفتونون..
في
العالم العربي نظامان على ما
نعلم يعملان بجد على فرض (تغريب
المجتمع) بوسائل الإكراه المادي
(السلبية) و(المباشرة) وعلى هذا
الأساس ينبغي أن يقوم النظام..
إن الاستماع بعناية إلى فحوى
الخطاب (السياسي) و(الفكري) و(الاجتماعي)
الذي يصدر عن النخبة التي تمتلك
حرية التعبير على نحو ما في
سورية هو الذي يحدد بالضبط موقف
هذا النظام من مشروعات الآخرين
الذين يريدون استلحاق منطقتنا
وشعوبنا على طريقة إبليس (ينزع
عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما)
إن نزع الهوية العربية
الإسلامية عن المنطقة هو جهد ذو
أبعاد متعددة منها ما هو ظاهر
ومنها ما هو خفي، وإن نظام دمشق
غارق في هذا المخطط حتى أذنيه.
النظام
السوري والفساد
داء
المدنية المعاصرة بعناوينها
الاستهلاكية وروح الاستكثار
التنافسية القائمة على الجشع
والرغبة في امتلاك كل شيء. داء
تعاني منه كل الدول بلا استثناء
وهو في عالمنا العربي أكثر
ظهورا وانتشارا، ذلك أن آليات
الديموقراطية في الغرب ، ونهج
الشفافية والقدرة على النقد
الذي تتميز به تلك الشعوب ثم
الحالة العامة من الرفاهية تحد
من تفاقم الظاهرة، وتجعلها ربما
أكثر إيغالا في السرية وأكثر
بعدا وهذا مهم عن قوت الإنسان
وعرقه وجهده..
من
غير مبالغة ولا إدعاء نؤكد أنه
ليس في الأنظمة العربية على
الإطلاق نظام ولغ في الفساد كما
يفعل حكام دمشق السابق منهم
واللاحق. فساد لم يتعلق فقط في
حيز العافية من المال العام،
وإنما تمادى حتى وصل إلى لقمة
عيش الفقير المعدم وعرق الفلاح
والكادح والموظف فكان على ما
قال الفتى درواس لعبد الملك
أذاب الشحم وأكل اللحم وكسر
العظم!!
عموما
لم تكن بلاد الشام تصنف في إطار
دول الفقر. وقبل ظهور البترول
كسلعة محددة للفقر والغنى في
المنطقة كانت سورية بما تمتلك
من ثروات مصنفة من الدول الغنية
نسبيا. وفي الخمسينات بالذات
شهدت سورية انطلاقة صناعية أكبر
من حجمها كان يمكن لو استمرت أن
تجعل الوضع الاقتصادي في بلاد
الشام على غير ما هو عليه اليوم...
جاءت
ثورة الثامن من آذار، وجاء
الحكام الجدد، وكان من أهدافهم
الخفية تدمير الاقتصاد الوطني
تحت شعار (الاشتراكية) لكي لا
يكون للجار الغريب في المنطقة
مجاور قوى بأي معنى من معاني
القوة حتى لو كانت (اقتصادية) بل
و(وأخلاقية). ومع قيام الثورة
وحتى اليوم نهب المال العام
والخاص على أيدي رجال الثورة
المتعاقبين بوسائل وأساليب
تصعب على الحصر، وعندما نقول
نهب (المال العام والخاص) نقصد
دلالات الألفاظ المحددة.
أدى
هذا إلى حالة من التضخم بحيث قفز
سعر الدولار بالنسبة لليرة
السورية من 3 ل.س للدولار الواحد
إلى 50 ل.س للدولار. استنزفت
المساعدات التي قدمت من قبل
الدول العربية. جيرت عائدات
النفط لمصلحة رئيس الدولة لمدة
تجاوزت عشرين سنة، فلم يدخل
الميزانية العامة للدولة منها
قرش واحد. احتكرت الدولة وسائل
الإنتاج بعد تأميمها مما أدى
إلى تدمير بنية الصناعة المحلية
القائمة والعجز المطلق عن تأسيس
صناعة ناجحة بديلة. معظم مؤسسات
القطاع العام الصناعية حتى
اليوم تشكل عبئا على ميزانية
الدول، نتيجة السرقات والنهب
التي يمارسها المدراء
والموظفون..
كما
احتكرت الدولة لعقود طويلة
التجارة العامة، وتحول رجال (الدولة)
إلى سماسرة، يفرضون الأتاوات
ويقبضون الرشى. ولا سيما بعد أن
قيدت القوانين حركة الاقتصاد
الوطني، وحركة التجار. بحيث
أصبح لكل مؤسسة اقتصادية (صناعية)
أو (تجارية) غطاؤها الأمني من (قبضايات)
النظام و(أجهزته).
أنشأ
كل هذا حالة من الخلل في السوق
الاجتماعي للعمل \ بطالة \
وانخفاض القدرة الشرائية
للموظف والعامل. الراتب الوسطي
للموظف العام لا يتجاوز 100 دولار
حتى اليوم. قد يشمل هذا أحيانا
القضاة وأساتذة الجامعات.
والمئة دولار شهريا ليست دخل
الفرد وإنما دخل أسرة قد تتألف
من سبعة أشخاص كما هو متوسط
الحال للأسرة السورية. فانتشر
الفقر وعمت الحاجة وفتحت أبواب
الفساد على مصاريعها لتحطيم
بنية الطهر والنظافة في المجتمع
ومرة أخرى ضمن مشروع عام لخدمة
الجار الغريب!!
تتحدث
الأرقام اليوم عن أن 30% من
المجتمع السوري قد أصبح تحت خط
الفقر، وأن البطالة منتشرة، وأن
الطبقة المتوسطة التي كانت تشكل
السواد العام للمجتمع قد تلاشت
أو كادت.. بينما تحول رفعت الأسد
إلى أحد أثرياء العالم
المرموقين ويتحرك اليوم بشار
الأسد على درب أخيه باسل الذي
مات مخلفا ما يقرب من 30 مليار
دولار. تم تزويجه بأثر رجعي
لتستطيع زوجته أن تسترد
المليارات المودعة بالبنوك
الأجنبية. يمسك رامي مخلوف ابن
خال الرئيس وشريكه العملي من
الباطن على مفاصل الاقتصاد
الوطني، يشحن دم الشعب السوري
وعرقه بصورة ورق بنكنوت في
طائرات خاصة إلى بعض دول
المنطقة حيث يتم تبييضها هناك.
طبعا لم تقم في سورية في الأصل
أي مؤسسات حقيقية للبحث العلمي.
منذ أن أهل شعار التوازن
الاستراتيجي الذي كان شعارا
استهلاكيا لابتزاز أموال الدول
العربية، توقفت عملية بناء
القدرة العسكرية للجيش السوري،
ميزانية التعليم في سورية بحالة
تثير الإشفاق. المدارس والمعاهد
مما يثير الوجع الوطني.
الشورارع والطرق في سورية،
المدن الكبرى والصغرى، ما تزال
على بنيتها التحتية العامة منذ
أواسط الخمسينات، لم تتم حتى
الآن كهربة الريف السوري ولا
سيما مناطق الشمال والشمال
الشرقي وكذلك الجنوب، لم يصل
الماء النظيف لجميع أبناء
المجتمع السوري. يضطر السوريون
الذين امتلكوا أول جامعة تدرس
الطب باللغة العربية إلى الخروج
إلى الأردن أو لبنان لمداواة
مرضاهم نظرا لتخلف أسباب العلاج
وعدم امتلاك أدوات التشخيص
والتدهور الأكاديمي للخريج
السوري. الجامعات تخرج أنصاف
أميين في تخصصاتهم. انتشرت
العمالة السورية في الأرض بحثا
عن لقمة العيش بحيث تسببت في
لبنان بمشكلة سياسية واقتصادية
واجتماعية.. فساد يستشري كما
السرطان ولا أحد يستطيع أن
يطاله بكلمة. عندما تقدم عضو
مجلس الشعب رياض سيف بمطالعة
حول مشروع (الخليوي) الذي امتلكه
رامي مخلوف كانت عاقبته السجن
خمس سنوات..
عندما
يعود برلماني عربي، أو حزبي
عربي أو سائح عربي من دمشق ثم
يتربع في مقعده ليحدثنا بعد
عودته عما رأى هناك، لا ينسى أن
يهمز أو يغمز كيف طلب منه، موظف
الجوازات أو شرطي المرور (المعلوم..)!!
ليس رخيصا ذلك الإنسان الذي
تلمز جانبه يا صاح وإنما الرخيص
النظام الذي ذهبت لتصفق له..
النظام
السوري والاستبداد
يأتي
الاستبداد السياسي كأداة أولية
ومباشرة لتحقيق مشروعي الإفساد
الفكري- الاجتماعي والتخريب
الاقتصادي. ولا نظن أن في العالم
العربي أو في العالم بلدا تلجم
فيه حرية التعبير، وتصادر فيه
وسائله، وتحطم فيه مؤسسات
المجتمع المدني النقابية
والفكرية والاجتماعية والخيرية
ويستهان فيه بحرية الإنسان
وحياته كما يحصل في سورية حتى
اليوم.. دون أن يظهر أي ضوء ولو
بعيد في أعماق النفق المظلم.
ودون
أن نستعيد ذاكرة التاريخ القريب
نحب أن نبرز الحقائق التالية:
-
ما يزال في السجون السورية حتى
اليوم عشرات الألوف من
المفقودين السوريين
واللبنانيين والفلسطينيين، بل
والأتراك. والمفقودون تعبير
يعني بشرا اعتقلوا من قبل قوات
الأمن السورية من بيوتهم أو على
الحدود السورية ثم انقطعت
أخبارهم هناك وقد مضى على
اعتقال كثير من هؤلاء ربع قرن
دون أن يعرف أهلوهم عن مصيرهم
شيئا. ويصر بشار الأسد على
الاحتفاظ بمصير هؤلاء كسر من
أسرار الدولة العليا لدعم مشروع
الممانعة العربي!!
-
ما يزال القانون 49\1980 الذي يحكم
بالإعدام على منتسبي جماعة
الإخوان المسلمين ساري المفعول.
ولقد طبق في الشهرين الأخيرين
على عدد من المعتقلين الشباب
الذين لم يكونوا عمليا من
المنتظمين مع الجماعة.
-
ما يزال ما يقرب من مئة ألف سوري
من شتى الاتجاهات محرومين من
العودة إلى وطنهم. ومحرومين
أيضاً من كل أنواع الرعاية
القنصلية التي يحتاج إليها
المغتربون.
-
ما تزال المادة الثامنة من
الدستور تفرض حزب البعث العربي
الاشتراكي حزبا قائدا للدولة
والمجتمع وتعطيه الحق في مصادرة
الحياة لعامة السياسية
والفكرية والثقافية
والاجتماعية.
-
ما تزال سورية بلا قانون أحزاب.
ولا أحزاب – عدا أحزاب الجبهة
الوطنية التقدمية التي هي في
حقيقتها أحزاب أفراد وليست
أحزاب تيارات أو أفكار..
-
ما تزال سورية بلا أي شكل من
أشكال التعبير الصحفي..
-
ما يزال الإعلام الرسمي حكرا
على الحكومة بل حصرا على النظام.
-
ما تزال النقابات العامة تحت
وصاية حزب البعث العربي
الاشتراكي.
-
قانون الانتخابات في سورية يكرس
سيطرة حزب البعث والجبهة
التابعة مجلس الشعب. ولا يسمح
بفوز أي معارض أو مستقل إلا من
خلال موافقته المسبقة..
-
رئيس الجمهورية ينتخبه حزب
البعث أو القيادة القطرية
التابعة له، ويوافق عليه مجلس
الشعب والشعب عبر استفتاء يحمل
عنوان الخمس التسعات!!
-
الانتماء إلى الجيش والقوات
المسلحة محسوم حسب مدخلات ذات
طابع فئوي طائفي لا يخفى.
-
مؤسسات التعليم المختلفة تابعة
مباشرة لحزب البعث، وقد كان من
أسباب تفجر الأحداث الأليمة في
سنة 1980 مجزرة التعليم التي أقصي
بموجبها ما يقرب من ألف معلم من
المتدينين عن واجباتهم وأحيلوا
إلى مؤسسات الدولة الأخرى.
وأعلنت الحكومة آنذاك أن (تبعيث
التعليم) هدف استراتيجي ستعمل
على تحقيقه وتبعيث التعليم يعني
أن يلحق قطاع التعليم بقطاع
الجيش فلا يعمل به إلا أصحاب
الخصوصية البعثية ولا سيما بعد
أن تم تبعيث المناهج التعليمية
وتفريغها من مضمونها العلمي أو
الأكاديمي..
-
البعثات التعليمية تمنح
للبعثيين حصرا وأنصارهم وحتى لو
لم يكونوا من أصحاب الكفاءات..
-
البعثات لدبلوماسية تكاد تنحصر
في البعثيين عموما ولا تخلو
سفارة من موظف (خصوصي) يتابع سير
العمل فيها وكلمة خصوصي هنا
غنية عن التعريف. حتى غدا من
الغرابة أن نقول إن في المدينة
الفلانية دبلوماسيا غير بعثي..
-
لا يمتلك بشار الأسد أي إرادة
ولو أولوية لإحداث انفراج أو
إصلاح في واقع الحال. فهو بعد أن
أنهى فترته الرئاسية الأولى أو
كاد، تقلب كثيرا في أحضان
طروحات الإصلاح: الإصلاح الشامل
– الإصلاح الإداري والإصلاح
الاقتصادي.. عاد إلى بؤرة
القناعة باستثمار الواقع الذي
خلفه أبوه. يقال إن حبه الشديد
للمال يشغله عن كل هم وطني آخر.
ولذلك ضرب عرض الحائط بكل ما
تقدمت به القوى الوطنية من
مطالب للإصلاح.
-
الابتزاز السياسي – وسياسة
التهديد والاغتيالات هي السمة
الغالبة في تعامل النظام مع
معارضيه في الداخل، معشوق
الخزنوي والخارج رفيق الحريري
ومي شدياق وجبران تويني.
النظام
السوري الصراع الداخلي
يشكل
الصراع الداخلي في بنية النظام
أحد مقاتله الرئيسية. ونقطة
الضعف الرئيسية التي يمكن أن
تساعد على تغييره. يدور الصراع
في مستوى
الدائرتين الأولى والثانية أو
بين أقطاب الجيل الأول والجيل
الثاني. يحرك الأوائل الشعور
بالغبن أو الظلم، ويحرك الآخرين
طموح ورغبة في المزيد من السلطة
والاستحواذ. اغتيال أو انتحار
محمود الزعبي منذ عهد الأسد
الأب صورة لهذا الصراع، ثم جاء
انشقاق نائب الرئيس عبد الحليم
خدام صورة أوفى وأوضح وتبع ذلك
اغتيال أو انتحار غازي كنعان.
إن
الإحالة على التقاعد أو تقليص
الصلاحيات التي يقتضيها أحيانا
الزمن تشكل عاملا أساسيا في
إثارة النقمة لدى الجيل الأول.
الذي يظن أقطابه بالطبع أنهم لم
يكونوا أقل جهدا وتضحية من
الرئيس الأب.
يطبق
على عنق النظام اليوم: بشار
وماهر وآصف. يقال إن بشرى وأمها
تدعم بشدة آصف. ويقال أيضا إن
صراعا حادا يظل محتدما بين
الحماة وابنتها من
جهة والكنة السنية زوجة الرئيس
من جهة أخرى. ويؤكد المطلعون أن
سببا طائفيا كان وراء المعارضة
المبدئية لوالدة الرئيس لزواج
ابنها من الفتاة البريطانية من
أصل سوري.
وعلى
هذا المحور يمتد الصراع ليبلغ
مداه بين أجهزة الأمن المختلفة
ثم بين السلطتين الأمنية
والعسكرية ثم بين رجال الطائفة
على خلفيات فردية تتلبس أحيانا
بلبوسات متعددة ثم بين الحزب
وأقطابه ومؤسسات الدولة
الرسمية (مجلس الشعب) و(الوزراء).
لا
يمكن للمرء أن ينسى أن ماهر
الأسد كان قد أطلق النار في لحظة
غضب على آصف شوكت. وأن القادم
إلى الأسرة بغير رغبة كبيرها
يمتلك اليوم كثيرا من أوراق
السلطة. وإن رفعت الأسد هو عم
الرئيس وأن أبناء جميل الأسد في
حالة من عدم الرضى عن ابن عمهم،
كما هو حال أبناء رفعت وأن هذا
النسيج الأسري العشائري
الطائفي الذي كان متلاحما قد
غدا هشا إلى حد كبير. كما لا يمكن
للمرء أن يتناسى أن بعض العقلاء
بدأوا يتساءلون بقلق ثم إلى
أين؟! وهم أكيدون من أن الوضع
الشاذ الذي فرضته ظروف
استثنائية على تاريخ سورية لا
يمكن أن يدوم..
المحكمة
الدولية
نعتقد
أن تورط النظام في اغتيال رفيق
الحريري حقيقة ليس موضعا للمراء.
ومع أننا لا نستطيع المراهنة
على طريقة تسييس نتائج التحقيق
وهل سيكون هذا التسييس لمصلحة
النظام أو ضده. إلا أن مخرجات
التحقيق ومن ثم المحكمة الدولية
تشكل نقطة تهديد خطيرة بالنسبة
لمستقبل النظام. فهي وان لم تطل
رأس النظام مباشرة قد تكون
عاملا خطيرا في إدانته وتفكيكه،
وبالتالي إثارة الصراع الداخلي
في صفوفه ولا سيما إذا كان
المطلوب كبشا للمحرقة شخصيات
ذات مراكز حساسة.
لا
نشك في أن المحكمة الدولية
صائرة لتكون إحدى مرتكزات
الصراع: السوري- اللبناني-
الأمريكي- الأوربي. ونعتقد أنه
من المبكر قبل صدور نتائج
التحقيق، وتحديد دوائر الاتهام
وأبعادها أن نفكر في سيرورة
القرار بالنسبة للمحكمة
الدولية بشكل خاص..
سياسات
النظام
نعتقد
أن سياسات النظام السابقة بكل
أبعادها هي مقتل النظام الأول.
لا يمكن للظلم أن يدوم. إن حالة
الاحتقان التي يتسبب بها النظام
وعوامل النقمة التي تتكرس يوما
بعد يوم في نفوس الناس لا يمكن
أن تؤدي إلى أي حالة من الوحدة
الوطنية أو الاندماج العام. إن
تجربة العراق الشقيق بغض النظر
عن السلبي والإيجابي منها ينبغي
أن تكون ماثلة في أذهان الجميع.
إنه
لحري بالحريصين على الصمود
والممانعة والوقوف في وجه
المشروع الخارجي أن يأخذوا على
يد الجلاد الظالم بدلا من تقديم
النصائح الجوفاء للضحية.
المعارضة
السورية
أصرت
المعارضة السورية بعد استلام
بشار الأسد على أن الإصلاح
المتدرج من خلال النظام نفسه هو
الطريق الأسلم لمستقبل القطر
والمنطقة بالنظر للظروف
العاصفة التي يمر بها الجميع.
وبالتالي تقدمت المعارضة
السورية بكل فئاتها بالعديد من
المواقف- تمرير طريقة انتقال
السلطة والاعتراف ببشار الأسد
كرئيس الأمر الواقع،
والمبادرات والنصائح مطالبة
بالإصلاح الهادئ المتدرج. كان
ربيع دمشق بداية. وانهالت
المطالبات بالإصلاح والوثائق
التي اعتبرت دائما مدخلا من
مداخل إعطاء الشرعية بشكل ما
للرئيس الجديد. أعلنت جماعة
الإخوان المسلمين برنامجها
السياسي ودعت مع بقية الفصائل
إلى عقد مؤتمر وطني عام يضع
الأسس العملية للحياة السياسية
المستقبلية، ويمهد بفتح
الأبواب أمام المصالحة الوطنية
وامتصاص عوامل النقمة عن الساحة
الوطنية بشكل عام. كما أكدت
دائما على ضرورة توحيد الصف
الداخلي لمواجهة التحديات
الخارجية بكل أبعادها. ولم يشذ
عن هذا الموقف من المعارضة
السورية إلا مجموعة من الأفراد
أحبت أن تقلد التجربة العراقية
ولكن هؤلاء لا وزن ولا صوت لهم.
استقبلت
مواقف المعارضة بالإعراض
المطلق بل بالهجوم المعاكس الذي
تجلى في وأد ربيع دمشق، وفتح
أبواب المعتقلات من جديد،
وإعادة العمل بالقانون 49، وشن
الحملات الإعلامية على
المعارضين، والإغراق في سياسات
الاستبداد والفساد والتهديد
بالاستئصال التام لجماعة
الإخوان المسلمين، كما قوبل ذلك
عمليا بالتعاون الاستخباري مع
الإدارة الأمريكية كما أسلفنا
والهرولة نحو الخارج؛ إسرائيل
والإدارة الأمريكية لعقد صفقة
على حساب آلام شعبنا ومعاناته.
استحوذ
مشروع الصفقة على تفكير بشار
الأسد، فأخذ يمعن من باب (بطر
الحق وغمط الناس) في سياسات
الاستهتار، والاستهانة بحقوق
الناس ومعاناتهم، وبقوى
المعارضة على اختلاف توجهاتها
وانتماءاتها؛ حتى غدا كلام بشار
الأسد الذي هو (رئيس الجمهورية)
خالياً من أي معنى، ووعوده
حينما يعد لا تعني أكثر من كلام
استهلاكي ينقضي أثره بقوله..
ولم
يكن أمام المعارضة والحال هذه
إلا أن تعلن مطالبها بالتغيير
الوطني، وأن تبدأ العمل على
إعداد البديل الوطني بكامل
ألوان الطيف حرصاً من الجميع
على أن تكون عملية التغيير
سلمية وهادئة وسلسة.
ترفض
المعارضة السورية ما يحاول أن
يسوقه البعض من محاصرتها بين
خيارين: أنموذج العراق بكل
مآسيه وأنموذج النظام. تحاول
هذه المعارضة أن تثبت للناس أن
بإمكانها أن تقدم لسورية ما هو
الأفضل بالتفاهم المسبق بين
مكونات الشعب السوري السكانية
والعقائدية والسياسية.
ومن
هنا، انطلفت سلسلة من السجالات
والحوارات النظرية، واللقاءات
المدروسة على كل مستويات
المعارضة لبناء البديل الوطني
الذي يبعد عن سورية شبح الفوضى
أو الحرب الأهلية. وتدور هذه
الحوارات عموماً في الدوائر
التالية:
القوى
الإسلامية – والقومية بمن فيهم
الأكراد – والعلمانية على
اختلاف درجات الطيف وتنوعه في
الدائرتين الأخيرتين، في
محاولة للاتفاق العام على دوائر
التفاهم المشترك والموقف
الوطني الموحد من القضايا
الأكثر إثارة للحساسية والخلاف.
القوى
الإسلامية – القوى القومية –
مع قوى كردية، ذلك أن الأكراد
يمثلون مظلومية قومية خاصة في
المجتمع السوري وهم يشكلون أكبر
تمثيل للأقليات العرقية، 10%
تقريباً من تعداد السكان، وهم
مع كونهم مسلمين سنة، إلا أنهم
يستشعرون محقين بأن ظلماً
عنصرياً وقع عليهم بسب انتمائهم
العرقي.
القوى
الإسلامية – والمسيحية وأتباع
المذاهب الإسلامية الأخرى
الذين أُشعروا بفعل سياسات
النظام أن الإسلاميين يشكلون
خطراً على وجودهم وعلى مستقبلهم.
يركز الحوار أكثر على أبناء
الطائفة العلوية بما أنهم
مستمسكون بالسلطة متمكنون من
أدوات التغيير المباشر.
إن
المعارضة السورية بفصائلها
المختلفة أجمعت على أنه لا أمل
يرتجى من هذا النظام الذي يقود
البلد إلى كارثة حقيقية. وأن هذا
النظام يشكل الخيار الأسوأ
لحاضر سورية ومستقبلها. وأن
عليها أن تخوض معركتها من اجل
القيام بعملية تغيير سلمي
ديمقراطي سلس وهادئ. وعلى هذا
الأساس برز على الساحة تحالفان
سياسيان هما الأكثر حضوراً
وتشكل جماعة
الإخوان المسلمين، مكوناً
مشتركاً بينهما.
التحالف
الأول: إعلان دمشق
مجموعة
إعلان دمشق، تحالف سياسي معارض
يتركز جسمه العام داخل سورية.
ويضم مجموعة من الأحزاب القومية
واليسارية والديمقراطية إلى
جانب أحزاب كردية. كما يضم
التحالف إلى بنيته العامة
مجموعة من الشخصيات المستقلة في
الداخل والخارج. شاركت جماعة
الإخوان المسلمين في العمل على
إنضاج فكرة الإعلان، وكذلك على
إطلاقه، وهي تعتبر نفسها أحد
مكوناته الأساسية. وتنظر إليه
بأمل كبير.
تفرض
الظروف الداخلية، لا سيما
الأمنية منها، وطأتها على
القوى والشخصيات المكونة
للإعلان، حيث يتحكم في البلد
نظام قمعي استبدادي، نستقبل كل
يوم أخباراً عن تعرض أحد
الشخصيات الرئيسية في الإعلان
لمتابعة أو مساءلة أو اعتقال،
وهذا يفرض علينا أن نترك
للزملاء العاملين في إطار
الإعلان حساب خطواتهم وتقديرها
بدقة لأننا نرى سلامتهم أساساً
لاستمرار المسيرة الوطنية نحو
هدفها المنشود.
جبهة
الخلاص الوطني:
سبق
(لإعلان دمشق) في بيانه التأسيسي
أن طالب الشخصيات البعثية
الوطنية أن تنسحب
من بنية النظام وأن تنحاز
إلى المعارضة. وفي هذا الإطار
نظرنا في جماعة الإخوان
المسلمين إلى خروج الأستاذ عبد
الحليم خدام على السلطة
وانحيازه إلى جانب المعارضة.
لا
يستطيع أحد أن يشكك في مكانة
السيد خدام في تركيبة النظام
سابقاً، ولا بالدور الذي يمكن
أن يقوم به بحكم خبرته
ومعلوماته وعلاقاته على الساحة
العربية والدولية في خدمة مشروع
التغيير الداخلي. وبالتالي فقد
كان من الحكمة وبعد النظر أن
تبادر جماعتنا إلى عقد تحالف
معه على أساس إعلان دمشق وفي
أطار مشروع التغيير الوطني ذاته.
وإذا
كان لإعلان دمشق حضوره العملي
المؤثر على الساحة الداخلية،
فإن لجبهة الخلاص بحكم قيامها
في الخارج حريتها في الحركة،
وفي اتخاذ القرارات والمبادرات
المناسبة، كما أن لها المقدرة
على إيجاد أكثر من قناة لإحداث
الاتصالات العربية والدولية أو
لإطلاق الخطاب الإعلامي الذي
يفضح سياسات النظام.
ومع
أن إنشاء التحالفات وإعادة فرز
القوى وتوظيفها عند كل متغير هو
جوهر العمل السياسي؛ لم يتفهم
الكثيرون أبعاد تحالفنا مع عبد
الحليم خدام، فوجهت إلى جماعتنا
أسهم النقد تحت عناوين كثيرة من
(الاستقامة) المدعاة. وإذا جاز
بعض هذا من الجماهير ذات
الطبيعة الانفعالية، فهو لا
يجوز من النخب أو صناع القرار!!
لقد فرض الإعلان عن جبهة الخلاص
الوطني على الساحة الدولية
والإقليمية والداخلية واقعاً
جديداً وأوجد ظرفاً أكثر ملائمة
لحركة المعارضة الوطنية، وفتح
الباب أمام الكثيرين من الذين
يعيشون على قلق في دائرة النظام
لإعادة ترتيب أوراقهم على
حسابات جديدة.
المعارضة
الاسلامية :
حسب
تقارير المتابعين والمراقبين
تحتل الجماهير الإسلامية
الشارع السوري. قوة غير منظمة
مفعمة بالولاء لله ولرسوله
ولصالح المؤمنين، تتطلع إلى
ساعة الخلاص القريب. تتحرك على
جميع الاتجاهات المتاحة. تتحاشى
قدر ما تستطيع الصدام مع النظام
السياسي بكل قسوته ورعونته.
تتفهم ببصيرة نافذة ألاعيبه
وادعاءاته. تعمل جاهدة على
بلورة واقع جديد يخدم المشروع
الإسلامي العام في أهدافه
البعيدة. تتوغل هذه القوى
بعيداً في أعماق المجتمع وفي
بنيته الثقافية والعلمية. وقد
تفننت في أسلوب نشر الفكر
الإسلامي والتعليم الشرعي
وتحفيظ القرآن، لإعادة الناس
إلى المسجد وتكثير سواد
المسلمين.
تخوض
هذه القيادات الإسلامية – التي
غالباً ما تكون فردية مشيخات
واعية مجربة معاركها بصمت، ودون
إثارة لأي شكل من أشكال الريبة
حيث تدرك أنها محاطة برجال
السلطة من كل جانب، وأن إثارة
السلطة ليست لعبة عارضة.
الصدام
العملي الأول حصل منذ أشهر،
عندما أقدمت الحكومة على إلغاء
المرحلة الإعدادية من التعليم
الشرعي. مما عنى إغلاق المعاهد
التي تستقبل الطلاب من هذه
المرحلة. جاء هذا في ظرف كان فيه
الوضع السياسي في غاية الحرج.
اجتمعت نخبة من العلماء على
اختلاف في المشارب، ووجهوا
رسالة قاسية جداً إلى رئيس
الجمهورية، ثم بدأوا بجمع
توقيعات العلماء على هذه
الوثيقة ووجهوها إليه. أحدثت
هذه الوثيقة هزة استقبل بشار
الأسد على أثرها وفداً من
العلماء. جُمد تنفيذ القرار
لهذا العام ولكنه لم يلغ..
*مدير مركز الشرق العربي
|