ثمانية
تصورات لاحتمالات التغيير
في
سورية
زهير
سالم*
التغيير
في سورية مطلب لجمهور غفير من
أبنائها. مطلب ضروري لإعادة
بناء الوطن والإنسان. في رؤية
الغالبية العظمى من أبناء سورية
الذي يعيشون قهراً يولد حجماً
غير محدود من الخوف، أن الفساد
قد طال كل شيء. وأن الطريق إلى
التغيير تحفه المكاره
والصعوبات. ويرى كثير من هؤلاء
أن هذا النظام بالعهدة التي
يؤديها أثقل بكثير من وزنه
الذاتي الذي
يقدره البعض.
التغيير
في سورية تعيقه عوائق ثلاثة:
عائق أول يتمثل في المجموعة
القائمة على النظام، بما تمتلك
من أدوات الإكراه المادي،
والإمكانات السياسية
والاقتصادية المتمثلة في
مقدرات الدولة السورية. والعائق
الثاني عائق إقليمي يتمثل في
مجموعة من الدول منها دولة
إسرائيل التي تتخوف من أي بديل
وطني سورية ينغص عليها حلاوة
أربعين عاماً أدمنت على
الاستمتاع بها على أرض الجولان.
ومنها إيران الدولة التي وجدت
في أرض الشام وعاصمة الأمويين
مرتعاً خصباً لسياساتها
ودعاتها. ومنها دول عربية تقدر
أن أي تغيير يتم على الأرض
السورية سيعني بشكل ما أن الدور
سيدور عليها بعد زمن يسير.
والعائق
الثالث من عوائق التغيير في
سورية القوى الدولية. هذه القوى
التي أسست نظام دمشق، ودعمته،
وغطت على جرائره طوال أربعين
عاما، وماتزال على الرغم من بعض
الاختلافات هنا وهناك. متمسكة
به، حريصة عليه، لأنها ببساطة
لم تجد حتى اليوم بديلاً سورياً
يخدم مصالحها، ويرعى جانبها،
ويحقق أهدافها كما يفعل هذا
النظام.
التغيير
في سورية مطلب، ولكن حمله ثقيل،
ودون تحقيقه كما يقولون خرق
القتاد. فعلى الشعب السوري إذا
أراد أن يحقق هذا المطلب أن يرفع
صخرة (برميثوس) مكعبة في زنتها
الذاتية والإقليمية والدولية.
ولما
كان مطلب التغيير في سورية
ضرورياً، لأن ما يطالب به الشعب
السوري ليس حلية ولا ترفاً، ولا
مطلباً كمالياً تحسينياً أو
حاجياً وإنما يطالب بحقه في
الوجود، وفي الحياة في الشمس
وفي الهواء ، يطالب بحقه في حرية
الاعتقاد وحرية التفكير وحرية
التعبير. يطالب بحقه في سهمه
الوطني وفي نصيبه من جهده
وثروته الوطنية ؛ لأجل ذلك كله،
ولأن بشار الأسد ، بعد أن انتظر
الشعب السوري ثلاثين سنة يتجرع
المكاره في عهد أبيه ، أصر على
أن يكون امتداداً لأبيه لأجل
ذلك فأنه لا خيار أمام الشعب
السوري وأمام النخب الناهضة من
أبنائه إلا أن تتحمل مسؤولياتها
وتتقدم حاملة مشروع التغيير على
كاهلها، مهما قل العاملون، أو
تضاءلت الإمكانات أو تكاثفت
العقبات.
التغيير
في سورية مطلب، وهو خيار الشعب
السوري الوحيد. وهذا الشعب هو
هدف التغيير وأداته في وقت واحد
على السواء.
ثوابت مشروع التغيير في سورية وأهدافه..
تتحرك
المعارضة السورية الوطنية (إسلامية
وعلمانية) في إطار مجموعة من
الثوابت والالتزامات اشتقتها
من رؤيتها الوطنية، وتقديرها
السياسي للموقف العام.
وأول
هذه الثوابت أن يكون التغيير
سلمياً يعتمد أساليب النضال
الحقوقي والسياسي، بعيداً عن
جميع أشكال العنف ومثيراته.
ومن
هذه الثوابت أن يكون هذا
التغيير وطنياً، تصنعه القوى
الوطنية، لتحقيق الأهداف
الوطنية. إن الالتزام بهذا
الثابت لا يعني عزل النضال
الوطني عن آفاقه القومية
والإنسانية، ولا يغلق الباب
أمام الاستفادة من التغيرات
المناخية المتاحة في إطار رؤية
وطنية محسوبة بدقة.
أما
الهدف الأساس للتغيير في سورية،
فهو بناء سورية دولة ديموقراطية
حديثة على قاعدة (السواء الوطني)
أي أن تكون المواطنة وحدها هي
مناط الحقوق والواجبات، يستوي
على هذه القاعدة المواطنون على
اختلاف انتماءاتهم الدينية
والمذهبية والعرقية. وعلى أساس
دستوري عصري يحترم فصل السلطات،
ويفرض سيادة القانون، ويحترم
الحريات الإنسانية العامة
والفردية ويضمن المساواة بين
الرجل والمرأة. هذا الهدف العام
بتفصيلاته أو لواحقه أصبح مثل
اللازمة لمطالب المعارضصة
السورية الإسلامية والعلمانية.
(تستحق
سورية حكاماً أفضل)، هذه
الحقيقة إن كانت مسلمة عند كل
فرد من أبناء الشعب السوري ، إلا
أنها ماتزال موضع نزاع عند
الكثير من القوى الدولية
والإقليمية، ومع الأسف عند بعض
النخب أو مؤسسات المجتمع المدني
العربية. إن العبور إلى رصيف
التغيير يتطلب جهداً تمهيدياً
من المعارضة السورية لتصبح
معاناة الشعب السوري حاضرة على
الأجندة العربية والإنسانية
الرسمية والشعبية.
تخيم
التجربة العراقية ، بما حملته
إلى العراق من دمار وفوضى، وحرب
أهلية بشبحها على المنطقة، وعلى
تصورات أبنائها ممن يلحظون عمق
المأساة التي يعيشها شعبنا في
سورية ويتخوفون من نهاية تشبه
ما آل إليه الوضع في العراق. على
المعارضة السورية أن تبادر بما
تنتجه من توافقات واتفاقات إلى
مصادرة مثل هذه التصورات، وأن
تسقط كل التخوفات التي يلعب بها
النظام من حديث عن الفوضى أو
الحرب الأهلية.
إن إظهار حجم أكبر من
التلاحم الوطني، والتوافق
الوطني بين جميع القوى
والمكونات جدير بتشجيع
المترددين وتطمين الخائفين.
احتمالات التغيير وتصوراته..
وإذا
كنا قد أسلفنا في معرض حديثنا عن
ثوابت المعارضة الوطنية
والتزامها بالغيير السلمي
الوطني. فإننا نؤكد هنا أن
استعراضنا لاحتمالات التغيير
وتصوراته على الساحة السورية،
لا يعني أننا نعول على أي تصور
محتمل، ولا نربط به موقفاً، ولا
نكرس له جهداً، غير التغيير
الأساس الذي وقفت القوى الوطنية
جهدها وجهادها عليه، وهو الوصول
بالشعب السوري إلى حالة الفعل
السلمي الإيجابي الذي يحقق
التغيير الوطني المنشود. لنا
جهدنا الذي يخدم أهدافنا، دون
أن يلغي ذلك تأثير عوامل إضافية
تنتج واقعاً ييسر للمعارضة
تحقيق أهدافها.
إن
عميلة الاستقصاء الرياضي
لاحتمالات التغيير المتصورة
غير ممكنة. لأنه كما تقول العرب
الليالي حبالى يلدن كل عجيبة.
ولقد قتل الخليفة المتوكلَ
ولدُه، وتخلت عن المقتدر أمه!!
ولكننا في الحديث عن جملة
التصورات أو الاحتمالات يمكن أن
نفرزها حسب حظها من القوة أو
الضعف.
التغيير مبادرة من بشار الاسد
من
الاحتمالات المتصورة رياضياً
المستبعدة عملياً أن يتم
التغيير بمبادرة من بشار الأسد
نفسه. نعم لقد أغلق بشار الأسد
حتى الآن كل الأبواب، وقطع كل
الخيوط، وأشاع اليأس من شخصه
ومن برنامجه حتى تحولت المعارضة
السورية أجمع من المطالبة
بالإصلاح إلى المطالبة
بالتغيير. ولم تكن هذه المعارضة
في لحظة متعنتة في مطالبها، أو
متعنتة في اشتراطاتها قبلت
بالقليل المتدرج، وأعطت بشار
الأسد أكثر من الزمن الذي
تحتاجه عملية إصلاح متدرج. لا
يزال الناس بعد مضي سبع سنوات
على حكم بشار الأسد يتساءلون: هل
من فرق بين الابن وأبيه؟ كثيرون
لا يلحظون فرقاً إلا ما اقتضته
السنوات السبع كامتداد زمني.
آخرون يقولون بل هناك فروق
سلبية كثيرة!! ومع ذلك فلنفترض
أن بشار الأسد قد أقدم على طرح
مبادرة وطنية لعملية إصلاح
حقيقي. نعتقد أن المعركة
الوطنية التي تخوضها المعارضة
السورية لم تكن معركة ضد شخص أو
مجموعة أو فئة أو حزب بل كانت
دائماً معركة ضد سياسات ونهج. ضد
التفرد والاستبداد والاستئثار
والفساد. وإذا وجدت المعارضة
السورية سبيلاً لتحقيق أهدافها
فلن يكون لها اشتراطات على
الصعيد الشخصي أو الفئوي أو
الحزبي.
ولكن
هذه المعارضة التي تعلمت من
تجربة السنوات السبع الكثير
ستكون أكثر حرصاً على تملك
مقدمات التغيير أو الإصلاح
وشروطه.و هي لن تطمئن إليه إلا
بعد أن يصبح حالة وطنية لا يمكن
التراجع عنها.وفي هذه الحالة
فإن الملفات الإنسانية الثلاثة:
المعتقلون والمفقودون
والمهجرون ستكون مدخلاً صالحاً
لعملية إصلاح حقيقي. وسينضاف
إلى ذلك تلقائياً الإصلاح
الدستوري بإلغاء المادة
الثامنة من الدستور، وبتعليق
حالة الطوارئ. وإلغاء القانون 49.
وعلى مثل هذه المقدمات يمكن أن
يؤسس المؤتمر الوطني العام
لمشروع الإصلاح الأوفى في سورية.
والتصور
الثاني من التصورات المحتملة
لعملية التغيير في سورية..الصراع
على السلطة.
والملك
كما قالوا عقيم. والتناقضات بين
ثلاثي الحكم ومعززاتها أكثر من
أن يشار إليها. ومن وراء الثلاثي
مراكز قوى وأشخاص كل يراوده حلم
وكثيرون يشعرون بالغبن.
إن
رؤية المعارضة لمثل هذا الصراع
ينبغي أن تتركز أولاً على تجنيب
البلد انعكاساته السلبية وهي
كثيرة. وإيجابياته في تصورنا
الأولي لا تعدو طلب الانتقال من
عمود إلى عمود. إذ ربما يتاح
التغيير بين العمودين. إن عملية
الخلخلة التي يحدثها مثل هذا
الصراع ستكون لمصلحة المعارضة
بدون شك، بل قد تفرض على المنتصر
من أطراف الصراع معطيات جديدة
تكون لمصلحة مشروع التغيير. إن
تتبع أقطاب هذا الصراع ليس
بالأمر اليسير، وهو يحتاج إلى
دراسة منفصلة ولكن الذي لا شك
فيه أن مثل هذه الصراعات تدفع في
كثير من الأحيان إلى المقدمة
قوى غير منظورة. وأسوأ ما في هذا
التصور أن عملية الصراع حين لا
تكون محسومة، أو حين يتطاول
أمدها يمكن أن تجر عدداً أكبر من
الضحايا، أو توقع البلد في
عواقب غير محمودة. فقد تنتهي إلى
أشكال من الصراع المعسكري أو
الأهلي أحياناً.
التصور
الثالث لاحتمالات التغيير في
سورية..
الانقلاب العسكري
وفي
إطار التصورات المحتملة
والأوفر حظاً من سابقيها أن
يقوم عدد من ضباط الجيش بحركة
إنقلابية تطيح بالنظام القائم.
وتداعيات الانقلابيين
وطروحاتهم معروفة للجميع.
الدواعي والبواعث، والموقف قبل
التمكن والموقف بعد التمكن. وقد
يقدم الانقلابيون عربون إصلاح،
ومقدمات لحسن النوايا.. إن
المعارضة الوطنية لا تؤمل
كثيراً من أي عمل انقلابي. وترى
أن العالم العربي شهد حتى الآن
رجلاً واحدا اسمه (سوار الذهب!!).
الانقلاب سيقودنا بالطبع إلى
المجهول. سيتوقف الامر بالدرجة
الأساسية على هوية
الانقلابيين، وعلى الظروف
الدولية والإقليمية المحيطة،
وعلى حضور وجاهزية المعارضة
وشارعها. المعارضة السورية لا
تعمل على مثل هذا التصور، ولا
نتطلع إليه،
ولا تأمل منه كثيراً وقد عانى
شعبنا كثيراً من مرارة هذه
الانقلابات. ولكن يبقى الاحتمال
قائماً، وهو يقدم فرصة للتغيير
قد تجعلها المعارضة حقيقية بقوة
حضورها.
والتصور
الرابع لاحتمالات التغيير في
سورية..
المحكمة الدولية
ويقوم
هذا التصور على أساس أن التحقيق
الدولي سيدين بشكل أكيد ثلاثي
الحكم. وأنه لن يكون هناك تسييس
لنتائج التحقيق، أي لن تكون هذه
النتائج مدخلاً لابتزاز النظام
للحصول منه على قدر أكبر من
التنازلات ثم عقد صفقة معه على
هذا الأساس.إذا أردنا أن نمضي مع
احتمال الإدانة القانونية إلى
نهايته، فإن هذا الاحتمال
سيقودنا إلى احتمالات عديدة
أخرى متصورة.
ـ
حصار وضغوط دولية تضعف النظام.
ـ
صراع على السلطة بين أقطاب
النظام نتيجة إدانة بعضهم.
ـ
نهاية درامية لرأس النظام تشبه
نهاية ميلوزوفيتش.
في
تقويمنا لهذا التصور، ننظر إليه
كحلم رومانسي. يعني أن يأتينا
التغيير على طبق من ذهب. نعتقد
أن إدانة رأس النظام والمطالبة
بمثوله أمام المحكمة الدولية،
لن تكون تغييراً مباشراً وإنما
ستفتح فرصاً أكثر أمام المعارضة
السورية يمكنها أن تستفيد منها
لإحداث التغيير. نتائج التحقيق
الدولي قادمة والمحكمة الدولية
على الطريق وعلى المعارضة
السورية أن تجد فرصتها في أي
احتمال مثل هذا.
التصور
الخامس لاحتمالات التغيير في
سورية..
خيار الصفقة
الذين
يعتقدون أن النظام مهدد
بالتغيير بفعل القوى الخارجية،
ولسنا منهم، يتخوفون دائماً من
صفقة تعقد مع النظام لتجديد عقد
عمل بشار على أسس أكثر تواضعاً
من تلك التي اعتمدت مع والده.
وسواء كانت هذه الصفقة ناتج
ضغوط دولية أو إقليمية أو ناتج
المحكمة الدولية، أو ناتج
التنازلات التي يمكن أن يقدمها
بشار الأسد في أطر فلسطين
والجولان ولبنان والعراق
وبرامج الإعلام ومناهج الثقافة
في سورية؛ فإن الصفقة حتى وإن
كانت على الطريقة الليبية لا بد
أن تحمل ولو حداً أدنى من
التغيير.
ذلك
أن الذين سيعقدون الصفقة لا بد
أن تكون لهم بعض اشتراطاتهم
فيما يخص المعارضة . لا نشك في أن
بعض مفاصل الصفقة سيكون تضييقاً
أكبر على الإسلام: العقائدي
والثقافي كما على المسلمين
الحركيين. ولكن الصفقة في الوقت
نفسه ستضعف جانب النظام، وتخفف
الكثير من غلوائه، وستفقده
الكثير من ماء وجهه، ولا سيما
حينما سيتخلى عن التبجحات
الرنانة التي ملتها الأسماع. إن
قدراً من التغيير قد تتضمنه
بنود الصفقة، وقدراً آخر قد
تنتزعه قوى المعارضة نتيجة
خلخلة النظام، يمكن أن يشكلا
متنفساً لعملية تغيير وطني
حقيقي يفرض على النظام، ويكون
له ما بعده.
التصور
السادس لاحتمالات التغيير في
سورية..
التدخل الخارجي
دائماً
رفضت القوى الوطنية في سورية (إسلامية
وعلمانية) أي تدخل خارجي لإحداث
تغيير وطني ، ونظرت إلى الصراع
على الساحة الوطنية بمنظار
واحد وتقويم واحد. يرفض كل سوري
حر وشريف أن
يكون وطنه ساحة صراع، و يرفض
الاجلاب على وطنه مهما كان شعار
الإجلاب وذرائعه. ويصر على أن
يكون الصف الوطني في أي ظرف من
هذه الظروف متلاحماً متراصاً.
إن
احتمال التدخل العسكري الخارجي
في سورية مستبعد لأسباب
استراتيجية وتكتيكية ولكن هذا
التدخل يمكن أن يحدث نتيجة بعض
التداعيات لا على أساس قرار
مسبق على نحو ما حدث في
أفغانستان والعراق، أو ما يحدث
اليوم في الصومال.
قد
تحدث تداعيات على جهة الجولان
مع العدو الصهيوني، تقود إلى
وضع ساخن، أو إلى اقتحام وقتي،
أو عملية عارضة. دمشق العاصمة
على بعد أميال من القوات
الصهيونية. ونتمنى أن تكون
جاهزية الجيش السوري وعتاده
يساعدانه على رد عدوان كهذا.
أو
ربما تحدث تداعيات على الحدود
العراقية ـ السورية، وقد يغري
الفراغ الأولي الذي تشهده
المنطقة الجنود الأمريكيين
بالتقدم. يتناسى العسكريون
السوريون أن الحدود مع العراق
أصبحت ثغراً كما كان يعبر
القدماء.. ومع ذلك فإن انزياح
السكين في قطعة الزبد ابتداء قد
لا يكون أقل إغراء من النصر الذي
ظن الرئيس بوش أنه أحرزه في
العراق.
في
الحالتين ،لا قدر الله، ينبغي
أن يكون للمعارضة الوطنية دورها
في الدفاع عن السيادة، وفي
حماية الاستقلال الوطني، وفي
صون السلم الأهلي، وفي فرز قوى
مركزية تقوم بحفظ الأمن والنظام.
مثل هذا التصور مستبعد، ولكنه
غير مستحيل في ظل الحماقات التي
يرتكبها النظام والتحديات التي
تحيط بالوطن في كل اتجاه.
التصور
السابع لاحتمالات التغيير في
سورية..
الانفجار الشعبي
إذا
استمر العالم، ودول الإقليم
العربي في تجاهل معاناة الإنسان
السوري، و إذا استمر النظام
ممعناً في سياساته الحمقاء:
استبداد وظلم وقهر وتجويع.. وإذا
استمرت الأيدي تمتد إلى عقيدة
المجتمع السوري وإلى ثقافته
وإلى ثوابته من هذه الدولة أو
تلك، أو من هذه المؤسسة أو تلك،
وإذا استمرت سياسات التمييز بين
المواطنين على أسس حزبية بمقتضى
المادة الثامنة من الدستور ، أو
على أسس فئوية تمارسها القوى
الأمنية ومرتكزاتها، وإذا يئس
المجتمع السوري من أي أمل في
التغيير نتيجة انسداد الأفق ؛
فإن تصوراً مخيفاً ربما يتهدد
المستقبل الوطني في سورية. تصور
نعوذ بالله منه، نذكره في هذا
السياق تحذيراً لا تهديداً
ونصحاً وإشفاقاً.. أن يتفجر
الغضب الشعبي، ويخرج عن سيطرة
العقلاء ويقود العلاقة الوطنية
إلى حيث لا يريد أحد.
حالة
مخيفة قد تكون لها سوابقها و
مقدماتها و مقترناتها و لواحقها.
إن المعارضة السورية عندها
ستطالب بالكثير في حين أنها لن
تستطيع أن تفعل في ذورة
الانفعال الشعبي إلا القليل.
والمعارضة السورية لا يمكن أن
تكون مسؤولة عن كارثة وطنية في
مثل هذا الحجم ، لأن الذي يغذي
حالة الكراهية والبغضاء في هذا
المجتمع هو هذا النظام المتسلط.
ربما
يمكن للمعارضة السورية أن تفعل
شيئاً لمصادرة هذا من الآن،
ولكن مثل هذا الأمر سيبقى
منوطاً بالقوى التي يستند إليها
النظام أن تأخذ هي زمام
المبادرة.
التصور
الثامن لاحتمالات التغيير في
سورية..
الانتفاضة الشعبية
وهو
خيار المعارضة الوطنية (الإسلامية
ـ العلمانية) الأساس. وهدفها الذي تعمل عليه. الانتفاضة
الشعبية كتلك التي حصلت في
إيران سنة 1979 أو التي حصلت في
لبنان أو التي حصلت في جمهوريات
حلف وارسو و برلين حتى سقط
جدارها، ورومانيا حتى دفن
شاشيسيكو وفي بولندا من قبل
بقيادة فاليسا أو في جورجيا.
انتفاضة شعبية سلمية، أو عصيان
مدني أو أي شكل من أشكال الرفض
الشعبي لنظام الظلم القائم.انتفاضة
شعبية، ونعلم أن القائمين على
الأمر لن يرحلوا بسهولة،
وسيقاومون بعنف، وسيبطشون بطش
الجبارين، ولكن الانتفاضة
الشعبية ستكون أقوى.انتفاضة
شعبية تشمل المدن والقرى،
انتفاضة شعبية يشترك فيها
العربي والكردي المسلم
والمسيحي. انتفاضة شعبية لا أحد
يستطيع أن يتكهن بزمانها، أو في
البقعة التي ستتفجر فيها، أو
بالقشة التي ستقصم ظهر البعير
فتكون شرارة نارها. ولكنها
قادمة، لأنها مجربة ولأنها حين
تندلع تكشف حقائق هؤلاء
الجبارين!! وتتحول القوى
الشعبية إلى سيل هادر يطيح بكل
ما يقف في وجهها.
انتفاضة
شعبية وثمة عوامل كثيرة مقررة
تحدد بواعثها وعوامل تفجرها
وخطواتها وطرائقها ؛ وعلى
المعارضة السورية أن تدرس كل
هذا وأن تعمل عليه بدءاً من كسر
حاجز الخوف في نفوس الناس
وانتهاء بتوظيف طاقاتهم ضمن أطر
وطنية حقيقية ، ومرجعيات
يتحركون بإرشادها. وبين هذا
وذاك هناك برنامج عمل طويل
المفردات ينبغي للمعارضة أن تعد
له وتعمل عليه. ومن بعض هذه
المفردات إبراز الرموز الوطنية
ـ والتوافقات الوطنية ـ
والمرجعيات الوطنية ـ والبدائل
الوطنية، والخطاب الوطني،
والارتقاء بدرجة الوعي الوطني،
وملامسة حاجات المواطن
ومعاناته الحقيقية والانتصار
لظلاماته،و كسر حاجز الخوف
الوطني ليس من النظام فقط،
وإنما خوف القوى الوطنية بعضها
من بعض وتكريس الوحدة الوطنية،
والبديل الوطني.
وأخيراً
فإن حضور المعارضة السورية،
وجاهزيتها، وقدرتها على
المبادرة ابتداءاً، أو
الاستجابة عند حدوث التغيرات
وكفاءتها في تقديم البديل
الوطني ؛ سيكون بلا شك شرطاً
أساسياً لدرء المفاسد التي قد
تترتب على أي تصور من التصورات
السابقة على اختلافها أو تحقيق
أكبر قدر من المصالح.
إن
تقديم البديل الوطني القادر على
تحمل عبء الدولة باليد القوية
الأمينة ليس حلماً ولا أماني ،
وإنما هو ناتج برنامج عمل وجهد
وإعداد وبذل.
ليس
الاحتلال وحده هو من دمر
العراق، وليس الاحتلال وحده هو
من سرق أموال العراق، بل كثير من
العراقيين شاركوا في ذلك، لن
ننسى أن بعض أولئك كان من أصحاب
النوايا الحسنة.
إن
مهمة المعارضة السورية في
الظروف الراهنة شاقة جداً. وهي
ثنائية المحاور. إن استفراغ
المعارضة جهودها على محور العمل
لإزاحة النظام أو هدم مرتكزاته؛
سيعني ببعض جوانبه تمهيداً
لحالة من الخراب أو الفوضى تعم
الوطن فيما بعد. لا بد أن تعمل
المعارضة في الوقت نفسه على
محور إعداد البدائل الوطنية:
الأشخاص والكفاءات و البرامج
والحلول للمشكلات الوطنية. إن
إدارة الدولة لا تتم بالنوايا
الطيبة، وليس بالأيادي
المتوضئة وحدها. وإن المشكلات
التي يعاني منها الوطن أكثر
تعقيداً مما يتصور الكثيرون. لا
أحد يملك عصا سحرية ولا فانوس
علاء الدين.
معارضة
مركزية موحدة، وجهد وطني موحد،
وبرنامج وطني يقوم على معطيات
علمية وواقعية، وتصور حقيقي
للمشكلات والمعضلات والأزمات
وأبعادها كل هذا ينبغي أن يكون
من برنامج المعارضة للمرحلة
القادمة.
والخلاصة..
النظام
السوري وجد ليبقى كلمة لأحد
المعلقين السياسيين الغربيين.
عبارة أطلقت في وقت سابق على
دولة إسرائيل. وكما ينظر الغرب
إلى دولة إسرائيل على أنها
قاعدة استراتيجية تمثل جزءاً من
وجوده وحامية مصالحه.. ربما هناك
من ينظر إلى نظام الأقلية
السوري بالمنظار نفسه.
وجد
ليبقى وليحمي مصالح الغرب،
وليضع سورية الإنسان والمجتمع
والدولة في حالة من انعدام
الوزن أو بعثرة الجهد. أربعون
عاماً يعيش الشعب السوري على
هامش التاريخ الحضاري والقومي
والوطني، ويعيش العجز والقهر
والفقر والجوع.
أربعون
عاماً ويتمتع النظام بالحماية
والغطاء الدوليين. تجاوز عدد
الذين قتلهم النظام حماية
لمشروع خفي من سوريين ولبنانيين
وفلسطينيين مائة ألف انسان وهو
مايزال قادراً على اللعب أو
مايزال راغباً فيه.
هناك
مفارقات ومتغيرات دولية
وإقليمية كثيرة بعضها يهز
مرتكزات النظام، وبعضها يعززها.
وماتزال الغلبة حتى اليوم
للمعززات. الضغوط هي محاولة
للإضعاف أو الترويض أو الابتزاز
سمها ما شئت، ولكنها ليست أبداً
دفاعاً عن موقف حضاري أو عن حق
إنساني.
والشعب
السوري يستحق حكاماً أفضل قناعة
مطلقة لدى أبنائه. الأمل في
النفوس كبير والمشجعات في
الظروف المحيطة محدودة، والإمكانات
تحت اليد قليلة وقليلة جداً. ففي
حين يمتلك بعض المنجمين قنوات
فضائية يطلون من خلالها على
جمهورهم، تعجز المعارضة
السورية لأسباب مادية محضة عن
تحقيق مطلب مثل هذا.
ولكن
الشعب السوري مصر على التغيير
وهو مطلبه الأول والأخير لأن
بشار الأسد لم يترك له خياراً.
واحتمالات التغيير وتصوراته في
سورية كثيرة،و لا يمكن إحصاؤها
رياضياً. إذاً مع تشعب التصورات
فإن كل تصور يمكن أن تشتق منه
العديد من التصورات. تركزت هذه
الدراسة على ثمانية تصورات
أولية.
مبادرة
إصلاح يتقدم بها بشار الأسد
تفتح أفق التغيير من جديد. أو
صراع على السلطة بين مراكز
القوى القابضة على مفاصل القوة.
أو انقلاب عسكري يطيح بالنظام
القائم. أو تغيير تفرضه المحكمة
الدولية وتداعياتها. أو صفقة
يعقدها النافذون الدوليون مع
النظام يكون التغيير بعض بنودها.
وربما تقود تصرفات النظام
الرعناء أو الاطماع الدولية
تدخلاً عسكرياً خارجياً يفرض
نوعاً من التغيير أو يحدث نوعاً
من الخلل وسابعاً ربما تؤدي
الضغوط الداخلية والخارجية إلى
تفجر الأوضاع داخل سورية وتسلم
البلد إلى نوع من الفوضى أو
الاحتراب الأهلي. وأخيراً فإن
التصور الثامن والأخير أن تنجح
المعارضة السورية في مسعاها إلى
قيادة انتفاضة شعبية عارمة تطيح
بالنظام بنضال سلمي ديموقراطي.
إن
دراسة تصورات التغيير في سورية
تفرض على المعارضة دائماً أن
تمارس حضوراً وجاهزية بحيث تكون
مبادرة لصنع التغيير أو قادرة
على الاستجابة عند حدوث
المستجدات. الاستجابة البناءة
التي تستفيد من الفرص ، وتوظفها
ثم الوصول إلى الانتفاضة
الشعبية التي هي هدف المعارضة
الذي لا بد له من خطط وبرامج
ومقدمات.
إن
عمل المعارضة كما شرحت في هذه
الدراسة لا يمكن أن يتوقف عند
محور الإعداد لإزاحة النظام
وهدم مركزاته ، لا بد للمعارضة
من إعداد الإنسان القوي الأمين
وإعداد المناهج والبرامج
السياسية ، ودراسة المشكلات
الوطنية المستعصية واقتراح
الحلول العملية لها.
النيات
الحسنة وحدها لا تكفي ، ويبقى
الحضور الدائم وامتلاك القدرة
على المبادرة هو اساس العمل
السياسي ومحوره هذا ما قررته
هذه الدراسة وعلى الله قصد
السبيل.
*مدير مركز الشرق العربي
|