ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 20/01/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

أبحاث

 

إصدارات

 

 

    ـ القضية الكردية

 

 

 

 

   ـ دراسات  ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بسم الله الرحمن الرحيم

انتخابات مجلس الشعب في سورية

وفرص الإصلاح الدستوري

زهير سالم*

1- مدخل: هذه الدراسة والهدف منها

2ـ الحياة الديموقراطية في سورية:

       مجلس النواب دور وتاريخ (1920 ـ 1963)

3ـ مجلس الشعب السوري:

       أداء عقيم (1971 ـ 2007)

4ـ هل يكون مجلس الشعب السوري سيد نفسه ؟!

5ـ عوائق دستورية وقانونية وواقعية أمام السيادة:

           ـ الدستور

           ـ حالة الطوارئ

           ـ قانون الانتخابات

           ـ التغول الأمني على مؤسسات الدولة

           ـ مصادرة الحياة العامة

6ـ الموقف :نقاطع او نشارك!

7ـ الخلاصة

انتخابات مجلس الشعب في سورية

وفرص الإصلاح الدستوري

1- مدخل: هذه الدراسة والهدف منها

في 8/3/2007 سيكون مجلس الشعب في سورية قد أنهى دورته الدستورية الثامنة. وسيكون على رئيس الجمهورية أن يعلن عن موعد جديد للانتخابات. فهل سيجد الشعب السوري وقواه السياسية في هذه الانتخابات مخرجاً من أزمة مستعصية لإحداث تغيير أو إصلاح ولو جزئي في الحياة العامة في سورية، بعد أن انقضت الفترة الرئاسية الأولى لرئيس الجمهورية بشار الأسد (سبع سنوات)، دون إحراز أي تقدم ملموس في إطار التغيير أو التطوير أو الإصلاح؟!

يعتبر التغيير الدستوري من خلال البرلمانات المنتخبة، والرؤساء المنتخبين، والحكومات الشرعية طريقة التغيير الأساسية أو الوحيدة في النظم الديموقراطية والعالم المتحضر. فما أن تنتهي دورة دستورية حتى يتقدم الناخبون ليقولوا كلمتهم في الأداء السياسي والاقتصادي للفريق الحاكم، فإما أن يجددوا له الثقة ويمنحوه المزيد من الوقت ، أو يسحبوا الثقة منه، ويضعوها في أيدي أخرى يتوقعون أن تكون أكثر قوة و أمانة.

في دولة مثل سورية، يسيطر فيها فرد ملهم، وحزب قائد، مثل هذا لا يمكن أن يكون. هنا يصادر الفرد الملهم كل مؤسسات الدولة (السلطات الثلاث)، ويوظفها وتوابعها في خدمة ذاته وإضفاء الشرعية على رغباته ، ويضع الخطط للسيطرة على إرادة الناخبين ، فيعطلها أو يوظفها لحسابه .

تعيش سورية اليوم مخاضاً عسيراً، وسط تحديات داخلية راكمتها سنون طوال من الاستبداد والفساد والقهر والتمييز بين المواطنين، وأخرى خارجية تفرضها القوى الدولية والإقليمية، وتصنع بعضها إرادة القائد الفرد وتصرفاته المجانبة للحكمة والسداد. يتساءل المواطن السوري كما تتساءل القوى السياسية: هل ثمة أمل في تغيير أو إصلاح دستوري جزئي أو كلي تضطلع به المؤسسات الدستورية وعلى رأسها (مجلس الشعب)، الذي يمثل حسب الدستور السوري السلطة التشريعية في البلد؟ هل يمكن أن يكون هناك صندوق اقتراع حقيقي؟ وهل يمكن أن تكون لصندوق الاقتراع هيبته ومكانته في إطار سلطة تحترم القانون والمؤسسات؟ وهل تستحق المشاركة في العملية الانتخابية العناء الذي سيبذل فيها؟ وهل ستكون هذه المشاركة مجدية بأي معنى من معاني الجدوى؟ هل سيكون لها انعكاس إيجابي بالمعنى الخاص أو العام، أم أنها ستكون سلبية بالمعنيين معاً؟ أي أنها ستلحق الضرر بالشخص الذي سينتمي إلى هذه المؤسسة، فتجعل منه أشبه بشاهد زور، يضفي الشرعية على سلطة لا تحترم الشرعية ، فيستخدمه الحاكم في إثبات دعواه بأن مسرحيته الديموقراطية هي حقيقية!!.

تهدف هذه الدراسة إلى المشاركة في الحوار المحتدم حول العملية الانتخابية القادمة : نقاطع او نشارك ؟و تقترح استراتيجية وطنية لتعامل مع الخيارات .

2- تاريخ الحياة الديموقراطية في سورية:

          مجلس النواب دور وتاريخ (1920 ـ 1963)

ربما تساعدنا نظرة حقيقة تاريخية إلى الحياة الديموقراطية في سورية على تحديد رؤية أكثر واقعية ومصداقية. إن العودة إلى التاريخ هنا والمقصود التاريخ المعاصر ، يراد منها إسقاط دعاوى نظام الاستبداد والناطقين باسمه، بأن شعبنا ما يزال في بداية التطور الديموقراطي، وأنه بحاجة إلى رعاية أو وصاية الحزب القائد لكي يتجذر السلوك الديموقراطي في أفراده وبناه المدنية والاجتماعية.

يعود تاريخ الممارسة البرلمانية أو الديموقراطية في سورية إلى عام /1919/ عندما وُضع البنيان الأولي للدولة السورية القطرية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وانفراط عقد الدولة العثمانية.

كان (المؤتمر السوري العام) الذي تم تشكيله بانتخابات أولية على أساس قانون الانتخاب العثماني، كان عدد اعضاء المؤسسة البرلمانية الاولى في تاريخ سورية الحديث خمسة وثمانين عضواً ينتمون إلى ولاية بلاد الشام: سورية ـ لبنان ـ الأردن ـ فلسطين. كما كانوا يمثلون جميع ألوان الطيف الديني والمذهبي والفكري الذي كان سائداً آنذاك.

في الفترة القصيرة التي عمل فيه (المؤتمر السوري العام) ، قرابة ثلاثة عشر شهراً (حزيران 1919- تموز 1920) ، أثبت حضوراً وفاعلية وروحاً ديموقراطية عالية في التعاطي مع القضايا الكبرى، وفي تحمل المسؤولية الوطنية على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. عمل المؤتمر أولاً كرقيب وضابط ومرشد لسياسات السلطة التنفيذية، حتى ضايق هذا الملك فيصل نفسه في مواجهة تاريخية مشهورة بين الملك والشيخ رشيد رضا الذي تسلم رئاسة المؤتمر في إحدى الدورات.

كما عمل كسلطة تشريعية حقيقية، تقر السياسات العامة وتناقش المواقف، وتدرس المعاهدات والعلاقات. وكان على رأس انجازات المؤتمر:

ـ رَفَضَ اتفاقية (سايكس ـ بيكو) التي تكشفت أبعادها بعد انتهاء الحرب.

ـ وأعَلَنَ في الثامن من آذار 1920 استقلال سورية بحدودها الطبيعية التي تشمل (سورية ـ والأردن ـ وفلسطين ـ ولبنان).

ـ ونادى بالملك فيصل الأول ملكاً على سورية.

ـ ووضع دستوراً للدولة السورية أطلق عليه اسم القانون الأساسي.

ـ ولعل المفيد هنا أن نذكر أن المؤتمر السوري العام وبحضور نخبه من علماء المسلمين من كافة المناطق السورية ناقشوا قضية مشاركة المرأة في الانتخابات /ناخبة ومنتخبة/ وخلصوا إلى أنه لا مانع شرعياً يمنع من هذه المشاركة[1].

بالطبع انتهى كل ذلك بدخول الجنرال غورو إلى دمشق وحل المؤتمر السوري العام وانسحاب الملك فيصل إلى العراق.

مع دخول سورية في عهد الانتداب، برز دور المفوض السامي كقوة قمع أو كسلطة تصادر حرية الناس وإرادة الشعب، وقد حصلت عدة تصادمات بين المجالس النيابية السورية والمندوب السامي كانت تؤدي بالغالب إلى حل مجلس النواب. وكان البرلمان السوري أو مجلس النواب، كما كان يطلق عليه، يقوم بدور حقيقي في قيادة البلد نحو الاستقلال، وفي السهر على مصالح المواطنين، وحماية حقوقهم. فلقد أسقط البرلمان السوري الكثير من المعاهدات ، كما شكل حكومات حقيقية وأسقط أخرى، وخاض غمار النضال من أجل الاستقلال الناجز. حُل أكثر من مرة على يد المندوب السامي، وفي حلقة الصراع لأخيرة بين القوات الفرنسية وهذا البرلمان كانت مذبحة البرلمان الرهيبة التي نفذت ضد حامية البرلمان يوم قصف الفرنسيون دمشق.

منذ احتلال الفرنسيين سورية وحتى الجلاء شهدت الساحة الوطنية انتخاب وانحلال العديد من (مجالس النواب)؛ لم يتح لأي مجلس من هذه المجالس أن يتم مدته الدستورية مع أنها جميعاً أدت دوراً إيجابياً في تاريخ الحياة السياسية السورية. وكان أبرز هذه البرلمانات:

ـ المجلس التأسيسي الذي انتخب في نيسان 1928 وانعقد في حزيران وأسند إليه مهمة إقرار دستور جديد للبلاد ثم اعترض المندوب السامي على بعض مواد الدستورالذي اقره المجلس، وأصر عليها المجلس فحُل المجلس.

ـ في عام 1931 جرت محاولة لانتخاب مجلس جديد عطلها المندوب السامي.

ـ مجلس 1934 ـ 1939 وهو الأطول في عمر البرلمانات السورية في عهد الانتداب ، ولقد كان له دور كبير في إنضاج عملية الاستقلال.

ـ ثم مجلس 1943 وهو المجلس الذي تم قصف حاميته من قبل القوات الفرنسية.

كان مجلس النواب في عهد الانتداب وليد الكتلة الوطنية ابتداء، ثم وليد جناحيها الرئيسيين بعد أن بدت معالم الانشقاق واضحة في بنية هذه الكتلة، دون أن يحول ذلك وتمثيل أطياف أخرى أساسية في المجتمع السوري كانت تجد مغزاها في الإطار الوطني العام. ويوم بدأت قوى سياسية أخرى تتبلور على الساحة السورية استطاعت هذه القوى أن تجد طريقها عبر صندوق الاقتراع إلى البرلمان. في مجلس النواب كانت تلتقي الأديان والمذاهب والقوميات كما كانت تلتقي التيارات السياسية الكبرى والأحزاب المعبرة عنها.. حزب الشعب، والحزب الوطني، والإخوان المسلمون، والشيوعيون، والبعثيون، والمستقلون، وكان الجميع يشكل طليعة ناهضة وطموحة لشعب يثق بإرثه العقدي والحضاري ويندفع بحمية وعنفوان إلى أهدافه.

بدخول سورية في مرحلة الاستقلال بعد 17/4/1946 حل المغامرون من قادة القطعات العسكرية محل (المندوب السامي) ، فكانت الحياة البرلمانية في سورية متقطعة تعيش دائماً تحت تهديد قيادات الجيش ، إلى أن استطاعت هذه القيادات أن تصادر الحياة السياسية بشكل كامل وحتى هذه اللحظة بعد انقلاب الثامن من آذار 1963. ولعل من عجائب المقادير أن تؤسس سورية الحديثة في الثامن من آذار 1920 وأن تصادر في الثامن من آذار 1963.

في مرحلة الاستقلال شهدت سورية مراحل برلمانية متقطعة كانت مهددة دائماً بالانقلابات العسكرية وكان أبرز هذه البرلمانات:

مجلس عام 1947 ـ 1949 أول مجلس بعد الاستقلال. ثم كان انقلاب حسني الزعيم والشيشكلي والحناوي. ليعاد انتخاب برلمان 1954 ـ 1958. وكان لهذا البرلمان شرف إقرار الوحدة بين سورية ومصر الحلم العربي الذي ماتزال سورية تدفع ثمن إقدامها عليه بحرمانها من الحياة البرلمانية الحقيقية عقوبة على ذلك القرار القومي الرائد.

وحل هذا البرلمان من أجل تدشين مشروع الوحدة. حيث تم في عهد الوحدة بعد مشروع الاتحاد القومي التأسيس لما عرف بمجلس الأمة 200 عضو عن سورية و400 عضو عن مصر والذي استمر في القيام بدوره 1960 ـ 1961 أي حتى وقوع الانفصال.

كما شهد عهد الانفصال آخر برلمان سوري شرعي تم حله على أيدي الانقلابيين في الثامن من آذار.

أردنا من هذه الخلاصة التاريخية أن نوثق أن سورية شهدت منذ تأسيس الدولة القطرية وحتى الثامن من آذار 1963 حراكاً ديموقراطياً حقيقياً، شاركت فيه جملة القوى الوطنية وجميع مكونات الشعب السوري. وأن البرلمانات السورية استطاعت في ظل الظروف الحرجة التي كانت تحيط بها أن تمارس دورها الحقيقي في التشريع والرقابة والدفاع عن مصالح المواطنين.

3- مجلس الشعب السوري: أداء عقيم

         (1971 ـ 2007)

مع انقلاب الثامن من آذار دخلت سورية مرحلة جديدة حيث صادر حزب البعث الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية فلعب (مجلس قيادة الثورة) أو (القيادة القطرية) أو (القيادة القومية) دور المشرع والرقيب نظرياً على الأقل.

كان العسكريون النافذون يقتسمون المواقع عبر سلسلة من التصفيات حيث كان الأقوى يزيح الأضعف من طريقه. لا بد أن الشعب السوري يذكر أسماء شخصيات سياسية مثل البيطار وعفلق والحوراني وأسماء شخصيات عسكرية مثل زياد الحريري ومحمد عمران وسليم حاطوم وبدر جمعة وصلاح جديد وكثيرين تم التخلص منهم بطريقة أو بأخرى ليؤول الأمر بالنهاية عبر ما سمي بالحركة التصحيحية إلى حافظ الأسد.

منذ تفرده بالسلطة شرع حافظ الأسد في وضع هيكلية صورية لمؤسسات دستورية ليست بذات مغزى أراد منها أن يضفي على نظامه صيغة الديموقراطية.

تكرست رحلة الديموقراطية الصورية (بمجلس شعب) وهي التسمية البديلة التي حلت محل مجلس النواب. عين المجلس الأول من قبل حافظ الاسد وتم تشكيله بموجب المرسوم 466/ تاريخ 16/2/1971 من مائة وثلاثة وسبعين عضواً ، ومشاركة أربع نساء وأوكل إليه مباشرة إنجاز مشروع الدستور الدائم وإصدار قانون للانتخاب..

وتم فعلاً إنجاز مشروع الدستور الدائم الذي قوبل بعاصفة من الاحتجاج الشعبي. وفرض على الناس بقوة السلاح ومن خلال استفتاء مزيف.

كما تم إصدار قانون للانتخاب هو المرسوم التشريعي رقم 26/ تاريخ 14/4/1973. وقد أدخل حافظ الاسد العديد من التعديلات على هذا القانون في السنوات 1984 ـ 1991 ـ 1996 ـ 1998

*    *    *    *

ينهي هذه الأيام مجلس الشعب هذا كما استهللنا بحثنا دورته الدستورية الثامنة فعمر هذا المجلس إذا أضفنا إليه عمر المجلس الأول المعين يقارب اليوم ستة وثلاثين عاماً.

إن النقد الذي يمكن أن يوجه إلى دور هذا المجلس وأدائه السلبي، لا يطال أبداً كل عضو مشارك فيه، لأننا نعلم أنه ربما يكون بين شخصيات المجلس بعض أصحاب النوايا الحسنة الذين يقرون بضعفهم أو بعجزهم عن فعل أي شيء.

باختصار شديد نستطيع أن نكثف الفرق بين مجلس النواب ومجلس الشعب فالأول شكل حكومات وأسقط حكومات وحُلّ من قبل المندوب السامي أو العسكريين وطورد رجاله وقُصفوا، كان بين أعضاء المؤتمر السوري العام العديد من الشخصيات المحكومة بالإعدام، والثاني لا حل ولا برم.

في ثمانية أدوار دستورية تعاقب على رئاسة مجلس الشعب كل من الشخصيات التالية:

المجلس المعين: 22/2/1971 ـ 21/3/1973 (أحمد الخطيب ثم فهمي اليوسفي)

الدور الدستوري:

الأول: 9/6/1973 ـ 8/6/1977 (محمد علي الحلبي)

الثاني: 18/8/1977ـ 17/8/1981 (محمد علي الحلبي ومحمود حديد)

وهذا المجلس هو الذي أقر القانون 49/1980 الذي يحكم بالإعدام على أساس طائفي على شريحة كبيرة من المواطنين.

الثالث: 16/11/1981 ـ 15/11/1985 (محمود الزعبي)

الرابع: 27/2/1986 ـ 26/2/1990 (عبد القادر قدورة)

الخامس:11/6/1990 ـ 10/6/1994 (عبد القادر قدورة)

السادس: 10/9/1994 ـ 9/9/1998 (عبد القادر قدورة)

السابع: 17/2/1998 ـ 16/2/2002 (عبد القادر قدورة)

الثامن: 9/3/2003 ـ 8/3/2007 (محمود الأبرش)

مهام مجلس الشعب السوري حسب الدستور:

حدد الدستور الذي فرضه حافظ الاسد على الشعب السوري مهام مجلس الشعب في الفصل الخاص بالسلطة التشريعية كما يلي:

ـ ترشيح رئيس الجمهورية. ويصدر الترشيح عن مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث.

ـ إقرار القوانين.

ـ مناقشة سياسة الوزارة.

ـ إقرار الموازنة العامة وخطط التنمية.

ـ إقرار المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، وفي معاهدات الصلح والتحالف، وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية، وكذلك المعاهدات والاتفاقات التي تحمل خزانة الدولة نفقات غير واردة في ميزانها، أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة، أو التي يتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد.

ـ قبول استقالة أحد أعضاء المجلس أو رفضها.

ـ حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء بعد استجواب موجه.

4- هل يمكن لمجلس الشعب السوري أن يكون سيد نفسه؟!

إن أي مواطن سوري عادي يدرك أن المجلس في أدواره المتعددة كان بعيداً كل البعد عن ممارسة أي دور دستوري حقيقي. ومع المكانة الدستورية التي يحتلها (مجلس الشعب) في أقانيم السلطات الثلاث إلا أن (مجلس الشعب) منذ إطلاقه سنة 1971 لم يحظ قط لا بالصدقية ولا بالاحترام في الشارع السوري.

مجلس الشعب السوري.. أداء عقيم

لا ينتظر المواطن السوري من مجلس الشعب شيئاً، ولا يتوقع منه خيراً. المعارضة السورية بدورها أو القوى الاجتماعية والسياسية تنظر إلى مجلس الشعب نظرة أقل ما يقال فيها لا مبالية. في محاولة لاستطلاع رأي ضيق محدود عبّر عشرة مثقفين عن رأيهم في مجلس الشعب على النحو التالي.. (كورس) (منتفعون) (منافقون) (أصحاب مصالح) (مساكين) (لا حول لهم ولا طول) (جبناء) (ضعفاء) (مسيرين) (أتباع)، هذه جملة أوصاف أطلقتها عينة من السوريين كأوصاف لازمة لأعضاء مجلس الشعب. وجواباً على سؤال، هل تنتظر من مجلس الشعب شيئاً؟ طرح على عشرة أشخاص أجمعوا على (لا..) ولكنهم اختلفوا فستة قالوا: لا لأنهم يعتقدون أن أعضاء مجلس الشعب: لا يريدون أن يقدموا شيئاً، وإنما دخلوا هذه المجلس لخدمة أغراضهم الشخصية، وأربعة قالوا: لا، لأنهم، حسب رأي هؤلاء، لا يستطيعون تقديم أي شيء.

ذكر أحدهم حادثة النائب (منذر الموصللي) الذي قدم اعتراضاً شكلياً يوم تعديل الدستور على مقاس الرئيس الشاب بشار الأسد. ورغم أن النائب كان موافقاً على التعديل ومندفعاً إليه، وإنما كان يحاول تصويب قضية دستورية شكلية، إلا أن رئيس المجلس يومها بادر إلى وصمه مباشرة بأنه (نائب سولت له نفسه الأمارة بالسوء..)

ولكن لماذا.. لماذا لا يستطيع مجلس الشعب وهو أحد السلطات الدستورية الثلاث أن يلعب دوره الدستوري العام؟وأن يكون كمخرج من حالة انسداد الأفق بين النظام والمجتمع في سورية، في فترة من أحرج الفترات في التاريخ الوطني الحديث. لماذا لا يطرح مجلس الشعب مشروع إصلاح دستوري يطالب به السلطة التنفيذية نفسها، ويلزمها بمبادئ أولية مثل إلغاء حالة الطوارئ، وسيادة القانون، والحد من تغول السلطات الأمنية على حياة الناس، والدفاع عن السلطة القضائية لتتمتع باستقلاليتها، والدفاع عن حقوق المواطن في أطر المساواة، وتكافؤ الفرص، والحد من العبث بالمال العام، ومحاربة الفساد.. عناوين كثيرة ليست موضع خلاف ظاهرياً، ولكن كل عضو من أعضاء مجلس الشعب يعلم أنها تشكل هما حقيقيا للوطن وللمواطن للفرد وللمجموع؟!

طبعاً لا نطرح هذا الكلام على المجلس المنتهي ولايته، ولا ينتظر من المجلس القادم ، إلا إذا حدثت طفرة ما في الحياة السياسية في سورية.

لحالة العقم التي يعيشها مجلس الشعب في سورية أسبابها، وللمواطنين الذين سيأسف بعضهم على الجهد المهدور حتى في إعداد مثل هذه الأوراق أسبابهم. إذا أردنا أن نوجز الأسباب قلنا أن مجلس الشعب في صيغته الراهنة هو أحد المؤسسات التابعة ميكانيكياً للأجهزة الأمنية وللفرد الأول صانع القرار في الدولة. وإن أعضاءه عندما يتبادلون التحية بينهم فإنما يتبادلونها بقدر ووفق رسم مرسوم.

السبب الأول لعقم مجلس الشعب السوري:

    غياب الحوار الحيوي الديموقراطي

من خلال سيطرة الحزب القائد والجبهة الوطنية التقدمية على المجلس، واستشعار المستقلين الذين تسللوا إلى المجلس أنهم وصلوا إليه بترتيب فوقي، ينعدم في مجلس الشعب الحوار الحيوي الديموقراطي مهما تكن القضايا المطروحة مهمة أو ساخنة. مداخلات الأعضاء تنصب غالباً على قضايا جزئية أو شكلية، أو أنهم يتفننون في  إظهار إيجابيات مشروع القانون الذي تتقدم به السلطة التنفيذية. وتصويره وكأنه الغائب الذي طال انتظاره، لم يدر يوماً حوار ساخن تحت قبة البرلمان، لم ترتفع أصوات الأعضاء، لم تأخذهم الحمية لقضية يؤمنون بها، أو أخرى يعترضون عليها. كل ما في المجلس أداء روتيني بارد، يشك البعض في أن مداخلات الأعضاء هي محسوبة أو مكتوبة مسبقة أو موزعة مثلما يوزع المخرج المسرحي الأدوار، لملء الشاغر وتمضية الحصص البرلمانية التي يفرضها الدستور.

ومن هنا يلاحظ المتابعون أن مجلس الشعب السوري لا يمتلك وجوهاً برلمانية، ولا أسماء لامعة يتحفظها الشعب كرموز للدفاع عن حقوقه.

والإعلام السوري الذي لا يقصر في رسم الهالة المناسبة لرأس السلطة التنفيذية، وبعض خواصه. لماذا لا يقوم بدور مناسب في التعريف بجهود مجلس الشعب وبدوره ؟ جوابان الأول: لأنه ليس هناك ما ينقله هذا الإعلام سوى النتائج المحسومة. ناقش المجلس، قرر المجلس، استقبل رئيس المجلس، التقى رئيس المجلس..

والثاني: يحاول أن يلتمس العذر للمجلس قليلاً، فيزعم أن هناك حراكاً برلمانياً ولو محدوداً تحت قبة البرلمان، وأن بعض النواب يؤدون أدواراً مقبولةً نوعاً ما ، إلا أن السياسة العامة في البلد التي تقوم على أساس (لا زعيم إلا كريم) تمنع إبراز أي شخصية من شخصيات الجوقة التابعة!!

إن غياب الحوار الديموقراطي الحيوي في سورية ولو ضمن الفريق الواحد، فريق السلطة أفقد الحياة السياسية الحيوية والتفاعل من الحماسة، فتحولت اهتمامات المواطن تلقائياً إلى أنشطة مثل كرة القدم!!. متابعة مباراة بين فريق (الاتحاد ـ حلب) وفريق (جبلة) بكل خلفياتها أكثر دراماتيكية ووطنية وسياسية من متابعة موضوع مصافحة الرئيس السوري للرئيس الإسرائيلي، أو من مناداته بأعلى صوته للإسرائيليين (جربونا..). الموضوعات الأخيرة باهتة، لا سياسية، لا تهم الشعب ولا مجلسه. ولكن المباراة بين فريقين مثل (الاتحاد) و(جبلة) لها مدخلات ومخرجات منطلقات وآفاق لا تحد.. لها جماهير تتعصب لها، وتحتشد من أجلها. ربما من خلال هذه الرؤية يستطيع المرء أن يفهم سر اندلاع انتفاضة الأشقاء الأكراد في الحسكة عقب مباراة كرة قدم!!

السبب الثاني لعقم مجلس الشعب السوري

            غياب المبادرة

يتحرك مجلس الشعب (المؤسسة) خلال ثماني دورات دستورية كقطار على سكة. خط منضبط، وسرعة محددة، ومحطات ثابتة. جدول أعمال المجلس تحدده جهات بعيدة عنه. لم يستطع المجلس خلال ما يقرب من أربعين سنة أن يتقدم بمبادرة واحدة على أي صعيد من صعد الحياة العامة التي تخص حياة المواطن.

الدستور السوري مثلا جعل من مهمات مجلس الشعب (إصدار العفو العام). ولكن المجلس لم يبادر مرة واحدة إلى المطالبة بإصدار عفو عام حقيقي. حتى بعد أن تجرأ على الدستور، وبدله لمصلحة عمر الرئيس في دقائق معدودة. حالات العفو التي تمت الموافقة عليها، كانت دائماً مشروطة، ومحالة من السلطة التنفيذية أو من يرأسها على وجه الخصوص ، وهي مخصصة للمجرمين الجنائيين ، وقلما تقارب سجناء الرأي والضمير .

يتحدث أحد النواب دائماً على الفضائيات العربية أنه يطالب بإلغاء القانون 49/1980، ولكنه لم يجرؤ أن يسجل على جدول أعمال المجلس ولو لمرة واحدة خلال ربع قرن مطالبة بدراسة هذا القانون، تطبيقاته وآثاره وانعكاساته.

العلاقة مع لبنان ، والانسحاب منه بالطريقة التي تمت بها لم يبادر أحد من أعضاء المجلس لدراستها واقتناص العبر منها. وفي حين بادر مجموعة من المثقفين إلى توقيع ميثاق: دمشق ـ بيروت ـ بيروت ـ دمشق ، لم يجرؤ أحد من أعضاء المجلس أن يدعو إلى مبادرة يلتقي فيها النواب السوريون واللبنانيون للبحث عن مخرج، ولصوغ العلاقة الثنائية في إطار أخوي لمصلحة الشقيقين.

إن المبادرة بكل ما تحمله من عناصر القوة والجرأة والتدخل في الوقت المناسب بعيدة كل البعد عن أفق مجلس يظن أعضاؤه أن مهمتهم الأساسية التأييد والتصفيق.

يعرف المواطن السوري جيداً أن دور (مجلس الشعب) هو المصادقة على جميع القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية عن طريق المجلس، ومن ثم رئيس الحكومة، ومن ثم الوزراء، نتمنى أن تأخذ الحمية رئيس المجلس بعد صدور هذه الدراسة فيحيطنا علماً بعدد مشروعات القرارات التي عدلت أو ردت لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء أو للوزراء..

السبب الثالث لعقم مجلس الشعب السوري

      الخفة في إطاعة أمر المستبد

توضح حادثة تعديل الدستور السوري على مقاس الرئيس من (40  ـ 34 سنة)، حقيقة الخفة التي يعيشها المجلس. التعديل بالسرعة التي تم فيها، وعلى النحو الذي تم فيه، لم تهز صورة (مجلس الشعب) السوري في الداخل والخارج ؛ وإنما هزت صورة سورية كلها في العالم أجمع وفي المحيط العربي بشكل خاص. ماذا ننتظر من مجلس كهذا؟! يتساءل المثقف السوري. لم يتلق الإشارة من مصدر الأمر حتى بادر منصاعاً!!

السبب الرابع لعقم مجلس الشعب السوري

 عجز المجلس عن تسيير ذاته والقيام بواجباته الدستورية

جدول أعمال المجلس تحضره جهات مجهولة، وغالباً ما يستغرق الحوار في قضايا هامشية وجانبية معظمها من قضايا الإدارات المحلية.

والإدارات المحلية هي الأخرى إدارات منتخبة صوريا ، اخترعها حافظ الأسد لاسترضاء الشريحة الأكبر من المواطنين، يفوض إليها أمر إدارة عمليات بناء البنية التحتية ومشروعات التطوير في المحافظات والبلدات، وأصبحت هي الأخرى نافذة جديدة للمحسوبية والفساد وهدر المال العام.

في تاريخه الطويل لم يسقط مجلس الشعب أي وزارة أو أي وزير، وقلما قدمت مساءلات جدية للحكومة، وعندما يحدث يكون قد تم إضاءة النور الأخضر أو إطلاق الدخان الأبيض من المراكز الأمنية.

لم يحدث في تاريخ مجلس الشعب أن حجبت الثقة عن أي وزارة ونادراً ما وجه استجواب إلى أي وزير. أما الصفقات والمعاهدات وقضايا السلم والحرب فأمر أكبر بكثير من مجلس الشعب ، أو من القيادة القطرية حتى.. فالتشريعات العامة في إطارها الأخطر الحرب والسلم والمعاهدات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية كل ذلك لا علاقة لمجلس الشعب به.  

غالبية أعضاء مجلس الشعب يعلمون أن الذي أوصلهم إلى البرلمان ليس قواعدهم الشعبية، وإنما رضى الفرد الحاكم عنهم. وهم بالتالي مضطرون للعمل بالطريقة التي يقررها هذا الفرد لهم. حتى ولو طلب منهم إقرار بعض القوانين غير الدستورية والخارجة على روح القانون الإنساني والمدني. فمجلس الشعب في دورته الدستورية الثانية 18/8/1977 ـ 18/8/1981 هو الذي أقر القانون 49/1980 الذي يحكم بالإعدام على جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن أحيل إليه من قبل رئيس الجمهورية حافظ الأسد شخصياً. وعلى الرغم من عدم دستورية القانون، وعلى الرغم من الممارسات الشنيعة التي ارتكبت بحق المواطنين الأبرياء باسمه، وعلى الرغم من مرور المجلس بست دورات دستورية؛ لم يجرؤ أحد من أعضاء المجلس أن يطالب بإجراء مراجعة عملية للقانون ولانعكاساته وتطبيقاته!!

لم يجرؤ أحد من أعضاء المجلس حتى الآن أن يطرح استفساراً واحداً عن مصير عشرات الألوف من المفقودين في صحراء تدمر رغم مضي أكثر من ربع قرن على انقطاع آثارهم.

لا أحد يتساءل عن حالة الفقر الذي عم وطم في المجتمع السوري، أو عن مشكلات مثل البطالة والتلوث وانتشار الرشوة ومصير الجولان وخيار السلام الاستراتيجي. لا أحد يتساءل عن الانحدار العام في مستوى التعليم والمناهج المدرسية، لا أحد يتساءل عن الوضع الصحي في البلد واضطرار المواطنين إلى  تلمس العلاج في الأقطار المجاورة لأيسر الأمراض..

حتى في إطار المعاهدات الدولية، وفيما يخص الحرب والسلم أو عقد المعاهدات أو حتى الانسحاب من لبنان الذي جرى أخيراً كان المجلس دائماً آخر من يعلم وأول من يصفق.

يعلم جميع أعضاء المجلس أن عائدات البترول المستخرج من المنطقة الشرقية في سورية ظلت لفترة طويلة لا تدخل الميزانية العامة للدولة؛ ومع ذلك لم يجرؤ أحد من النواب أن يطالب تسجيل استفسار أو إحاطة عن مصير هذه المبالغ الضخمة ولا يزال السر حتى هذه الساعة طي الكتمان.

كل المذابح التي جرت في سورية، وفي لبنان، والتي أصابت السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والعرب والأكراد لم يفتح لها أي ملف حقيقي في مجلس الشعب ليطلع نواب الشعب على حقيقة ما جرى ويجري.

يضحك المواطنون من شاهدين متماثلين يمثلان مستوى الانحدار النفسي أو الخلقي لعدد كبير من أعضاء هذه المؤسسة.

الشاهد الأول.. حالة رئيس المجلس الأسبق، ورئيس الوزراء لعدة دورات، محمود الزعبي، الرجل الذي كان لعقود طويلة حلقة مهمة في بنية النظام. كان في البداية مديراً لمؤسسة (سد الفرات العظيم)، كان المواطن إذا لم يصف سد الفرات بالعظيم يمكن أن يبيت ليالي في أحد فروع الأمن!! وعلى حساب سد الفراد العظيم اغترف الكثيرون ما وسعهم الاغتراف، ومنه انتقل محمود الزعبي إلى رئاسة المجلس (1981 ـ 1985) ومن رئاسة المجلس ليتسلم رئاسة الوزراء عقداً ونصف العقد.. ثم يكتشف بعض الناس في عهد حافظ الأسد (فساده!!) ويهدد بإحالته للمحكمة، فيقال بأنه هدد بكشف بقية السلسلة ويقال: بأنه انتحر، ويقال قُتل..كل ذلك يجري، ومجلس الشعب لم يسجل إحاطة ولا سؤالاً عن فساد محمود الزعبي حقيقة أو دعوى، ولا فتح ملفاً للتحقيق في الظروف الغامضة التي صاحبت اغتياله أو انتحاره!!

وعلى الوجهة المقابلة نائب الرئيس عبدالحليم خدام الرجل الذي بدأ مع البعث منذ الثامن من آذار 1963 محافظاً ثم وزيراً للخارجية ثم نائباً لرئيس الجمهورية ثم ليستقيل لأشهر معدودة، ثم ليعلن انشقاقه عن النظام.

حتى اللحظات الأخيرة قبل انشقاق عبدالحليم خدام، ظل الرجل يحتفظ بمكانته عند رفاق دربه، ولكنه ما أن أعلن انشقاقه حتى فوجئ العالم بحجم البذاءات والاتهامات التي صدرت بحقه، ليس عن السلطة التنفيذية، ولكن عن أعضاء مجلس الشعب، الذين انفجروا في لحظة واحدة كقنبلة موقوتة، لا ليقوموا بدورهم الوطني الشريف في الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وإنما ليعبروا عن  إرادة الفرد الذي أعطاهم الضوء الأخضر.

السبب الخامس لعقم مجلس الشعب السوري

حرمان أعضاء المجلس من الحصانة الدستورية

من مثل هذه الوقائع على تباينها يقتنص المواطن السوري رؤيته لهذه المؤسسة ولدورها ولأعضائها. ولن ننسى في هذا السياق على سبيل اقتناص العذر لبعض أعضاء المجلس أن هؤلاء الأعضاء لا يتمتعون أصلاً بالحصانة التي يوفرها لهم الدستور ليقوموا بواجبهم الوطني. لا يستطيع أعضاء المجلس ولا أبناء المجتمع السوري أن يتناسوا أمر النائبين المحترمين رياض سيف، ومأمون الحمصي.

فعندما حاول كل من هؤلاء، أن يقوم بواجبه بتقديم بعض التساؤلات أو المذكرات عن بعض المشروعات الاقتصادية، ومنها مشروع الخليوي الذي ينفرد به ابن خال الرئيس ، يؤكد السيد عبدالحليم خدام أن الرئيس شريك لابن خاله في جميع الصفقات ؛ تمت إزالة الحصانة النيابية عنهما، وتجريدهما من أموالهما، واختراع العديد من التهم لهما، ثم محاكمتهما والزج بهما في السجن لسنوات متعددة.

بعد هذه الصورة الكئيبة لهذه المؤسسة الوطنية التي ينبغي أن تحظى باحترام المواطن، وأن تكون موضع ثقته ورجاءه، وسنده وأمله، هل من سبيل إلى اعتماد نظرة إيجابية للخروج بالوطن من مأزقه. وهل يمكن أن يعول على مجلس الشعب كموؤسسة دستورية تأخذ المبادرة للم الشعث الوطني في الظروف الحرجة التي تمر بالمنطقة ؟!

كمعارضة وطنية نتساءل ما حاجتنا إلى مؤسسة مثل هذه المؤسسة؟! أو ماذا يمكن لنائب أو كتلة من النواب أن تقدم للمشروع الوطني من خلالها. ربما يكمن الفرق هنا بين (النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة) كما تقول العرب. وقد يكون السؤال الأولى بالنقاش هل تستطيع المعارضة السورية على اختلاف ألوان الطيف فيها أن تدفع إلى هذه المؤسسة الدستورية، التي هي في الأصل مؤسسة من مؤسسات الدولة، فريقاً ناشطاً وفاعلاً ومؤثراً؟!

5- العوائق التي تحول بين مجلس الشعب السوري وسيادته على نفسه:

إذا حاولت المعارضة السورية أن تدفع إلى مجلس الشعب فريقاً ناشطاً وفاعلاً مؤثراً فإن أول ما ستصطدم به هو: الدستور وحالة الطوارئ وقانون الانتخاب والأجهزة الأمنية وعصاها الغليظة، والفراغ السياسي الذي يعيشه الوطن.

إن الجواب على التساؤلات السابقة، وحسب تاريخ هذا المجلس، وواقعه وطريقة تركيبه هو (لا) كبيرة. فمسنن الحركة داخل مجلس الشعب محكوم بمسننات أكبر وأقسى، وهي التي تحدد سرعة دورانه واتجاهها.

عوائق كثيرة تقف في وجه تحرر مجلس الشعب أو امتلاكه لقراره، أو سيادته على نفسه. أليس من القسوة ألا يمتلك المجلس الذي يمثل السيادة الوطنية السيادة على نفسه؟!

إن أول العوائق التي تحول بين مجلس الشعب في سورية وبين امتلاكه لسيادته هي نصوص الدستور السوري نفسه. المادة الثامنة من الدستور مثلاً تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع، أي ليس مجلس الشعب المنتخب بالإرادة الشعبية الحرة هو صاحب السيادة او صاحب القرار!! وبالتالي فإن الأمانة العامة لحزب البعث العربي الاشتراكي أو الأمين العام لهذا الحزب الذي اتحد بشخص رئيس الجمهورية هو سلطة أعلى بالنسبة لمجلس الشعب، وكذلك فإن القيادة القطرية للحزب هي سلطة أعلى لمجلس الشعب. ترشيح رئيس الجمهورية كما أشرنا في فقرة سابقة من حق القيادة القطرية وليس مجلس الشعب الذي ليس له أن يلعب أكثر من دور ساعي بريد بين القيادة القطرية والاستفتاء الشعبي من ماركة التسعات الخمس.

وفي سياق دستوري آخر سياق المحاسبة والرقابة تضع المادة 91 من الدستور السوري رئيس الجمهورية فوق السلطتين القضائية والتشريعية. فهذا الرئيس حسب المادة المذكورة (لا يمكن محاسبة أو مساءلة رئيس الجمهورية على تصرفاته فيما عدا الخيانة العظمى، وأنه لا يحاكم إلا أمام المحكمة الدستورية العليا). وهكذا يسقط حق مجلس الشعب في محاسبة أو مساءلة رئيس الجمهورية. وإذا علمنا أن رئيس الجمهورية هو الذي يعين المحكمة الدستورية العليا، تبين لنا أن رئيس الجمهورية يبقى خارج إطار المساءلة. أما تحديد جريمة الخيانة العظمى فهو أمر شديد الميوعة لا يمكن لأحد أن يصير منه إلى شيء والسؤال الأهم هنا :أي خوف دفع حافظ الاسد فارض الدستور المذكور الى إحاكم الحبكة على هذا النحو!

العائق الثاني الذي يحول دون سيادة مجلس الشعب السوري على  نفسه: حالة الطوارئ والقوانين العرفية

وتساند حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ 8/3/1963 وكذا القوانين العرفية والمحاكم الاستثنائية مواد الدستور هذه في حرمان مجلس الشعب السوري من سيادته على نفسه، وتكريسه تابعاً إدارياً للهيئات والمنظمات الأمنية والحزبية.

العائق الثالث الذي يحول دون سيادة مجلس الشعب السوري على نفسه: قانون الانتخابات

ثم يتدخل قانون الانتخابات ثالثاً لتكريس الهيمنة على مجلس الشعب كسلطة تشريعية من خلال الهيمنة ابتداء على مخرجات العملية الانتخابية.

نظرة فاحصة في قانون الانتخابات السوري

صدر قانون الانتخابات في سورية تحت الرقم 26/ تاريخ (14/4/1973) وقد تم إدخال تعديلات عليه فيما بعد (ننشر ملحقاً) مع هذه الدراسة قانون الانتخابات المذكور.

يحكم قانون الانتخابات القبضة على عنق العملية الانتخابية ليؤكد سيطرة حزب البعث ضمن ما يسمى (الجبهة الوطنية التقدمية) على المؤسسة التشريعية.

والجبهة الوطنية التقدمية تحالف حزبي هلامي بين حزب البعث، وبقايا أحزاب منقرضة من خلال شخصيات قد تآكلت أو تخلت عنها قواعدها. ويمارس حزب البعث فوقية مسيطرة على مجمل (الشخصيات والأحزاب) الذين لا يملكون إلا الحلم بالماضي.

منذ البداية نص قانون الانتخابات على أن يكون 50% من أعضاء مجلس الشعب من العمال والفلاحين. عدلت هذه المادة فيما بعد بتوسيع مفهوم العامل والفلاح بحيث أصبح الأستاذ الجامعي /عاملاً/ والإقطاعي  فلاحاً!!

ـ ألغى هذا القانون الحقوق التي كانت ممنوحة للأقليات، وترك أمر تمثيل هؤلاء  إلى براعة اليد الخفية التي تنظم قوائم الجبهة الوطنية التقدمية التي تفرض على الناس فرضاً وبالتي فقد حرم الاقليات الدينية والعرقية من حقها في التمثيل البرلماني النابع من ارادة الجماهير .

ـ هناك خلل كبير في الإحصاءات السكانية، وفي الاعتراف بالانتماء الوطني لمجموعة كبيرة من الأكراد. يتمثل المواطنون السوريون في مجلس الشعب بمعدل نائب لكل 45 ألف مواطن، ولكن هذا التمثيل لا يطابق الواقع في كثير من المحافظات والمناطق ولا سيما المناطق التي تعتبر الاكثرية فيها معارضة لنظام !

إلا أن محور السيطرة المركزي الذي ابتدعه البعث لإحكام السيطرة على مخرجات العملية الانتخابية في قانون الانتخاب السوري هي طريقة توزيع الدوائر الانتخابية.

فحين تعتبر مدينة مثل دمشق أو حلب دائرة انتخابية واحدة أو حين تعتبر محافظة بحاضرها وقراها مثل حمص أو دير الزور أو حماة دائرة انتخابية واحدة، فإن هذا يفوت الفرصة عملياً على أي مرشح ان يصل إلى مجلس الشعب بجهده الفردي ، ولا سيما في ظل حالة الطوارئ . كيف يصل  المرشح الفرد ما بين جمهور الريف وجمهور المدينة؟ أو كيف يصل بين أبناء الريف الشرقي والغربي؟! طريقة ماكرة تقطع تماماً بين المرشح وبين جمهوره الخاص ، وتجعل التعيين الفوقي هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى البرلمان.

محافظة حلب التي جعلت دائرتان مثلاً، المدينة والريف كيف يمكن لمرشح من شمال حلب أن ينسق مع أبناء مناطق تقع غربها أو جنوبها؟! أو كيف يصل مرشح في إحدى مناطق ريف دمشق (دوما) مثلاً إلى أبناء منطقة (الزبداني)؟!

وهنا يبقى الناخب محاصراً بالقائمة الوحيدة التي صنعتها وفرضتها ونسقتها جهة مركزية هي القيادة البعثية أو الأمنية!! فهل يمكن أن يُحدث في ظل هذه الحالة أي مواطن أي نوع من الاختراق.

كنوع من استكمال الديكور الديموقراطي تلجأ القوة الخفية أحياناً إلى اعتماد بعض المستقلين بالتنسيق المسبق معهم، وبعضهم يكونون حزبيين لم يرشحوا على قائمة الجبهة يتم إدخالهم إلى المجلس كمستقلين لإشعار المراقبين في الداخل والخارج أن هناك عملية انتخابية حقيقية.

أثناء إعداد هذه الدراسة أصدر بشار الأسد القانون 66 -3\1\2007  أدخل فيه تعديلاً على المادة 24 من قانون الانتخابات. وقد تناول هذا التعديل أموراً غير جوهرية بالنسبة للعملية الانتخابية. وفوت بذلك الفرصة التي كانت منتظرة لإصدار قانون انتخاب عصري يفتح الطريق أمام حياة ديمقراطية وتغيير دستوري. حددت إحدى مواد هذا القانون المبلغ الذي يسمح للمرشح بإنفاقه على حملته الانتخابية بقيمة ثلاثة ملايين ليرة سورية أي ما يقارب ستين ألف دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لسوية الحياة العامة في سورية. وهو يؤكد أيضاً ما سبقت الإشارة إليه من احتمال أن يقوم رجال المال والأعمال بهجمة على مجلس الشعب المقبل، ليتكرس تحالف بين سلطة الأمن وسلطة المال في ظل غياب رقابة تشريعية وشفافية في العلاقات المالية، ومشروع وطني حقيقي لمكافحة الفساد. كما حظرت الفقرة نفسها تقديم المساعدات العينية في إطار الحملة الانتخابية.

وفتحت مادة ثانية الباب للمرشح ليقوم بإعداد وتوزيع بياناته الانتخابية بعد اعتماد ترشيحه رسمياً. واشترطت عليه أن يقوم بالتوقيع على بياناته تلك، وأن يسلم ثلاث نسخ خطية منها بشكل مسبق للدوائر الرسمية، بمعنى أن يحصل على موافقة أمنية قبل توزيع هذه البيانات!!

السلطة التنفيذية تتحكم في سير العملية الانتخابية

وكمصفاة أخيرة لأي تسرب غير مرغوب فيه من خلال هذه العمليات المعقدة ينص قانون الانتخاب على أن يقوم وزير الداخلية بتشكيل اللجان الانتخابية التي تشرف على استلام الصناديق وفرز الأصوات، واعتماد النتائج والبت بالطعون. ووزير الداخلية يشكل هذه اللجنة من المحافظ ثم من عامل أو فلاح وعضو ثالث!!

ويتشكى المواطنون دائماً مما يعرف بالصناديق الجوالة، وهي الحصن الأخير الذي يلوذ به المشرفون على العمليات الانتخابية بإدخال صناديق مليئة بأوراق تسد الخلل وتتدارك ضعف المشاركة في عملية التصويت وترجح المرشح المطلوب وغالباً ما تكون هذه الصناديق ومحتوياتها معبئة في أقبية الأمن.

وفي ظل غياب الحياة الحزبية، والتنظيمات الوطنية، ووسائل الدعاية الانتخابية التي تحتكرها الحكومة أجمع.. أي فرصة ستكون لأي مواطن حر شريف للوصول إلى قاعة البرلمان، ليجد هناك من يناصره ويعاضده في سبيل الانتصار للقضايا الوطنية. وإذا ما حصل ووصل، فستكون الأجهزة الأمنية التي تتغول على كل شيء في سورية بالمرصاد، وسيكون المصير هو مصير رياض سيف ومأمون الحمصي.

6- انتخابات مجلس الشعب السوري

الموقف

نشارك ...أو نقاطع؟!

في ظل القراءة السابقة هل هناك أمل في إحداث تغيير ديموقراطي في سورية؟! الانتخابات السورية على الأبواب، حسب الدستور السوري ينبغي أن يجدد للرئيس، أو أن ينتخب البديل، وطبعاً هذا غير وارد قبل شهر من انتهاء ولايته. يجب أن تجري الانتخابات في نيسان 2007 ليجتمع المجلس في أيار، ويحول إلى الاستفتاء العام موضوع التجديد لرئيس الجمهورية.

تناثرت أحاديث متعددة عن قانون انتخابات جديد يصدر عن مجلس الشعب. هل فاتت الفرصة ؟ ربما يكون هناك أمل بإجراء بعض التعديلات. بعض التعديلات[2] التي تم تداولها تشكل خطوات إلى الخلف. فإذا كانت الشكوى مريرة من موضوع الدائرة الانتخابية الواحدة على صعيد (المحافظة) مما يفقد النائب صلته بجمهوره ، ويحرمه من استثمار هذه الصلة، ويفرض على الناخب أن ينتخب من لا يعرف، فكيف ينتخب مواطن من منطقة عفرين آخر من منطقة الباب في محافظة حلب مثلاً؟! الأحاديث التي تناثرت، ولا نظنها تصح، إلا إذا أرادوا إدخالنا في اللامعقول السياسي، أن تصبح سورية كلها دائرة انتخابية واحدة!! وأن يقوم حزب البعث بإعداد قائمة موحدة ناطقة باسمه يفرضها على الجميع فينتخب المواطن في الحكسة أو القامشلي من يمثله من أبناء درعا أو جبل العرب!!

يبقى السياق السياسي الدولي والإقليمي والوطني فارضاً نفسه على الساحة، هل سيفكر بشار الأسد بإحداث أي نوع من التطوير في بنية مجلس الشعب؟ كيف يواجه طوفاناً شعبياً ومستقبلياً أو أي نوع من أنواع التحركات الشعبية المحتملة ؟! يقال بأن لدى القيادة السياسية ـ أي بشار الأسد وصهره وأخيه ـ تفكيراً في تصنيع مجلس ذا مصداقية، أكثر قدرة على امتصاص أي تحرك قد يشهده الشارع السوري، مجلس يستطيع أن يلعب عندما يراد منه دور الوسيط بين الشارع (القوى السياسية المكونات الرئيسية) وبين السلطة. هذه الرؤية المتفائلة مقتنعة بأن مجلس الشعب القادم سيكون أوفر حظاً من السيادة الذاتية. ستنفرج الأصابع قليلاً عن عنق العملية الانتخابية، سيكون بوسع بعض أصحاب الإرادة أن يمروا، وربما يعانون على المرور ولذلك تتوالى النداءات:  لا تدعوا الفرصة تفوت.

من جهة ثانية تتحدث أصوات أخرى عن انطلاقة قطار الإصلاح الاقتصادي، بمعنى تهيئة قوانين الاقتصاد لاستقبال الاستثمارات، وتشجيع المستثمرين. هناك بنوك واستثمار وبورصة وشركات. يقال إن مجلس الشعب القادم سيستقبل ربما العديد من رجال الأعمال، وأنهم سيكونون أصحاب وزن مؤثر في الدورة الدستورية القادمة، معلومة تخلف تفائلاً وحذراً !! إلى أي حد تتطابق أجندة رجال الأعمال مع أجندة الإصلاح الوطني ؟ وكم يستطيع هؤلاء أن يقاوموا الإغراءات التي يفتحها التعاون مع السلطة ؟! وعلى حساب من يمكن أن يكون التنسيق بين قطبي السلطة والمال على مبدأ (خذ وهات..)؟! تساؤلات كثيرة مطروحة عن مستقبل مجلس الشعب ومستقبل الانتخابات في سورية. ولكن يبقى كل شيء في النهاية رهن الإرادة الوطنية الحرة الراغبة في التغيير صعداً لأن هذه الإرادة هي القادرة على تقويم الاعوجاج، وكسر من لا يستقيم.

ويحتدم جدل ساخن في اوساط المعارضة السورية اذا كان الافق مسدودا دستوريا وقانونيا وواقعيا فما جدوى المحاولة؟! وإذا كانت المعارضة السورية في اطاري كل من (اعلان دمشق)و(جبهة الخلاص الوطني) قد قررتا المطالبة بالتغيير ، لأن هذه المعارضة قد اقتنعت ان هذا النظام لا يمتلك ارادة الاصلاح ولا يفكر فيه، وبالتالي يتساءل البعض: ما جدوى المشاركة في عملية انتخابية ذات افق مسدود،وما جدوى ان يكون لنا ممثل أو أكثر في مجلس شعب يتحرك في الاطار الذي وصفته هذه الدراسة؟ ويضيف آخرون: أليس في هذه المشاركة تناقض مع الأهداف المعلنة للمعارضة (تغيير وليس اصلاحا..)

أو ليس فيها اعطاء، ولو بشكل غير مباشر ، نوع من الشرعية للنظام ولكوميديا الديمقراطية التي يمثلها، وللمؤسسات المنبثقة عنها؟!.. إنه هدر للوقت وللجهد، وإحداث بلبلة لا معنى لها في الرأي العام داخل سورية وخارجها ، لنترك النظام ينعم بلعبته الديمقراطية، لنتركه يلعب مع نفسه أو عليها فقط.

 تهدف هذه الدراسة، إلى المشاركة في هذا الجدل الوطني، ودراسة افاق المشاركة في الانتخابات القادمة أو مقاطعتها ؟ دون أن تقترح موقفا مسبقاً، سيترك ذلك بالطبع الى القوى المعارضة نفسها ، التي يجب ان تدرس الامر بجدية وتتخذ موقفاً واضحا.

يقول المشجعون على الانخراط في العملية الانتخابية :إن نظرتنا الى العملية الانتخابية لا تُقوم في سقفها الخاص. لا يمكن أن نعزل هذه العملية، وان كنا نوافق على كل ما يقوله الرافضون لمقارباتها جميعا، عن الحياة السياسية العامة في البلد.. لقد نجح النظام السوري بسياساته المترابطة في اخراج المجتمع السوري من السياسة، وفي عزل المواطن السوري عن (مصيره) عن مستقبله ومستقبل اسرته ، وبشكل أولي عن مستقبل وطنه .

اللامبالاة هي الموقف الفردي.

من انتخابات مجلس الشعب :

يتأكد للمتابع للحياة السياسية في سورية أن (اللامبالاة) بكل تجسداتها هي الموقف الوطني المعمم من مجريات الحياة السياسية العامة. اقتنع المواطن، او أقنعوه بسياسات التهديد والتخويف، وبسد الأفق أمامه، وإعدام خياراته امام عينيه، أنه لاجدوى من أي مشاركة في الحياة العامة، وأن النتائج دائما محسومة مسبقا . يعلم الراصدون لعمليات الانتخاب او الاستفتاء أن نسبة المشاركة العامة للمواطنين لا تقارب عتبات 10%.

إن المقصود من الصناديق الجوالة، التي سبقت الإشارة إليها، هو تغطية هذه الفضائح . أصوات وهمية تدخل قاعات الفرز لإبراز مشاركة كمية على الأقل تخدم الغرض من الانتخابات ..

مقاطعة (المواطن) الفرد عندما لا تكون ضمن خطة او موقف سياسي عام تكون حالة سلبية. ومشاركته عندما تكون في اطار موقف سياسي عام تكون عملا إيجابيا . من أهداف المعارضة السياسية على المدى المنظور إعادة المجتمع السوري والمواطن السوري الى حلبة السياسة ، هذا هدف لا ينبغي ان يغيب..

ثم ان التغيير الذي تطالب به المعارضة على اختلاف توجهاتها هو تغيير وطني سلمي ديمقراطي. وتغيير كهذا لا بد أن يمتلك مواقعه وأدواته. يذهب المؤيدون للمشاركة في العملية الانتخابية الى أن قدرا اكبر من الاشتباك مع المجتمع ومع مؤسسات الدولة سيكون مساعدا على عملية التغيير المنشود في وقته. النظام قد استلب مجلس الشعب من الدولة السورية ، ونحن ، كما يقولون ، لا نريد أن نقر بهدا الاستلاب.علينا ان نتمسك بحقوقنا الوطنية في مؤسسات الدولة التي نتمنى اليها ..

ويضيفون ان العملية الانتخابية بحد ذاتها، تجربة عملية ثرية، ولتكن المشاركة ،مع القناعة بانسداد افقها السياسي أو العملي، نوعا من الرياضة أو التمرين، بعد جمود الحياة السياسية في سورية ، هناك اليوم جيل جديد من المواطنين لم يعايشوا قط تجربة انتخابية حقيقية ، ولم يحلموا قط، بانتخاب رئيس للجمهورية، لم يسمعوا أبدا عن وزارة يسقطها برلمان، ولا عن نائب يحمل مسؤوليته امام مواطنيه. انها فرصة فيما نظن للتمرس بعمل مثل هذا .

  إن الانتخابات القادمة حدث سياسي داخلي، يريد النظام ان يوظفه لمصلحته، فهل نحاول أن نختطف الكرة لتوظيف هذا الحدث  في المشروع الوطني للتغيير السلمي الديمقراطي

استراتيجية ما قبل الانتخابات

ما تقترحه هذه الدراسة أن تبادر المعارضة السورية الى اعتماد استراتيجية موحدة لمواجهة الاستحقاق الانتخابي القادم. تقترح هذه الأوراق أن تتبلور استراتيجية المعارضة في النقاط التالية:

الإعلان عن قائمة من المطالب الوطنية للإصلاح الدستوري والقانوني والمطالبة ايضا بانتخابات شفافة يضمن فيها حرية الرأي والتعبير لتكون الانتخابات معبرة عن رأي الشعب السوري، وليكون مجلس الشعب معبرا عن آراء ناخبيه، وستضمن هذه الاستراتيجية المطالبات التالية :

أ- إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية لأنه لا يمكن أن تجري  انتخابات حرة ونزيهة في ظل قانون الطوارئ، الذي يتهدد كل صاحب ضمير حي، ورأي حر ...

ب – الغاء المادة الثامنة من الدستور، التي تجعل من حزب البعث العربي وأمينه العام وقيادته القطرية سلطة عليا فوق جميع مؤسسات الدولة...

ج- إعادة تحديد عدد الممثلين لجميع المناطق باعتبار عدد السكان. والاعتراف بحقوق المواطنة للمواطنين المحرومين منها ليمارسوا حقهم الانتخابي؛ ولا سيما في المناطق التي يسكنها المواطنون الأكراد...

د_ رفع جميع اشكال العزل السياسي والمدني المفروض على عدد كبير من المواطنين لحرمانهم من حقوقهم في المشاركة في الحياة العامة .

هـ- اعادة النظر في قانون الانتخابات وتعديله ليحقق التعبير الأمثل عن ارادة المواطنين والتركيز على النقاط التالية:

1- اعادة توزيع الدوائر الانتخابية لتحترم العلاقة بين المرشح وجمهوره المحلي في المدن والمناطق والبلدات. إن اعتبار المحافظة وريفها دائرة انتخابية واحدة ، واعتبار المناطق في محافظة مثل حلب أومحافظة ريف دمشق دائرة انتخابية واحدة، واعتبار مدن مثل دمشق وحلب كل منهما دائرة انتخابية واحدة ؛ لعبة مكشوفة للسيطرة على مخرجات العملية الانتخابية ولفرض القائمة المركزية (قائمة الجيهة الوطنية التقدمية التي يفرضها الحزب أو السلطة الحاكمة..

2-إعادة الاحترام لحقوق الأقليات التي تعيش  في قلب المجتمع السوري العام للحفاظ على حقوقها الوطنية والدستورية .

3-كف يد السلطة التنفيدية ممثلة في وزير الداخلية أو في المحافظين أو في مدراء المناطق عن تسيير العملية الانتخابية أو التدخل في الشأن الانتخابي العام. واسناد مهام الاشراف على الانتخابات الى السلطة القضائية ليقوم القضاة بدورهم في حماية حقوق المواطن

6-أن تطالب المعارضة السورية بإشراف محايد على عملية الانتخابات تباشره منظمات حقوقية لضمان النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية .

إنه في ظل تحقق هذه المطالب يمكن للمعارضة السورية أن تسعى في الدوائر الانتخابية المختلفة، ولا سيما في دائرتي (دمشق) و(حلب) إلى تقديم قائمة ائتلاف وطني، تكون تعبيرا عمليا عن رؤية المعارضة في تمثيل جميع الوان الطيف الوطني . قائمة تكون تجسيدا للأمل الوطني، ومعبرا الى حالة من التغيير الوطني الديمقراطي.

7- الخلاصة

يستحق الشعب السوري بتاريخه النضالي، وبقواه السياسية الحية، وبديموقراطيته التي انطلقت منذ 1920 في القرن الماضي حياة سياسية أفضل، ودوراً في الدفاع عن ذاته وتطوير واقعه أكبر. إن تاريخاً معتماً من الاستبداد والقهر والفساد، كان جزءاً منه شكل صوري لمجلس شعب تابع لإرادة الحاكم، أخرج الشعب السوري من السياسة، ومن التاريخ وأبقاه مهمشاً في كل نواحي الحياة.

مجلس كرس صورة سلبية سوداوية بأدائه العقيم وبعجزه عن إدارة أي حوار ديموقراطي ساخن، وبعجزه عن تقديم أي مبادرة تهم المواطن السوري ، وبعجزه رابعاً عن القيام بمهامه الدستورية. إن فقدان مجلس الشعب احترامه لذاته جعل المستبد يستخف به ،فلم يبال يوما بإرادته، بل تجاوزعلى أبسط حقوق أعضائه في الحصانة البرلمانية التي يوفرها لهم الدستور.

 مع التطورات الدولية والإقليمية التي يشهدها العالم، ومع ما يحدث في العراق أو في فلسطين، أو في لبنان، هل يستطيع الشعب السوري من خلال الانتخابات القادمة أن يستعيد بعضاً من أوراق سيادته؟ أو أن يستعيد سهمه في القرار الوطني؟ وأن يستعيد بعض حقه في المراقبة والمحاسبة؟

إن تاريخ هذه المؤسسة (مجلس الشعب) على مدار ثماني دورات دستورية لا يبشر بخير، ولا يفتح كوة لأمل، وإن القدرة على إحداث اختراق بتغيير نوعي في تركيبة العضوية لهذه المؤسسة المرموقة دستورياً تحول دونه العديد من العوائق: الدستور السوري الذي يجعل من حزب البعث أو من قيادته القطرية مرجعية أعلى تشابه تلك التي تسمى مصلحة حماية الدستور في إيران أو حماية العلمانية في تركية. الدستور السوري أيضاً الذي يجعل رئيس الجمهورية الذي يتمتع بكل الصلاحيات فوق المساءلة والمحاسبة. وكذا حالة الطوارئ وملحقاتها من قوانين ومحاكم استثنائية يضاف إلى ذلك قانون الانتخابات رقم 26 تاريخ 14/4/1973 وكل تعديلاته، قانون الانتخابات الذي يكرس نتائج الانتخابات دوماً لمصلحة الحزب الحاكم، ثم تغول السلطات الأمنية على الفرد والجماعة، على الرأي والكلمة. كل هذه العوامل تحول بين الشعب السوري وبين التعبير الحر عن إرادته بإيصال ممثلين حقيقيين إلى مجلس الشعب ، وتجعل مجلس الشعب المؤسسة عاجزة عن أن تكون سيدة نفسها بما يفرض عليها من ممثلين لا يفكرون إلا في حدود مصالحهم الشخصية؟!

ولكن هل يعني هذا أن نيأس أو نتقوقع؟ يقول البعض من السهل أن نقول: لا أمل، ونجلس. ولكن المسؤولية الوطنية تقتضي أن نقول: لا أمل، ولنحاول. ومن هنا يرى هؤلاء  أن على القوى الوطنية بكافة توجهاتها وانتماءاتها أن تبذل المحاولة تلو المحاولة لإثبات وجودها في الساحة السياسية، ولانتزاع مكانتها رغم كل العوائق والمعوقات. لا أمل.. ولنحاول ولننظر إلى المحاولة على أنها تدريب عملي واقعي في سبيل حياة ديموقراطية، وإن كنا نتوقع الإخفاق الكبير.

بينما يقول اخرون ان العملية المطروحة عملية عبثية لاينبغي للمعارضة ان تهدر وقتها وجهدها فيها . ويبقى الموقف مناطا بقرار حكيم يأخذ المصلحة الوطنية العليا في حسابه ليصدر عن موقف نتمنى ان يكون اجماعيا وحاسما وسريعا .

 كل الذي رصدناه في هذه الدراسة يفرض علينا أن نبادر الى دراسة المعطيات بروح عملية وايجابية للوصول الى القرار الحكيم الصائب .

*مدير مركز الشرق العربي


[1] ـ محضر الجلسة وتفاصيل الحوار منشورة على موقعنا (مركز الشرق العربي) ويمكن الرجوع إليه لمن شاء.

[2]  صدر التعديل بموجب القانون 66 -2\1\2007 وقد أشرنا إلى مضمونه في فقرة سابقة

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ