مؤتمر
هرتسليا السابع حول
"ميزان
المناعة والأمن القومي
الإسرائيلي"
(21/1-
24/1/2007):
"اتجاهات
جديدة"
في
الخطاب السياسي الإسرائيلي
الراهن؟
توطئة
عقد في
الفترة ما بين 21/1- 24/1/2007 مؤتمر
هرتسليا السابع حول "ميزان
المناعة والأمن القومي"
الإسرائيلي الذي ينظمه "معهد
السياسة والإستراتيجية" و"مدرسة
لاودر للحكم والدبلوماسية
والإستراتيجية" في "المركز
بين المجالي" في هرتسليا. وقد
اختتم المؤتمر، كما جرت العادة،
بخطاب سياسي ألقاه رئيس الحكومة
الإسرائيلي، إيهود أولمرت.
كما
تكلم في المؤتمر عدد من وزراء
الحكومة وقادة الجيش ورؤساء
أحزاب المعارضة. ومن بينهم
وزراء الدفاع، عمير بيرتس
والمالية، أبراهام هيرشزون
والبنى التحتية الوطنية،
بنيامين بن إليعيزر
والمواصلات، شاؤول موفاز
والخارجية والعدل، تسيبي ليفني
والاستيعاب، زئيف بويم
والتربية والتعليم، يولي تامير
والسياحة، إسحق هرتسوغ ونائب
رئيس الحكومة، شمعون بيرس.
وكذلك رئيس حزب "الليكود"
ورئيس الحكومة الأسبق، بنيامين
نتنياهو ومراقب الدولة، ميخا
لندنشتراوس ومحافظ بنك
إسرائيل، ستانلي فيشر.
أما من
المسؤولين العسكريين والأمنيين
فقد تكلم في المؤتمر رئيس هيئة
الأركان العامة السابق،
الجنرال (احتياط) موشيه يعالون
ورئيس القسم السياسي- الأمني في
وزارة الدفاع، الجنرال (احتياط)
عاموس جلعاد ورئيس برنامج
الدراسات الأمنية في جامعة تل
أبيب، الجنرال (احتياط)
البروفيسور إسحق بن يسرائيل
والرئيس الأسبق لمجلس الأمن
القومي، الجنرال (احتياط) دافيد
عبري وغيرهم.
وكان
رئيس هيئة الأركان العامة
المستقيل، الجنرال دان حالوتس،
قد ألغى مشاركته المقرّرة في
المؤتمر عشية تقديم كتاب
استقالته أخيرًا. كما أنّ
الجنرال في الاحتياط غابي
أشكنازي، المدير العام لوزارة
الدفاع، ألغى مشاركته على خلفية
تنافسه على منصب الرئيس الـ19
لهيئة الأركان العامة للجيش،
والذي اختير لإشغاله فيما بعد.
كذلك
شارك في أعمال المؤتمر عدد كبير
من أبرز الأساتذة الجامعيين في
مختلف المجالات ورجال الإعلام.
وتكلم
في المؤتمر، إما من خلال الظهور
المباشر أو عبر الأقمار
الاصطناعية، عدد من الضيوف
الأجانب، بالأساس من الولايات
المتحدة. وبرز
بينهم من الأميركيين كل من
السيناتور جون إدواردز ونائب
وزير الدفاع الأميركي غوردون
إينغلاند والسفير نيكولاس
بيرنز والسفير الأميركي في
إسرائيل، ريتشارد جونس
والبروفيسور ألان درشوفيتس
ورئيس وكالة الاستخبارات
المركزية السابق (سي. أي. إيه)،
جيمس وولسي والبروفيسور برنارد
لويس ود. ريتشارد لندس وديفيد
ماكوفسكي والسيناتور جون ماكين
ود. روبرت ساتلوف ومرغريت
سبلينغس والسفير توماس بيكرينغ
وريتشارد بيرل وستانلي روث.
من
الجانب الفلسطيني شارك في
المؤتمر، بحسب ما ورد في
برنامجه الرسمي، د. سلام فياض،
وزير المالية السابق في السلطة
الوطنية الفلسطينية. وذلك في
ندوة حول "الدبلوماسية
والسياسة في الجبهة
الإسرائيلية- العربية" عقدت
في صبيحة آخر أيام المؤتمر (الأربعاء
24/1/2007)، وذلك إلى جانب ديفيد
ماكوفسكي، من معهد واشنطن
لسياسات الشرق الأدنى وعضو
الكنيست سيلفان شالوم (ليكود)
وغيدي غيرنشتاين، مؤسس ومدير
عام معهد "ريئوت" للتخطيط
السياسي.
أما من
جانب العرب في إسرائيل فقد
اقتصرت المشاركة على مندوبة
لجنة المتابعة العليا لشؤون
المواطنين العرب، عايدة توما-
سليمان، وذلك ضمن ندوة بعنوان
"عرب إسرائيل والدولة
اليهودية".
وتمثلت
أبرز المواضيع التي تناولتها
مداولات المؤتمر، فضلاً عن
إعلان المؤشرات المختلفة وفي
صلبها مؤشر الوطنية وميزان
المناعة والأمن القومي، في
المواضيع التالية:
بدائل
جيو- إستراتيجية في الساحة
العالمية.
اتجاهات
لتجدّد الجيش وتعزيز قوته.
إنعاش
الحوار الإستراتيجي الأميركي-
الإسرائيلي.
مواجهة
إيران المتحولة إلى دولة نووية.
اعرف
عدوك- اتخاذ القرارات لدى الخصم.
إيران،
حرب لبنان الثانية وتغيير بنية
النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.
تحديث
العلاقات الإستراتيجية مع
الولايات المتحدة وحلف شمال
الأطلسي (ناتو) الاتحاد
الأوروبي.
السياسة
الوطنية لدفع التفوّق في
التعليم.
سياسة
الولايات المتحدة بعد
الانتخابات النصفية.
تحديات
السياسة الخارجية- نظرة من
إسرائيل وأوروبا.
الإسقاطات
السياسية لبعض النزعات
الاقتصادية في المنطقة.
مناعة
إسرائيل المالية.
أمن
تزويد الطاقة.
الجيل
القادم- تحديات أمام القيادة
الشابّة.
الهوية
اليهودية كمناعة قومية.
إستراتيجيات
لمواجهة مظاهر اللاسامية.
إسرائيل
والشتات- مشاركة الشعب اليهودي
الكونية مع دولة إسرائيل.
محاربة
ظواهر إلغاء شرعية الدولة
اليهودية والمعركة على الرأي
العام.
مستقبل
اقتصاد إسرائيل- النمو وتقليص
الفقر.
"الأرض
البنية الخضراء" كمناعة
قومية.
الشراكة
في الجليل: التطوير اليهودي-
العربي للجليل بعد حرب لبنان.
القانون،
نظام الحكم والمناعة القومية.
الوطنية
والمناعة القومية في إسرائيل
بعد حرب لبنان- استطلاع الوطنية
2007.
ولا
يزال "مؤتمر هرتسليا"، منذ
انعقاده للمرة الأولى في العام
2000، يستقطب اهتماماً واسعاً لدى
مختلف الأوساط، المحلية
والإقليمية والدولية، المهتمة
والمتابعة للشأن الإسرائيلي.
وينبع
هذا الاهتمام المتزايد أولاً من
واقع ماهية وشمولية مواضيع
التفكير الآني والإستراتيجي
التي تتخلل وتسم أوراق العمل
والمناقشات والأفكار والتوصيات
التي يتم تداولها في أعمال
المؤتمر ويصار إلى إجمالها في
تلخيصات ووثائق تصدر عنه.
وينبع
ثانياً، وربما الأهم، من نوعية
ومكانة الشخوص، سواء القائمين
على المؤتمر أو المشاركين فعليا
في أعماله (ويضم هؤلاء في
تعدادهم عادة رئيس الحكومة
وكبار الوزراء ورؤساء وقادة
المؤسسة العسكرية والأمنية
والأكاديمية وغيرهم) أو
المدعوين لحضوره (بضع مئات من
كبار الشخصيات السياسية
والأمنية والاقتصادية
والأكاديمية في إسرائيل
والخارج)، أي أن المؤتمر يقدم
ويعكس اتجاهات التفكير
المختلفة المعبرة عن رأي "النخبة
الإسرائيلية" المتنفذة في
شتى المجالات. وبهذا المعنى
هناك من بات يرى بحقّ في مؤتمر
هرتسليا بمثابة التئام لـ"العقل
الجماعي الإستراتيجي المفكر"
للدولة الإسرائيلية.
أزمة
القيادة
عقد
المؤتمر السابع في ظلّ أزمة غير
مسبوقة تشهدها إسرائيل، ترتبًا
على نتائج حرب لبنان الثانية في
الصيف المنصرم. وهذا ما يعكسه،
على سبيل المثال، توكيد المراسل
السياسي لصحيفة "هآرتس"،
ألوف بن، أنّ ما خيّم على مؤتمر
هرتسليا هذا العام أكثر من أي
شيء آخر، هو مناخ التحقيقات (العسكرية
والجماهيرية والجنائية)، التي
تدور في ظلها الحياة العامة
والسياسية في إسرائيل في الآونة
الأخيرة ("هآرتس"، 25/1/2004).
وأضاف بن أنّه بدل أن تطرح في
هذا المؤتمر أفكار جديدة، وبدل
النقاش حول السياسة، بدا
السياسيون وكبار الضباط وأفراد
الاستخبارات منهمكين في
الإعداد لإفاداتهم أمام لجنة
فينوغراد (لتقصّي وقائع الحرب
على لبنان)، أو للمثول أمام أي
تحقيق آخر. "فالدولة موجودة
الآن تحت الإنذار، وفي وضع كهذا
لا يجرؤ أي فرد على المجازفة.
فكل ما سيقوله سيتم تسجيله
وربما يتم استعماله ضده".
ولئن
كان هذا التوكيد واشيًا بالأزمة
السياسية العامة وفي صفوف
الجيش، فإنّه يلمح أيضًا إلى
استفحال أزمة القيادة في
إسرائيل، وهي الأزمة التي شكلت
محورًا رئيسًا من محاور المؤتمر.
ويعتبر
هذا المحور أحد مترتبات نتائج
الحرب على لبنان، التي ما زالت
تتفاعل على أكثر من صعيد وتخبئ
المزيد من المفاجآت في المدى
المنظور والبعيد.
وقد
انعكس الأمر أساسًا في مضامين
بعض المحاضرات والكلمات التي
أسمعت في المؤتمر، خصوصًا من
صفوف القوى الحزبية والسياسية
المعارضة ومندوبي أرباب
الصناعة (مثل إيلي هوروفيتس،
رئيس شركة "طيفع" لإنتاج
الأدوية، وهي إحدى أكبر الشركات
الإسرائيلية الاعتبارية)
وأساتذة الجامعات، الذين لم
يضنوا في السابق بسهام النقد
فور انتهاء الحرب بالصورة التي
انتهت عليها.
لكن
يبدو أن منظمي المؤتمر أنفسهم
أصرّوا على الظهور في مظهر
المزوّد الرئيس للوقود الكفيلة
بإبقاء هذه الأزمة على نار
حامية، بل وحارقة، من الجدل
والانتقاد والاستحصال.
وهذا ما
تدلّ عليه الإشارات التالية في
المؤتمر:
(*)
اعتبر البروفيسور عوزي أراد، رئيس
المؤتمر ورئيس "معهد السياسة
والإستراتيجية" في "المركز
بين المجالي" في هرتسليا،
الجهة الداعية والمنظمة
للمؤتمر، في كلمته الافتتاحية،
أن القيادة الحالية تتحمل
المسؤولية عن جزء من التطورات
الأخيرة. كما شنّ أراد، الذي
أشغل في السابق منصب المستشار
السياسي لرئيس الحكومة الأسبق
بنيامين نتنياهو، هجومًا
حادًّا على المواطنين العرب في
إسرائيل، معتبرًا أن استئنافهم
على "يهودية إسرائيل" كما
تجلّى الأمر في "وثيقة
التصوّر المستقبلي للعرب
الفلسطينيين في إسرائيل"
الصادرة عن لجنة المتابعة
العليا يضعهم في قارب واحد مع
"القوى المحيطة بإسرائيل
الرافضة لحقها في الوجود كدولة
ديمقراطية ويهودية، وهو الحقّ
الذي اعترف به العالم"، على
حدّ قوله.
وفيما
يلي ترجمة حرفية لموجز كلمة
عوزي أراد، التي وصلت إلى "مركز
مدار" نسخة عنها:
"بدأت
مؤتمرات هرتسليا (حول ميزان
المناعة والأمن القومي)
بالانعقاد منذ العام 2000، رغم
أنه في تلك السنة كان المناخ
مختلفًا بصورة جوهرية. آنذاك
لاحت إمكانية لتسوية مع سورية
وحل دائم مع الفلسطينيين
وانسحاب من لبنان، وكان الجوّ
العام مثيرًا للنشوة. لكننا
عرفنا (أقصد نحن مؤسسي المؤتمر)
أن الواقع أكثر صعوبة وأقل
جمالاً. وقد أحسسنا أن أمام
الدولة اختبارات صعبة، وأن قدرة
الدولة على الصمود، بحسب تسمية
دافيد بن غوريون، ستتعرّض
للاختبار.
"في
المؤتمر الأول العام 2000 كانت
الدولة عرضة لانفجار الانتفاضة
وعنف العرب في إسرائيل وفشل
مباحثات طابا والانتخابات (البرلمانية)
الوشيكة. وقد تحققت النبوءة
السالفة في مؤتمرات هرتسليا
اللاحقة. ففي كل مؤتمر من هذه
المؤتمرات كان واضحًا أنّ
الفلسطينيين يخوضون ضدنا حربًا
إرهابية، وتحولت الجبهة
الداخلية إلى جبهة حرب، ووقعت
عمليات تفجيرية في جميع أرجاء
دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت
اتضحت بصورة جلية السمة الأكثر
أساسية التي تمنح إسرائيل قدرًا
كبيرًا من المناعة، وهي قوة روح
الشعب. ورغم الضربات الصعبة فقد
صمد الشعب أمام الرياح العاتية،
وحيث وجدت الإرادة والمبادرة
تعبيرًا عنهما، فإن الاقتصاد
بدأ بالإقلاع.
"لم
نصرف النظر عن التحدي
الإستراتيجي الآخذ في التعاظم،
والمتمثل في التهديد الإيراني
وكل مجروراته. وبقدر معيّن فإنه
كلما كررنا الإشارة إلى الموضوع
الإيراني باعتباره موضوعًا
مركزيًا، فقد شعرنا بأنه تمّ
الإعلان من على منصة هذا
المؤتمر عن أجندات أخرى
باعتبارها ذات أولوية.
"خطة
الانفصال تمّ الإعلان عنها في
مؤتمر هرتسليا وظلّت الموضوع
المركزي على مدار عامين بعد ذلك.
وكان هناك من اعتقد بأنه لا مكان
للقلق بإزاء التهديدات التي
شدّدنا عليها من الجنوب (غزة)
ومن الشمال (لبنان) ومن الشرق (العراق)،
وادعى هؤلاء أن التهديد الحقيقي
هو من البيت وتبنوا رأيًا ينبغي
بموجبه تقليص ميزانيات الأمن.
"لقد
شهد مؤتمر هرتسليا نقاشات
مختلفة، وكان في الوقت نفسه
المنصة لصوغ سياسة ملائمة.
"وخلال
السنة المنصرمة شهدنًا مدًّا في
خطورة المشاكل الماثلة أمامنا.
"فهناك
إيران نفسها التي تستفز
إسرائيل، عبر تقدمها صوب تطوير
قدرتها النووية.
"وفي
الولايات المتحدة تفاقمت بعض
المظاهر المتحفظة من العلاقات
الخاصة التي تمّ بناؤها طوال
سنوات عديدة بين واشنطن
وإسرائيل.
"وفي
البلاد أدار رؤساء الوسط
العربي، بصورة واضحة، ظهر المجن
للأركان الأساسية لإسرائيل
كدولة ديمقراطية وكدولة
يهودية، وبذا فقد ربطوا مصيرهم
مع المحيطين بنا المتشككين أو
الرافضين لحقّ دولة إسرائيل في
الوجود، وفقما جرى الاعتراف بها
من جانب العالم.
"وفي
الصيف الماضي خضنا حربًا ضد
تهديد حزب الله. هذه الحرب
افتقرت إلى القوة الساحقة، ولم
تحسم المعركة، والأسوأ من ذلك
أنها أدت إلى تآكل قوة الردع لدى
إسرائيل. وأجيز لنفسي القول إنه
بالنسبة لجزء من هذه التطورات
فإنّ قيادتنا تتحمل المسؤولية
عنها أيضًا.
"في
الاستطلاعات (المؤشرات) التي
ستعرض فيما بعد، سيتبين الأمر
نفسه الذي اتضح في السنة الأولى.
فإن روح الشعب وقدرته على
التحمل بقيتا صلبتين كما في
السابق. أما الشكوك فإنها موجهة
نحو المؤسسات والسلطات
والقيادة. لقد أثبت هذا الشعب
إيمانًا كبيرًا بذاته. وما
نأمله هو أن تخرج هذه القوة
والصلابة إلى حيّز الفعل".
(*)
دعا البروفيسور غابي بن دور، رئيس "مركز
دراسات الأمن القومي في جامعة
حيفا" (المسؤول عن "مؤشرات
مؤتمر هرتسليا")، بصورة
مباشرة للغاية، إلى استبدال
القيادة الحالية في إسرائيل، لا
على خلفية ما تمثله من
أيديولوجيا وإنما بسبب "مواصفاتها
السيئة" و"لأن الشعب يستحق
قيادة أفضل منها".
وفي
عرضه للنتائج الرئيسة، التي
خلصت إليها هذه المؤشرات، قال
بن دور إنه في التحصيل الأخير
ثمة فجوة آخذة في الاتساع بين
المجتمع والدولة في إسرائيل 2007.
وأضاف: "الحرب لم تؤثر على
نتائج المؤشرات المتعلقة
بالعصب الرئيس- الروح القتالية
والوطنية والتفاؤل. والبنية
التحتية (للمجتمع) لم تتآكل في
أعقاب الإرهاب أو الحرب (وبتأثير
منهما). والجمهور اليهودي لا
ينفك يعلن عن الثقة الكبيرة
بعدالة الطريق وعن ارتفاع في
منسوب مناعة المجتمع. المجتمع
صحيّ لكن القيادة والنخب مريضة.
وهذا وضع غير سويّ، كان سيصبح
أكثر سوءًا لو أنّ أحد الطرفين
المذكورين لا يثق بالآخر.
المجتمع الصحيّ في مقدوره أن
ينبت من بين صفوفه قيادة صحية،
لكن المجتمع المريض ليس في وسعه
أن يرمّم نفسه وقيادته".
وختم
بالقول: "يمكنني أن أجمل ما
تقدّم بعبارات قاسية مؤداها:
لدى القيادة شعب ومجتمع أفضل
مما تستحق، ولشعب إسرائيل قيادة
ومؤسسات أقل جودة مما يستحق. ومن
هنا الشعور بأنه ينبغي تغيير
قمة الهرم، ليس بسبب
الأيديولوجية التي تمثلها
وإنما لأنها بكل بساطة ليست
جيدة".
(*)
البروفيسور إفرايم ياعر، رئيس "برنامج
إيفانس لتسوية النزاعات" في
جامعة تل أبيب، والذي أشرف على
ما يسمى بـ"استطلاع الوطنية
الإسرائيلية"، للسنة الثانية
على التوالي، قال إن نتائج
الاستطلاع هذه السنة تنطوي على
بشرى سيئة تتمثل في ما طرأ من
زعزعة منقطعة النظير على ثقة
الجمهور الإسرائيلي بالمؤسسات
السلطوية. ومع
أنّ أبحاثًا أخرى أجراها ياعر
في السابق أظهرت، كما قال، أن
مستوى الثقة بالكنيست والحكومة
لم يكن عالياً أيضاً، لكنه أشار
إلى أن هذا المستوى انحدر الآن
إلى درك غير مسبوق.
كذلك طرأ هبوط حاد على مستوى
الثقة بقوات الأمن، التي تمتعت
دوماً بمستوى عالٍ من التأييد.
وهناك تناقض شديد بين مشاعر
التقدير للمناعة التي أظهرها
المجتمع المدني وبين مشاعر
التقدير تجاه قادة الجمهور.
فالجمهور يضع خطاً فاصلاً
جلياً بين المجتمع وبين الدولة،
وخاصة الممسكين بدفة القيادة.
"يقول الجمهور نحن وطنيون
نحب الدولة، لا تقحمونا في
إخفاقاتكم، وسوف نجد الطريقة
لإصلاح الاعوجاج.
وفي ضوء ارتباط الجمهور
بالدولة ينبغي معالجة الشرخ.
وأنا أستخدم هنا كلمة "شرخ"
لأنها تدل على شيء بنيوي"،
أكد ياعر.
وأضاف:
إذا ما نظرنا إلى الوضع في أعقاب
حرب لبنان، فإن الوضع اليوم
أكثر خطورة، إذ أن الانتقادات
التي جاءت في أعقاب حرب "يوم
الغفران" (تشرين الأول/
أكتوبر 1973) كانت متعلقة أكثر بما
سبق الحرب، ولكن هناك اليوم شرخ
في الثقة بأداء المؤسسات
السلطوية. من
هنا تنبع أهمية المعطيات.
وفي
عرضه لبعض معطيات الاستطلاع
التي تدعم ما ذهب إليه حتى الآن
توقف ياعر عند ما يلي:
-
أكثرية كبيرة جداً، ثلثا الجمهور
اليهودي، تعتبر نفسها وطنية.
نسبة الوطنيين في هذه السنة
لا تختلف عن نسبة السنة السابقة.
-
بمنظور دولي أو عالمي نحن لسنا الأكثر
وطنية، ولكننا نحتل مكاناً
جيداً في الوسط، ونقترب من
الولايات المتحدة وبعض الدول في
أوروبا. هناك
إجماع تام تقريباً حول أنشطة
وقيم مرتبطة بالوطنية.
فأكثرية الجمهور اليهودي
مستعدة للمحاربة من أجل الدولة،
على الأقل على مستوى التصريح.
هناك أهمية شديدة أيضاً
للغة العبرية والقدس والحياة في
البلاد وحبّ البلاد.
-
في أسئلة أكثر ملموسية من قبيل: "إلى أي
حدّ أنت فخور بأن تكون
إسرائيلياً؟"، اتضح أن أكثر
من 80 % من الجمهور اليهودي ما
زالوا فخورين بكونهم
إسرائيليين.
جلّ افتخار الجمهور- وفي هذه
النقطة يكمن التمييز بين
المجتمع والدولة- يدور حول
الإنجازات العلمية
والتكنولوجية والفنية والأدبية.
وهي إنجازات يصنعها أفراد
ذوو مؤهلات ومواهب أو جهات
ومؤسسات غير حكومية كالجامعات
ومراكز الأبحاث.
في المقابل فإن أقل ما يفتخر
به الجمهور هو المؤسسات
السلطوية، وتحديدًا السلطة
التنفيذية والسلطة التشريعية (الحكومة
والكنيست).
-
طرأ هبوط ملموس في مكانة قوات الأمن.
على الرغم من ذلك فهي تحتل
المكان الثالث في سلم الاعتزاز،
ولكن مع وجود فجوة كبيرة.
لم يطرأ على اعتزاز الجمهور
بقوات الأمن نفس التراجع
المتعلق بالحكومة والكنيست،
ولكن تراجع الاعتزاز بها كان
ملموساً بالمقارنة مع السنة
السابقة. ففي
العام 2005 أعرب 88 % عن اعتزازهم
بقوات الأمن الإسرائيلية بينما
انخفضت هذه النسبة في العام
الأخير (2006) إلى 64 %.
-
هناك بعد مهم للوطنية وهو الأصالة أو عمق
الانتماء. 89
% صرحوا بأنهم يفضلون المواطنة (الجنسية)
الإسرائيلية على أية مواطنة
أخرى. 87 % قالوا إنهم يريدون
تشجيع أبنائهم على العيش في
البلاد، ومع ذلك فقد سجل تراجع
في هاتين النقطتين، بنسبة 7 % و 6 %
على التوالي مقارنة بالسنة
السابقة. 77 % صرحوا بأنهم غير
مستعدين للهجرة من البلاد.
الأسباب المركزية للهجرة،
في حال كان هؤلاء يرغبون في
الهجرة، هي الوضع الاقتصادي
والوضع الأمني مع وجود فجوة
كبيرة بينهما.
(*) البروفيسور
يسرائيل أومان، الحائز على
جائزة "نوبل" وهو أستاذ في
الجامعة العبرية- القدس تحدث عن
خطرين وجوديين يتربصان بدولة
إسرائيل، هما الخطر النووي
المباشر (من طرف إيران) والخطر
النووي غير المباشر (من طرف
منظمات جهادية عالمية تتمكن
بطريقة ما من الحصول على أسلحة
نووية)، معتبرًا الخطر الثاني
هو الأكبر. ثم
انتقل للحديث عن خطر ثالث ربما
يكون، برأيه، أكبر من سابقيه.
ومما قاله في هذا الصدد: "هذا
الخطر لا يتأتى عن إيران أو عن
مجموعات إرهابية ولا عن أية جهة
خارجية.. إنه يأتي من داخلنا نحن.
"ها
نحن أخيرًا نلتقي العدو، وهو
نحن... أنا شخصياً أعتاش من "نظرية
الألعاب"، ومن ضمنها ألعاب
جدية للغاية، تتعلق بالحياة
والموت، بالوجود والفناء.
اسم اللعبة في نظرية
الألعاب هو الدافعية، الحوافز.
تحدثنا آنفاً عن دافعية
أعدائنا. لكن
الأهم هو دافعيتنا نحن.
هذه الدافعية التي أخذنا
نفقدها. بدون
دافعية لا نستطيع الصمود.
"ما
الذي نفعله هنا؟ لماذا نحن
موجودون هنا وما الذي نصبو
إليه؟
"نحن
موجودون بسبب ارتباطنا القديم
بهذه البلاد.
نتطلع إلى تجسيد أمل عمره
ألفي سنة، بأن نكون شعباً حراً
في موطنه، أرض صهيون... بدون هذا
الفهم العميق لن نصمد، ولن نبقى
هنا. ستقضي
علينا "ما بعد الصهيونية".
"قبل
حوالي ستة أشهر، قال رئيس
الحكومة (إيهود أولمرت)، في
أثناء زيارته لمدينة البتراء
الأثرية في الأردن، بأننا شعب
أصيب بالتعب، وقد كان محقًا في
قوله. فهو
منتخب من قبل الشعب، ويعبر عن
مشاعر الشعب.
سأجيز لنفسي قول بضع كلمات
غير شعبية وغير مألوفة.
اندفاعنا الجنوني إلى
السلام انقلب إلى لعنة علينا.
فهو في الواقع يبعد السلام
ويعرض وجودنا للخطر.
يبدو لي أن (وينستون) تشرتشل
هو الذي قال "إذا كنت ترغب
بالسلام فعليك أن تستعد للحرب".
هذا الاستعداد يشمل إعداداً
مادياً، وجيشاً متفوقاً وأسلحة
فعالة. ولكن
الأمر يتعلق بالدرجة الأولى
بالتهيئة النفسية، بالجاهزية
النفسية لخوض الحرب.
"خرائط
الطرق والتنازلات واللفتات
الكريمة والانفصالات
والانطواءات وعمليات الطرد وما
إلى ذلك، لا تجلب السلام.
على العكس فهي تجلب الحرب،
كما رأينا في الصيف الماضي.
هذه الأمور تعطي انطباعاً
واضحاً جداً لـ "أبناء عمنا"
بأننا متعبون، لم تعد لدينا
مناعة نفسية ورباطة جأش وقدرة
على الصمود.
هذا الأمر من شأنه فقط أن
يزيد شهيتهم وأن يشجعهم على
الضغط والمطالبة أكثر وأن لا
يتنازلوا عن شيء.
"هذه
الأمور تنبع من اعتبارات نظرية
مجردة، وكذلك من تفكير سليم.
ولكن ذلك ليس نظرية وحسب، بل
أُثبت أيضاً مراراً وتكراراً
على أرض الواقع، على مر آلاف
السنوات. فالتنازلات
ولفتات حسن النية لا تؤدي إلاّ
إلى الحرب، بينما التصميم
والجاهزية للحرب يؤديان إلى
السلام.
علينا
أن نقول لأبناء عمنا (الفلسطينيون
والعرب): نحن باقون هنا، لن
نتزحزح. لدينا
صبر وقوة احتمال.. عليكم أن
تستوعبوا ذلك.
يجب أن لا نكتفي بقول ذلك
لأبناء عمومتنا، بل علينا أيضاً
أن نشعر بذلك نحن بأنفسنا.
إن ذلك فقط، هو الكفيل بجلب
السلام. نحن في الحقيقة نستطيع
العيش بسلام وإخاء وتعاون مع
جيراننا، ولكن فقط بعد أن
يدركوا ويستوعبوا أن الدولة
الصهيونية باقية هنا... إلى
الأبد".
"اتجاهات
جديدة" في الخطاب السياسي
على
المستوى السياسي كشفت غالبية
أعمال "مؤتمر هرتسليا السابع"
وما تخلله من خُطب ومحاضرات
وأوراق عمل عن اتجاهات لم تجد
بعد تعبيرًا واسعًا لها في
وسائل الإعلام الإسرائيلية،
وإن تعرضت لبعض النقد.
أحد هذه الاتجاهات يتمثل في
الميل نحو التخلي عن صيغ قديمة
اقترحت في الماضي لحل النزاع
الإسرائيلي- الفلسطيني.
وهذا الأمر يرتكز إلى فرضية
أساس مغايرة، فيما يتعلق
بالطموحات والتطلعات الحقيقية
للفلسطينيين، أو العرب عموماً،
و"التي لا تقتصر على تحقيق
حلمهم الوطني في حدود مقلصة".
في ضوء
ذلك عرض قسم من المتحدثين أمام
المؤتمر استنتاجاً كبيراً أكثر
رحابة، يرفض الفهم القائل بأن
إنهاء النزاع الإسرائيلي-
الفلسطيني من شأنه أن يَحُلَّ
كل مشاكل المنطقة كما لو بضربة
عصا سحرية.
فيما
يلي عرض موجز لعدد من الخطب
والكلمات التي أُلقيت في
المؤتمر والتي تتطرّق إلى هذه
"الرؤية الجديدة".
الطريق
الثالثة
منذ
سنوات عديدة والحل الوحيد
المقترح للمشكلة الفلسطينية هو
المفاوضات السياسية التي يتعين
على إسرائيل في نطاقها إعادة
أراضٍ مقابل تعهد فلسطيني "بوقف
الإرهاب المنطلق من مناطق
السلطة الفلسطينية".
هيمنة الحلول من هذا النوع
استندت إلى تطرّف الحلول الأخرى
للمشكلة ذاتها: فالحل الوحيد
الذي يطرحه اليمين الإسرائيلي،
هو الترانسفير.
وثمة حجة دفاعية أخرى
تمترست خلفها نظرية "الأرض
مقابل السلام" كرست الكليشيه
أو العبارة السرمدية "لا حل
عسكرياً".
من جهةٍ
أخرى، فإن تجربة أوسلو، ومؤخراً
الانفصال، تضع علامة استفهام
كبيرة حول مبدأ "مقايضة الأرض
بالسلام".
فضلاً عن ذلك تبين- خلافاً
لما تدعيه محافل اليسار
الإسرائيلي- أن هذا النموذج (الموديل)
لا يشكل الخيار الوحيد.
فقد سلط عدد من المتحدثين في
مؤتمر هرتسليا ضوءاً آخر على
المسألة باقتراحهم حلولاً
مختلفة، أو بمحاولتهم تكريس
الإدعاء القائل إن الاعتماد على
مبدأ "مقايضة الأرض بالسلام"
لن يؤدي إلى الهدف المطلوب.
كان
السبّاق إلى هذا الطرح رئيس
الحكومة الأسبق بنيامين
نتنياهو. ففي
إحدى الجمل التي تضمنها خطابه
في المؤتمر تطرّق نتنياهو إلى
الطرح القائل بأن حل النزاع
العربي- الإسرائيلي سيؤدي،
بكيفية ما، إلى حلّ جميع مشاكل
المنطقة. ويقترح
نتنياهو قلب هذه الصيغة رأساً
على عقب: حل مشاكل أخرى في
المنطقة سيؤدي بالذات إلى حل
المشكلة الفلسطينية، حيث قال:
"بالإمكان كبح جماح إيران.
هذه هي مهمتنا الأولى.
إذا نجحنا فيها فإن تهديدات
قريبة أكثر سوف تتقلص تلقائياً.
فمنظمتا "حزب الله" و"حماس"
ستجدان نفسهما معزولتين
وضعيفتين. إن
الإطاحة بـ"حماس" هي
الكفيلة فقط بإتاحة صعود قوى
معتدلة أكثر في صفوف
الفلسطينيين، وعندئذٍ سيكون
بالإمكان بناء علاقات سلام وحسن
جوار مع هؤلاء".
يمكن
الاستنتاج من أقوال نتنياهو هذه
أنه يتعين على إسرائيل الآن،
وقد وصلت العلاقات مع
الفلسطينيين إلى طريق مسدود،
تسخير كل الطاقات والجهود من
أجل إزالة التهديد الإيراني،
وأنه إذا ما هُزِمَ النظام
الإيراني فإن الريح لن تهب
بعدئذٍ على أشرعة "حزب الله"
و"حماس".
وإن مثل هذا التغيير في رأي
نتنياهو "قد ينعش أملاً
جديداً بحل من نوع مختلف
للمشكلة الفلسطينية"، جوهره
تصفية هذه المشكلة.
وفي ضوء
خطاب نتنياهو ذهب بعض المعلقين
إلى القول إن خطاب رئيس
الحكومة، إيهود أولمرت،
الذي تضمن "تقريرًا حول
التهديد الإيراني" فحسب، كان
الهدف منه هو أن يردّ أولمرت على
خصمه، بنيامين نتنياهو، الذي
يدير في الآونة الأخيرة حملة
خاصة ضد إيران ويعرض الحكومة
باعتبارها متقاعسة وعاجزة.
اعرف
عدوك
هناك
محاضرة أخرى مهمة في هذا
السياق، أُلقيت في مؤتمر
هرتسليا السابع، تتطرّق إلى
الدوافع الحقيقية للفلسطينيين،
أو للعرب بشكل عام، عند
مناقشتهم لمشاكل المنطقة.
البروفيسور
مارتن كريمر، من "معهد واشنطن"
و"مركز شاليم"، قام
بمناورة في محاضرته انتحل
خلالها صفة من يتحدث باسم "إرهابي
إسلامي": "تخيلوا أن أحمدي
نجاد وأسامة بن لادن و(بشار)
الأسد و(حسن) نصر الله يجلسون
معاً. سأصوغ
أقوالهم بضمير المتكلم".
وأوضح كريمر من هذا المنطلق
الرسالة التي سعى إلى إيصالها
بقوله: "هل تعتقدون أن جميع
المسلمين سيتوقفون عن النضال
بعد تحقيق مصالحهم?.
إنها مسلية هذه الطريقة
التي تقنعون بها أنفسكم بهذا
الأمر... أقنعتم أنفسكم أنه إذا
ما أعادت إسرائيل مزارع شبعا
فإن حزب الله سيرضخ، وأنه إذا
فرضت عقوبات اقتصادية على إيران
فإنها ستتخلى عن برنامجها
النووي، وأنه إذا اعترفت
إسرائيل بحماس فسوف تعترف بها
حماس في المقابل... ما الذي
يتعيّن علينا القيام به حتى
تروا فينا أصحاب رؤية وحلم وليس
مجرد مسلمين ناقمين؟!".
ويُضيف
كريمر واصفاً بضمير المتكلم حلم
المسلمين: "يداعبنا حلم كبير،
راسخ في أعماقنا كرسوخ قيم
الحرية لديكم... نحن المسلمون لا
بُدّ لنا أن نتحكم بمصيرنا.
لا بد لنا أن نستعيد الشرق
الأوسط من أيدي أميركا وإسرائيل.
سوف ندحركم من هذه المنطقة.
نحن هنا كي نلحق الهزيمة بكم.
نحن نقرّ بأننا فقراء،
متخلفون وأميون، ولكننا نعرفكم
ونعرف أنفسنا.
نحن نطالب رجالنا بالتضحية
ونعدهم بالنصر في المقابل".
أقوال
كريمر تشكك أيضاً في مبدأ "مقايضة
الأرض بالسلام"، ومن وجهة
نظره يعتقد الفلسطينيون أن أي
اتفاق حل وسط مع إسرائيل هو خطوة
أخرى "على طريق النصر التام
المنشود".
وإلى
ذلك يُضيف كريمر أن الفلسطينيين
"لا يشعرون بالخجل من
أهدافهم، وأنهم يظهرون تجاه
الغرب، في الأحاديث الرسمية
فقط، تنورًا واستعدادًا للحوار"...
ولكنهم يبدون تجاه شعبهم، نفس
الروحية المستشفة من محاضرة
كريمر، والتي تتخيل أقوالهم:
"الغرب يستخف بنا.
لا يفهمنا.
إنهم يعتقدون أننا ماديون
مثلهم، وأننا مستعدون للاكتفاء
بالسلام والرفاهية الاقتصادية..
لكن الأمر ليس كذلك.. سنحرّر كل
ترابنا المقدس حتى آخر حبة من
حباته".
"المفتاح
ليس في أيدينا"
ثمة
رسالة أخرى شَفَّ عنها مؤتمر
هرتسليا، جاءت لتقوّض فهما له
مؤيدون في الخارج بالذات.
هناك من يقول إن الطريق إلى
طهران تمرّ عبر القدس.
والمقصود هنا هو أن حلّ
المشكلة الإسرائيلية-
الفلسطينية، والإسرائيلية-
العربية، سيؤدي إلى حلّ جميع
مشاكل الشرق الأوسط.
هذا الموقف نال مؤخراً
تعبيراً مهماً في تقرير لجنة
بيكر- هاميلتون، الذي قال إنه لا
يمكن حل مشكلات الولايات
المتحدة في العراق ومشكلات
العالم الغربي في إيران، دون أن
تتحقق أولاً كل التطلعات
الوطنية الفلسطينية.
هذه
الفرضية لا يمكن أن تكون مقبولة
من ناحية إسرائيل، على ما أكّد
عدد من الخطباء، ذلك أنه إذا
أجريت عملية عكس لغوية بسيطة
لهذه الفرضية فسوف يتمّ الحصول
في رأي هؤلاء على استنتاج يضاهي
اللاسامية: "إسرائيل هي مصدر
كل المشاكل في المنطقة، وبناء
على ذلك هناك ما يبرر رفض وجود
إسرائيل في العالم العربي
والكراهية لها بشكل عام.
لذلك من الجدير رفض هذا
الموقف (الطرح) جملة وتفصيلاً".
هناك
رسائل أخرى بهذه الروحية وردت
على لسان العديد من المتحدثين
في مؤتمر هرتسليا، ولكن أكثرهم
حدّة كان الرئيس السابق لهيئة
الأركان العامة للجيش
الإسرائيلي، الجنرال احتياط
موشيه يعالون، الذي أكد قائلاً
إن "قرارات إسرائيلية بتنفيذ
انسحاب أحادي الجانب من شأنها
أن تعزز فقط الإسلام الجهادي...
فضلاً عن ذلك فإن حلّ النزاع لن
ينهي صراع الحضارات مع الغرب.
لا مناص من خوض مواجهة مع
عناصر الإسلام الجهادي ولا سيما
النظام الإيراني".
هذه
الأقوال لا تناقض فقط الطرح
القائل بأن الطريق إلى السلام
الإقليمي يمرّ في القدس، وإنما
تؤكد العكس أيضاً: أية تنازلات
إسرائيلية ستشكل سندًا وحافزًا
للإرهاب العالمي وستقوي أوار
"حرب الجهاد المقدّس". ولذا
فإن المفتاح ليس في أيدي
إسرائيل.
"مؤتمر
ذو هوية أيديولوجية محدّدة"
سوية مع
ضرورة الالتفات إلى ما ورد
أعلاه لا يجوز القفز عن حقيقة
رئيسة مرتبطة بالهوية
الأيديولوجية لمؤتمر هرتسليا،
خصوصًا في دورته هذه. وقد أشار
إلى هذه الحقيقة عدد من
المحللين لكن أكثرهم وضوحًا
وحدّة كان المعلق السياسي عوزي
بنزيمان، وذلك لناحية التوكيد
أن مؤتمر هرتسليا- على الأقل في
هذه السنة- لم يكن "ملتقى
أكاديميًا موضوعيًا لا يعرف
المهادنة، بل كان مؤتمرًا ذا
هوية أيديولوجية محددة" ("هآرتس"،
25/1/2007). وأضاف: المؤتمر يُنظم من
قبل معهد السياسة
والإستراتيجية في المركز بين
المجالي في هرتسليا، والروح
الحية الواقفة من خلفه هي عوزي
أراد. وأراد سبق أن شغل مناصب
عليا جدًا في الحكم الإسرائيلي
حيث تجسدت رؤيته الفلسفية من
خلالها. نفس الشيء حصل من خلال
مناصبه الأكاديمية. وباختصار
يمكن القول إن أراد محسوب
أيديولوجيًا على المعسكر
اليميني في الخطاب السياسي
الإسرائيلي، وهناك تجسيد ملموس
لموقعه هذا، فهو مستشار مقرّب
من بنيامين نتنياهو. وموضوع
المؤتمر هو "ميزان المناعة
والأمن القومي" ومصطلحات مثل
"الوطنية" و"المناعة
القومية" و"التجدّد" و"التعاظم"
تظهر في عناوين جلساته. كما أنّ
جزءًا كبيرًا من المتحدثين في
المؤتمر (في أجزائه السياسية -
الأمنية على الأقل) معروفون
كأشخاص يمينيين (ريتشارد بيرل
وجيمس وولسي ودوري غولد وزلمان
شوفال والباحثون من "مركز
شاليم" اليميني المحافظ). وكل
هذا مشروع، فمراكز الأبحاث (مثل
الصحافيين) ليست خالية من
الميول والتوجهات، "ولكن يجب
أن نكون مدركين لانتماء هذا
المركز أيديولوجيًا عندما
ننكشف لبشائر أيوب التي تنطلق
منه"، حسبما يؤكد.
أمّا
الرسالة التي يطلقها المؤتمر
فإنها، في قراءة هذا المعلق،
رسالة محافظة ومؤداها: على
إسرائيل أن تتمترس وراء مواقفها
(إلا إذا اختارت شنّ الحرب، كما
يستدل من توصيات بعض المتحدثين
في المؤتمر)، وأن تكتفي بإدارة
الصراع لا أن تتطلع إلى إنهائه.
وهذا مفهوم مريح بدرجة معينة-
إذا لم نقل مترفًا- لأنه يعفي
المتمسك به من بذل الجهود
للتخلص من الوضع القائم، فضلاً
عن كونه مفهومًا يقرأ الواقع في
الشرق الأوسط على أنه قدَرٌ من
السماء وواقع حتمي تقع القوى
التي تؤثر عليه خارج نطاق سيطرة
إسرائيل.
----------
مدار
– المركز الفلسطيني للدراسات
الإسرائيلية
04-02-2007
|