أمن
العالم وحريته
بين
سرطان الشمولية وطاعون العولمة
(
الحالة الأكرانية ) ـ 3
عبد
الحميد حاج خضر*
حدث كل هذا الخراب والشعب
الأكراني يقف مشلول الحراك
وفاقد المبادة وسادر في أوهام
وأحلام الدعاية الأمريكية ،
ولعل الكبت والاستبداد والحقد
على النظام الشمولي البائس لم
يتركوا له فسحة التدبر والتبصر
في الكواث التي أحاطت به . اللبرايون الجدد الذي أعلنوا "
نجاح " العملية الجراحية بعد
موت المريض ؛ برروا فعلة السوء
هذه بالقول : أن القضاء على
التضخم يقع في أولويات عملية
إدخال أوكرانيا إلى سياسة السوق
، ولكن لم يكن في أوكرانيا تضخم
أصلاً ، وإن الوفر الذي كان في
المصارف كان وفراً حقيقيا ، حيث
عاش المواطن الأكراني حياة
متقشفة وما قدمت الدولة له من
خدمات كانت في حدود الضرورة أو
متواضعة.
وكان وفر المواطن الأكراني أحد
دعائم تراكم رأس المال في
النظام الاشتراكي ، فما هي
مبررات السطو على أموال
المواطنين عبر التضخم المصطنع .
الغريب أن الآلية التي كانت
معتمدة في أوكرانيا الاشتراكية
هي التي تعتمدها الشركات الكبرى
الآن ، لتوفير رأس المال اللازم
لتحديث المعامل ، لتضمن لجزء من
عمالها فرص العمل ، فتقوم
بتخفيض الأجور وتقليص
المكتسبات العمالية وتمديد
ساعات العمل ، التي ناضلت
النقابات العمالية لتخفيضها ،
أي فرض التقشف على العمال كما هو
الحال في أوكرانيا الاشتراكية .
في هذا العام طالبت الشركات
الكبرى ، مثل مرسيدس وأوبل
وفولكس فاغن ، العمال بالتخلي
عن بعض أوجورهم وتمديد ساعات
العمل "لإنقاذ " الشركة من
الإفلاس والصمود أمام مزاحمة
الشركات الأجنبية ، ولكي تبدوا
الصورة أكثر وضوحأ وحسية ؛
نقارن ألمانيا الشرقية ، التي
كانت تعتمد نفس الآليات لتوفير
رأس المال للبنية الصناعية . كان
المواطن في ألمانيا الشرقية
يملك رصيداً من الوفر أكبر من
المواطن الأكراني ، وعندما
توحدت ألمانيا الشرقية مع
ألمانيا الغربية ، قام البنك
الفدرالي في ألمانيا الغربية
بتعويض المواطنين من المانيا
الشرقية عن مدخراتهم بالمارك
الغربي بمعدل 1=1 في حين أن
المارك الغربي كان يعادل حوالي
10 مارك شرقي في السوق السوداء ،
كما أدخل المواطنون من ألمانيا
الشرقية ، في الضمان الصحي ،
والضمان ضد البطالة ، ومؤسسة
التقاعد . إلا أن أجور الموظفين
ومستخدمي الدولة للألمان
الشرقين تعادل 80% مقارنة
بزملائهم في ألمانية الغربية .
أما الجيش الشرقي فقد حل ، وقدمت
أسلحته الروسية الصنع إلى تركيا
بدون ثمن . الأجهزة "الأمنية
" والتي دربت عناصر الأجهز
القمعية في عدد من الدول
العربية ، وخاصة السورية
واليمنية الجنوبية فقد حلت
نهائياً ، وطوردت العناصر
المتنفذة فية ، ومنعت من ممارسة
الحياة السياسية . السؤال
الكبير في أوكرانيا وروسيا
الاتحادية هو : ما هو موقف
الدولة ومؤسساتها القمعية (
الجيش ، الشرطة ، المخابرات ) ؟
الدولة ، حسب تنظير ماركس ، في
الدولة البرجوازية العلمانية
ليست كيان حيادي ، وهي من نوع
الملكية الخاصة ، ولهذا فالدولة
البرجوازية ملك الطبقة
البرجوازية وأداتها القمعية .
وانتزع هذه الملكية ووضعا في يد
الطبقة العمالية هو الحل
المنطقي لإشكالية الدولة . إذا
سلمنا جدلاً بالشطر الأول من
التنظير الماركسي للدولة
البرجوازية وعدم امكانية حياد
وظيفتها في مجتمع طبقي . إلا أن
مسيرة الدولة " العمالية "
نشوءً وارتقاءً
في الدولة الاشتراكية لم يقدم
الدليل الحسي أو العقلي على صحة
ما ذهب إليه كارل ماركس . الجيش
الأكراني كما الجبش الروسي ،
وكذلك مؤسسات الدولة بما فيها
الأجهزة القمعية ، لم يحركوا
ساكناً وهم يرقبون عملية السطو
المنظم الذي قادته مؤسسات
العولمة وأعوانها المحليين
والعالميين على مكاسب العمال ،
بل كان هَمّ قادتها أن يكون لهم
نصيب من هذه الغنيمة والمحافظة
على مواقعهم في الدولة . أليس
ماكيافلي كان على "حق "
عندما خاطب الأمير ناصحاً "
أيها الأمير أن الجند قوم إذا
أغدقت عليهم العطاء أنصرفوا إلى
ملاذهم وتركوا واجباتهم ، وإذا
قترت عليهم أرزاقهم تمردوا عليك
" . ؟ أما أحلاس الوظائف وسدنة
الدولة من كبار الموظفين في
الدولة الاشتراكية ، فلم يكن
لهم هَمّ إلا تسليع خدماتهم في
سوق الفساد المزهرة . وقصة أم
علي ، التي تروى كنكتة في شرق
سوريه ، كانت الأصدق في توصيف
حالة الدولة : بعد أن سرح أبن أم
علي الوحيد من جهاز الشرطة ، حيث
كان يعمل برتبة رقيب في الشرطة ،
قررت أم علي أن تزوج أبنها
المدلل لجبر خاطره ، ولما طلبت
ابنة أحد العوائل من قرية
مجاورة ؛ سأل أهل البنت عن عمله
ومصدر رزقه ، فلم تكتم أم علي
شأن تسريحه وطرده من وظيفتة
ومصدر رزقه ، ولكنها أضافت أنها
سوف تقيم له مخفراً للشرطة
يرتزق منه ، وربما سيدر عليه
ربحاً أكثر من راتبه أو جعالته ،
والعجيب أن أهل العروس لم
يستغربوا الأمر ، وهزوا رؤوسهم
بالموافقة . لقد حدث مايشبه هذه
النكتة في جميع الدول
الاشتراكية التي انعتق موظفوها
من نير النظام الاشتراكي الذي
يقتر عليهم " رزقهم "
وانطلقوا في عصر العولمة يعبون
من المال العام والخاص ويسلعون
خدماتهم ويقيمون آلاف المخافر
على طراز مخافر أم علي . لقد
استطاع الجهاز البروقراطي
والمؤسسات القمعية أن يتكيف مع
الواقع الجديد بسرعة أذهلت
منظري العولمة أنفسهم . لقد رأيت
بأم عيني ، بعد ثلاث أشهر من
سقوط جدار برلين ، مئات الباعة
المتجولين وهم يعرضون كل أنواع
البزات العسكرية الروسية
والقبعات وشارات الرتب
والأوسمة ، من ملازم وحتى جنرال
، بل تجد أحياناً الضباط أنفسهم
يبيعون بأنفسهم هذه السلع ، وقد
همس بأذني أحد الباعة إذ كنت
أريد شراء بعض الأسلحة أو معدات
عسكرية الأخرى . هكذا تردى الجيش
الأحمر إلى انكشارية منفلته .
وأصبحت مؤسسات الدولة "
العمالية " سلع لمن يدفع أكثر
في سوق العرض والطلب المافوي
حقاً . في عام 1994 أجريت
انتتخابات رئاسية ؛ ترشح إلى
الرئاسة رئيس الدولة الأكرانية
في ظل الاتحاد السوفيتي (
كرفتشوك ) Krawtschuk ، ورغم أنه كان وثيق
الصلة بالجهاز السوفيتي السابق
المعرف على لسان الشعب ( ابرتشكي
) . إلا أنه قدم نفسه كمرشح قومي
أكراني ، في حين منافسه السيد
ليوند كوتشما L.Kutschma كان يتعلم اللغة
الأكرانية خلال الحملة
الانتخابية . حصل السيد كرفتشوك
في المراكز الانتخابية الثلاثة
عشر في غرب أوكرانيا على نسب من
الأصوات تتراوح ما بين 40%-90% في حين حصل السيد
كوتشما على نسب متشابه في شرق
أوكرانيا وفاز السيد كوتشما
بنسبة 52% بالرياسة ذات
الصلاحيات الدستورية الواسعة .
وأعيد انتخابه مرة ثانية بعد
خمس سنوات لدورة رئاسية ثانية
ستنتهي بعد بضعة أسابيع . أدار
السيد ليونيد كوتشما البلاد
بالاعتماد على الجهاز الإداري
الفاسد والمترهل ، الذي يسلع
خدماته للمواطنين ويدير البؤس
والفساد بالبؤس والفساد، الذي
خلقته العولمة ، والانفصال عن
الاتحاد السوفيتي ، وخاصة روسيا
الاتحادية ، وما يتعلق بها من
مسائل الطاقة ، وتبادل
السلع الصناعية التي يكمل بعضها
البعض في سوق أو منظومة
اقتصادية ، كانت إلى الأمس
القريب تعمل بآليات التبادل
العيني مقيماً بالروبل ، وهي
الآن مضطرة للتعامل بآليات نظام
السوق مقيمة بالدولار . الأجهز
البرقراطية في روسيا الاتحادية
وأكرانية تدير البوئس والفساد
وتقتطع لنفسها قسطاً من الغنية .
الحدود الطويلة والتي لا تضبط -
جعل البلاد بازراً مزدهراً
؛ تكثر فيه السلع المهربة وتشح
فيه السلع الوطنية ، مما جعل
الفوضي المنشودة والمقصودة من
العولمة - تبدو
نوع من أنواع النظام والانضباط
، فاتسع الخرق على الراتق ،
المشكلة التي لن تجد لها حل في
المدى المنظور هو انطلاق
الشهوات من عقالها وتجذر عقلية
الاستهلاك ، وأوهام الربح
السريع والمغامرة مع تلاشي حافز
العمل والانتاج ، وكأن الجميع
يردد شعر أبو نؤاس الماجن : دع
عنك لومي فإن اللوم إغراء //
وداوني بالتي كانت هي الداء .
ماذا حل بالأجهزة القمعية التي
كانت تعتبر قاسم الرزق باعث
الآجال.؟ بعد أن فقدت الأجهزة
القمعية " هيبتها " وأصبح
المواطن يدرك أن صاحب " الأمن
" راش ومرتشي سفيل ورذيل ،
وقائد السرية هو قواد السرية ،
وسمسار الدعارة والمخدرات ؛ بذل
له أهل الشطارة ما يريد
وتعايشوا معه بمواكلة حسنة . إن
جرثومة وبذور كل هذا الفساد
العريض كان في رحم النظام
المستبد ، وثقافة الإلحاد ،
والمادية المفرطة ، وتفكك
الأسرة وصلات الرحم ، وكفر
بعالم الغيب والحساب والعقاب .
العولمة أطلقت
مخزون الفساد من عقاله ،
واعتبرته من طيبات " القانون
الطبيعي " وعود إلي أحضان
شرعة الغاب يأكل فية القوي
الضعيف . والجميع ضد الجميع .
أهل الخصوصيات والمعارضة
الأكرانية : يرجع تاريخ
المعارضة الأكرانية إلى عام 1922
أي بعد إعلان أوكرانيا جمهورية
سوفيتية اشتراكية . إلا أن
المعارضة الأكرانية بدأت تنظم
صفوفها منذ عام 1930 بين
المهاجرين الأكرانين في كل من
كندا والولايات المتحدة
الأمريكية بشكل خاص ، التي حددت
أهدافها في إقامة دولة قومية
أكرانية . عملت المعارضة
الأكرانية ذات التنظيم المحكم
لتقديم قراءة قومية للتاريخ
الأكراني متأثرة بالمدرسة
التاريخية الألمانية منهجياً
وكرد فعل على القراءة الشيوعية
والنازية للتاريخ الأكراني ،
كما اعتنت بالآداب والفنون
والحضارة الأكرانية ،
والدراسات التي قدمت في هذا
المجال يعتد بها من الناحية
الأكادمية . بعد حل الكنيسة
الكاثوليكية في الاتحاد
السوفيتي لقيت المعارضة
الأكرانية زخماً جديداً
ورافداً مهماً في إحياء التراث
الثقافي الأكراني ، حيث يمكن
اعتبار الكنيسة الكاثوليكية
الحاضنة للثقافة الأكرانية .
منذ تأسيس ( روخ ) RUCH وتعني ( الحركة ) عام 1989 برئاسة
الأديب الأكراني إيفان دراتش Iwan F.Dratsch ومشاركة عدد من المثقفين
الأكرانين ؛ أنطلقت حركة
أكرانية فكرية وسياسية نشطة كان
من ثمارها اعتراف مجلس السوفيت
الأعلى في أكتوبر من نفس العام
باللغة الأكرانية كلغة
رسمية ، وفي 16/7/1990 اعترف مجلس
السوفيت بالكيان الأكرني
كجمهورية مستقلة ضمن
الجمهوريات السوفيتية وبهذا
أصبحت القوانين الأكرانية
مقدمة على القوانين السوفيتية .
استقل الحزب الشيوعي الأكراني
عن الحزب الشيوعي السوفيتي ،
وبتوجه قومي لا تخطئه عين
المراقب . يجدر الإشارة هنا أن
أكرانيا كانت عضو مستقل عن
الاتحاد السوفيتي في هيئة الأمم
المتحدة منذ تأسيسها عام 1945 ،
وكما أشرنا سابقاً ، أعلنت
أكرانيا دولة مستقلة عن الاتحاد
السوفيتي في 24/8/1991 وصادق
الاستفتاء الشعبي الذي أجري في
1/12/1991 على الاستقلال وانتخب
السيد كراقتشوك Krawtschuk رئيساً للبلاد . وفق
معاهدة مينسك Minsk ( عاصمة بلاروسيا أوروسيا البيضاء
) في 8/12/1991 ألغيت المعاهدة
التأسيسية للاتحاد السوفيتي
التي عقدت عام في 30/12/1922 لتحل
محلها معاهدة ( مجموعة الدول
السلافية ) التي تضم روسيا و
روسيا البيضاء وأكرانيا .
مجموعة الدول السلافية تعتبر
النواة لما يعرف ( بمجموعة الدول
المسقلة ) كوريث للاتحاد
السوفيتي . من المعرف : بعد سقوط
الاتحاد السوفيتي أن جميع الدول
والجمهوريات المكونة للاتحاد
السوفيتي أخذت طريقها إلى
الاستقلال عن موسكو ، مهما كانت
حجمها ، ما عدا الدول ذات
الغالبية المسلمة مثل (
كازاخستان ، قرقيزستان ،
تركمانستان ، اوزبكستان ،
اذربيجان، بشكيرستان ، داغستان
، التشيشان ) . وإيجاد ( مجموعة
الدول المستقلة ) تبرير صوري
لإبقاء تلك الدول تحت هيمنة
موسكو ، واستبداد النظم
الشمولية وآليات القمع
السوفيتية .
من أعمال أصحاب الخصوصيات في
أوكرانيا ، ما كتبه صمويل
هنتنتون Samuel P.huntington في كتابه " صراع الحضارات " .
بعد فوز السيد كوتشما ، رجل
موسكو والجهاز البروقراطي ، على
منافسه كرافتشوك "القومي "
درس هنتنتون نتائج الخريطة
الأنتخابية ليخرج على العالم
بمقالة غريبة في عالم سياسة
الأمصار ( جيوبوليتيك ) مستنداً
على شذرات من الوقائع التاريخية
. فجعل من أكرانيا دولة حدودية
بين عالمين حضاريين مختلفين ،
الحضارة الغربية والحضارة
السلافية ؛ معتبراً حدود
الحضارة الغربية حيث توقف
التبشير الكنسي الكاثوليكي
والبروتستنتي ، وهو الخط الذي
يمتد من أقصى شمال فيلندا
محاذياً للحدود الفلندية
الروسية منحدراً جنوباً ليضم
دول البلطيق الثلاثة (استونيا،
ليتوانيا ، ليتونيا ) وينحدر
جنوباً ليشطر بلاروسيا إلى ثلث
غربي وثلثين سلافي ، وكذالك
أوكرانيا ورومانيا وصربيا
وهرتسوكوفينا ليصل إلى البحر
المتوسط عند شمال ألبانيا (راجع
كتاب صراع الحضارات ، الفصل
السابع ) . العجيب أن السيد
هنتنتون يعتبر اليونان خارج
الحضارة الغربية ، وجزء من
الحضارة السلافية ؛ علماً أي
مثقف غربي يعتبر الحضارة
الاغريقية مهد الحضارة الغربية
!! إذا كان الغرب الانكلوسكسوني
يعتبر هنتنتون ، وما أفرز من
مغالطات في صراع الحضارات -
دليله في فهم عالم الغيب
والشهادة فهذا شأنهم ؛ الواقع
الذي نعيش يكذب
ما يفترون ويتخرصون . من أصحاب
الخصوصيات الذين أدلوا بدلوهم
في الشأن الأكراني الكنيسة
الكاثوليكية ، وخاصة البابا ،
البولندي الأصل ، حيث يشكل
الكاثوليك 13% من سكان أوكرانيا
كما أسلفنا ، ويشكل الذين
ينحدرون من أصول بولونية نسبة
معتبرة من الكاثوليك الأكرانين
. حاولت الكنيسة الكاثوليكية أن
تمد وتوسع نفوذها في أوكرانيا
قبل وبعد انهيار الاتحاد
السوفيتي . وكانت زيارة البابا
لأكرانيا التي امتدت من 23-27
يونيو (حزيران ) عام 2001 خطوة على
هذا الطريق . إلا أن المراقبين
اعتبروها استفزاز غير مبرر ،
ليس فقط للكنيسة الأرثودكسية
بشقيها ( كييف - موسكو ) وإنما
أيضاً للشعور الوطني الأكراني ؛
ذكر الأكرانين بالمطامع
البولندية في أكرانيا .
أما المجمع الكنسي البروتستناتي
فيسعى إلى كسب مواقع ثقافية في
الأوساط الأكرانية لصالح تسويق
الرؤية التوراتية ، حيث معاداة
السامية في أكرانيا متجذرة ،
وزاد هذا الشعور في فترة
العولمة مما دفع باليهود
الأكرانين للهجرة إلى "
إسرائيل " وألمانيا .
هناك واقع على الساحة الأكرانية
خلقته أكثر من سبع عقود من
النظام الشمولي المستبد ، كما
أن الثقافة التي سادت في هذه
العقود كانت لادينية مما أسهم
في تمازج أسري على غير أساس كنسي
، وأوجد انتماء وطني وقومي غير
متعصب ؛ يصعب فيه لأصحاب
الخصوصيات أن يلعبوا فيه ورقة
الإثنيات والطوائف بشكل يمزق
فيه وحدة التراب الوطني ، كما
يحلم هنتينتون أو أوساط بولندية
. أما الروس ، والذين يشكلون 21% ،
فهم عامل مفيد للتواصل مع روسيا
أكثر منه عامل هدم للبنية
الوطنية الأكرانية . بصورة عامه
يمكن القول أن البني الاجتماعية
الأكرانيه تخلوا من عوامل
التشنج والتعصب العرقي أو
الطائفي . إن التقشف في العهد
السوفيتي والأساليب القمعية
المستبدة مضافاً إليها سياسة
الإفقار التي رافقت سياسة
الانتقال من النظام الشمولي
السوفيتي إلى سياسة الانفلات
العولمي أوجدت وعززت القناعة
عند النخب الوطنية الأكرانية
بضرورة التضامن الوطني والعمل
لاسنقاذ ما يمكن استنقاذه . لعل
أسوء السيناروهات التي كان
يتمناها ويعمل على تنفيذها
اليمين المسيحي المتصهين هو
تحويل أكرانيا إلى دولة مواجهة
مع روسيا وبأسلحة نووية ، حيث
تملك أوكرانيا الامكانيات
الفنية لتصنيع مثل هذا السلاح ،
وجعلها دولة وظيفة لحماية "
الغرب " . وشق كتلة الدول
السلافية .
إن ضعف أوكرانيا الاقتصاد الحالي
هو في نفس الوقت نقاط القوة
لبناء دولة قومية ترعى ،
بالدرجة الأولى مصالح شعبها
الذي يعاني من نقص مذهل للخدمات
الضرورية ، وترد مخيف في الحياة
العمرانية . إن فقر أوكرانيا
لمصادر الطاقة ( النفط والغاز )
يجعلها في متناول الابتزاز
الروسي ، وقد مارست حكومة يلسن
ثم حكومة بوتين هذا الابتزاز .
كما أن دول الاتحاد الأوبي ،
الذي يضع مقايس اقتصادية صارمة
، لا تستطيع أوكرانيا تنفيذها ،
يدفع بالحكومة الأكرنية وطنية
التوجه إلى البحث عن سبل أخرى
للخروج من هذا المأزق ، وسلوك
طرق أخرى غير مسلوكة سابقاً
لكسر طوق الأنانية الغربية . أما
سياسة أمريكا الاقتصادية
المتطابقة مع سياسات مؤسسات
العولمة الثلاثة ( صندوق النقد
الدولي ، البنك الدولي ، ومنظمة
التجارة الدولية ) فهي الأكثر
حذراً من التورط في الاقتصاد
الأكراني الذي يبدو لأصحاب
العولمة حالة ميؤس منها ولا تقع
في سلم أولوياتهم
، إن الوصفات الجاهزة
والمعدة لكل زمان ومكان ؛ كانت
السبب في تدني الانتاج ومعه
الدخل القومي إلى 40% عما كان
عليه قبل الانفصال عن الاتحاد
السوفيتي . إن بيانات التضليل
التي ينشرها البنك الدولي عن
معدلات تنمية وصلت إلى 9% في
السنوات الأخيرة ، فهي مضللة من
جهتين ، في الكم : حيث 9% من 40%
التي وصل إليها التدني بعد
سياسة العولمة ، وفي التوزيع :
حيث أن حصة الأسد تعود إلى
الشركات الكبرى المستحدثة ،
وإلى الجهاز البروقراطي
المترهل والأجهزة القمعية
المدللة .
طفت كل هذه المتناقضات على السطح
مع قرب انهاء ولاية الرئيس
الحالى ليونيد كوتشما ،
والإعلان عن انتخابات جديدة في
البلاد . طرحت البروقراطية
الأكرانية ، والرئيس المنتهية
ولايته ، ومن ورائهم قادة
الكرملن الجدد وعلى رأسهم
الرئيس الروسي
فلادمير بوتن Wladimir
Putin، رئيس الوزراء السيد فيكتور
يانوكوفتش W.Janukowitsch ليرث السيد ليونيد كوتشما Leonid
Kutschma في الرئاسة حيث
الصلاحيات الدستورية الواسعة (
أزيد من صلاحيات رئيس الجمهورية
الفرنسية ) . المعارضة الأكرانية كانت كانت
ليس متحفزة للسلطة فقط ، وإنما
أحست بالطاقة الشعبية التي كانت
تغلي تحت وطأة استبداد الأجهزة
الأمنية والبرقراطية المترهلة
قسوة وفساداً ، كما تريد أن تثأر
لكرامتها المهدورة تحت نعال
الغرب والعولمة . لقد امتهن
الغرب بصلف وعنجهية كرامة
المواطن الأكراني ، وتعامل معه
بريبة وشك يصل إلى درجة التشكيك
بإنسانييته . طرحت المعارضة
مرشحها بوقت مبكر نسبياً إلى
حلبة الصراع
. هل كان السيد فيكتور
يوشنكو W.Juschtschenko على وعي تام لما يريد
منه غالبية الشعب
الأكراني
أم أن ما تعرض له في شهر سبنمبر (
أيلول ) ، حيث ظهر للجمهور بوجه
جديد مشوه تعلوه ندب متكلسة
وكأنها بقيا حروق أحماض (أسيد )
محرقه ، قيل أنها ظهرت على وجهه
فجأة إثر محاولة اختيال بسم
ناقع دس له من قبل المخابرات
الروسية ، ولكن نجا بإعجوبة
منها . الرواية لم تؤكد منه أو من
جهة يعتد بها رسمياً ، ويعزي
البعض تصلب يوشيتكو أمام خصومه
إلى هذا الحادث . على قاعدة "
الضربات التي لا تميتنا تكسبنا
صلابة " . ولكن أرجح تصلب
السيد يوشينكو إلى الزخم الشعبي
الذي عرفته المعارضة بعد مرور
أسبوعين من الاحتجاج المتواصل .
الشعب الأكراني كان يتوجس خيفة
من التزوير ،
وتراكمت لديه الخبرة
والدراية بأساليب التزوير ،
الجديد أن الشعب الأكراني لم
يعد لديه الوقت ليتحمل نتائج
التزوير أو
يتغاضى عنها ويغفر للمزورين
خمس سنوات أخرى تزيد من بؤسه
وشقائه . وكما تقول الأغنية
العربية " اليوم اليوم وليس
غداً " اجراس التغير يجب أن
تقرع . في الجولة الأولي كان
واضحاً أن عدد الأصوات التي حصل
عليها مرشح الحكومة يانوكوفتش ،
والتي وضعته في المرتبة الأولى
، غير معقولة ، ولما لم يحصل أحد
المرشحين على أزبد من 50% ؛
انتظرت المعارضة الجولة
الثانية ، مع اتهام الحكومة
بالتزوير ، ولتكون البينة حسية
للجماهير . أعلن في الجولة
الثانية فوز مرشح الحكومة السيد
يانوكوفتش ، وسارعت موسكو
للاعتراف بالنتيجة المزورة ،
إلا إن المعارضة أخذت زمام
المبادرة وخرجت للشارع ، وأعلن
مرشح المعارضة أنه الفائز ، وفي
حشد جماهري منقطع النظيرة وضع
السيد يوشنكو حول عنقه شال
برتقالي اللون ؛ اللون
البرتقالي يعني ، حسب التقاليد
الأكرانية ، الرفض . وهذا
التقليد يرجع إلى مراسيم الخطبة
عند الأكرانين . فعندما يتقدم
شاب لخطبة فتاة ما ، وتقرر
الفتاة وأسرتها رفض الطلب ؛
ترسل أسرة الفتاة في اليوم
التالي باقة ورد بالون
البرتقالي ، مما يعني رفض طلب
الخطبة . اتخذت المعارضة
الأكرانية هذا اللون رمزاً
لرفضها نتيجة الانتخابات ، وليس
لهذا التقليد علاقة بالحركة
البروتستنتسة الهولندية التى
نشرت البروتستنتية في ايرلندا .
بعد تردد في مجلس الوحدة
الأوربية قرر المجلس عدم
الاعتراف بنتيجة الانتخابات ،
وأبدى المجلس استعداده للتوسط
بين الفرقاء . اكتفت الولايات
المتحدة برفض النتيجة دون
الوقوف إلى جانب المعارضة كما
حدث في جورجيا . كان موقف
المعارضة صلباً لدرجة أحرج كل
الفرقاء الذين حاولوا الالتفاف
على المعارضة والضغط عليها
بالتهديد والوعيد والإغراء .
فوجود السيد ليش فليسا Lech walesa الرئيس الأسبق لبولندا ، وصنيعة
الكنيسة الكاثولكية ، الذي خسر
الانتخابات في ديسمبر ( كانون
الأول ) عام 1995 أمام مرشح اليسار
السيد اليكسندر كفاسنيفسكي Aleksender
Kwasniewski ، ولما كان على السيد
ليش فليسا مغادرة القصر الرئاسي
ومكتب الرئاسة - حمل معه كرسي
الرئاسة إلى بيته ، ليدلل بشكل
حسي على الصغار والحطة . أما
خصمه وخليفته في الرياسة (
الشيوعي القديم ) فلم يقدم إضافة
تذكر لتحسين وضع العمال والكسبة
، الذي كان يتردى يوماً بعد يوم
، بل دفع بالخصخصة وبيع ممتلكات
الدولة بثمن بخس إلى رأس المال
اليهوي القادم من أمريكا للسلب
والنهب تحت شعار الاستثمار .
عاود ليش فليسا الكرة مرة أخرى
كأحد المنافسين على الرياسة في
ديتسمبر عام 2000 ليحصد 1% فقط من
الأصوات ، رغم مساندة الكنيسة
الكاثوليكية له ، لذلك حاول
البابا أن ينتقم لهذه الهزيمة
المرة ، فقام بزيارة أوكرانيا
في صيف عام 2000 كما ذكرنا آنفاً .
من أصحاب الخصوصيات الذين وقفوا
أمام الجماهير الغاضبة في ساحة
الاستقلال في كيبف كان عمدة
موسكو يوري لوشكوف Juri Lushkow ، الذي يذكر منظره بالسكرتير
الأول للحزب الشيوعي بالستينات
( خروشوف ) ذو الصلعة الشهيرة ،
ولكن جاء السيد يوري لوشكوف إلى
كييف ، ليس للتضامن مع المعارضة
الأكرانية ، ولكن كمبعوث للسيد
بوتن لدراسة الوضع على أرض
الواقع ، كما لاحظنا حضور
شخصيات أمريكية من اليمين
الصهيوني المتطرف ، لتقصي
الحقائق في أكرانيا . كل هذه
الشخصيات كانت توجه رسائل
تحذيرية للمعارضة أو تلوح بورقة
الخصوصيات ، فقفلوا راجعين بخفي
حنين ، حيث كانت المعارضة قد
تجاوزت حاجز الخوف وحجمت بآليات
ذاتية الدفع الأصوات التي تدعوا
إلى الثورة ، والاحتكام إلى
شرعيتها دون احترام للقانون .
لقد كتب السيد جون ريد ، الذي
عاش الثورة البلشفية ، وشهد
صعوده لينبن على دبابة ليلقي
خطابه الشهير ويعلن " أن
السلطة كل السلطة للسوفيت (
المجالس العمالية ) ، كتابه
الشهير ( عشر أيام هزت العالم ) ،
وهذا صحيح لقد اهتز العالم ، بل أصابه زلزال مدمر ، حصد
العالم ثماره استبداداً وحروب
طاحنة . نحن نقول اليوم ،
وبتواضع شديد ، أن أسبوعين من
التظاهر السلمي ولإصرار على
التغير والإصلاح ستزعزع أركان
الطغيان والاستبداد الذي فرض
على شعوب أوربا الشرقية . باسم
الديمقراطية المعلبة بأيدي
الأجهزة القمعية والمسوقة
بزخرف القول من أنصاف المثقفين (الليبرالين
الجدد ) الذين سيصبحون عما قريب
، انشاء الله ، أيتام العولمة .
أما السيد خابير سولانا Javier
solana مبعوث الوحدة
الأوربية إلى كييف وموسكو
للتوسط بين الفرقاء ، فقد كان
همه الوحيد التأكد أن أنابيب
النفط والغاز ، التي تمر عبر
الأراضي الأكرانية إلى وسط
أوربا ، لن يلحقها أذى . إن دول
الوحد الأوربية تفتقد
المصداقية عند أطراف معتبرة من
المعارضة الأكرانية . لقد تعامل
الأوربيون مع الشعب الأكرني
بتعالي واحتقار شديدين ،
فالأكرني كان موضع ريبة وشك عند
الأوربيين ، كما أن الإجراءت
على الحدود ومع طلاب العمل من
الأكرانين ، وعلى امتداد الساحة
الأوربية ، كان يتسم بآليات
النخاسة وسوق العبيد ، حيث زجت
المافيا الروسية وحلفائها في
الغرب بآلاف الفتيات
الأكرانيات في دور الدعارة
والبغاء . إن السيد خابير سولانا
عندما يطالب بمعاير أوربية
للعملية الانتخابية فهو ينطلق
من معاهدة KSZE ( مؤتمر
الأمن والتعاون الأوربي ) حيث
تعتبر أكرانيا عضو فيه منذ مارس
( آذار ) عام 1992 ، ومع أن السيد
سولانا كان حذر ويتوجس خيفة من
ردود فعل روسية . إلا ان ردود
الفعل من الكرملن والدوما كانت
فضة وغليظة ، ولا تخلو من
التهديد والتلويح بشطر
أوكرانيا إلى غربية وشرقية .
أمريكا لم تكن مرتاحة لتوجهات
المعارضة الأكرانية ، ومنذ
البداية ، لأنها كما يبدوا ؛ ليس
لها أسهم معتبرة فيها ، كما في
الحالة الجورجية ، وترى فيها
تهديد لحليفها المخابراتي سيد
الكرملن بوتن . الذي فرح بنجاح
بوش في الانتخابات . لم تدخر
الإدارة الأمريكية وسعاً في
تشويه المعارضة الأكرانية
بتسريب معلومات مفادها : أن
المعارضة الأكرانية تلقت دعماً
مالياً قدره 14 مليون دولار من
وكالة المخابرات الأمريكية .
علماً أن المهاجرين الأكرانيون
في كندا والولايات المتحدة
الأمريكية يصل عددهم إلى
مليونين نسمة ، وليس من
المستبعد أن يمد المهاجرون
الأكرانيون يد العون إلى
إخوانهم في أوكرانيا . هذا
التعقيد الذي تنسج خيوطه خلف
الكواليس - لم يفت من عضد
المعارضة الأكرانية ، وحتى
الرهان على جنرال البرد والثلوج
، من قبل الكرملن وأمريكا ،
وحلفائهما من أصحاب الخصوصيات ،
لم يأتي بأكل " طيبة " لهم ،
وأصرت المعارضة على مواصلة
الإعتصام والتظاهر . استجاب
البرلمان الأكرني لمطالب
المعارضة باعتبار الانتخبات
غير شرعية ؛ تبعته المحكمة
العليا في كييف ، بعد مشاورات
تراهن على عامل الزمن ، واعتبرت
الانتخابات غير سليمة ، وبالتلي
لاغية . أعطي رئيس الحكومة ،
والمرشح للرياسة ، إجازة من قبل
رئيس الجمهورية كوتشما ، ليتفرغ
لحملته الانتخابية وخوض
المعركة الانتخابية التي حدد
موعدها في 26
من هذا الشهر . لم يعف السيد
فيكور يانوكوفتش من منصبه كرئيس
للوزاء ، لان الدستور الأكراني
يمنع إقالة رئيس الوزراء في
فترة الإجازة . في نفس الوقت
أصدر البرلمان مجموعة من
القوانين واللواح لتمنع أي
تجاوزات أو تلاعب في العملية
الانتخابية . كما أصدر تعديلات
دستورية تقلص من صلاحيات رئيس
الجمهورية لصالح البرلمان .
ولكن هذه التعديلات تعتبر سارية
المفعول اعتباراً من ديتسمبر (كانون
الأول ) عام 2005 ، أي إعطاء الرئيس
الجديد فسحة من الوقت للتلائم
مع موازين القوى الجديدة .
والجدير بالذكر أيضا أن
البرلمان أصدر قراراً يطالب
الحكومة بسحب قواتها البالغ 1400
جندي فوراً من العراق ، وليس كما
هو مقرر في ربيع العام القادم
. كل هذه الإصلاحات تعتبر
معقولة ومقبولة من قبل المعارضة
، ولكن تنفيذها رهن بموازين
القوي ، وهي من وجهة نظر أجهزة
الدولة الإدارية والقمعية ؛ كسب
للوقت لتنظيم الصفوف لمعركة
قادمة مع الرئيس المتخب ، والذي
سيكون على الأرجح مرشح المعارضة
فيكتور يوشينكو . السؤال هو : هل
تستطيع المعارضة الأكرانية أن
تحافظ على الزخم الشعبي الذي
عبرت عنه الكاتبة الأكرانية
السيده أوسكانا سابوشكو Oskana
Sabuschko بقولها : إننا سنجر
الرئيس من شعره إلى الطريق
القويم والهدف المنشود .! أم
تتمكن العقول البتونية
والأساليب المافوية من تحريك
عجلة الديمقراطية إلى الوراء
بآليات الضبط والربط
البرقراطية والبوليسية . بوادر
العاصفة المضادة بدأت تلوح في
الأفق ، حيث تحاول الحكومة
بأجهزتها القمعية وأسليبها
الترويعية حشد القوي المعادية
للمعارضة في المناطق الشرقية
الصناعية والغنية بالفحم
وتسكنها نسبة معتبرة من الروس
17,9% ، ومن بلاروسبا 2,2%. مثل
دونيسك Donezk ولوغانسك Lugansk وشبه جزير القرم Krim وجاركف Charkow
وسابوروشك
Saporoschke وبعض المقاطعات الشمالية
الشرقية . إن الذي مارس السلطة
قد يضطر إلى مغادرتها ولكن لن
يفارقه حلم الرجوع إليها منشدأً
ما أحلى الرجوع إليه . ! ! أعتقد
أن المعارضة الأكرانية ستسهم
بشكل ما في تصعيد المعارضة
الروسية التي مازال بعض أطرافها
يغض الطرف عن الممارسات القمعية
وشظف العيش ووبال العولمة ؛
معتقداً أن بوتن هو الحامي
للهيبة الروسية وحلم كاترين
الثانية ، وإن التنازلات
المهينة للغرب وأمريكا خطوات
تكتيكية لا أكثر . ويبدوا أن هذه
الشريحة الموهومة بدت تفيق من
سباتها وأخذت تتململ بشكل واضح
الدلالة ، فتصريح بوتن أنه لن
يرشح للرياسة مرة أخرى ، وأن
روسيا تملك صوايخ شيطانية لا
مثيل لها في الحاضر والمستقبل ،
وكذلك إنكاره على العميل علاوي
وبالتالي على أمريكا ؛ أمكانية
إقامة انتخابات عامة في العراق
في 30 من يناير ( كانون الثاني ) 2005
. كل هذا يعتبر من المؤشرات على
تزايد المعارضة من قبل شريحة
المحافظين الروس لكرنفالات رجل
المخابرات مزدوج الولاء ، والذي
فضح نفسه عندما انظم إلى جوقة
المرحبين بإعادت انتخاب الرئيس
جورج بوش وحروبه العدوانية على
الإسلام والأمة وطلاب الحرية
والمعادين لغول العولمة .
انتهى
*
باحث في الفقه السياسي الإسلامي
المعاصر / ألمانيا
|