الانتخابات
العامة :
مادة
الشرعية وميزانها والبرلمانية
ثمرتها في مواجهة الاستبداد
1ـ3
عبد
الحميد حاج خضر* _ ألمانيا
ناصية البحث :
لقد أصبح الحديث اليوم عن
الديمقراطية في العالم العربي
والإسلامي ، كالحديث عن
الاشتراكية في نهاية الخمسينات
والستينيات والسبعينيات ، أي
مجرد شعار تطلقه بعض النخب
الثقافية يعلنون من خلاله
توبتهم عما اقترفوا من زلل وخطل
وتضليل ، هذا إذا أحسنا الظن بهم
. ولكن عندما يجعلون سبب تعثر
الديمقراطية في العالم العربي
والإسلامي
هو الحركات الإسلامية
كالأخوان المسلمين أو جبهة
الإنقاذ أو غيرها من الحركات
الإسلامية فيجب أن يكون لنا
معهم حديث آخر . الغرب الأوربي
وصل إلى صيغة معينة من
الديمقراطية وأعلن منذ البداية
أن هذه الصيغة غير قابلة للتطبق
إلا في منظومة فلسفية وفكرية
واجتماعية واقتصادية غربية ،
مبرراً بذلك سياسة الاستعمار
التي كان يمارسها في الأقطار
التي وقعت تحت نير استبداد
جنوده وجنرالاته من جهة ،
وليشبع غروره العنصري
واستعلائه على الآخر من جهة
ثانية . إلا أن هناك عامل آخر ،
وهو خلق العداوة والبغضان مع
الآخر ليضمن ولاء شعبه للنخبه
الحاكمة .
Montesquieu مونتيسكيو : أبو الدستور ،
كما يعرّف بالغرب ، وكذالك Hugo Grotius هوجو
غروتيوس : أبو حقوق الإنسان .
يعلنان أن الديمقراطية وحقوق
الإنسان نبتتان غربيتان لا يمكن
استنباتها في تربة خارج أوربا .
كانت النخب الأوربية تعتقد ،
وحتى وقت قريب ، أن أجراء
انتخبات عامة وحرة وفق المعاير
الأوربية في الضبط والربط سيحمل
الحركات الإسلامية إلى سدة
القرار السياسي وسيسبب متاعب
للغرب نفسه . المستفيد الوحيد من
هذا الهاجس الغربي هو الاستبداد
والطغيان نفسه . لم يعد سراً أن
الغرب نفسه هو الذي ساند كل
أنواع الأنظمة الشمولية التي
أفسدت الحرث والنسل . وبعد عناد
وإصرار عجيب من قبل النخب
الحاكمة في الغرب على هذا الوهم
القاتل وأصبح الوضع في كل الدول
العربية كارثي الأبعاد . وقع
الغرب في حيرة من أمره
الاستمرار أو التوقف وترك الحبل
على الغارب . الأرجح أن الغرب لن
يستمر في دعم الاستبداد على نفس
الوتيرة السابقة ، ولكن لن يدعم
القوى الواعدة في إرساء
الديمقراطية ، كمقدمة للإصلاح ،
وأقصى ما يستطيع الغرب الأوربي
اليوم هو الحياد السلبي أما
أمريكا فستبقى لفترة ، قد تطول
أو تقصر ، تدعم المشروع
الصهيوني المدمر . لهذا فالرهان
على أمريكا كعكاز يستند عليه
للإصلاح والديمقراطية وهم عقيم
. أمريكا مهددة أن تنتكص إلى
نظام فاشي مستبد . لا يوجد في
أمريكا مؤسسات مهيئة فلسفساً
وفكرياً لتقويم المسيرة غير
الديمقراطية ، وجل ما لدى
أمريكا أفكار تدعوا إلى "تحسين"
الأداء الامبراطوري . الساحة
العربية ستصبح عما قريب منطقة
فراغ سياسي وعجز اقتصادي ،
ولاسبيل للخروج منه إلا أن تأخذ
النخب العربية زمام المبادرة
وتبحث عن قولسم مشتركة فيما
بينها وتتنافس فيما بينها ضمن
هذه القواسم . يجب أن لا تأخذ
بالديمقراطية كنتيجة فحسب ولكن
عليها أن تدرس الطريق الذي قاد
إلى الديمقراطية بوعي وموضوعية
. في انكلترا ، أعرق ديمقراطية
في العالم ، بدأت المسيرة
الديمقراطية بوضع البرلمانية
في مقابل الاستبداد وجعلت
البرلمان الممثل لإرادة الأمة
البديل الوحيد للستبداد الذي
يستمد شرعيته من الإرادة
الإلهية ، ومن المفارقات أن
الخصم العنيد للستبداد ودعوى
الإرادة الإلهية هم من
المتدينين المسيحين في حين أن
فلاسفة الاستبداد وتغول الدولة
من الملاحدة أو المتشككين بوجود
الله وعلى رأسهم تومس هوبز Thomas Hobbes الذي كان يتوقع الشر والحرب
الأهلية لمجرد ضعف الملك
والرضوخ أو التنازل
لمطالب الديمقراطين . الضعف
كان متبادل الملك قدم بعض
الإصلاحات المغرية لفريق من
الديمقراطين ، ومرفوضة من
الفريق الآخر الأكثر عزوة
ومكانة عند الشعب . نفس الشئ وقع
في الطرف الآخر . فريق كان يرى :
أن أي تنازل من قبل الملك سوف
يأتي على هيبة السلطة ويشجع
الديمقراطين على طلب المزيد من حتى تؤول السلطة في النهاية
لخصومهم وكان يمثل هذا الفريق
هوبز . وفريق يرى أن القبول ببعض
التنازلات هي الضريبة واجبة
الدفع لكسب الوقت للعودة إلى
مواطن القوة من جديد . لقد وقعت
الحرب الأهلية كما توقع هوبز في كتابه الغول Laviathan وعاشت انكلنرا أقبح أنواع
الستبداد قبل أن تصل إلى نظام
برلماني . إن خطاء القبول ببعض
الإصلاحات من قبل القوى
الديمقراطية ونجاح سياسة "
الرشوة " الإصلاحية في شق
صفوف الديمقراطين هو السبب
الأساس في نشؤ الحرب الأهلية .
الاستبداد لا يصلح فالإصرار على
البرلمانية كممثل لإرادة الشعب
دون مساومة ، حتى في الجزئيات
المتعلقة بآليات الانتخابات ،
التي قد تصبح من الأمور
الجوهرية . إن سورية تحكم ومنذ
أربعين عاماً بنظام مستبد
وأجهزة قمعية مخيفة وهي الآن
تبحث عن دور وظيفي جديد في
منظومة الهيمنة الأمريكية ،
وبما أن أمريكا تستطيع فقط أن
تنفذ سياسة حماية إسرائيل دون
الهيمنة على العالم
انطلاقاً من العراق كقاعدة
، كما سوق الصهاينة خطة احتلال
العراق ، فالدور الوظيفي الذي
تبحث عنه سورية اليوم لن يكون
إلا صهيوني الشكل والمضمون . فهل
يقبل الاستبداد في سورية بكل
فصائله هذا الدور ؟ إن حجة
النظام بقبول الدور الوظيفي
الأمريكي في الماضي والقول لا
طاقة لنا بجالوت أو حسب المثل
الشامي " اليد التي لا تقدر
عليها بوسها وادعي عليها بالكسر
" أصبحت يد إسرائيل بدون
القفاز الأمريكي . فهل يقبل
الاستبداد والباطنية السياسية
يد إسرائيل في سبيل البقاء
بالسلطة والفوز بغنيمة المال
الحرام في البنوك الغربية . ؟
الأيام حبلى بالكثير . إن
الإصرار على البرلمانية من قبل
قوى التغير شرط أساسي
لتجنيب البلاد التشرذم الذي
يقود إلى ما هو أسوء من أحداث
الثمانيات . إن أي مشرع للإصلاح
يراهن على أحد أجنحة الاستبداد
للحصول على مكاسب " إصلاحية
" وهم وتخلي عن مبدأ إرادة
الشعب التي يجب أن تكون الحكم .
المشروع الذي طرحته المعارضة
المصرية الإسلامية واللبرالية
والذي يتلخص بإجراء انتخابات
رئاسية يسمح
لعدد من المرشحين منافسة
المستبد ، أقل ما يقال فيه أنه
سذاجة وتلفيق ، فالمستبد يملك
كل آليات التلاعب والتزوير
لتزيف إرادة الشعب . ما الذي
يضير المستبد أن يفوز بنسبة 70%
بدلاً من 99,9% مع بقاء آليات
الاستبداد والقمع والطغيان . إن
النظام الرئاسي حتى على الطريقة
الفرنسية هو تحجيم للبرلمانية
التي تمثل إرادة الشعب وعنها
تنبثق السلطة التنفيذية رئاسة
ووزارة .
يجب على الطبقة السياسية
والمعارضة أن تدخل عالم
البرلمانية والديمقراطية من
أبوابها وليس التسلق على
جدرانها .
في الحالة السورية يجب أن تطالب
المعارضة بمجلس نيابي منتخب
يمثل إرادة الشعب . ويجب أن
تتوفر كل الشروط الدستورية
والقانونية لها مع كل آليات
الضبط والربط الأوربية ، فحن
لسنا أقل شأناً منهم ،
وأن تجرى وفق النظام النسبي
المعمول به في الدول
الاسكندنافية أو ألمانيا ، أي
الأخذ بكل صغيرة وكبيرة في هذا
الشأن فالشيطان يقبع في
التفاصيل ، كما يقول المثل .
الدستور السوري المعمول به
اليوم هو وثيقة استبداد مرفوضة
كلياً وجزئياً وغير قابلة
للإصلاح . دستور سورية لعام 1950
الذي أوقف العمل به بعد انقلاب
آذار 1963 هو العقد الاجتماعي
الأكثر ملائمة لسد الفراغ
الدستوري الذي قد يحصل بعد سقوط
الاستبداد . على المعارضة
السورية ، إسلامية أو غير ذالك ،
أن ترفض العنف غير المقاوم
للإحتلال رفضاً مبدئياً وليس
تكتيكياً باعتباره
، أي العنف ، مشرع استبداد
للمستقبل ، فليس من العقلانية
والحكمة استبدال ، استبداد
باستبداد ،
وظلم بظلم ،
وقهر بقهر . إن هذا البحث
الذي بين يدي القارئ هو تفصيل في
جزئية في المشروع البرلماني
الديقراطي ، ولكنها جزئية مهمة
ودقيقة ، فهي الميزان الذي توزن
به الديمقراطية نفسها ، فكلما
كان الميزان دقيقاً كلما كان
القبول بالنتائج أشمل وأوسع . إن
الذين يتبضعون بين مسارات
الهيمنة الأمريكية وينادون على
"رحيق" الديقراطية
الأمريكية في الأسواق العربية ،
سيجدون في هذا البحث ما ينقض
غزلهم ويبين زيفهم . أما بعض
الشيوخ الذين مارسوا الاستبداد
في سورية في بواكير عهده ، ولم
يفارقهم حلم الرجوع إليه مرددين
أغنية " نجاة الصغيرة "من
شعر نزار القباني : كم قلت آني
غير عائدة له /// ورجعت ما أحلى
الرجوع إليه .
أنصحهم بقراءة الكتاب
الشعبي الماجن
" رجوع الشيخ إلى صباه "
ففيه ما قد يصرفهم عن أضغاث
الأحلام وعنجهيات الأقزام .
بحث مقارن في القوانين والنظم
الانتخابية الغربية ، وإمكانية
الاستفادة منها في بلورة مشروع
برلماني في مواجة الاستبداد
لا يمكن بحث هذا الموضوع
بحثاً فنياً ، بعيداً عن
الموروث والمستحدث وتجارب
الإنسان ، التي أفرزت معانات
بعيدة الأثر في سلوك الفرد
والجماعات ، وما أحاط كل هذا من
عقائد نقلية وتصورات
فلسفسةعقليةجدلية ، ولكن ضرورة
التخصيص ( الواقع السياسي في
سوريا ) قد يعفينا من الدخول في
خضم الجدل النظري الذي لم يصل
أحد فيه إلى يقين يطمئن إليه ،
فضلاً أن يحمل الآخرين عليه ،
وبقي الجدل كما بدأ أول مرة ؛ كل
حزب بما لديهم فرحون .
لو استعرضنا أدبيات المعارضة
السورية من طقق إلى السلام
عليكم ، كما يقول المثل الدارج ،
نجد أنها تتجنب طرح مسألة
الشرعية ، أي شرعية النظام في
سورية . هل أنقلاب الثامن من
آذار عام 1963 واستيلاء الجيش
والأجهزة القمعية على السلطة كل
السلطة ( تشريعية ، قضائية ،
تنفيذية ) كان شرعية يعتد بها
؟. هل فرضية الدفاع عن
الحقوق المغتصبة عبر تجيش
الدولة والمجتمع مرجعية كافية
لتبرير السطو على كرامة الإنسان
ومعين رزقه والوصاية عليه ، حتى
في أخص خصوصياته ؟ منذ تاريخ ذلك السطو ، وعملية
الحلول والاتحاد الباطنية ،
أصبحت السلطة تردد مقالة
فرعون كما أوردها القرآن
الكريم " ما أريكم إلا ما أرى
وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "
. أدبيات المعارضة السورية ، في
معظمها ، تطرح وهم إصلاح سلطة
مغتصبة لا تملك أى مقوم من
مقومات الشرعية بل تساوم من سطى
عليها لإنتزاع بعض من ذلك السطو
فتكسب السلطة بالمقابل اعتراف
ضمني ببعض الشرعبة . مطلب
الإصلاح مبرر بل مطلوب فقط من
سلطة تملك شرعية معتبرة . إن رفض
اللاشرعية شرط لازم وقد يكون
غير كافي لمنع عملية سطو أخرى
تحل محل "اللاشرعية " فنكون
كالمستجير من الرمضاء بالنار .
لهذا من واجب الذين يتصدون
ويعارضون اللاشرعية
أن يقدموا ، وبوضوح لا لبس فيه ،
معالم الشرعية البديلة
للاشرعية . مثل اغتصاب السلطة
كمثل الاحتلال كلاهما غير شرعي
والمفاضلة بينهما صناعة
سوفسطائية صورية . المستهدف في
كلا الحالتين كرامة الإنسان
تمهيداً لستعباده ، يختلفان فقط
في الوسيلة والغواية والتبرير
والتغرير .
المادة
الأولى من الدستور الألماني
تقول وبشك مقتضب محكم الصياغية
وعنوانها : ( صيانة الكرامة
الإنسانية ) مفردات هذا العنوان
: 1- كرامة الإنسان لا تمس ،
احترامها وصيانتها واجب كافة
سلطات الدولة . 2- لهذا فالشعب
الألماني يعرف نفسه ، برفض
النيل أو مصادرة حقوق الإنسان ،
كقاعدة لمجتمع إنساني سلمي
وعادل في العالم 3- الحقوق
الأساسية الاحقة تلزم المشرع
والسلطة التنفيذية والقضاء
مباشرة الحقوق . هذه المادة
الدستورية تعتبر من الثوابت
التي لايمكن المساس بها
أوتعديلها بأي غالبية برلمانية
. من الثوابت في الدستور
الألماني المادة 20 التي تحمل
عنوان حماية أسس الحياة
الطبيعية وهو ما يطلق عليه في
الفقة الإسلامي حماية النسل
والحرث . جعل الدستور الأماني
سلطات الدولة ومؤسسات وأجهزة
الدولة في خدمة هدف واحد صيانة
الكرامة الإنسانة وعدم المساس
بها كما أطلق العنان لكل
التنظيمات غير الحكومية
لممارسة حق مراقبة أداء أجهزة
الدولة من أجل الوصل إلى نفس
الغرض . موقع البرلمان في بنية
الدولة هو حلقة الوصل بين
المنظمات غيرالرسمية والمؤسسات
الرسمية ، وعليه فإن فساد
المؤسسة البرلمانية يعني
انفراط العقد وتسيب آليات الضبط
والربط . أما الجنوحاً نحو
الاستبداد أو الجنوحاً نحو
الفوضي . أطلق على البرلمان
والمؤسسات الملحقة به السلطة
التشريعية وهو تعبير مجازي أكثر
منه حقيقة وواقع . إن صناعة
القانون أو التشريعات ألتي
تنتظم البلاد صناعة أهل
الاختصاص تنجز في ظل البرلمان
والوزارة ، أي من في أروقة
المعاهد ومراكز البحث العلمي ،
والتي قد تبعد عن مبنى البرلمان
في المكان مئات الكيلومترات وفي
الأهلية العلمية أجيال معرفية .
ولكن في الغالب بتكليف من
البرلمان أو الوزارة أو الأحزاب
. لهذا يتلقى البرلمان وكتله
البرلمانية فتاوى أو إقتراحات
متعدد في الموضوع الواحد . قد
يأخذ أحدها صيغة القانون إذا
نال أغلبية أصوات البرلمان
وصادق عليه المجلس الفدرالي
الذي يمثل الولايات وينبثق عادة
من مجالس الولايات وبشكل نسبي
وفق تمثيل الأحزاب في مجلس
الولاية . لايوجد إقصاء للأقلية
بأى حال من الأحوال . مع ذالك قد
يحدث أن يصدر قانون من البرلمان
ويصادق عليه المجلس الفدرالى ،
ولكن يعترض على دستوريته أحد أو
بضع أفراد من البرلمان أو خارج
البرلمان . عند ذلك يحال إلى
المحكمة الدستورية للنظر في
مطابقتة أو عدم مطابقته للدستور
. عندما ترى المحكمة عدم مطابقته
للدستور كلياً أو جزئياً يعاد
إلى البرلمان لإخال التعديلات
المقترحة من قبل المحكمة
الدستورية . نرى من خلال هذا
العرض أن المحكمة الدستورية هي
التي تمارس السيادة في نهاية
المطاف وليس السلطة التنفيذية
أو السلطة التشريعية ، ممثلة
بالبرلمان والمجلس الفدرالي ،
ولهذا يعتبر الدستور هو وثيقة
السيادة أو وثيقة الحاكمية . هذه
الآلية هي نفسها الآلية
المعتمدة في الفقه السياسي
الإسلامي . الفقهاء الوضعيون
أخذوا هذه الآلية من الفقه
الإسلامي وليس العكس ، وذلك
عندما رأوا أن الأمير يقف أمام
القاضي كمدعي أو مدعي عليه كأي
فرد آخر .
الفقه الإسلامي يفرق بين الحكم
ومنه الحاكمية أي السيادة ،
والأمر ومنه الأمارة أو سياسة
الملك . بل أن مادة (حَكَمَ) و(أََمَرَ)
في المراجع اللغوية متباينة
تبان واضح ، ويمكن الرجوع إلى
لسان العرب للتأكد من ذلك . إن
الآيات القرآنية التي ترد فيها
كلمة (حَكَمَ) ومشتقاتها تشير
بلا لبس أوغموض أن الحكم لله
عندما يتعلق الأمر بموضوع
العقائد وتحكيم غير الله في
المنظومة العقائدية يعني الكفر
أو الشرك ، أما إذا كان الأمر
يتعلق في المنظومة الأخلاقية
والقيمية فتحكيم غير الله في
هذه المنظومة يعني الفسق ،
وكذلك في منظومة حقوق الأفراد
أو مبادئ العدل فتحكيم غير الله
يعني الظلم . والقاضي أو الحكم
يحكمان بين الناس أو الفرقاء
المتخاصمين بالعدل ، والشريعة
تعني منظومة العدل . إن التمعن
الدقيق والتدبر السليم في
الآيات 47 و48 و50 من سورة المائدة
يبين صحة ما ذهبنا إليه . لم
يستعمل الفقهاء المسلمون كلمة (أَمَرَ)
محل كلمة (حَكَمَ) أو بالعكس ، وعندهم أن الأمر هو من شأن
الأمة أو الشعب الذى يحسم
بالشورى وبكلمة مخختصرة : إن
الولاية للأمة أو الشعب . لم
تنعت السلطة التنفيذية
بالحكومة من قبل الفقهاء بل كان
المصطلح المتعارف عليه الوزارة
التي تحمل عن الأمارة بعض الوزر
( راجع الأحكام السلطانية
والوزاة للماوردي ) إلا أن
الكثير من فقهاء السياسة
المعاصرين لم يتوخوا الدقة في
استعمال المصطلح في هذا الموضوع
، رغم خطورته ، فجعلوا الحكم
كالأمر والعكس ، بل لم يأنفوا من
استعمال مصطلح الحكومة كتعريب
لكلمة Government التي تعني السيطرة والتوجيه في
حين كلمة حكم أو قضاء تقابل كلمة
Judgment ، وكان عليهم التزام مصطلح الوزارة
والإمارة وأن تستعمل كلمة (حَكَم)
ومشتقاتها بما يليق بها من وقار
. يستعمل الألمان كلمة Regierung وهي مصطلح عصري نسبياً
وتعني ( قاد ، رسم ، نظم ، خط )
لأجهزة الدولة العليا . وظيفة
الحكم أو القضاء في الشأن العام
والدولة والسلطة هو تقويم
الإمارة والوزارة بما ينسجم مع
مفهوم السيادة أو الحاكمية ،
وهو نفس الوظيفة التي تقوم بها
المحكمة الدستورية في الدولة
العصرية . لقد أشرنا إلى الوظيفة
الفعلية والنظرية للبرلمان أو
المجلس النيابي وقلنا أن
الوظيفة الفعلية هو حلقة الوصل
بين الأمة أو الشعب وبين السلطة
التنفيذية ، ونظرياً أو مجازاً
السلطة التشريعية وعنه تنبثق
السلطة التنفيذية . يعتبر هذا
الدور من أخطر بل من ضروريات
الاستقرار في الدولة والمجتمع .
السؤال : ماذا يقدم الفقة
السياسي الإسلامي في هذا
المضمار ؟ إن الإجابة على هذا
السؤال بشكل أكاديمي يرضي أهل
الاختصاص من الغربيين ومراكز
البحث العلمي في الجامعات
الإسلامية ( الأزهر الشريف ،
كليات الشربعة والقانون ،
ومراكز الفتوى والمرجعيات )
سيخرجنا عن القصد والغاية
من هذا البحث ولكن من الواجب أن
نعلن أن النتائج التي توصلنا
إليها قابلة للبحث والجدل
العلمي لتبيان الأسس الأصلية
التي استندنا إليها في تقرير
هذه النتجية ، فقد أخذنا على
أنفسنا أن نتجنب التوليف
والتلفيق ومسايرة الضغوط التي
يفرضها الواقع الثقافي المعزز
بالإعلام الصاخب ، وعلمتنا
الخبرة أن ما يعتبر من المسلمات
والثوابت قد لا يكون كذلك ، كما
أن صياغة شذرات المعرفة بشكل
عقيدة أو ادلجة المعرفة هو
السهم القاتل للمعرفة والحقيقة
. ومع ذلك يبقى العرض قائماً لكل
الذين يريدون معرفة المقدمات
والأسس التي قادتنا إلى هذه
النتائج ، ونسأل الله أن يمكننا
أن نقدمها خالصة من السوفسطائية
لتطمئن قلوب أهل المعرفة وطلاب
الحق . إن البرلمانية Parliamentarian أو Parlamentarismus
وتعني بالعربية تمثيل الشعب
عبر مجلس منتخب يعبر عن إرادة
الناخبين أو الشعب في مقابل
السلطة التنفيذية ، المنبثقة
أصلاّ عن المجلس ، تعتبر من
طيبات الفكر الإنساني أو من
الحكمة التي تعتبر ضالة المؤمن
أَنا وجدها فهو أحق الناس بها
ولا يجد الباحث في الفقه
السياسي المعاصر صعوبة في إيجاد
جرثومة هذا الفكر في أصول
الشريعة نفسها ، وأهمها على
الإطلاق قوله تعالى في سورة
الشورى الآية 38 ( وأمرهم شورى
بينهم ) بل إن ممارسة الرسول (صلى
الله عليه وسلم) في قيادة دولة
الدعوة تقدم عملياً وحسياً
وبصائرياً ما يجب أن تكون عليه
الحياة السياسية وكل تأويل يهدف
إلى تحجيم أو إلغاء الحياة
الشورية هي من سفسطة الاستبداد
المقيت الذي يقود إلى ظلامية
وضمور الشعور بالمسؤولية .
يتبـــع
* باحث في
الفقه السياسي الإسلامي
المعاصر
|