إسرائيل
كذبة كبيرة
فاضل
بشناق / فلسطين*
يجب أن نتنبه بداية أن الكيان
الصهيوني لم ولن يكون نتيجة
طبيعية لحق مسلوب من اليهود في
فلسطين وعمل العالم على نصرتهم
وتمكينهم من استعادة هذا الحق
وان الحقائق التاريخية
والعلمية والدينية جميعها تفند
هذا التوجه الذي بات يشكل لدى
كثير من المثقفين ضبابية فكرية
وضلالة عقائدية وصلت ببعضهم الى
حد الإعتقاد بما عملت اجهزة
الصهيونية على ترويجه وترسيخه
في اذهان الناس وانني باذن الله
سوف احاول من خلال هذا البحث
المتواضع تسليط الضوء على مسائل
ومفاصل ومنعطفات كان لها اثرها
في تجسيد هذه الإعتقادات
الخاطئة ومن ثم تفنيدها بالدليل
العلمي والتاريخي والعقائدي
وبداية وحتى تكتمل الصورة في
ذهنك أخي القارئ قسمت بحثي الى
عدة عناوين :
التلمودية المعاصرة :
تعتبر التلمودية المعاصر أو إن
شئت فقل اليهودية المعاصرة (
المزيفة) أُماً لثلاثة توائم
فهي أم للماسونية والماركسية
والصهيونية، وكلها حركات
وأفكار استبدادية وعنصرية،
فالماسونية هي التي فتحت الطريق
أمام السيطرة العالمية،
والماركسية أقامت الصراع
العالمي بين الدول، والصهيونية
هي التي أقامت الدولة الصهيونية
في قلب العالم الإسلامي، وتأتي
اليهودية المعاصرة ثمرة جهود
الحاخامات الذين صاغوا التوراة
والكتب السماوية بأسلوب أفقدها
طابعها الرباني والروحي
والأخلاقي وأخرجوها. وإنني أرى
لزاماً عليّ بيان طبيعة هذه
الحركات وأخطارها.
أولاً: اليهودية التلمودية.
من هذا العنوان نخلص إلى أن
اليهودية المعاصرة ليست يهودية
التوراة وما جاءت به التوراة بل
إنها شرذمة بشرية تسترت تنفيذاً
لمخططها وتحقيقها لأطماعها
الاستعمارية والاستغلالية في
ستار اليهودية إذ أن الأبحاث
النفسية والديموغرافية
والميدانية أثبتت أن من يسمون
أنفسهم بني إسرائيل وبالشعب
المختار وبالأخيار أصحاب الحق
فيما أسموها بالوطن القومي
لليهود في فلسطين ليسو في حقيقة
أمرهم على صلة لا من قريب ولا من
بعيد باليهودية ولا التوراة بل
هم أبناء الخطيئة والجريمة وأن
التوراة الحالية زائفة كتبت وفق
أهواء يهوديي الاسم ومطامعهم
وخرجت بسيناريو جديدة وباسم
جديد هو التلمود الذي رسم لهم
ملامح اليهودية التلمودية
المعاصرة بما يلي:
1- الامتياز الخاص: وبموجب هذا
الامتياز يعتبر العنصر اليهود
سيد العناصر البشرية كلها وما
عداه من العالم والشعوب أمميون
وجوييم عبيد وخراف خلقوا للجز
وحمير خلقت للركوب والاستعباد.
2- مفهومهم لله مفهوم زائف. بل هو
تجنٍ وافتراء وشرك بحيث تصور
التلمود الإله وتجسد فيه كل
معاني الشر والفساد وحب القتل
وإله اليهودية التلمودية
المعاصرة اسمه يهوا (يهوه) وهذا
ما يجعل المرء تترسخ لديه
القناعات بأن التوراة شوهت
تشويهاً رهيباً بحيث أصبحت مجرد
لوائح لنشاط المفسدين وأعذار
دستورية للجرائم التي
يرتكبونها.
3- إنكار البعث والجزاء والجنة
والنار واعتبار الدنيا وما
تحويه من مغريات هي كل شيء وأن
السعي لها وحده هو العمل. وهذا
أيضاً ترخيص لكل ممارسة أو نشاط
خارج عن نطاق العقائد والأعراف
والقيم الأخلاقية والإنسانية.
4- اعتبار الغدر والكذب والفتنة
وسيلة وحيدة للنجاح وهذا ما
يمكن اعتباره دعوة إلى القاعدة
القاتلة بأن الغاية تبرر
الوسيلة دونما التفات لضابط
شرعي أو أخلاقي أو إنساني.
هذه هي الخطوط العريضة للنهج
التلمودي للحركات اليهودية
التلمودية المعاصرة والتي
استخلصت من نصوص التلمود المؤلف
من المشنا والجمارا، وتعميقاً
للفهم فإنني أسلط الضوء على هذا
الكتاب وما تضمنه من وصايا
الأحبار أقطاب الحركة
الصهيونية العالمية في معرض
حديثي عن إسرائيل الكيان البغيض
وانتقائها الصبغة اليهودية عنه
من جميع الاعتبارات والنواحي.
إسرائيل بين اليهودية والتلمودية
نقول أن إسرائيل ليست دولة يهودية
بالمفهوم السياسي وان كانت تجمع
للعنصر اليهودي المشوه لأن
اليهودية دين سماوي وعقيدة
ربانية قوامها المبادئ
والأخلاق، ولكن إسرائيل
بكيانها وأجهزتها وسياستها
وطبيعة شريحتها الاجتماعية
تركيبة غريبة جمعت في حظيرتها
زنادقة العالم المعادين
للإنسانية فهي دولة قامت على
النزعة العنصرية وارتبطت
تعميقا لهذا التوجه بجميع
الحركات الاستعمارية والعنصرية
والإرهابية حتى أصبحت هي وما
أنشأته من حركات وأفكار من جهة
والحركات الاستعمارية العالمية
من جهة أخرى مدرسة إرهابية
سهامها الغدر والعداء والكيد ضد
الأمة العربية والإسلامية وضد
كل الشعوب الباحثة عن استقلال
جغرافي وفكري وعقائدي لها.
إن الأرضية التي ارتكزت عليها
إسرائيل البغيضة تتمثل في
كلمة تمثل أحط الحركات
الإرهابية المعاصرة، إنها
الصهيونية.. وما تمثله من مفهوم
وترتكز عليه من مقومات وتسير
عليه من نهج وتحويه من وسائل
وأساليب وتتضمن من أجهزة
ومنظمات سرية. ونظراً لضخامة
هذا الأخطبوط سأفرد عنواناً
خاصاً به تحت اسم الصهيونية
فكرة وتطبيق في معرض حديثي عن
الحركات والتنظيمات الإرهابية.
ولكنني هنا وحفاظاً على عناصر
الموضوع وترابط الأفكار أقول
بأن الصهيونية بمفهومها العام
حركة سياسية نادى بها أشباح
الفكر الاستعماري والنزعة
العنصرية تجلى هدفها في السعي
من أجل إنشاء دولة يهودية في أرض
فلسطين. والصهيونية لم تكن
يوماً في غير هذا المعنى فهي
حركة تأسست على أرض دموية وقامت
على أفكار شيطانية وتبناها ولم
يزل كل متعطش للدماء. هذا ما
قادنا إلى نفي أي صبغة توراتية
أو فكر يعود بجذوره إلى وعود
ربانية طالما تشدق بمثل هذه
المقولات رجالات بني صهيون
وجعلوا منها حججاً وبراهين
لإثبات وترسيخ شرعية وجودهم في
أرضنا فلسطين، وغيرها من كل
البلاد التي تشملها كلمة الأرض
المقدسة. وهذا أيضاً ما دفعنا
نحو البحث والتنقيب عن مصادر
هذا الفكر الصهيوني المغموس
بالسُم فتبين لنا أن الكتاب
المتداول الآن بين الأوساط
اليهودية باسم التوراة أو
الكتاب المقدس (العهد القديم)
ليس هو ما أنزل على سيدنا موسى
وإنما هو مجموعة من الأسفار سجل
فيها الأحداث التي وقعت منذ أن
بدأ الله بخلق الكون ولم تقف عند
وفاة موسى بل استمرت إلى ما حدث
بعد ذلك لبني إسرائيل وما جاء
على لسان أنبيائهم إلى الفترة
التي سبقت ظهور السيد المسيح.
إن هذه الأسفار بلا شك كتبت في
عصور مختلفة مترامية ضاربة في
القدم جذوراً عميقة وبأقلام
أشخاص مختلفي الفكر والعهد
ومنهم قسم يرى أن موسى مؤلف
للقسم الأول من هذه الأسفار وقد
انتهت بموته، وتجنيباً لأي
تأثير كنعاني على هذه الأسفار
فقد رأى هذا القسم أن تُكتَب هذه
الأسفار على لسان موسى بلغة
العصر وثقافته باعتبارها
امتداد لشريعته حتى توافق
بمضمونها عقلية العصر. وبهذا
تبرز لنا الأهداف من هذه
التوجهات والتحريفات، فجميع
هذه الأسفار لم تكترث بالربط
التاريخي العام للحوادث بقدر ما
حرص واضعوها على إبراز تاريخ
شعب الله المختار كما يزعمون،
وما حدث لهم منذ أن أُخرجوا من
مصر حتى أصبحنا نرى نتيجة لهذه
التصرفات أسفاراً ليس لها أية
صلة بالشريعة ولا بالتاريخ ولا
بالقيم الأخلاقية والمفاهيم
الإنسانية والمعايير الموضوعية
مثل سِفر (نشيد الإنشاد) وسِفر (الجامعة)
وغيرها، وليس هذا وحسب، بل أصبح
للحركة الصهيونية العالمية
تأثيرها البالغ والخطير في هذه
الأسفار والكتب المقدسة لدى
اليهود التلموديون، فمعروف عن
الصهيونية أنها حركة وفكرة
سياسية ترمي إلى تحقيق أغراض
دنيوية أهمها إنشاء دولة عنصرية
يهودية في فلسطين أو بالأحرى
إقامة إمبراطورية يهودية
عالمية من النيل إلى الفرات
يكون مركزها في فلسطين. ولتحقيق
هذه الغاية وضع بعض الحاخامات
اليهود الحثالة كتاباً أسموه (التلمود)
كما قلنا وأسبغوا عليه من
القداسة ما لا ليس في التوراة
نفسها التي ضيعوها وحرفوها وهذا
ما بينّاه في معرض حديثنا عن
اليهودية الأم وبمزيد من
الإيضاح نذكر أن هذا الكتاب
التلمود وضع أيام سبي بني
إسرائيل وهدفه الأول تحريض شعب
بني إسرائيل على كل من سواه من
الشعوب وتدمير كل المفاهيم
والقيم الإنسانية والدعوة إلى
القضاء على كل مظهر من مظاهر
التضامن الاجتماعي من خلال زرع
الأنانية والغريزة والكفر بكل
العقائد. وصولاً إلى تمييز بني
إسرائيل على كل من سواهم ممن
أسموهم (بالغوييم) (الجوييم)
بصفتهم شعب الله المختار، الذي
فرزه الإله من بين شعوب الأرض.
وكما قلنا فإن نظرتهم إلى باقي
الشعوب متمثلة في أنها (ليست إلا
كلاباً وحميراً وحيوانات
خُلِقَت للجز)، ومن أمثلة تلك
الخرافات والسموم أن التلمود
وجد قبل الخلقية ولوا التلمود
لزال الكون، وقد جاء هذا القول
في (سِفر بيلشيم) وإن للحاخامات
السيادة على الله وعليه القيام
بكل ما يرغبون فيه (سِفر
حويدفنان). وأن اليهود أقدس من
الملائكة وإغضاب الحاخام
كإغضاب العزة الإلهية (سفر
سنهدرين)، وإن الله نفسه يدرس
التلمود منتصباً على قدميه. (قاتلهم
الله أنّى يُؤفَكون) وأرانا بهم
عجائب قدرته.
إن نظرة فاحصة واحدة في مثل هذه
الجمل والكلمات تُسجل في
الذاكرة عدة نتائج في جوهرها
حقائق كاشفة لنفسية وعقلية بني
إسرائيل القديمة الحديثة. ومن
صريح عباراتهم هذه تجلت لنا عدة
أمور هي البرهان على أن دولة
إسرائيل البغيضة ليست دولة
يهودية بل كيان استعماري عنصري
تغذى على مائدة الحركات
السياسية العالمية والعصابات
الإجرامية، ومن هذه الأمور:
أولاً: العنصرية العرقية: وهذا ما
ظهر من خلال مقولة أن اليهود هم
شعب الله المختار، وكأن العالم
لم يُخْلَق إلا لهم وحدهم،
وتعمقت هذه الفكرة من خلال نظرة
الاحتقار لباقي الشعوب
والأجناس البشرية غير
اليهودية، وهذا ما لمسناه من
خلال ما ورد بأن باقي الشعوب من
غير اليهود ليست إلا كلاباً
وحميراً وحيوانات خُلقت للجز.
إن العنصرية قديمة ومتأصلة في
اليهود، تجري بهم مجرى الدم في
العروق، فحاضرهم كما ماضيهم.
وإضافة إلى عنصريتهم فهم بارعون
بفن النفاق والمخادعة. وصدق
الله تعالى: (وَإِذَا
جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا
وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ
وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا
كَانُوا يَكْتُمُونَ).
ثانياً: الانحراف عن تعاليم
التوراة: فأكثرهم بعيدون عن
الدين مبذرون مستهترون متهتكون
مفسدون يعملون على تحطيم جميع
القيم الاجتماعية والنُظم
الاقتصادية خدمة لمقاصدهم
ومراميهم الدنيوية، وليس أعظم
جرماً من محاربة الله ورسوله
ومقاومة الشرائع السماوية
بالتكذيب والتحريق، وأحياناً
كان يصل بهم الأمر إلى قتل
الرسول وقد ظهر ذلك في قوله
تعالى في سورة المائدة: (كُلَّمَا
جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا
تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا
كَذَّبُوا وَفَرِيقًا
يَقْتُلُونَ) أي أنه كلما جاء
رسول من عند الله بما لا يروق
لهم من الأحكام عاملوهم بإحدى
طريقتين فإما التكذيب وإما
القتل.
ثالثاً: التهجم على الذات الإلهية:
وهذا الأمر تجلى بقولهم أن الله
يدرس التلمود وهو منتصب إجلالاً
وتعظيماً منه تعالى للتلمود.
وهذا ليس جديداً
على بني إسرائيل وهم يعلنون
في تلمودهم أن إلههم يسمى (يهوا)
وأنه يمثل الشر، وصدق الله
تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ
لَفَرِيقاً يَلْوُونَ
أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ
وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى
اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ)، وهذه إشارة أخرى
إلى افتراءات حاخاماتهم والتي
ليست إلا اقتفاء خطوات شيطانية
في الغرور والعصيان والكبرياء
والتمرد، وإن المتتبع لأمر
الشيطان وعداوته لبني آدم ليجد
أن الافتراء على الله من الأمور
التي يقوي بها الشيطان أتباعه.
وقد تجلى ذلك في قوله تعالى: (إِنَّمَا
يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ
وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا
تَعْلَمُونَ)، بأن تنسبوا إليه
غير الواقع أو تعتدوا على حقوق
الربوبية فتشرعوا غير شريعته
وتدخلوا في دين الله ما ليس منه
فتحلوا ما كان الأصل فيه
التحريم وتُحرّموا ما كان الأصل
فيه الإباحة ولم يزل، وهذا
فعلاً ينطبق بشكل كامل وتدقيق
على بني إسرائيل التلموديين.
رابعاً: تعظيم الحاخامات ورجال
الدين: وقد تجلى ذلك بقولهم أن
للحاخامات السيادة على الله
وعليه إجراء ما يرغبون فيه (قاتلهم
الله). إن مثل هذه الخرافات لا
يقبلها العقل ولا يقرها المنطق
السليم، فالتوحيد حقيقة نادت
بها كل الديانات واستلزمت معها
تنزيه الخالق وتفرده بالألوهية
والسلطان، وبالتالي فإن تعظيم
الحاخامات ورجال الدين
وإنزالهم منزلة التأليه شرك
واضح بالله، ولكن أمراً كهذا
ليس بجديد على بني إسرائيل فهم
قبل ذلك قالوا أن العُزَير ابن
الله كما قالت النصارى المسيح
ابن الله. وقد تجلى توضيح ذلك في
قوله تعالى: (وَقَالَتْ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ
اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ
ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ
قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)،
كما أن القرآن الكريم بيّن كذلك
تعظيمهم للحاخامات في قوله
تعالى: (اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا
مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ
لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا
لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ).
إنه وبعد كل هذا التوضيح والتعقيب
على افتراءات وأكاذيب
الحاخامات اليهود وبيان
بطلانها يتضح أن إسرائيل ليست
دولة يهودية توراتية بل هي جسم
غريب لتركيبة عجيبة من زنادقة
العصر ودهاقنة الفكر الشيطاني
ودعاة التحلل والفساد وأقطاب
الشر. والقرآن الكريم يكشف
دسائسهم ويبين الهدف من وراء
هذه الادعاءات في قوله تعالى: (يُرِيدُونَ
أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ
نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ
الْكَافِرُونَ). فهذه هي
الحقيقة الإسلام هو عدوهم وعدو
أهوائهم إذ يريدون من أحبارهم
أن يشرعوا لهم ديناً ترضاه
نفوسهم من دون الله وأحبارهم
يريدون تحقيق مكاسب شخصية من
خلال مكانتهم وما نسب إليهم
السلطان والصلاحيات، فيستحلون
ما حرم الله ويحرمون ما أحل
الله، فأين هم من التوراة وأين
التوراة منهم التي جاء فيها (بسم
الله الرحمن الرحيم هذا كتاب م
الله الملك الجبار القهار لعبده
ورسوله موسى بن عمران أن سبحني
وقدسني لا إله إلا أنا فاعبدني
ولا تشرك بي شيئاً واشكرني
ولوالديك إلي المصير أحييك حياة
طيبة ولا تقتل النفس التي حرم
الله عليك فأضيق عليك السماء
بأقطارها والأرض برحبها ولا
تحلف باسمي كاذباً فإني لا أطهر
ولا أُزكي من لا يعظم باسم ولا
تشهد بما لا يعي سمعك ولا تنظره
عينك ولا يقف عليه قلبك فإني
أوقف أهل الشهادات على شهاداتهم
يوم القيامة وأسألهم عنها ولا
تحسد الناس على ما أتيتهم من
فضلي ورزقي فإن الحاسد عدو
نعمتي ساخط لقسمتي ولا تزنِ ولا
تسرق فأحجب عنك وجهي وأغلق دون
دعوتك أبواب السماوات ولا تذبح
لغيري فإنه لا يصعد إليّ من
قربان أهل الأرض إلا ما ذكر
عليها اسمي ولا تجفرن بحليلة
جارك فإنه أكبر مقتاً عندي
وأحبب للناس ما تُحب لنفسك
واكره لهم ما تكره لنفسك).
هذه هي التوراة والتي تدعو كما
لاحظنا إلى الحق معلنة براءتها
من كل ما يدعون، ففيها عدم
الإشراك بالله بأية صورة كانت
كما تدعو إلى حب الناس وليس إلى
تحقيرهم كما ورد في كتاب
التلمود المقدس لدى يهود العصر
الذين استباحوا كل أمر واعتدوا
على كل الحدود.
ولكن نقول أن تحريف التوراة بحبر
الأحبار الزنادقة لا يلغي روح
كل الرسالات التي تلتقي بالخير
والإحسان، وإذا كانت امتدت أيدي
العبث والتحريف والزندقة
والكفر للتوراة وشوهتها فإن
الله عالم بما تخفي الصدور،
فأخبر رسول الله محمداً بكلمات
التوراة في ثماني عشرة آية في
سورة الإسراء وهي قوله تعالى: (وَقَضَى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا
إِلاَّ إِيَّاهُ)… إلى قوله
تعالى: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى
إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ
الْحِكْمَةِ)، ثم جمعها في ثلاث
آيات من سورة الأنعام وهي قوله
تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ
مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ…) إلى قوله تعالى: (ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ) وصدق الله تعالى
حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ).
هيكلية اليهودية التلمودية
إن الباحث عن اليهودية التلمودية
كاستراتيجية عمل سياسي ونتاج
تفكير استعماري، ونزعة عنصرية،
وامتداد سرطاني جامع لأطماع
الصليبية والآمال الصهيونية،
يخرج في حصيلة مفادها أن
اليهودية التلمودية التي تنطلق
أساساً من السعي إلى تحطيم
المعتقدات الدينية وخاصة
الإسلامية وكل المبادئ والقيم
والضوابط والمعايير والأعراف
الأخلاقية والسلوكية
الإنسانية، وذلك عن طريق العمل
على خلق بدائل فكرية وعقائدية
وسلوكية تجعل المجتمع الإنساني
مجتمعاً تحكمه الشهوات
والروابط المادية والمصالح
الدنيوية وبالتالي يصبح فريسة
سهلة. إن اليهودية التلمودية
هذه تمثل بهيكليتها الوظيفية
أخطبوطاً شرساً مؤلفاً من ثلاثة
توائم حركية سياسية اجتماعية
واقتصادية سياسية وسياسية
عنصرية، فأما الحركة السياسية
الاجتماعية فهي الماسونية،
وأما الحركة الاقتصادية
السياسية فهي الماركسية، وأما
السياسية العنصرية فهي
الصهيونية العالمية.
إن هذه الحركات مجتمعة هي التي
رسخت ودعمت بل وزرعت في قلب
العالم الإسلامي الكيان
العنصري الغريب. فكان لزاماً
علينا كشف النقاب عن هذه
الحركات من حيث المفهوم
والتنظيم والأهداف والأساليب
بشيء من التفصيل.
أولاً- الماسونية:
إن الماسونية مأخوذة من كلمة
فرماسون هي مركبة من كلمتي
فرانك ومعناها الصريح وماسون
ومعناها البناء. وبذلك يصبح
المعنى (البناء الصريح) وتعود في
جذورها وتعتمد في أفكارها على
التوراة المحرفة. ويتلخص هدفها
العام في المحافظة على هيكل
سليمان من خلال العمل على إعادة
بنائه، وتعتبر فرنسا مسقط رأس
الحركة الماسونية بشكلها
التنظيمي السري الهدام وكان ذلك
عام 1717، ولذلك تعتبر أقدم
الجمعيات السرية المنظمة في
العالم وبالمقابل فهي ذات
انتشار واسع في أنحاء العالم
لما تحمله من شعارات برّاقة مثل
شعار (الإخاء، الحرية، المساواة)،
إضافة إلى طبيعة العناصر التي
تقوم باستقطابهم وتنسيبهم
إليها فهي تعمل على استقطاب
رجالات القرار وأصحاب السلطة في
شتى أنحاء العالم مما يشكل ذلك
رافداً خصباً لنشاطها ونشر
أفكارها. وكما قلنا فإن
الماسونية حركة خطيرة تسعى إلى
جعل قادة الشعوب ورؤسائها عملاء
يتبنون أهداف اليهود القريبة
والبعيدة بطريق مباشر أو غير
مباشر فيفجرون الثورات
المشبوهة ويحطمون الأخلاق
لتقيم الماسونية بدورها مملكة
يهوذا على أنقاض هذه الثورات
والأخلاق. ويتمثل هدف الماسونية
من وراء تحطيم الأديان
والقوميات والأخلاق في الرغبة
في السيطرة الكاملة على العالم
بأسره دونما مواجهة ومقاومة
تعترضها وتعترض عناصرها
والمروجين لأفكارها.
أما عن مدى العلاقة بين الماسونية
واليهودية فيكفي ما ورد في كتاب
تاريخ الماسونية الحرة صفحة 8
بأن الماسونيين يتخذون من خطة
تمكين اليهود من الاستيلاء على
العالم أساساً لأعمالهم. وكيف
لا يكون هذا التعصب لليهودية
ورئيس محاكم فينا زنكر يقول (إن
من بين الماسونيين المئة في
فينا مئة واثنان من اليهود)
دلالة على أكثريتهم وأن غاية
الماسونية منبثقة من اليهودية
وأن أكثر العادات الماسونية
والرموز والشعارات المستخدمة
عبرانية، كما أن معظم الأفكار
مقتبسة من الأسفار اليهودية،
فروح الانتقام من غير الجنس
اليهودي مأخوذة من الفصل الثالث
والعشرين من سفر (حزقيال) والعمل
لإبادة الشعوب وخاصة الفلسطيني
مأخوذ من الفصل الخامس والعشرين
من سِفر (حزقيال)، وأما الفصل
التاسع والثلاثون من سِفر (حزقيال)
فهو الماسونية بعينها إذ ينص
على أن الأرض مملكة لليهود
وحدهم وهذا الفصل مرجع
بروتوكلات حكماء صهيوني ومصدر
الغرور والحقد في نفسية اليهود.
إن الماسونية أخذت أفكارها وبنت
هيكلها التنظيمي والحركي من
الجمعيات اليهودية العالمية
مثل الكابالا ذات النهج الفلسفي
والحر. وجمعية الاتحاد اليهودي
العام الأرستقراطية، وجمعية
بني بريث.
إن الماسونية وبعد أن تكشفت
نواياها في إفساد الشعوب ونشر
الجريمة والرذيلة كان لابد من
إنشاء منظمات ومؤسسات ماسونية
الفكر والهدف ولكن مغطاة بشعار
واسم جديدين. وهذا ما كان سبباً
في إنشاء الكثير الكثير من
المؤسسات والجمعيات المبطنة
والتي تعمل في أنحاء العالم
بحرية كاملة مثل:
1- الماسونية الميمية وتعني
ماسونية (مسيحية مسلحة) وهذه
المنظمة ظهرت في لبنان وتبنت
فكرة المهدي المنتظر وتقوم على
قاعدة أن المسيح لم يمت وأن
محمداً بلغ الإنجيلي واسم محمد
معمد وأن بسم الله الرحمن
الرحيم تعني الأب والابن والروح
القدس.
2- نادي الليونز الأسود والذي لا
يدخل في عضويته إلا أصحاب
القرار والتأثير السياسي
والمكانة الاقتصادية
والاجتماعية.
3- نادي الروتري ومؤسسة بول هاريس
في شيكاغو عام 1905، أما في فلسطين
فقد تأسس عام 1921، ولا نستغرب أن
للروتاري فروعاً في معظم البلاد
العربية كالجزائر ومراكش
وليبيا. ويقوم أساساً على صهر
الديانات والمعتقدات الدينية
البوذية والمسيحية
والكونفيثوسية والهندوكية
واليهودية والإسلامية والطاوية
الصينية في مفهوم خاص تذوب معه
الخصوصيات وتطغى عليه الغرائز،
وإن المتمعن في هذه السياسة
يخلص أن في إسقاط اعتبار الدين
فيه حماية لليهود وتسهيل
لتغلغلهم في الأمور الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية. ويكفي
أن نشير إلى أن كل نادٍ يجب أن
يضم واحد أو اثنين من اليهود.
4- جماعات شهود يهوه (يهوا) والتي
تقوم على إنكار قصة المسيح بن
مريم ووصفها بأنها مزيفة ومزورة.
5- جمعية بنات برت (أبناء العهد).
6- جماعة عبدة الشيطان (معابد
الشيطان)، وتقوم هذه الجماعة
على اعتبار أن للشيطان في
نفوسهم حرمة وتقديس كونه يمثل
عنصر الرفض للأمر الإلهي،
وتعتبر كاليفورنيا الدولة
الوحيدة التي تعترف بهذه
الجماعة رسمياً.
7- جمعية الدفاع عن اليهود
ومحاربة التشهير بهم.
8- منظمة الكيواني.
9- منظمة الاكستشاغ.
10- منظمة المائدة المستديرة.
11- منظمة القلم.
وكلها تعمل بنفس الأسلوب وبنفس
الصورة وبنفس الأغراض مع
الاختلاف من أسلوب العرض للفكرة.
إن عنصرية الماسونية وارتباطها
الوثيق باليهودية التلمودية
تؤكد عليه عدة حقائق ومناهج
تسير عليها الماسونية،
فالماسونية مثلاً ترى أن في
تمجيد العنصر اليهودي أهم
واجبات الماسوني، والماسونية
كما قلنا هي رأس الأفعى في
عدائها للديانات والقيم، وأن
فلسفة الماسونية تقوم أساساً
على إنكار وجود الخالق والزعم
بقدم العالم وعدم الحاجة إلى
الأخلاق والفضائل وأنهم يرون أي
الماسونيون أن مظاهر الوحدة
والوطنية المعمقة في نفوس
الشعوب تمثل عقبة أمامهم في
تنفيذ غاياتهم، ولذلك نرى أن
الماسونية تعمل جاهدة إلى تخريب
كل ما من شأنه توثيق الصلات
والروابط الاجتماعية، وقد ثبت
في أحد ملفاتهم أن إبليس هو
رئيسهم وأنه أي إبليس قائد
الإصلاح البشري. وفي مجلة
المشرق ص 441 ورد دعاء أحدهم
بقوله (أشيد بذكرك يا شيطان يا
ملك وليمتنا يا قاهر إله الكهنة).
إن للماسونية أسلوب عجيب في
انتزاع كرامة الإنسان وأخلاقه
وإنسانيته، يقوم هذا الأسلوب
على ممارسة عنصر الخوف وزرعه في
العضو الجديد بحيث ورد أنهم
يدخلونه إلى مكان مليء بهياكل
وجماجم وجثث ومناظر تقشعر منها
الأبدان، ويذكر أنه في مراحل
متقدمة يدخل العنصر مرحلة
الاختبار من أجل تحديد مدى
استعداد هذا العضو إلى التضحية
في سبيل الماسونية حتى يبلغ
الأمر أن يؤمر بإطلاق النار على
أعز الناس إليه من مسدس فرغت منه
الرصاصات دون علمه.
هذه هي الماسونية، فأين هي من قول
الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
يقول جمال الدين الأفغاني في معرض
تعليقه على المحافل الماسونية
في القاهرة وما أكثرها، إن
الأثرة والأنانية وحب الرياسة
وانسياق الجماعات إلى العمل
إرضاءً للشهوات وجلباً للمنافع
قد تفشت بين أعضاء المحافل
الماسونية، وأن هذه المحافل
ممثلة بالحركات الماسونية
زائفة الشعارات خبيثة الهدف،
فهي رفعت المساواة وجسدت
التمييز والعنصرية ونادت
بالوحدة وجسدت بممارساتها
الفرقة والتشعب ونادت بالحرية
وجسدت العبودية والتغيير
الفكري والاقتصادي والسياسي
للشعوب غير اليهودية.
وإنه وبعد كل هذا نخلص إلى أن
الماسونية تقوم على عدة مرتكزات
أساسية هي:
أولاً: كل شيء مادي فالله والعالم
ليسا إلا شيئاً واحداً وجميع
الديانات محض خيال وغير ثابتة
اخترعها ذوو المطامع والمصالح
والغايات.
ثانياً: العلم هو الأساس الوحيد
لكل معتقد ورفض كل عقيدة ت قوم
على أساس الوحي ومن هنا جاءت
فكرة العلمانية كنظام حكم.
ثالثاً: السطو على فكرة الوحدانية
وتشويهها بالتفاسير الخاطئة
للظواهر الكونية كقولهم أن
الطبيعة هي الله.
رابعاً: إنكار وجود الخالق وتأييد
قدم العالم، ومن هنا برزت فكرة
الشيوعية والإلحاد.
خامساً: تخطئة الأنبياء والسخرية
بهم والقدح في أنسابهم.
سادساً: الدعوة إلى الأنانية
والعالمية وإلغاء القوميات
وتفكيك الروابط الأسرية حتى
يصبح أملها في السيطرة على
العالم ممكناً.
سابعاً: الدعوة إلى الحروب بين
الشعوب والوقوف مع كل ثورة
جديدة ترى في قيامها تحقيقاً
لهدف من أهدافها.
ثامناً: انتهاج مبدأ المراوغة
والكذب كوسيلة للنجاح ومن هنا
كانت قاعدة الغاية تبرر الوسيلة.
ثانياً- الصهيونية:
تعتبر الصهيونية حركة ومذهب
استعماري متطرف يتلفع بلفاع
الدين اليهودي. وتنسب الصهيونية
إلى جبل صهيوني بفلسطين وهو أحد
الجبال في بيت المقدس، وفيه
يعتقد الصهيونيون أن إلههم (يهوا)
(يهوه) يقيم في هذا الجبل، وفي
رحابه يظهر المسيح المخلص الذي
ينتظره اليهود. والصهيونية
كحركة تقوم على مقومات دينية
ومقومات سياسية. وأما المقومات
الدينية فتتمثل في:
1) امتلاك فلسطين والأقطار
المجاورة، وأن امتلاك فلسطين حق
واجب مقدس ووعد إلهي كما يدّعون
وسوف نتعرف في جنبات هذا الكتاب
عن الوسائل التي عمدت إليها
الحركة الصهيونية إلى تحقيق هذا
الهدف.
2) المسيح المنتظر وفي اعتقاد
اليهود، فإن تحقيق العودة إلى
أرض الميعاد ستتم على يد المسيح
المنتظر الذي سيخرج من صهيون من
نسل داود لينقذهم من المحن
والشدائد وينتقهم لهم من جميع
الشعوب. وهذا ما وضحناه في معرض
حديثنا عن المرتكزات التلمودية
واعتبار يهوا إله الشر وسفك
الدماء.
3) إخضاع العالم لسلطان اليهود
انطلاقاً من مفهوم شعب الله
المختار الذي يضمن حقه في
السيطرة على شعوب العالم. إن
فكرة الشعب المختار من الناحية
الدينية تتنافى العدالة
الإلهية التي سادت بين الناس
وجعلت معيار التقرب والمحبة إلى
الله التقوى. وكما يقول روجيه
جارودي في كتاب (ملف إسرائيل) أن
فكرة شعب الله المختار فكرة
إجرامية من الناحية السياسية
لأنها أضفت صفة القداسة على كل
أشكال التوسع والسيطرة. وسوف
نفصل هذه الفكرة في معرض حديثنا
عن الادعاءات الصهيونية.
أما خصوص نشأة هذه الحركة
الاستعمارية فإن الحركة
الصهيونية مرت في ثلاث مراحل هي:
(1) المرحلة التمهيدية "مرحلة
ما قبل مؤتمر بازل". (2) مرحلة
مؤتمر بازل. (3) مرحلة ما بعد
مؤتمر بازل.
وتتمثل المرحلة التمهيدية بظهور
عدد من المفكرين والأدباء
اليهود الذين عملوا على إنضاج
فكرة الحركة الصهيونية
العالمية، ومن هؤلاء المفكرين
الشياطين:
أولاً: الحاخام يهودا القالي
(1798-1878) صاحب كتاب (اسمعي يا
إسرائيل) الداعي إلى إقامة
مستعمرات يهودية في فلسطين
لتكون نواة للخلاص المنتظر،
داعياً إلى إقامة جمعية عامة
كبرى وصندوق قومي لشراء الأراضي
وفرض ضريبة إلزامية على يهود
العالم. ويعتبر أستاذاً لهرتزل
في هذه الفكرة.
ثانياً: الحاخام زفي هيدش كالبشر
(1795-1874) صاحب كتاب (السعي لصهيون)
الداعي للهجرة إلى فلسطين.
واستجابة لهذه الدعوة وبدعم من
الاتحاد الإسرائيلي العالمي
أنشئت مدرسة ميكوه إسرائيل أو (أمل
إسرائيل) بالقرب من يافا ثم
مستعمرة (بتاح تيكفاه) بوابة
الأمل بالقرب من حيفا.
ثالثاً: موسى هس (1812-1875) صاحب كتاب (روما
والقدس) الداعي إلى القومية
اليهودية ومركزها القدس. لكنه
لم يشترط نزوح اليهود إلى
فلسطين بل يكفي من اليهود في
فلسطين ما يكفل توطيد دعائم
الدولة ويبقى باقي اليهود كلٌ
في البلد الذي يعيش ليتمكنوا من
السيطرة على فعاليات هذه الدول
وتوجيها بشكل داعم لليهود
ودولتهم في فلسطين.
رابعاً: بير بيتز سمو لنسكن (1840-1885)
صاحب كتاب (المتجول في سبيل
الحياة)، الداعي إلى تكثيف
الهجرة إلى فلسطين.
خامساً: موشيه لايب ليلينبلوم
(1843-1910) العضو الفاعل في جمعية
أحباء صهيون الروسية وكان شعاره
(ادفع كويك في الأسبوع
للاستيطان في أرض إسرائيل).
سادساً: يهوذا لايب ليو يتسكر صاحب
كتاب (التحرير الذاتي) ورئيس
المجلس الأعلى لاتحاد الهيئات
الصهيونية في قرصوفية،
وانطلاقاً من قاعدة أن العالم
لا يحترم شعباً لا أرض له جاءت
فكرة تأليف كتاب (التحرير
الذاتي).
سابعاً: ليردور هرتزل مؤسس
الصهيونية الحديثة واسمه
بنيامين زئيف هرتزل، ويعتبر
الباحث عن حل المسألة اليهودية
من خلال كتاب الدولة اليهودية
1896. ودعا من خلال ترأسه لاجتماع
الحركة الصهيونية في بازل تشكيل
جمعيات تمويلية لدعم مشروع
الدولة، ويذكر أن مؤتمر بازل هو
الذي حول المسألة اليهودية إلى
مسألة صهيونية تنظيمية. وحري
بنا أن نذكر بعضاً من الجمعيات
الصهيونية التي عملت على توفير
الدعم المالي لمشروع الدولة
الصهيونية حتى قبل مؤتمر بازل
الأول.
1- جمعية رعاية الاستيطان
اليهودي في فلسطين، مؤسسها
الحاخام زفي هيرش كالبشر في
فرانكفورت 1860.
2- جمعية الألبانس الإسرائيلية
العالمية (الاتحاد الإسرائيلي
العالمي) التي عملت على دعم
وإنشاء المستعمرات والمزارع أو
المدارس الزراعية في حيفا.
3- منظمة أحباء صهيون التي تهدف
من تأسيسها عام 1881 في روسيا إلى
تهجير اليهود الروس إلى فلسطين،
ومنها تفرع حركة بني موسى ذات
الهدف الثقافي.
4- الجمعية اليهودية للاستعمار.
5- كاديمة الطلابية وتهدف إلى خلق
جيل شاب يهودي له استقلالية
ثقافية وفكرية كاملة، ومقرها
فيينا.
6- هالوكا اسكينازي وهالوكا
سيفارديم لمساعدة يهود ألمانيا
وإسبانيا وتوطينهم في فلسطين.
أما مرحلة مؤتمر بازل: فيمكن النظر
إلهيا من خلال أنها بداية
لأجندة وإنضاج المشروع
الصهيونية في إقامة الدولة
اليهودية وتهجير اليهود إلى
فلسطين، ويعتبر المؤتمر
التأسيسي الأول صاحب النقلة
باليهودية من طابعها الديني
الكهنوتي إلى شكل تنظيمي له
برنامجه وخططه في إطار حركة لها
امتدادها العالمي وتأثيرها
الاقتصادي والسياسي ألا وهي
الحركة الصهيونية العالمية.
ويكفي أن نذكر أن نتائج مؤتمر
بازل الأول تجسدت في كسب ثقة
الحكومات لمساعدة اليهود في
هجرتهم إلى فلسطين، ولكن دونما
الموافقة على مبدأ الهجرة
الشاملة ليهود العالم حتى يبقى
لليهود رافداً من أخوتهم الذين
لم يهاجروا. بل الدعوة إلى تشكيل
لجان مالية وسياسية لتأمين
الدعم المالي والسياسي لدولة
صهيون المرتقبة.
ولكن هذا المؤتمر شأنه شأن كل عمل
يهودي، فقد تضمن قرارات سرية هي
بحد ذاتها تمثل الفكر الصهيوني
العنصري، ومن هذه القرارات
السرية:
1- استعمال كافة الوسائل وتسخير
الدول والشخصيات لإقامة دولة
صهيون، وهذا ما يتضح من خلال
تصريحات زعماء أجانب وعرب تحمل
في مضمونها وصريح عباراته الدعم
والموافقة على إقامة وطن قومي
يهودي في فلسطين في معرض حديثنا
عن وعد بلفور ومشروع فيصل
وايزمن وطبيعة نشاطات وفكر
جمعية الاتحاد والترقي.
2- ربط كافة الجمعيات اليهودية مع
كافة المنظمات الدولية
والسياسية لاستقلالها للغرض
ذاته.
3- تدعيم العمل السري اليهودي في
كافة أنحاء العالم لضمان
السيطرة على الدول الأخرى، وهذا
ما يتمثل في تغلغلهم في
المؤسسات والفعاليات
الاقتصادية والسياسية على درجة
تجعلهم دينمو الحركة في هذه
الفعاليات.
4- السعي الحثيث لإضعاف الدول
سياسياً بفضح أسرارها وخلق جوٍ
من المنازعة والشقاق بين حكامها.
5- النظر إلى شعوب العالم غير
اليهودية من منظور أنها قطعان
من الماشية ما خُلِقوا إلا
خدماً وعبيداً لحكام صهيون.
6- انتهاج سياسة النفاق والإغراء
والتهديد كوسيلة للسيطرة على
الحكام أخذاً بقاعدة الغاية
تبرر الوسيلة.
7- العمل على السيطرة على الذهب
والاقتصاد العالمي ووسائل
الإعلام لتجنيدها في إثارة
الرأي العام وإفساد الأخلاق
والمعتقدات وتحويل الشعوب إلى
عبدة الشهوة والمال.
إنه وبعد كل هذا نرى أن قرارات هذا
المؤتمر تمثل طبيعة التفكير
اليهودي التلمودي بحركاته
الماسونية والصهيونية
والماركسية، بل وتعتبر هذه
القرارات لبنات أساسية للمشروع
الصهيوني والدولة الصهيونية،
أما باقي المؤتمرات فقد عملت
على تطبيق قرارات المؤتمر الأول
فكان تأسيس أول بنك يهودي
برأسمال مليوني جنيه إسترليني
من قرارات المؤتمر الثاني عام
1898، أما في المؤتمر الخامس فقد
نادى حاييم وايزمان بضرورة
تأسيس جامعة عبرية وإنشاء البنك
الوطني اليهودي.
أما مرحلة ما بعد المؤتمر
التأسيسي: فقد تميزت بتكثيف
النشاطات لترسيخ الأسس النظرية
للصهيونية العالمية والنشاط
الفعال لخدمة الأهداف التي
يتبناها المؤتمر، ويتمثل هذا
النشاط بنشاط الأفراد من جهة
وخاصة زعيم الصهيونية المعاصرة
هرتزل وحاييم وايزمن وغيرهم من
أثمرت جهودهم بعدد من الإنجازات
منها اتفاقية سايكس بيكو ووعد
بلفور والانتداب البريطاني
والحماية الدولية للمشروع
الصهيوني الاستيطاني.
أما النشاط الآخر فكان من جانب
المنظمات الصهيونية التي تمثل
بمجملها السلطة التنفيذية
لقرارات المؤتمر، وهذه
المنظمات هي.
1. المؤتمر الصهيوني العالم
الموجه الأعلى للمنظمة
الصهيونية.
2. المجلس التنفيذي للمؤتمر.
3. الوكالة اليهودية المالية.
4. الصناديق القومية.
5. الجمعية اليهودية العالمية
الممول العام للجمعيات
الصهيونية.
6. النداء اليهودي الموحد HM.
إنه وبعد هذا الحديث عن الصهيونية
وإنشائها نرى أن هناك التقاء بل
وحدة أيدولوجية كاملة بين
الصهيونية والماسونية ذات
المصدر التلمودي العنصري، وأن
الناظر إلى أيدولوجية الحركة
الصهيونية يلحظ هذا بوضوح، فهي
ترتكز على عاملين هامين سبق وأن
ذكرناهما في أكثر من موضع وهما
فكرة شعب الله المختار وهذا هو
الامتياز الخاص، وفكرة أرض
الميعاد. ولكن ما يهمنا هنا أن
نخلص إلى أن الصهيونية بما
تمثله من أيدولوجية وفكر
وممارسات حركة استعمارية دعمت
من كل القوى الاستعمارية بدئاً
من بريطانيا وانتدابها وتبنيها
فكرة إنشاء وطن قومي يهودي في
فلسطين من خلال وعد بلفور
القصي، وامتداداً بالدعم
الألماني والروسي وانتهاءً
بالاحتضان الأمريكي الحالي
للكيان الصهيوني، وهذا ما يجعل
قول الكاتب الصهيوني يوري
أفنيري بأن الصهيونية كانت مظهر
من مظاهر الاستعمار الغربي
صحيحاً.
ومادامت الحركة الصهيونية حركة
استعمارية فطبيعي أن تكون حركة
عدوانية توسعية، وما وصفهم
للإله (يهوه) بأنه متعصب وشرير
وحقود ومتسلط وناقم إلا تبريراً
لسلوكيات أبناء الحركة
الصهيونية الإجرامية
والعدوانية وممارساتهم
اللاإنسانية ضد شعوب العالم
والشعب الفلسطيني واللبناني
بشكل خاص، وليست مذابح دير
ياسين والقدس وطبريا وحيفا
وصبرا وشاتيلا ونحالين والأقصى
وكل الممارسات التعسفية من قتل
واعتقال واضطهاد وظلم ومصادرة
للأراضي في فلسطين إلا شاهداً
حاضراً على هذه العقلية
والنفسية الإجرامية لشياطين
القرن العشرين، وكاشفاً
لأيدولوجية اليهودية التلمودية
ممثلة بالماسونية والعنصرية
والماركسية وبروتوكولاتها.
فهذا البروتوكول السادس يقول (سنعمل
بدقة ومهارة وعمق على تحطيم
موارد الإنتاج عن طريق نشر
الآراء الفوضوية بين العمال
وتشجيعهم على استخدام
المشروبات الروحية متخذين من
الوقت نفسه الإجراءات الكفيلة
بإبعاد القوى المتفقة من غير
اليهود عن البلاد). وجاء في
البروتوكول الرابع (أن علينا
زرع الألغام لتهديم كل المبادئ
الداعية إلى الإيمان بالله
والروح). وأن وسائل تحقيق
الصهيونية العالمية لأهدافها
لا تختلف من تطابق في ماهيتها
وآليتها مع وسائل الماسونية
والتي يمكن حصرها في كلمتين هما
المال والإرهاب.
وسلاح المال هذا تمثل كما رأينا
بإنشاء بنوك ومؤسسات مالية لها
من التأثير ما يجعل من الدول
متسولاً يقف على أبواب هذه
البنوك والمؤسسات، وطبعاً لن
يُكرم قبل أن يكرم على الأقل في
دعم المشروع الصهيوني معنوياً
وإعلامياً. أما سلاح الإرهاب
فيكفي هنا الإشارة إلى الحركات
المسلحة الإرهابية مثل حركة
الأرجون زفاي ليومي بزعامة
الإرهابي مناحيم بيغن سفاح
مذبحة دير ياسين 1948، وصبرا
وشاتيلا بمساعدة أرئيل شارونن.
وهناك عصابة الهاجانا وشتيرن
والتي كانت معظم ضحاياها من
النساء والأطفال وهدم البيوت
وحرق القرى مثل قبية، حتى أن
اليهود المناهضين أساساً
لسياسة الحركة الصهيونية لم
يسلموا من نارهم، والتاريخ يذكر
بأن هذه العصابات هي التي كانت
وراء ذبح يهود ألمانيا على أيدي
الكوماندوز الصهيوني حتى أن
مندوب الأمم المتحدة المبعوث
للتحقيق في جرائم الصهيونية في
فلسطين الكونت برنادوت لم يسلم
من نار حقدهم لأنه أعن في تقريره
في القدس عن حق اللاجئين
الفلسطينيين في العودة إلى
ديارهم.
وبعد هذا كله وبعد أن توضحت الصورة
بشكل عام عن حقيقة هذه الحركة
لابد في النهاية من كلمة للضمير
العربي والدول العربية، والتي
تتمثل في أن كل مبدأ يحتاج إلى
رجال يحمونه ويبذلون من أجله ما
يستطيعون بل ويضحون في سبيله.
فإذا كانت اليهودية التلمودية
قد انطلقت من مقومات باطلة
شرعاً وقانوناً وتاريخاً
لإنشاء كيان ودولة وطرقت من أجل
ذلك كل باب ووصلت إلى ما وصلت
إليه، فكيف بنا نحن المسلمين
حملة أسمى رسالة وأعرق حضارة
وأعظم تاريخ ونملك من المقومات
الشرعية والقانونية والتاريخية
ما يجعلنا أمة لها وزنها
العالمي ودولة عظمى لها هيبتها؟
نفتقر إلى كل هذه الأمور وبل
وتعترينا الفرقة والتمزق
والتشرذم والعنف. إنني أرى أن
السر يكمن في أمرين أساسيين هما:
ضعف الولاء وعدم التضحية. فليس
هنا من منظمات دولية عربية
وإسلامية لها أيدولوجية لحماية
المصالح العربية والإسلامية،
وليس هناك كذلك من دوائر
ومؤسسات مالية تقوم على خدمة
الأهداف والمصالح العربية
والإسلامية، وهناك عنصر أساسي
آخر يشكل بحد ذاته رافداً مهماً
ودعامة أساسية للنهضة العربية
والإسلامية ألا وهو الإعلام
واستخدامه كوسيلة لصقل الإنسان
المسلم وإعداده إعداداً
جهادياً. وللأسف نرى أن هذا
السلاح يستخدم لتمييع الشخصية
المسلمة وهذا ما يجعلنا نشك في
عروبة وإسلام القائم على هذا
الجهاز الخطير.
ثالثاً- الماركسية:
تقوم هذه الحركة أو المذهب على
أساس إنكار وجود الله أصلاً
وإنكار تأثيره على الحياة،
وبالتالي فإن الأحداث والأفكار
والتوجيهات الاقتصادية هي
الزمبرك والمحرك لآلية الدولة
وما التأثيرات والتغيرات
السياسية والاجتماعية إلا
انعكاس للحالة الاقتصادية، وأن
الحالة الاقتصادية أساساً من
إبداع العقل وأن الدين والعلم
يتطور بتطور الوضع الاقتصادي
لأنه وكما ذكر يعتبر الاقتصاد
القوة الرئيسية التي تحكم
الشعوب والدول. وتذهب الماركسية
في ضلالها إلى القول بأزلية
المادة وأبديتها وأنه ليس للكون
نهاية ولا حدود وبالتالي فلا
وجود لأي عالم غيبي، وهنا
يقصدون الملائكة والجن والله
سبحانه وتعالى والجنة والنار…
ومن المفاهيم التي طرحتها
الماركسية والتي يفهم منها خلق
جوٍ من العداء بين الشعوب مفهوم
الصراع الطبقي ورفض قيام أي
تنسيق في المصالح بين الطبقة
الفقيرة والطبقة الغنية، ومن
هنا يبرز تأثير الفكرة
الصهيونية واليهودية العنصرية
على الماركسية، وتتأكد العلاقة
القوة بينهما. ودارت الأيام
وأثبتت فشل الماركسية وكانت
النتيجة تحويل الشعب الروسي إلى
متسول بعد أن كان قوة عظمى
واستغلال وضعه الاقتصادي
المنهار هذا من قبل الصهيونية
العالمية بالشكل الذي نراه في
استقطاب أكبر هجمة مهاجرين
تشهدها فلسطين.
وباختصار نستطيع أن نقول أن
الشيوعية الماركسية والصهيونية
توأمان بل إن الشيوعية هي السهم
الذي وجه صوب العقائد والأديان
لنشر الإلحاد والكفر، ويتضح ذلك
من خلال مقولتهم بأن الدين لا
يصنع الإنسان بمعنى لا يؤثر
فيه، ولكن الإنسان هو الذي يصنع
الدين، وأن الدين أفيون الشعوب
وخمر الفقراء. ويقول مولوتوف (لن
تنتشر الشيوعية في الشرق إلا
إذا أبعدنا أهله ويقصد المسلمين
عن تلك الحجارة التي يعبدونها
في الحجاز ويقصد الحج). ويقول
استالين: الدين والشيوعية مثل
النار والماء وعلينا محاربة كل
الأديان باستثناء اليهودية.
ويجيب لينين عن سبب استثناء
الدين اليهودي بقوله: (إن الدين
اليهودي ضروري لحياة الشعب
اليهودي المختار لأن تجريد
اليهود من دينهم يساهم في فقدان
الشخصية اليهودية وما وجدت
الشيوعية أصلاً إلا لحماية
سيادة شعب الله المختار). أما
نظرة الشيوعية إلى الأخلاق
فتتلخص في قول لينين في كتاب (أنتي
دوهرغ) ليس في الماركسية مثقال
ذرة من الأخلاق، ويقول إنكلز
أنه يتوجب على المناضل الشيوعي
أن يتمرس بشتى ضروب الخداع
والغش والتضليل وإلا لن يكون
مناضلاً ثورياً. وتتوغل
الشيوعية في أداء الرسالة
الصهيونية في الفساد وتحترق
جدار الأسرى وتعتبر أن العلاقات
الجنسية مسألة خاصة وليس محكومة
بقانون أو ضابط اجتماعي معين،
بمعنى الدعوة إلى فوضى الجنس
وانتشار الدعارة. وللتسهيل فقد
نادت الحكومة الشيوعية بأنها
ستتكفل برعاية كل الأطفال غير
الشرعيين وتصوروا ماذا يقول
إنكلز في كتاب مختارات ماركس
وإنكلز ج3 ص 179 مخاطباً الزوجة (الزوة
لا تختلف عن البغية (العاهرة)
إلا بكونها لا تؤجر جسدها
بالقطعة كما تؤجر العاملة عملها
بل تبيعه دفعة واحدة وإلى الأبد
كالعبدة).
لا يمكن تفسير هذا التصور وهذه
الأفكار إلا أنه يبلغون رسالة
إفساد للأخلاق والقيم والروابط
والولاء خدمة لليهودية
الصهيونية، وكيف لا والكاتب
فرانك يقول أن الصهيونية
والشيوعية صنوان منبعهما واحد
وغايتهما واحدة وجوهرهما واحد،
والفئة التي تقوم عليها من وراء
ستار واحدة وما اختلافهما في
الظاهر سوى ترتيب مؤقت اقتضاه
تأمين النجاح في السعي إلى
الغاية الواحدة. وهذا ما أكده
فعلاً إبراهيم الحلو في كتابه (الشيوعية
والصهيونية توأمان) ص 24 بقوله أن
زعماء الحزب الشيوعي الذين
أشرفوا على الثورة الشيوعية
وقادوها كانوا خمسة وجميعهم من
اليهود ماعدا لينين، فقد كان
متزوجاً من يهودية. وهم
زيتوفيف، كامينيف، تروتسكي،
باكوف سفرولوف ولينين الذي يؤكد
وايزمن في مذكراته أنه يهودي
النسب صهيوني الفكر والمنطلق،
ويذكر أن أعضاء اللجنة المركزية
الشيوعية في بطرس بورغ في بداية
الحكم الشيوعي كانوا 388 عضواً
منهم 371 يهودياً و16 روسياً وزنجي
واحد. وفي وطننا الضائع الكبير
يقول سعدون حمادي في كتابه (نحن
والشيوعية) أن من أبرز قادة
الحزب الشيوعي العراقي كانوا
يهوداً أمثال صديق يهوذا، ساسون
دلال، يعقوب كومجان.
أما الشيوعية في مصر فيكفي أن نقول
أنه في 3/11/1953 عثر مع ناحومي
كانيل اليهودية تقارير شيوعية
واردة من الخارج وبعضها من
إسرائيل، وفي 14/10/1953 عثر مع
زميلها جوزف دافيد أزمو
الإسرائيلي تقارير من هنري
كوربيل إلى الشيوعية في مصر،
وعلى هذه الشاكلة الوضع في كل
أرجاء الوطن المنهوب والمغتصب.
ويكفي أن نسوق لكم مثالاً على
مدى ارتباط الأحزاب الشيوعية
العربية بالخارج، ففي العراق
أصدر الحزب الشيوعي بيانات إبان
حرب 1948 يؤيد فيها التقسيم
ويطالب بالصلح مع إسرائيل،
وبنفس النص صدر بيان آخر عن
الحزب الشيوعي السوري وزاد على
سابقه بأن دعا إلى إنشاء دولة
إسرائيل. وقد جاءت هذه البيانات
في الوقت الذي أعلنت فيه روسيا
موافقتها على التقسيم وضرورة
ضمان حق اليهود في تقرير المصير.
واليوم يعيد التاريخ نفسه بل
يضيف حلقة من حلقات التمكين
لليهود في فلسطين وما حولها من
دول عربية مجاورة إذا ما تم
تحرير ما يسمى بمعركة السلام أو
مؤتمر السلام الذي لن يكون فيه
إلا طرف عربي خاسر وطرف يهودي
رابح، وحتى أنه وهو في مراحله
الإجرائية قدمت الدول العربية
سيلاً من التنازلات والتراجعات
في الثوابت ونذكر منها ما تفتق
عن مؤتمر العالم الإسلامي الذي
ألغى الجهاد كطريق لتحرير
فلسطين وتلاه إعلان السعودية في
غير مناسبة بأن الصراع العربي
الإسرائيلي صراع سياسي وليس
ديني. وتلاه استقبال السعودية
وسوريا والأردن للوفد اليهودي
في الكونغرس اليهودي الأمريكي.
الصهيونية واحتواء المسيحية
إن الصهيونية استفادت من الثورات
الأوروبية في احتواء المسيحية
وخاصة الجناح البروتستنتي الذي
تنتسب اليه الإدارة الأمريكية
وإخضاعها لمفاهيمها بعد أن حلت
القومية والوطنية محل الدين
وفتح المجال أمام الصهيونية في
الانطلاق والعمل، فكان لهم
السيطرة على الأحزاب السياسية
في العالم المسيخي الأروبي
والأمريكي وتوجيهها بما يخدم
أهدافها وبسيطرة الصهيونية
نتيجة قدرتهم المالية على أجهزة
الصحافة والإعلام استطاعوا أن
يفرضوا على الغرب مفاهيم بشأن
السيطرة على فلسطين، وبشأن
تحطيم الأخلاق والديانات وما
فكرة فصل الدين عن الدولة كما
يحصل اليوم إلا شكلاً من أشكال
التغلغل والنفوذ الصهيوني الذي
يعتبر بداية تلاقي الصهيونية
بالمسيحية. وقد توطدت العلاقة
وأقيم جسر الوفاق بينهما بعد أن
استطاع اليهود عام 1964 من
استصدار وثيقة تبرئ اليهود من
تهمة قتل المسيح في المجمع
المسكوني، وكذلك من الفاتيكان
الذي أصبح ينظر بعين الرضا
والارتياح إلى مشروعات
الصهيونية في فلسطين. وشيئاً
فشيئاً ومع تشابك المصالح
الغربية في البلاد العربية
والإسلامية ارتأت المسيحية أن
في تلاقي الأطماع الاستعمارية
الصليبية واليهودية في فلسطين
وغيرها من بلاد العالم واللعب
على طاولة مكشوفة تحت شعار
استراتيجية عمل موحدة تحكمها
عناصر التنسيق والتعاون. وقد
تجسدت العلاقة بين الصهيونية
والصليبية بجملة من الاتفاقيات
والخطط والدراسات والمشاريع،
والتي كان لها جذورها التي سبقت
إنشاء الحركة الصهيونية ذاتها،
وعلى سبيل المثال يذكر التاريخ
أن نابليون هو أول من نادى (بفكرة
إنشاء وطن قومي لليهود في
فلسطين باعتبارهم أسياد هذه
البلاد الحقيقيين وأنه بُعث من
قِبَل الآلهة لمؤازرة الشعب
اليهودي ومساعدته في استعادة
بناء مملكة القدس القديمة)،
ومهما يكن هدف نابليون الشخصي
من وراء هذا المشروع إلا أنه
يشكل باباً من أبواب التعاون
وتلاقي المصالح الاستعمارية.
ولنفس الهدف طرحت بريطانيا
مشروعها الداعي إلى تشجيع
الهجرة إلى فلسطين، وفي كتاب له
أكد القس هشلر لهرتزل أن الدولة
اليهودية ضرورة عالمية وهذا
جيمس بيكون اليهودي يصدر كتاب (إرجاع
اليهود أزمة جميع الأمم).
وتمر الأيام وفي عام 1907 باجتماع
لقوى الاستعمار (بريطانيا
وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا
والبرتغال وبلجيكا وهولندا) في
مؤتمر بازمان الذي خرج بقرار
ضرورة جعل فلسطين قاعدة صليبية
استعمارية للغرب بزرع الشعب
اليهودي فيها تحارب من خلالها
كل محاولات الوحدة بين البلاد
العربية وتعمق مفهوم التقسيم
والتجزئة. والذي يمكن اعتباره
مقدمة لوعد بلفور القصي الذي
صاغته بريطانيا اللعينة عام 1917
بحيث أعطى فيه من لا يملك لمن لا
يملك. وبعد هذه المرحلة وبعد أن
أصبح أمر توطين اليهود في
فلسطين واقعاً أخذت أوجه
التعاون بعداً جدياً تمثل في
الإمداد المالي والعسكري بشكل
كبير والاعتراف الرسمي من قبل
القوى الدولية العظمى
كالولايات المتحدة وروسيا
وبريطانيا.. بدولة إسرائيل،
وعلى سبيل المساعدات الأمريكية
مثلاً للكيان الصهيوني منذ عام
1967 وحتى عام 1990 بلغت 77 بليون
بمعدل 2.5 بليون دولار سنوياً.
ويتم تسويق هذه المساعدات تحت
غطاء أن الولايات المتحدة تلقت
الكثير مقابل ما قدمته
لإسرائيل، ولا يدخل في هذا
الرقم المبالغ التي تقدم
لإسرائيل سراً وتحت عهدة أعذار
والمعدات العسكرية والخبرات
والمشاريع المشتركة بينهما كما
لا يدخل فيه مبلغ العشرة بلايين
دولار المطلوبة على سبيل
الضمانات. أما شكل المساعدات
الروسية لإسرائيل فيكفي أن نذكر
أنها أمدتها بأهم عنصر من عناصر
ومقومات الدولة وهو العنصر
البشري، أما بريطانيا فهي الأم
الحاضنة للكيان الصهيوني
والوصي المخلص له، وستبقى على
الرغم من نقل عبء الوصاية
والرعاية لأمريكا بصفتها القوى
العظمى. وبشيء من التحليل نخلص
إلى أن النظام الدولي الجديد
الذي تسعى الولايات المتحدة إلى
فرضه ما هو إلا شكلاً جديداً من
أشكال الدعم للكيان الصهيوني،
فيكفي أن تحصل إسرائيل على
شرعية واعتراف عربي بهيمنتها
على أكثر من 75% من أراضي فلسطين
وعلى حقها في الموارد الطبيعية
ذات البعد الإقليمي وخلق جوٍ من
التطبيع الاقتصادي والتقارب
السياسي وإنهاء حالة الحرب
المعلنة وإحكام الرقابة على
قدرات الدول العربية العسكرية
وجعلها ذات طابع دفاعي محض
وخاصة بعد أن تم تدمير القوة
العربية الأولى للعراق،
وبالمقابل تحتفظ إسرائيل
بمخزونها النووي الهجومي
وتستمر في تطوير قوتها
وترسانتها الحربية، وكما ذكر
فإن من قواعد النظام الدولي
الجديد يعمل على تخفيض القدرات
العسكرية ذات الطابع الهجومي بل
وتدميرها من البلاد العربية حتى
تصبح الدول العربية المجاورة
لإسرائيل بمجموعها لا تملك أكثر
مما تملكه إسرائيل. ومن جانب آخر
لا نظن أن هذه الخدمات مجانية
ليس لها مقابل، بل إن هذا النظام
هو شكل جديد من أشكال الهيمنة
الصليبية والصهيونية على
المنطقة، ولكن بغطاء اسمه
الشرعية الدولية والإرادة
الصريحة للمجتمع الدولي. إنه
وبعد كل هذا لا نرى مجالاً لأدنى
نسبة شك في مدى الصلة الوثيقة
التي تربط الصهيونية العالمية
بالصليبية العالمية.
اليهود طارئون على فلسطين
إن إسرائيل هو يعقوب ويعقوب عليه
السلام حفيد سيدنا إبراهيم،
وإبراهيم عليه السلام قد أتى
مهاجراً ن حران وقد فر يعقوب من
أخيه عيسو ولجأ إلى خاله للأمان
في حران ومكث عنده قرابة عشرين
سنة حيث تزوج هناك بابنتي خاله،
وأما بخصوص الأرض التي هاجر
إليها سيدنا إبراهيم بأمر من
الله تعالى فقد كانت تسمى بأرض
كنعان، وفي هذه الأرض لم ينتشر
فيها نسل سيدنا يعقوب عليه
السلام ولم يكن فيها طوال فترة
وجوده فيها إلا مجرد لاجئ لم
يلبث أن ارتحل هو وأولاده إلى
مصر وأقاموا فيها بقية حياتهم،
فمات يعقوب عليه السلام وكثير
من أهله والباقون تعاظمت شجرتهم
وازدادت أوراقها حتى أصبحوا
بعددهم يشكلون عبئاً على حكام
مصر وفراعنتها فتكالب المصريون
عليهم وأرادوا القضاء عليهم
فكانت نجدة الله أن بعث فيهم
موسى عليه السلام منقذاً حيث
خرج بهم متوجهاً إلى أرض
فلسطين، فما كان منهم وهذا
شأنهم إلا أن تمردوا على موسى
وهم لما يزالوا في طريقهم إلى
فلسطين فكتب الله عليه التيه
وكان هذا أقل جزاء لمن يخالف رأي
أميره وقائده وخاصة إذا كان هذا
الأمير والقائد نبياً منقذاً من
ظلم الطواغيت، ولم ينته أمرهم
بانتهاء أمر موسى وما لاقوه من
جزاء، بل خلف موسى يوشع فقادهم
بحرب إلى فلسطين قهراً ولم
يتثبت لهم ملك ولا كيان إلا زمن
داود عليه السلام، حيث انتصر
وجنده على الفلسطينيين ومنه
انتقل الملك إلى سليمان فترة من
الزمن ما لبث أن انقسم بنو
إسرائيل إلى مملكتين متباغضتين
ومتعاديتين وهذا شأنهم في
القرآن (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا
وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) فنخر
السوس أركان مملكتهم فتزلزلت
على أصحابها وثار بركان
الطامعين بهم فغزاهم نبوخذ نصر
ملك بابل في العراق فخرب هيكلهم
وسباهم إلى بابل ومكثوا فيها
قرابة سبعين سنة حتى مَنَّ
عليهم بعض ملوك بابل فسمح لهم
بالعودة إلى فلسطين، فاستمروا
في الجزء الشمالي لمملكتهم إلى
أن جاء عهد قيصر أحد ملوك
الرومان الذي أكمل ما كان بدأه
نبوخذ نصر فأجهز على مملكتهم
وشتتهم وفرقهم شر ممزق فتفرقوا
في البلاد وعادوا إلى سابق
عهدهم على شكل تجمعات وقبائل
متناثرة، ثم لما ظهر الإسلام
دين الرحمة والعدل والمساواة
وفتح المسلمون بيت المقدس التي
كانت تئن جريحة تحت ظلم طاغوت
الرومان ونشروا فيها أنوار الحق
ورفعوا شعارات العدالة والسلام
بعد أن تمكنوا بإيمانهم وثابت
عقيدتهم وعدالة مسيرتهم القضاء
على كل الطواغيت التي ما تركت
وسيلة غلا وأتت بها رغبة في
النيل من الإسلام وأهله وطمعاً
في بلاد الشام وخيراتها، وكان
آخرها الهجمة الصليبية وفي هذه
المرحلة الطويلة للحكم
الإسلامي لا غرو أخي القارئ أن
نقول أن اليهود كانوا يدخلون
بيت المقدس للعمل وأداء الشعائر
الدينية بحرية كاملة تمشياً من
الإسلام مع مبادئه بخصوص معاملة
أهل الذمة في الحكم الإسلامي
العادل، ولكن كما قال الله
تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ
النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ
آمَنُوا الْيَهُودَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا). وقال
تعالى: (وَيَسْعَوْنَ فِي
الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ
لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة:
64]. ظل اليهود طيلة هذه الفترة
يبيتون ويخططون ويمكرون
ليعيدوا دولتهم من جديد، ولما
كان القرآن أخبرنا بأن بني
إسرائيل ستكون لهم إفسادتان
كبيرتان ودولتان ففي سورة
الإسراء (وَقَضَيْنَا إِلَى
بَنِي إسْرائِيلَ فِي
الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي
الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا
كَبِيرًا)، وما دمنا قد تحدثنا
عن الإفسادة الأولى وما حل بهم
من جزاء فإننا نرى أن نحمل هذه
الآية على واقع اليهود وما هم
عليه من علو وجبروت وظلم وفساد
كبير، ونعتبر أن دولة إسرائيل
القائمة هي الإفسادة الثانية
ودونما خوض في تفاصيل المراحل
التي مهدت إلى زرع هذه الدولة في
قلب أمتنا العربية والإسلامية
لأننا نفرد بحثاً خاصاً بذلك
نتطرق فيه إلى دراسة وتحليل هذه
المراحل من منظور قرآني.
وطالما أننا بيّنا وفسرنا
الإفسادة الثانية على الواقع
القائم للكيان الصهيوني فإن ذلك
يدفعنا إلى ضرورة الإيمان
بحتمية الزوال وخاصة إذا
استذكرنا حادثة الجرائم وخطاب
الرسول صلى الله عليه وسلم بأن
يتوجه نحو بيت المقدس لفتة منه
صلى الله عليه وسلم بأن الظلم لا
يدوم في بيت المقدس وهذا ما
يدفعنا إلى الاستبشار وخاصة وأن
صفحات هذا الكيان البغيض حافلة
بالممارسات اللاإنسانية
والأعمال الإجرامية وشتى أنواع
الفساد والإفساد.
ويمكننا من خلال هذه اللفتة
النبوية أن نستشف حقيقة مفادها
أن الحق وصاحب الحق والعدل
والصلاح والخير هي البدائل
الطبيعية للباطل وصاحبه والظلم
وصاحبه والإفساد وصاحبه والشر
وصاحبه، كما نستشف من حديثه صلى
الله عليه وسلم أن وجود اليهود
بشكل دولة لابد وأن يصاحبه فساد
وبالتالي فإن مصيرهم كمصير
الجراد لا يعمرون ولا يدومون
فهم طارئون في وجودهم كدول
وطارئون في بلاد الطهر والقداسة
والشرف التي لا تقبل لساكنيها
ومن ساكنيها غير الطهر والشرف،
وإلا لاقوا ما لاقوه، وهذا ما
نستبشر به بإذنه تعالى.
وأمر آخر جدير بالاهتمام في حادثة
الجراد وهو أن ليس كل من دخل
بلداً يصبح له حق تاريخي وتشرعي
فيه، بانياً ذلك الحق على مجرد
الدخول والمكوث لفترة مهما
امتدت لا تخرج عن كونها مروراً
طارئاً يرتب أي أثر ولا يمنح أي
حق. واليهود طارئون على فلسطين
وسيبقى هذا هو التكييف المنطقي
والشرعي والقانوني لوجودهم
ولدولتهم تصديقاً لقوله صلى
الله عليه وسلم بأن بيت المقدس
أرض للشرف والطهر ولا يعمرها
إلا كل طاهر وشريف، وما وجود
اليهود الحالي إلا ابتلاءً لهم
واختبار وإنذار، وطالما فشلوا
في هذا الاختبار وواقعهم أعظم
شاهد جاز عليهم سوء الجزاء
شأنهم شأن الجراد. والرسول صلى
الله عليه وسلم وهو يخاطب
الجراد بالتوجه إلى حتفه إلى
بيت المقدس مقصلة الظالمين
كناية عن الطرد لما خلقه وأحدثه
الجراد من تخريب وكأنه أراد أن
يشير لنا بأن يهود العالم
المنتشرين هنا وهناك يعيثون في
الأرض الفساد سوف يلاقون نفس
الأسلوب والنتيجة حيث سيطردون
من البلدان التي يعيشون فيها
بعد أن يفسدوا فيها ويخربوها
بأخلاقهم السيئة ويوجهون إلى
فلسطين حتى ولو غُلف هذا بشيء من
العمل الإنساني والدافع النبيل
وهذا ما ينطبق تماماً على ما
يحصل في فلسطين منت تكثيف
لموجهات التهجير ليهود العالم
إلى فلسطين للاستعمار، بل
لملاقاة حتفهم ومصيرهم
المنذرين به هم وأمثالهم من
الظالمين والمفسدين.
الركائز الوهمية للدولة
التلمودية
إنه وبعد أن ترسخت فينا قناعات عن
حقيقة العقلية اليهودية
الفاسدة التي تجمعت واحدة تلو
الأخرى مما درسناه عن جذور هذه
العقلية ومصدرها التلمودي
العنصري البعيد بُعْد الثرى عن
الثريا عن تعاليم التوراة وأي
كتاب سماوي، وحتى عن قوانين
الإنسانية. فبغضهم للمسلمين
وللبشرية جميعها، وغدرهم
ونقضهم للمواثيق والعهود
وكتمانهم للحق وتحريفهم للكتب
السماوية وإفسادهم في الأرض،
وغطرستهم ونظرتهم الثأرية أو
بالأحرى نزعتهم الإجرامية كما
وضحها القرآن الكريم، كانت ولم
تزل وراء كل فعل أو قول تقوم
فهيا اليهودية التلمودية. فهم
لا يكادون يخرجون من مطب حتى
يقعوا في مطب ومنه بأخر وتتشابك
الحلقات وتتضخم الانحرافات
وضرباً على الوتر فإن اليهودية
التلمودية وحركاتها السياسية
والفكرية، وقد تعمقت لديها ما
كان طرحه زعماء الاستعمار من
إمكانية إنشاء وطن قومي ليهود
العالم في فلسطين، أو بشكل أدق
زرع جسم غريب في قلب الأمة
العربية والإسلامية كما أرادت
بريطانيا وغيرها من دول الأطماع
الاستعمارية كفرنسا، أخذت
تتخبط في طرح هذه الفكرة وخلق
المسانيد القانونية والتاريخية
والعقائدية لتأمين تمرير هذه
الفكرة وكسب الرأي العام لها.
ونحن بدورنا سوف نستعرض مختلف
الركائز التي استند عليها الفكر
اليهودي التلمودي واعتمد عليها
كحجج وبراهين لخلق شرعية لوجوده
في فلسطين محاولين إثبات
بطلانها وتعريتها عن الصحة. وفي
البداية نقول أن اليهودية
التلمودية بحركاتها وأجهزتها
بنت سيناريو دفاعها على ستة
ادعاءات مختلفة، والصهيونية
العالمية كانت الوكيل العام
لليهودية التلمودية لتروج هذه
الادعاءات لكسب العطف العالمي
لقضية اليهودي المشتت من جهة
وتعميق مفهوم الواجب التوراتي
لدى يهود العالم وضرورة حشد
الطاقات وتوجيه الأنظار إلى
ضرورة تحقيق الحلم التوراتي.
أما هذه الادعاءات فكانت:
أولاً:- (إن اليهود شعب مشتت وينبغي
لهم أن يجتمعوا في ظل سماء واحد
وعلى أرضٍ واحدة تحت ظل سيادة
معينة).
إن هذه الدعوى وهذا الادعاء باطل
من عدة جوانب:
أ – من النص يتضح أن عملية أو
الرغبة في تجميع شتات اليهود
مجرد فكرة مطروحة لا يحددها
منهج ولا يحدد بموجبها كذلك
الأرض التي يجب تجميع اليهود
فيها وبشكل أدق ليس هناك أي ذكر
خاص بفلسطين لا من قريب ولا من
بعيد.
ب- إن هذا الادعاء لا يمثل سنداً
ولا حجة بل هو مجرد استعطاف ولفت
أنظار العالم لقضية اليهود
المبعثرين في أنحاء العالم.
ج- إذا افترضنا جدلاً أن الأنظار
تتوجه إلى فلسطين وسمائها فإن
كونهم شعب (مع أنه لم يثبت معنى
الشعب على يهود العالم) وله حق
تجميع أشلائه وتقرير مصيره ليس
بالضرورة وليس من العدل أن يكون
هذا التجميع وهذا الحق في تقرير
المصير على حساب شعب قائم على
أرضه وتحت سمائه أصلاً وتجريده
من حقه هذا ومنحه لشعب آخر.
د- إن الذنب ذنبهم ففرقتهم وتشتتهم
كان نتيجة عادلة وحتمية منطقية
لما يقترفونه ويثيرونه من فساد
وإفساد في كل ا{ض أو صقيع
يدخلونه، فهم كالجراد لا بل
كالطاعون ليس لهم علاجاً إلا
النفي والتشتيت، فماضيهم يشهد
عليهم ويصادقه حاضرهم فيعزف
عنهم غدهم فنظرتهم العنصرية
جعلتهم أصحاب نهج تسلطي
استبدادي ترفضه كل الشرائع
والملل.
هـ- ليس منالعدل أن يتحمل ذنوبهم
غيرهم، وشعبنا الفلسطيني صاحب
الحق الشرعي مازنيه يعاقب فيهم
ومنهم في جسده وعرضه وماله
وأرضه فيهجر ويشتت ويعذب وقتل
وكأن خطأً قضائياً أو تزويراً
في وقائع القضية قد حصل فبرئ
وكوفئ القاتل وأُعدم من ليس له
ذنب.
و- أنه لو جاز لهم واقر بشرعية
وجودهم في فلسطين لمجرد الادعاء
السخيف وعمل على طرد الشعب
الفلسطيني من أرضه لكان ذلك
وقبل كل شيء قتلاً لمقدرات كل
المؤسسات الدولية وقرارات مجلس
الأمن وهيئة الأمم المتحدة
وغيرها من المؤسسات الخاصة التي
ترفض مبدأ احتلال أرض الغير دون
وجه حق، ومعاملة أهلها الأصليين
بما يتنافى وحقوق الإنسان. كما
أنه لو جاز ذلك لأصبحنا نرى
العالم كله بركاناً ثائراً
وناراً وقَّادة تحكمه نظريات
الغابة ولأصبحت حبراً على ورق
كل المبادئ والثوابت والمقررات
الداعية إلى ضمان حق الشعوب في
السيادة على أراضيها والدفاع
عنها ضد كل المحاولات الهادفة
إلى سلبها هذا الحق. وبالتالي
لجاز لشعبنا الفلسطيني المهجر
أن يخلق لنفسه في كل بلد حط بها
كياناً سياسياً خاصاً فيه كل
معاني الاستقلالية.
ز- لو كان فعلاً افتراضنا بانصراف
هذه الدعوى إلى فلسطين وظل
سمائها في غير محله فلماذا كان
موضوع عرض أوغندا وغيرها من
البلدان كسيناء والأرجنتين
وكذا كمناطق استيطانية لليهود
يواجه بالرفض من قبل اليهودية
التلمودية الاستعمارية ويبدو
أن استغلال التأثير الروحي
والمزاعم الدينية المختلفة من
قبل الحركات الصهيونية كانت أحد
المبررات لرفض الوطن اليهودي في
أوغندا وسيناء وغيرها من
المشاريع المطروحة حتى من قبل
بعض قادة الحركة الصهيونية، بل
وأحد زعمائها وهو هرتزل الذي لم
يكن يشترط فلسطين كوطن وأرض
وحيدة يمكن إقامة الكيان
اليهودي فيها بل كان يسعى في
تحقيق هذا الطموح والهدف على أي
أرض يمكن القوى الدولية تأمينها
لليهود ولكن هذا الزعيم رغم
تفانيه في خدمة الصهيونية
والجنس اليهودي إلا أنه جوبه
بحملة من عناصر الحركة
الصهيونية اتهموه بالخيانة
للشعب اليهودي والحلم التوراتي
والواجب المقدس، مبررين
اتهاماتهم له ورفضهم لأي بقعة
غير فلسطين بعدم وجود أي رابط
ديني يربطهم بأوغندا وغيرها من
البقاع الأخرى المطروحة، مثل
الذي يربطهم بفلسطين حيث الهيكل
وحائط المبكى وبأنه لم يفهم روح
اليهودية التلمودية التي تنظر
إلى فلسطين واستعمارها كواجب
مقدس.
ثانياً:- (إن الله وعد الشعب
اليهودي (بني إسرائيل) بالأرض
المقدسة).
* يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ
اللَّهُ لَكُمْ وَلا
تَرْتَدُّوا عَلَى
أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا
خَاسِرِينَ *المائدة
نعم لقد كتب الله عليهم دخول بيت
المقدس (فلسطين) خلاصاً من بطش
فرعون ولكن هذا الدخول يحتاج
الى تضحية ومقاتلة للوثنيين
الذين وصفوا بالجبابرة وليس
وعداً وكأنه تفضيل لهم ومنحة بل
انه أمر وتكليف رباني هم فهموه
ولذلك تخلفوا ورفضوا الدخول
وعصوا أمر ربهم وما استجلبوا
لنداء نبيهم موسى عليه السلام
وكان جزاؤهم كما وضحنا
النفي والتشتيت. وان أموراً
كثيرة يجب نوضحها وهي أن اليهود
جبلوا على عدة خصال جعلتهم
أناساً لاهثين أبداً وراء المال
جمعه بشتى الوسائل ولو حدا
الأمر بهم إلى بيع كل المبادئ
الأخلاقية والمذاهب الدينية
والأعراف الإنسانية. فالوعد
الذي وعده الله لإبراهيم إلا
امتحان أراد من خلاله الله أن
يكشف للناس بطائن بني إسرائيل
وما تخفي صدورهم ويكشف كذلك
اضطهاد فرعون لهم وكيف أنهم لم
يعتبروا من ماضيهم وهم مضطهدون
زمن فرعون، ولم يقلعوا عن
طباعهم اللاإنسانية، فلا
يظلمون ولا يفسدون ولا يتسلطون
حتى ولو حكموا أنفسهم بأنفسهم،
ومن امتدت إليهم يد سلطتهم
وبهذا يتبين لنا أن الشعب
اليهودي هو هو عدو لله وللناس
أجمعين، فلا يصونون عهداً ولا
وعدهاً ولا مذهباً فكان لهم
الوعد كما قلنا اختباراً
وامتحاناً. هكذا أخبرنا القرآن
الكريم وأنهم بفشلهم حل ما حل
بهم لأن الله لا يورث الأرض إلا
لعباده الصالحين، ومن هنا نرى
الحث الإلهي الواضح على ضرورة
مقاتلتهم وتطهير الأرض من رجسهم
فهم كالخبيث من المرض ليس له
علاج إلا الاجتثاث والبتر.
وشيء آخر يجب أن نوضحه في هذا
المقام رداً على هذا الادعاء
وهو أن الأمر الإلهي بدخول
الأرض المقدسة
لم يأت إلا عندما كان بنو
إسرائيل مضطهدين من قبل فرعون
من جهة وعندما كانوا مسلمين لله
تابعين لإسرائيل النبي المسلم.
ولو حاول أحد القول ما مبرر
وجودهم كدولة حالياً رغم ما ثبت
عنهم من فساد وإفساد فنقول أن
الله تعالى بحكمته أراد أن يبين
لهم أن ليس لهم علو غير هذا
العلو. وبالتالي فإن واجب
الحفاظ على هذا الكيان يحتاج
إلى عدة ركائز أهمها الإيمان
والعمل الصالح والا حل بهم ما
حله بهم، وسوف ينتهي بهم الأمر
إلى حيث انتهى بهم في الإفسادة
الأولى. وأمر آخر يكمن في هذا
الوجود وهو أن طبيعة الصراع بين
الحق والباطل طبيعة تتجدد إلى
أن يرث الله الأرض ومن عليها،
واليهود هم قادة الباطل ودعاته،
والمسلمون هم دعاة الحق وجنوده
وهذه حقيقة أكدتها الأصول
الشرعية والآيات القرآنية.
ثالثاً:- (إن فلسطين أرض الأجداد
وبالتالي فهي مورثة للأبناء) أو
بمعنى آخر (أسبقية التواجد
اليهودي)
تصوروا ماذا يقولون عن فلسطيننا،
إنها بلد أجدادهم ولهم حق
تورثها من بعدهم وتوريثها لمن
بعدهم. ونحن نقول أولاً وقبل كل
شيء أنه ليس كل من مر بأرض
مروراً طارئاً أصبح له حق
تملكها متى شاء، فاليهود دخلوا
فلسطين مع يعقوب ولم يمكث فيها
طويلاً ولم ينتشر فيها. وشيء آخر
هو أنهم لم يدخلوا أرضاً خالية
بل كانت مسكونة بمن وصفهم الله
بالجبارين. ونعود ونكرر أن
الوعد الإلهي بإسكانهم أرض
فلسطين في المرة الأولى وفي
المرة الحالية ما هو إلا ابتلاء
واختبار واضح الشروط وواضح
النتائج، وكثيرة هي الشواهد
والآثار التاريخية التي تدل على
أن دخول اليهود بعد يعقوب كان
على يد داود الذي قادهم في حرب
مع الفلسطينيين ومن بعده مكنهم
سليمان من إقامة أول دولة لهم،
ولكنهم كسابق عهدهم (بَأْسُهُمْ
بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا
وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) تنازعوا
وشاع بينهم الفساد فحق عليهم
العذاب ودمرناهم تدميراً. وهم
اليوم عادوا ولم يتعظوا من
دروسهم السابقة وابتلاءاتهم
الأولى فإفسادهم وظلمهم
وطغيانهم ينذر بنفس المصير الذي
حذرهم منه سبحانه وتعالى بقوله (وَإِنْ
عُدْتُمْ) إلى الفساد (عُدْنَا)
إلى العقاب.
رابعاً:- (فلسطين أرض بلا شعب ويجب
أن تكون لشعب بلا أرض)
إذا كان ادعاؤهم هذا صحيحاً فمن هم
الذين حاربهم داود وتغلب عليهم
ومن هم الذين قال الله تعالى
عنهم (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا
جَبَّارِينَ)، وفي قولهم لنبيهم
موسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ
وَرَبُّكَ فَقَاتِلا)، أليس هذا
دليلاً واضحاً وجلياً على أن
فلسطين لم تكن خالية بل كانت
مسكونة.
إنهم بهذا الادعاء يشوهون الحقائق
ويكذبون التاريخ فلا يعترفون
بوجود الفلسطينيين أصحاب الحق
الشرعي في فلسطين، والتاريخ
يصرخ بلسان العدل والحقيقة أن
فلسطين كانت تحتضن من
الفلسطينيين على ثراها ما يزيد
على ضعف اليهود المهاجرين إليها.
ولكن نحن نقول أن الذي لا يملك
حجة دامغة وساطعة لما يدَّعي
يلجأ إلى الاحتيال والتزوير،
وهذا ليس غريباً ممن اعتادوا
التزوير والتحوير والتشويه
فعنصرية اليهود ونظرتهم
الاستعلائية والاستبدادية
تدفعهم دوماً إلى تشويه الحقائق
التاريخية والدينية من أجل
ترسيخ مفهوم الحركة الصهيونية
وجعلها مقبولة ليهود الشتات
أولاً وللمجتمع الدولي ثانياً
من خلال الترويج لمثل هذه
الادعاءات الباطلة الداعية إلى
الباطل وهذا ما يقودنا إلى
التذكير بالقاعدة التي تقول (أنه
يقع باطلا ًكل ما قام ويقوم على
باطل) ويحكم عليه بالبطلان.
خامساً:- (إن اليهود شعب يحمل رسالة
توراتية)
فأية رسالة هذه التي يتحدثون
عنها، هل هي رسالة نور وهداية أم
رسالة الفساد والإفساد والظلم
للعباد. أم هي رسالة القومية
اليهودية والنداء بوحدة الشعب
اليهودي وضرورة توحيدهم
وتجميعهم في ظل دولة يهودية
وتحت سيادة واحدة تذهب بسياستها
لتشمل يهود العالم كلهم بحيث
يعتبر كل يهودي في العالم هو جزء
من مجموعة قومية واحدة هي الشعب
اليهودي كما يزعمون. فإذا كان
هذا هو المقصود برسالتهم فكفانا
القول بأن اليهودية دين لا
قومية وأن مصطلح الشعب اليهودي
لا وجود له، فالنصوص التوراتية
لم ترد فيها سوى عبارة شعب
إسرائيل وهو مصطلح يشير إلى
أولئك الذين اتخذوا اليهودية
ديناً لهم دون أية إشارة إلى
ارتباط هذا المفهوم بأن لهذا
الشعب قومية واحدة والسبب واضح
وهو عدم توفر الفواصل المشتركة
المكونة للقومية لأي مجتمع بين
يهود العالم، فيهودي أمريكيا لا
تربطيه بيهودي روسيا سوى
الديانة فقط فلا يشتركون معاً
لا في اللغة ولا في الأرض ولا في
التاريخ ولا في الشكل حتى ولا في
التفكير، فأين هي هذه القومية
أو الرسالة؟
سادساً:- (إن الشعب الفلسطيني غاصب
لهذه الأرض فهي ليست ملكاً لهم)
لقد اشتدت اللهجة وبدأت صيغ
التحريض والهجوم بعد فشل الصيغ
الإنشائية ذات الطابع العاطفي
أو التاريخي، وبعد أن أصبح أمر
إلغاء الوجود الفلسطيني أصلاً
مستحيلاً جاءت هذه الصيغة التي
فيها أول اعتراف صريح بالوجود
الفلسطيني، ولكن واصفاً هذا
الوجود وأهله بالمغتصبين وإنني
أرى أن هذا الادعاء من الهشاشة
ما يجعلنا نؤكد طبية اليهود
العنصرية والتسلطية
والاستعمارية بعيداً عن أي هدف
شريف أو رسالة دينية أو قومية
كما يدّعون، فالحركة الصهيونية
وهي الجناح العسكرية لليهودية
التلمودية ما انفكت تنسج الحجج
والبراهين والمبررات الواهية
لإضفاء الشرعية لوجودهم غير
المشروع أبداً في فلسطين، فمرة
يعتبرون أن اللغز بالأرض ومرة
بالسكان، ولكن ماذا نقول بحق
المجرم سوى أنه مهما وصل الظالم
من الدهاء والذكاء فإن الضحية
تبقى بصوتها صوت الحق أقوى منه
وأبقى.
إنه وبعد هذا العرض السريع
للادعاءات الصهيونية في أحقية
وجودها في فلسطين والذي حاولنا
من خلاله تفنيد ودحض الادعاءات
وإثبات بطلانها، نجد أنفسنا
أمام ضرورة ملحة وهي بيان بعض
الحقائق التاريخية والقانونية
والاجتماعية والدينية
والمنطقية والفلسفية المتعلقة
بهذه الادعاءات والتي تكشف
حقيقة أجهزة اليهودية
التلمودية وحركاتها الإرهابية
القائمة على القتل ومحاربة
الفكر المتحرر والحركات
النضالية التحررية، وليس على
أسس دينية أو سياسية ذات رسالة
شريفة بل رسالتها الحقيقية نشر
الظلم وإثارة الفتن كوسيلة
للوصول إلى أهدافها ومطامعها
العسكرية والاستعمارية في
أرضنا المقدسة المتمثلة في
إقامة الكيان وتجميع يهود
العالم في فلسطين والعمل على
ترحيلنا منها، وأن قانون العودة
الذي أصدرته الحكومة اليهودية
الغاصبة عام 1950 (أكد أن دولة
إسرائيل تعتبر نفسها من خلق
وإبداع الشعب اليهودي)، وهذه هي
البداية واللبنة الأولى في
إرساء قواعد جسم إسرائيل البغيض
في أرضنا المقدسة ونموها.
وبسهم آخر من الجناح العسكري
الإرهابي لليهودية التلمودية
ونقصد بذلك الحركة الصهيونية
جاءت فكرة إحياء مصطلح الشعب
اليهودي كوسيلة لربط كل من
يدينون باليهودية بأهداف
الصهيونية بحيث يصبح بموجب هذا
المصطلح كل يهود العالم خاضعين
إلى سلطة دولة إسرائيل بصفتها
الجهة القانونية والسياسية
والشرعية المخولة برعاية
اتلجنس اليهودي في شتى أنحاء
العالم. وحتى تكون هذه الفكرة
مقبولة قامت الحركة الصهيونية
بوضع المسانيد القانونية
والدينية والعنصرية والتاريخية
لهذا المفهوم حيث اعتمدت
قانونياً على ذكر هذا المصطلح
في وعد بلفور القصي وفسرت
المفاهيم الدينية بشكل يجعل من
اليهودية ديناً وقومية واعتبرت
أن تاريخ اليهود الفريد يكفي
وحده ليجعل منهم شعباً له صفاته
الخاصة. نِعْم شعب تغذى على
الإجرام والعنصرية.. ونحن
بدورنا نقول أن اليهودية عقيدة
دينية وليست قومية وبالتالي فإن
وجود ديانة يهودية لا يعني وجود
شعب يهودي، فالشعب الواحد تكون
بين أفراده روابط مشتركة تمثل
بمجموعها هذا التعبير وهذا ما
يقودنا إلى نفي صفة القومية عن
الشعب الإسرائيلي، فالواقع
العلمي يثبت من خلال الدراسات (الأنثروبولوجية)
أن بين الجماعات اليهودية
المنتشرة في بقاع الأرض فوارق
جنسية واضحة بسبب انحدارها من
شعوب وسلالات متباينة ومتعددة
وبالتالي فإن اليهود لا
يكوِّنون جنساً واحداً.
فالعالِم (سلامان) يقول أن نقاوة
الجنس اليهودي أمر خيالي. وهذا
دليل صارخ آخر يثبته سلامان
والعالم مشبرج وهو أن الأنف
المعقوف الذي يعتبر أحد الخواص
المميزة لليهود لا يوجد إلا بين
44% من أولئك الذين يعتنقون
اليهودية بينما يظهر الأنف
المستقيم بين 40% منهم والأنف
الروماني بين 9% منهم والأنف
المنحرف إلى أعلى بنسبة 7%. وبعد
هذا يصبح الزعم الذي نادى به
هرتزل بأن اليهود يشكلون شعباً
واحداً وجنساً متميزاً ساقطاً.
كما يعتبر ساقطاً من الناحية
التاريخية والجغرافية الزعم
الذي نادى به (ناحوم جولدمان)
بأن (تاريخ الشعب اليهودي
الفريد قد خلق وحدة جماعية
فريدة).
فالواقع التاريخي يقول أن اليهود
لم يكن لهم تاريخ مشترك، فهم لا
يقطنون جميعاً على أرض واحدة
بشكل دائم بل وجودهم في فلسطين
طارئ وأنهم وحتى الآن وبعد أكثر
من 50 عاماً مازالوا يستجمعون
شتاتهم، إضافة إلى أنهم لا
يتكلمون لغة واحدة ولا يحملون
فكراً واحداً، فالمجري في
إسرائيل يهودي الديانة مجري
الانتماء ومجري العرق وحتى مجري
التفكير.
وبنظرة أخرى إلى قانون العودة
تبرز لنا الدوافع العنصرية
والاستعمارية الواضحة لليهودية
التلمودية، فهو ينص على أنه
قانون يعطي لأي يهودي في العالم
الحق في المجيء إلى إسرائيل
بصفة مهاجر عائد والاستيطان
فيها في أي وقت يشاء ولا تشترط
إسرائيل لاكتساب الفرد الجنسية
اليهودية عند هجرته إليها
التنازل عن جنسيته الأصلية
جنسية الدولة التي قدم منها. ولا
يخضع أمر التجنس إلى مثل
الإجراءات المعمول بها في معظم
دول العالم كالإقامة الفعلية
لمدة معينة والتنازل عن الجنسية
الأصلية لمنع الازدواجية
وإثبات النية الحقيقية في
التجنس وغيرها من الإجراءات
المتعلقة بوضع الشخص الصحي
والمالي والانتماء السياسي
وغيرها..
وطبعاً فإن المغزى الصهيوني من
وراء طرح هذا المفهوم هو ربط كل
يهود العالم بهذا الكيان
بحيث يلازم أمر إبقاء الفرد على
جنسيته الأصلية أن يصبح اليهودي
ذا ولاءين سياسيين فهو مجري
مثلاً بحكم الموطن والمولد
ويهودي بحكم الدين سواء أظل تحت
حكم البلد الذي يعيش فيه أو هاجر
إلى إسرائيل. وبحكم هذا التوجه
يصبح اليهودي في أي بلد خاضعاً
للنظم والقوانين الصهيونية إلى
جانب كونه خاضعاً للنظم وقوانين
البلد الذي يعيش فيه. وبذلك
ونتيجة لهذا التوجه نرى الحركة
الصهيونية تكثف من حملات
الترغيب لهجرة اليهود إلى وطنهم
القومي ودولتهم التاريخية
فنراها تارة تحاول إشعار يهود
العالم بأنهم يعرضون لخطر
الاضطهاد والظلم في البلاد التي
يقيمون فيها، ولذلك فإن عليهم
أن يتوجهوا وبأنفسهم إلى وطنهم
ودولتهم، ولا تتورع الصهيونية
في ممارسة أعمال إرهابية ضد
اليهود في الخارج كتفجير أماكن
العبادة أو أماكن التجمع
والاغتيال وإلصاق هذه الأعمال
بعصابـات وجماعات تدعي أنها
إرهابية، ويكفي أن نذكر أن يهود
ألمانيا تم ذبحهم بعلم من
الصهيونية العالمية حتى ان
الأمس غير البعدي فان أكبر
موجات هجرة شهدتها فلسطين
لليهود الصهاينة كان في فترات
كان فيها العالم يشهد حالة من
عدم الإستقرار الأمني وبأيد
خفية صهيونية بدءاً من الإتحاد
السوفيتي وما حل به من تمزق
ومروراً بالبوسنة والهرسك
وصولاً الى يوغسلافيا والجزائر
وايران وأخيراً الصين والتي
استخدم مرض الإلتهاب الرئوي من
قبل الوكالة اليهودية لإقناع
اليهود بالهجرة منها الى
اسرائيل .
محامي
- مدير مركز المرشد للدراسات -
جنين
medad@medad.ws
|