ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
مشروع
الإصلاح (الأمريكي
ـ الأوروبي) والمقابل
الإسلامي زهير
سالم مبادرات
الإصلاح الخارجي إصلاح
أو هيمنة؟! كانت منطقتنا العربية والإسلامية
دائماً في قوس اهتمام الآخر(1).
ولكن اهتمام الآخر بمنطقتنا بعد
أحداث 11/9/2001 بدا مختلفاً. فلقد
أصبحت هذه المنطقة هدفاً للحروب
والقواعد العسكرية والمبادرات.
كانت الخطة واضحة بعد سقوط
الاتحاد السوفييتي، وبروز
الطموحات الامبراطورية لدى
الإدارة الأمريكية. فقد تركزت
الاستراتيجية الأمريكية في
إحلال الخطر الأخضر (الإسلام)
مكان الخطر الأحمر (الشيوعية). وكان للآخر في حملته على عالمنا
ببعديها (العسكري ـ والثقافي)
أسبابه الحقيقية والذرائعية.
فبعد أن أصبح العالم قرية
صغيرة، وتحول المتوسط من بحر
إلى بحيرة، وغدا عبور الأطلنطي
لا يكلف إلا بضع ساعات، وبدأت
البركة العربية تطفح بموجات من
المهاجرين، وهم في كثير من
الأحيان غير شرعيين، يلقون
رحالهم بين ظهراني الآخرين،
يحملون معهم ثقافتهم ويتمسكون
بها، ويلقون بظلالها على الواقع
الاجتماعي والثقافي، مما يخلخل
منظومة القيم التي اعتبرها
أصحابها راسخة مستقرة. فلقد
شكلت الهجرة هاجساً مقلقاً في ظل الوضع الديموغرافي
لمجتمعات متآكلة بشرياً. وكان لا بد من تفكير مستقبلي يحمي
المجتمعات القلقة من تحول
الهوية في ظل مناهج ديموقراطية
تسمح للأقلية المنظمة أن تتحكم،
على نحو ما، بالأكثرية كما هو
الحال مع الأقلية اليهودية في
الولايات المتحدة. كما فجرت حالات الظلم السياسي
والاجتماعي (الخارجي والداخلي)
ينابيع الغضب والكراهية في
عالمنا. وبدلاً من أن يبادر
المتسببون بهذا الظلم إلى
مراجعة سياساتهم وسياسات
الأنظمة التي فرضوها على
المنطقة، بدؤوا يبحثون عن أسباب
الغضب والكراهية في قيمنا
وثقافتنا!! لا ندري ماذا كان
سيفعل أي شعب أوروبي أو أمريكي
لو عومل بنفس السياسات التي
نعامل بها؟! لماذا كان من حق
الأوروبيين أن يرفضوا النازية
ولا نعطى نفس الحق في رفض سياسات
التمييز والاستعلاء وكسر
الإرادة والتدخل في الشأن
الداخلي؟! وهكذا اعتبر الإرهاب عابر القارات
ذريعة للتدخل في شؤوننا، ومع أن
هذا الإرهاب قد تمت إدانته في
عالمنا العربي والإسلامي
دينياً وإستراتيجياً إلا أن هذا
لم يعفنا (إسلاماً) و(مسلمين) من
المسؤولية!! إذا كنا غير معنيين ببحث ذرائع
لهذا الإرهاب، ولكن التفكير
العلمي الهادئ الرصين يقتضي
البحث عن الأسباب الحقيقية
الكامنة وراء كل ظاهرة،
لمواجهتها وليس الجري وراء
الوهم الذي يؤدي في كثير من
الأحيان إلى السراب، ويفاقم
المشكلات، ويعزز ما يراد
مواجهته، أو يبدد الجهد في طرق
الباطل. إذا كانت ثمة فئة معزولة محدودة
تمارس الإرهاب باسم الإسلام،
فإن إعلان الحرب على الإسلام
وهو دين خمس سكان المعمورة يعني
استعداء هذه الملايين، وزجها في
حرب صعبة وطويلة الأمد. إن ما
يجري في أفغانستان والعراق
وفلسطين ما هو إلا بداية
البداية!! وإذا كنا نتفهم أن يتأذى شركاؤنا
في هذا العالم من هذه الأفعال
المستنكرة (دينياً
وإستراتيجياً وسياسياً)، فإن
عليهم أن يتفهموا أيضاً أننا
نتأذى من محاولاتهم توظيفها
للعدوان علينا، أو التدخل في
شؤوننا، ووضعنا لقرن آخر أمام
مشروعات إصلاحية منقوصة أو
مجزوءة، على نحو ما حصل بعد
الحرب العالمية الأولى. والسبب الثالث لاهتمام الآخر
بمنطقتنا، هو ما تحتويه من
ثروات طبيعية، وفي مقدمتها
النفط الذي يعتبر عصب
التكنولوجيا الغربية. إن تأمين
الطاقة بالسعر والطريقة التي
يفرضها الآخر هو أحد الأسباب
المباشرة لمحاولات السيطرة على
هذه المنطقة. إن البعد الاقتصادي لهذه
المشروعات لا يتوقف عند حد
الاستحواذ على الثروات وإنما
يهدف في آفاقه إلى تحويل
المنطقة إلى سوق استهلاكي،
يستعيد بطريقة آلية القليل الذي
يدفعه ثمناً لتلك الثروات. أو
يستقطب على محور ثالث الرساميل
المتاحة لتوظيفها في المشاريع
الخاصة. كما أن حماية (دولة إسرائيل)،
وتبني المشروع الصهيوني
بأبعاده الدينية والاستراتيجية
والاقتصادية هي هدف رابع للحملة
المشهودة. إن الدعم المطلق الذي
تجاوز حتى القرارات (الجائرة
أصلاً) لما يسمى بالشرعية
الدولية، يوضح أن الآخر يريد
توظيف هذه الدولة لتكون قاعدة
السيطرة والنفوذ في عالمنا. إن جميع المبادرات والمخططات التي
تقدم لمنطقتنا، أو تفرض عليها،
ابتداء من الألفاظ والتسميات (الشرق
الأوسط) وانتهاء بالصيرورة
الأخيرة لكل جهد، تسعى إلى
تكريس الوجود الصهيوني
وتعزيزه، وزرعه نسيجياً
وبنيوياً في جسم المنطقة. فكرة (الشرق
الأوسط) كانت صهيونية منذ
بدايتها. فالشرق الأوسط هو
الاسم الذي يسقط كل هوية!! ورغم كل الضعف العربي، واليأس
العربي، فإن (إسرائيل) لم تصبح
مشروعاً ناجحاً حتى الآن، وحتى
بعد مدريد وأوسلو. إسرائيل
ماتزال مهددة ديموغرافياً
واستراتيجياً بطوفان من الناس
الذين لا يريدون التعامل معها،
وهي من جهة أخرى ماتزال دولة
تعيش على المعونات. ومن هنا يأتي تأكيد المبادرات
أجمع، وكما سنرى ذلك بالتفصيل،
على تكريس التجزئة في عالمنا.
الأوروبيون الذين يسيرون بدأب
نحو وحدتهم الكبرى، لم يفكروا
وهم يقدمون لعالمنا وصفتهم
الرشيدة بوحدته، ولا بثقله
الاستراتيجي أو تكامله
الاقتصادي. وتأتي الخاتمة في ثمرة هذه
المبادرات، في تذويب الهوية
والسعي إلى الإنسان المجرد من
كل وصف أو مرجعية. ومن هنا تصطدم
المبادرات جميعاً مع (العربية) و(الإسلامية)
وإذا كان السعي إلى نفي
المرجعية والصبغة الإسلامية
واضحاً منذ مطلع القرن العشرين،
فإن هذه المبادرات تؤكد في
سياقاتها المستجدة على نفي
الحالة القومية، ليس على صعيد
السياسة فقط بتكريس التجزئة كما
أشرنا وإنما على صعيد الثقافة
والشعور أيضاً، بفرض قيم السوق
كقاعدة أساسية للتعامل. موقف أولي من مشروعات التغيير..
لتلك الأسباب الاستراتيجية
والسياسية والاقتصادية تكاثرت
مبادرات الإصلاح الخارجية التي
تقدمت بها دول ومجموعات عظمى
لإصلاح واقعنا العربي
والإسلامي. كانت المبادرة
الأولى مبادرة باول وزير
الخارجية الأمريكية. ثم مبادرة
ريتشارد هاس مدير التخطيط في
البيت الأبيض، ثم مبادرة بوش
للتجارة مع الشرق الأوسط. ثم
مبادرة الرئيس بوش الأخيرة التي
أطلقت تحت عنوان (مشروع الشرق
الأوسط الكبير)، وفي نفس السياق
سارع الأوروبيون، ومن قبيل
التنافس على مناطق النفوذ:
الاستراتيجي والاقتصادي إلى
تقديم مشروعات الشراكة
الأوروبية، مشروع (برشلونة)،
والمبادرة الأوروبية الأخيرة. في موقفنا الأولي من هذه
المبادرات لابد لنا أن نسبق إلى القول: إن
اقتراح الإصلاح من الخارج يعتبر
شكلاً من الوصاية، وهذا يستدعي
الرفض الأولي للتدخل في شؤون
المنطقة، والرفض لأشكال
الإملاء عليها. كما أنه لابد من التنويه إلى أن أي
مشروع يأخذ بالحسبان مصلحة
مقدميه أكثر من اعتباره مصلحة
الجهة التي يقدم لها. وأن هذه المشروعات التي تصاغ من
رؤية خارجية، تقع في خلط وخبط
وتتجاوز ما هو حقيقي إلى ما هو
ظاهري، وما هو كلي إلى ما هو
جزئي. وبما أن هذه المشروعات تفرض من
موقع (القوة) المادية
والمعنوية، بشكل ما يجري في
أفغانستان والعراق، أو بشكل
المساعدات المشروطة، فإنها
تشكل نوعاً من الإكراه على
السير في طريق لا تريده الشعوب،
وتجد مساغها لتتسلل على ما فيها
لزيادة العبء، والتدويم في
دوامات الانحطاط. إنه مهما تكن إغراءات المعطيات
المطروحة في هذه الأفكار: الحكم
الصالح ـ وتعزيز المعرفة ـ
وتوسيع الفرص الاقتصادية ـ حسب
الورقة الأمريكية. أو (السلام ـ
الاستقرار ـ الازدهار) حسب
الورقة الأوروبية إلا أننا لا
نستطيع أن نغفل عن محمولها شديد
الخطورة، والذي يتكرس حسب فهمنا
فيما أشرنا إليه سابقاً، ونعود
إلى تكراره لأهميته: ـ نفي المرجعية والهوية الإسلامية
والعربية عن المنطقة (المرجعية
الدينية) و(الهوية القومية)
وتمييعها لتكون ضائعة قابلة لكل
ما يُعرض عليها. ـ وينبني على هذا ـ نفي الجوامع
المشتركة بين أبناء الأمة،
ومحاصرة القيم، ليسود مناخ
السوق وقيمه، وبالتالي مصادرة
أمل الوحدة وتكريس التجزئة. ـ جعل العنوان (الشرق الأوسط)
والواقع قابلين للوجود
الصهيوني ومن هنا يأتي الإصرار
على نفي الخاص المعبر (الإسلام)
و(العروبة) ومقوماتهما وتبني
العام المائع. إننا، مع
تمسكنا بتحفظنا الأولي الذي
أشرنا إليه، وتقديمنا الحذر في
كل المبادرات المقترحة،
وتمسكنا بمنهجنا الأصيل في
رؤيتنا للإصلاح والتغيير؛
لقادرون على الخوض في بطون تلك
المبادرات، على اختلاف
مصادرها، للبحث في ثناياها،
والتعامل مع مفرداتها على أساس
قاعدتنا الشرعية الحكمة ضالة
المؤمن أني وجدها فهو أحق بها. مدخل التغيير.. وتقريرا التنمية
الإنسانية العربية:
على الرغم من أن أهداف حملة
الآخر ومبادراته واضحة في
الأسباب التي أشرنا إليها. إلا
أنه حاول أن يتسلل إلى واقعنا
عبر تقريري التنمية الإنسانية
العربية، الصادرين عن الأمم
المتحدة. بالمقابل نحن نعتبر واقعنا العملي
بما فيه من تجزئة وضعف وفقر
وقصور مدخلنا إلى التغيير، كما
نعتقد أن هذا الواقع هو نتاج
مشروع تغريبي منقوص، فرض على
أمتنا في مطلع القرن الماضي.
وإذا كان الخطاب الإعلامي
الرسمي في عالمنا يستنبت
الخضراء على الدمن، ويزين
الواقع مع كل ما فيه، ليسحب
الرشد على الحكام، فإن شعوبنا
وقيادات المجتمع المدني في
ديارنا قادرة تماماً على رؤية
الواقع رؤية متوازنة. وهذه
القيادات تدرك مواقع السلب
وأسبابها كما تدرك طرائق
الإصلاح ومداخله. مطلوبنا للتغيير هو الذي يحدد مدخلنا
إليه. وهذه حقيقة أولية تؤسس
لاختلاف الرؤية، واختلاف
المنهج، بيننا وبين الآخر
الأوروبي والآخر الأمريكي. إن محاولة توظيف تقريري التنمية
الإنسانية الصادرين عن الأمم
المتحدة كمدخل لعملية إصلاح
شامل في عالمنا العربي، مع أن
التقريرين لم يعدا لهذا الهدف،
جاءت بداية مخيبة للآمال
ومجتزئة لواقع لا يمكن اختزاله
على الطريقة التي نهجها
التقريران، اللذان أعدا
كحافزين، وليس كمؤسسين لمشروع
التغيير. تقول الدكتورة ريما خلف مديرة (برنامج
الأمم المتحدة الإنمائي)، وهي
التي أشرفت على إعداد التقريرين
مع مجموعة عمل عربية، في مقابلة
أجرتها الشرق الأوسط (3/4/2004)
مشيرة إلى اجتزاء التقريرين في
المبادرة الأمريكية: (طبعاً يثير استياءنا إذا اجتزأ غيرنا
تقاريرنا وحاول تشويهها)، وهي تؤكد المعاني التي تقدمنا
بها نفسها (.. أقول وأكرر
القول الآخرون استباحونا لأننا
ضعفاء نحن نعي مشاكلنا في نفس
الوقت الذي نعي أيضاً جدية
وخطورة أطماع الآخرين)
وتقول بوضوح عن مشروع الشرق
الأوسط الكبير (المبادرة
الأمريكية الأخيرة) (.. وهذا
المشروع لن ينجح. لن ينجح لسببين
في رأيي، السبب الأول هو أنه
فاقد للشرعية على الأقل في أعين
العرب.. الإنسان العربي لا يعتقد
أو هو غير مقتنع بأن الولايات
المتحدة تبحث عن مصلحته، بل هو
واثق من أنها تبحث عن مصلحتها.
وحقاً الولايات المتحدة
بتبنيها الكامل طروحات إسرائيل
فقدت نهائياً ثقة المواطن
العربي. أما السبب الثاني فهو
أنه (مشروع الشرق الأوسط الكبير)
بني على فلسفة خاطئة..). كما كتب الدكتور نادر فرجاني
المؤلف الرئيسي للتقريرين
مقالاً أكد فيه أن لا مجال
للمقارنة بين المشروع الأمريكي
وتقارير التنمية الإنسانية
العربية. فالأخيرة أكدت على
ضرورة أن ينبع الإصلاح من
الداخل. بل وأن يطرح على القوى
الحية للاتفاق عليه.. كما يشير
إلى أن تقارير التنمية أكدت أن (إسرائيل)
هي من أكبر معوقات التنمية في
العالم العربي. بينما تصر
الولايات المتحدة والمبادرة
الأوروبية على دمجها في هذا
العالم. مع كل ما سبق فإن
التقريرين قد وظفا كمدخل لمشروع
إصلاحي أمريكي أوروبي جديد.
وكانت هذه بداية الخطأ في رأينا. في تقويمنا لتقريري التنمية
الإنسانية لا يمكن من ناحية
مبدأية أن نشطب كل ما ورد فيهما.
بل إننا نرى فيهما إضاءات
إيجابية لكثير من مواقع السلب
في واقعنا العربي والإسلامي.
وقد احتوى التقريران على كثير
من الجهد، وكثير من الحقائق
المدعمة بالأرقام، وفضحا
عالماً من الزيف الإعلامي
تمارسه الأنظمة القطرية، وهي
تطمئن المواطن العربي على أنها
تنجز له في عالم التنمية الكثير!!
ولكن هذا لا يمنعنا أن نشير
إلى أن التقريرين أعدا
برؤية قاصرة أو مجزوءة، تقتصر
على رصد الظواهر دون التعمق إلى
تحليل أسبابها، والتركيز على
بعض ملامح الخلل دون بعض على نحو
انتقائي واضح. ومن الأخطاء
الأساسية في بناء تقريري
التنمية الإنسانية، اعتبار
الأنموذج الغربي بكل أبعاده
مقياساً ومعياراً أولياً. ليقاس
عليه واقع يختلف عنه في تأسيسه
وفي تطلعاته على السواء. كما أن
التقريرين عزلا الوقائع عن
سياقاتها في منظومتها الحضارية
والاجتماعية وقد خبط معدو
التقريرين أيضاً في ترتيب
الأولويات، إذ لا بد في مثل هذه
التقارير من تقديم الأساسيات
على الفرعيات، والانتقال من
الكليات إلى الجزئيات. ولقد انعكست هذه السلبيات بوضوح
في مبادرات الإصلاح المتكاثرة
التي جعلت من التقريرين أساساً
ومنطلقاً. يتبــــع (1)
ـ الآخر في هذه الأوراق هو
الغربي الأوروبي والأمريكي.
وحيثما اقتضى الفصل قيدنا
بالوصف: الآخر الأوروبي..
الآخر الأمريكي.
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |