تابع
ـ مشروع
الإصلاح
(الأمريكي
ـ الأوروبي)
والمقابل
الإسلامي
مبادرات
الإصلاح الخارجي
موقف
من
مبادرات الإصلاح الخارجي
زهير
سالم
هل
ثمة خلاف بيننا وبين الأمريكيين
على ضرورة أن يقوم في أوطاننا
حكم ديمقراطي صالح، وأن تتعزز
برامجنا المعرفية، وأن تتوسع
الفرص الاقتصادية أمام
مواطنينا.
هل
نجادل الأوروبيين في أهمية
الإصلاح السياسي (تشجيع الحكم
العادل ـ وسيادة القانون ـ
وإدخال النظام الديمقراطي ـ
وحقوق الإنسان ـ وأهمية الإصلاح
الاقتصادي (تحرير التجارة
ومحاربة الفساد)، وأهمية الحوار
الثقافي والإصلاحي الاجتماعي
أو تنويع وسائل الإعلام، وتشجيع
المساواة بين الجنسين في إطارنا
الحضاري، وتحديث التعليم،
وتشجيع الحوار الديني والثقافي).
هل
يمكن لهذه العناوين أن تكون
موضع خلاف بين طلبة الإصلاح من
الداخل أو الخارج. المعروض في
ثنايا هذه المبادرات هو ما سماه
الرئيس نيكسون في كتابه (نصر بلا
حرب) العرض الذي لا يمكن رفضه. فلا
أحد في عالمنا يرفض حامل هذه
الأفكار لئلا يتهم بالبلاهة
والقصور أو التخلف أو الجمود.
إن
توقف الحكومات والنخب في
مجتمعاتنا العربية والإسلامية
عند محمول هذه الأفكار.. ومحمول
هذه الأفكار حين نتوقف عنده
رهيب ومخيف. إنه يعني تذويب
الإرادة والهوية والوجود
وتهيئة الأمة لتكون المائع الذي
يقبل الشكل واللون ويقبل أن
يغرز فيه ما يشاء الآخر.
إن
مشروعي الإصلاح المطروحين من
قبل الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي، إنما يمثلان في
حقيقتيهما صورة من صور الصراع
أو التنافس على المنطقة، وطرائق
التسلل إليها.
يتشكك
الكثيرون في جدية المبادرات
ومصداقيتها، ويرى البعض فيها
وسيلة من وسائل خطب ود الشارع
العربي المحتقن ضد حكامه،
والمتطلع إلى الديموقراطية؛
بينما يراها فريق آخر أسلوباً
من أساليب كشف أوراق الحكام
العرب للضغط عليهم ودفعهم إلى
المزيد من التنازل. يؤكد فريق
ثالث أن المبادرة الأمريكية
ليست إلا بعض البرنامج
الانتخابي للرئيس بوش، وطريقة
من طرق الهروب إلى الأمام من
نتائج احتلال العراق والانسياق
مع سياسات شارون.
لقد
نشر المشروع الأمريكي للإصلاح
في الشرق الأوسط تحت عنوان (الشرق
الأوسط الكبير) ليتم تقديمه
لمجموعة الدول الثمانية في
لقائها في الولايات المتحدة،
وقامت المفوضية الأوروبية
وبناء على تكليف من مؤتمر
الثمانية نفسه بإعداد ورقة
مقابلة للورقة الأمريكية. بدت
بانطباع أولي أكثر تواضعاً
وعملية ودقة.
حدد
الشرق الأوسط الكبير في الورقة
الأمريكية بالبلدان العربية
وباكستان وأفغانستان وإيران
وتركية وإسرائيل. بينما آثرت
الورقة الأوروبية تسمية (الشرق
الأوسط الأوسع).
نظرت
الورقة الأمريكية إلى المنطقة
ككتلة واحدة، بينما فضلت
المجموعة الأوروبية أن تفرز دول
المنطقة إلى وحدات، على أسس
جغرافية وحضارية واقتصادية. فقد
رصد الاتحاد الأوروبي التعقيد
والتنوع في المواقف والأقطار،
واستنتج أنه لا يوجد إطار عمل
وحيد للشراكة.
فشراكة
مع دول عربية بترولية ـ غنية ـ
تختلف عن شراكة مع دول بحاجة إلى
الدعم للتنمية. وعلى هذا الأساس
فرزت دول الخليج العربي وليبية
في مجموعة، ثم فرزت دول البحر
الأبيض المتوسط للتعامل معها
حسب الشراكة الأوروبية
المتوسطية اتفاقية (برشلونة).
واقترح الاتحاد الأوروبي
برنامجاً خاصاً للتعامل مع
مجموعة ثالثة هي (اليمن ـ وجزر
القمرـ وجيبوتي ـ وموريتانيا ـ
والصومال والسودان..).
وأفرد
المشروع الأوروبي (العراق)
المحتل بورقة خاصة. بينما تم
تجاهله أيضاً في الورقة
الأمريكية.
كما
ركز المشروع ذاته على الصراع
العربي الإسرائيلي ففي هذا
الإطار لحظ المشروع الأوروبي
دور الصراع (الفلسطيني ـ
الإسرائيلي)، حسب تسميته، في
إحداث الفوضى وعدم الاستقرار في
المنطقة. الموضوع الذي تغافل
عنه المشروع الأمريكي تماماً،
وبادرت المجموعة الأوروبية إلى
تعيين ممثل خاص لمتابعة مشروع
السلام الشرق الأوسطي. وهكذا
بدا المشروع الأوروبي متعدد
الجوانب حسب واقع الدول في
المنطقة.
من
حيث الهدف قدم المشروع الأمريكي
هدفاً اتقائياً من شعوب المنطقة!!
تقول أوراق المشروع المقترح على
مجموعة الثمانية (يمثل الشرق
الأوسط الكبير تحدياً وفرصة
فريدة للمجتمع الدولي. وساهمت
النواقص الثلاث التي حددها
الكتاب العرب.. في خلق الظروف
التي تهدد المصالح الوطنية لكل
أعضاء مجموعة الثمانية) وتؤكد
الأوراق (وطالما تزايد عدد
الأفراد المحرومين من حقوقهم
السياسية والاقتصادية في
المنطقة ستشهد زيادة في التطرف
والإرهاب والجريمة الدولية
والهجرة غير المشروعة. إن
الإحصاءات التي تصف الوضع
الحالي في الشرق الأوسط الكبير
مروعة..)
بينما يبدو المشروع
الأوروبي أكثر إيجابية حين ينصب
لسعيه ثلاثة أهداف: السلام
والاستقرار والازدهار.
في
النظر إلى أهداف المشروعين
الأوروبي والأمريكي نلحظ أن
أياً منهما لا ينظر إلى المنطقة
كوحدة حضارية، أو استراتيجية
فبينما نظرت إليها الإدارة
الأمريكية على أنها مصدر للشر
ينبغي أن تتقيه؛ نظرت إليها
المجموعة الأوروبية كسوق وموضع
للشراكة ينبغي أن يتأهل
للانخراط فيها.
اتفق
المشروعان الأمريكي والأوروبي
على ضرورة الحوار بينهما عبر
الأطلنطي للوصول إلى رؤية
مشتركة مع وضوح ما بين الفريقين
من تنافس وخلاف.
المحاور الأساسية التي دار
حولها المشروع الأمريكي هي:
ـ
تشجيع الديمقراطية والحكم
الصالح.
ـ
بناء المجتمع المعرفي.
ـ
توسيع الفرص الاقتصادية.
بينما
ركز المشروع الأوروبي على
المحاور التالية:
1ـ الإصلاح السياسي: تشجيع
الحكم العادل، وسيادة القانون ـ
إدخال النظام الديموقراطي
وحقوق الإنسان.
2ـ الإصلاح الاقتصادي: تحرير
التجارة داخل كل من العالم
العربي والاتحاد الأوروبي
وتحريرها داخل كل منهما.
3ـ الحوار الثقافي. والإصلاح
الاجتماعي. تنويع وسائل الإعلام
تشجيع المساواة بين الجنسين،
تحديث التعليم، وتشجيع الحوار
الديني والثقافي.
ولكن هل يمكن لهذه العناوين
أن تكون موضع خلاف بين طلبة
الإصلاح سواء من الداخل أو
الخارج؟! لا شك أن السر في
التفاصيل الصغيرة. في الفرز
الاستراتيجي والسياسي والثقافي
المسبق. في القفز فوق قنطرة
الحكومات والوصول مباشرة إلى
القوى والنخب السياسية ومؤسسات
المجتمع المدني، لتغذيتها
بعناصر القوة، وتوظيفها في خدمة
المشروع الخارجي، ثم في المحمول
النهائي لمشروعي الإصلاح
الأمريكي والأوروبي.
القوى
الخارجية التي آثرت خلال القرن
الماضي أن تخوض معركتها عبر
الوسطاء (الأنظمة ـ وبعض النخب) قررت
في هذه الجولة أن تدخل معركتها
عبر الشارع العربي مباشرة. وهذا
ما يثير غضب الحكام لأنه يحد من
سلطاتهم، ويحرض عليهم، ويفتح
أمام مواطنيهم أبواب التمرد
والثورة. وهو يثير في الوقت نفسه
القلق والتحدي في نفوس نخب
مجتمعية وثقافية تنظر إلى
المشروع الخارجي على أنه وسيلة
مباشرة إلى محاصرتها والإمعان
في إقصائها وحتى استئصالها.
هل
سيطيق الأوروبيون والأمريكيون،
الذين يتحركون بأحكام مسبقة
صادرة بحق الإسلام والمسلمين،
تطبيق الديموقراطية الحقيقية
في عالمنا؟ وهل سيحتملون
نتائجها؟! ألا يصطدم تعبير
الحكم الصالح والديموقراطية
برغبة (الآخر) الاستراتيجية في
مواجهة الإسلام والمسلمين،
وبضرورة قهر ما يعتبرونه قوى
التطرف والمعارضة؟!
إن
تقاطعنا الإيجابي مع مبادرات
الإصلاح، التي تلامس في كثير من
جزئياتها مواقع السلب في
حياتنا، بغض النظر عن الاختلاف
أو الاتفاق على طرق معالجتها،
لا يعني أن هذه المبادرات يمكن
أن توضع موضع التنفيذ، أو يمكن
أن تكون ذات نتاج حقيقي خلال زمن
منظور.
إن
الملحوظة العامة على هذه
المبادرات أنها تصاغ من بعيد
وأنها تنشأ في فراغ. نفقد في
هذه المبادرات معنى المشروع
الحضاري، وما يتطلبه من مقتضيات
الريادة والتحدي. بين النظرة
الاتقائية الأمريكية التي
أقامت مشروعها على سياسة (العصا
والجزرة) وبين الشراكة
الأوروبية التي أقامت مشروعها
على أساسيات السلام والاستقرار..أي
على أساس الرفاهية والازدهار..
بأي ثمن؟! تضيع في المشروعين
حضارة وأمة وقيم وتطلعات!!
نتساءل: لماذا لم يحمل المشروع
الأوروبي مثلاً في طياته
مشروعاً مصغراً لتجربة الوحدة
الأوروبية؟! أين التفكير
بالهوية الحضارية والثقافية
للمنطقة؟! أين الحديث عن الإطار
السياسي الموحد لدول الإقليم؟!
أين الإشارة للتكامل
الاقتصادي، أين إطار التعاون
السياسي؟! أين برامج التطوير
التكنولوجي؟! أين برامج الإصلاح
في ميدان الزراعة والري؟!
الأمريكيون أرادونا حراساً
أمينين على حقول نفطهم في
بلادنا!! والأوروبيون أرادونا
سوقاً تجارية، وجيراناً
متمدنين وادعين.
النواقص
في المبادرتين المجزوءتين أكثر
من أن نشير إليها. إن تقاطعنا
الإيجابي مع المبادرات
المذكورة، لا يسمح لنا أن نرفض
مثلاً: الحكم الصالح
والديموقراطية، أو الارتقاء
المعرفي أو زيادة الفرص
الاقتصادية. إن قبولنا بمثل هذه
المقترحات يتطلب منا أن نضعها
في إطارها العام، منطلقين من
رؤية شاملة لمنطقتنا، وهذا
يتطلب منا أيضاً أن ننتقل
مباشرة إلى تقديم مشروع متكامل
للإصلاح.
يتبــــع
|