ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
كتاب
أزمة الإسلام برنارد
لويس ترجمة الباحثة : ميسرة زهير سالم هوامش وتعليق : الأستاذ زهير سالم مقدمة·
لقد
بذل الرئيس بوش والسياسيون
الغربيون الآخرون جهوداً عظيمة
ليوضحوا أن الحرب التي ننهمك
فيها هي حرب ضد الإرهاب.. وليست
حرباً ضد العرب، ولا ضد
المسلمين بشكل عام، والذين
يجادلون في الانضمام إلينا في
هذا الصراع ضد عدونا المشترك. إن
رسالة أسامة بن لادن هي رسالة
مضادة. فبالنسبة لابن لادن
وهؤلاء الذين يتبعونه، فإن هذه
حرب دينية، حرب في سبيل الإسلام
ضد الكفار، ولذلك فهي بشكل
حتمي، ضد الولايات المتحدة،
القوة العظمى في عالم الكفار[1]. في
بياناته يشير ابن لادن بشكل
متكرر إلى التاريخ. وكانت إحدى
إشاراته الأكثر درامية ما ذكره
في شريط الفيديو خاصته في 7/10/2001 (للاذلال
والعار) اللذين عانى منهما
الإسلام (لأكثر من ثمانين سنة). لقد
بدأ معظم المراقبين الأمريكيين
والأوروبيين دون شك للمشهد
الشرق أوسطي، بحثاً قلقاً عن
أمر ما حدث منذ أكثر من ثمانين
عاماً مضت، وخرجوا بإجابات
متعددة. إن بإمكاننا أن نكون
متأكدين تماماً من أن مستمعي
ابن لادن المسلمين ـ الناس
الذين كان يخاطبهم ـ قد التقطوا
الإشارة فوراً وقدروا أهميتها. في
عام 1918 هزمت السلطنة العثمانية،
آخر إمبراطوريات المسلمين
العظيمة، وتعرضت عاصمتها،
القسطنطينية، للاحتلال، وقيدت
سيادتها، وتم تقسيم الكثير من
أراضيها بين امبراطوريتي
بريطانيا وفرنسا المنتصرتين[2].
لقد قسمت مقاطعات الهلال الخصيب
الناطقة بالعربية والعثمانية
سابقاً إلى ثلاث كينونات،
بأسماء جديدة وحدود جديدة، بحيث
وضعت اثنتان منها، العراق
وفلسطين، تحت الانتداب
البريطاني، والثالثة تحت اسم
سورية أعطيت للفرنسيين. في وقت
لاحق، قام الفرنسيون بتقسيم
مستعمرتهم إلى قسمين، أطلقوا
على أحدهما اسم لبنان، واحتفظوا
للجزء الباقي باسم سورية. وقد
قام البريطانيون بنفس الشيء إلى
حد كبير في فلسطين، بخلقهم
انقساماً بين كلتي ضفتي نهر
الأردن. وقد أطلق على القطاع
الشرقي اسم شرقي الأردن، ثم دعي
بعد ذلك بالأردن، واحتفظ باسم
فلسطين للقطاع الغربي، بكلمات
أخرى، أردن هذا الجانب من
البلاد. تتألف
الجزيرة العربية على نطاق واسع
من صحارى قاحلة لا يمكن الوصول
إليها، وجبال. وقد ظن في ذلك
الوقت أنها لم تكن تستحق عناء
تسنم السيادة عليها. وسمح
لحكامها بالاحتفاظ باستقلال
مقلقل ومحدود. نجح الأتراك في
النهاية في تحرير وطنهم
الأنضولي، ليس باسم الإسلام بل
بواسطة حركة علمانية قومية
قادها الجنرال العثماني المدعو
مصطفى كمال، والمعروف بكمال
أتاتورك[3].
حتى بينما كان يحارب بشكل ناجح
لتحرير تركيا من الهيمنة
الغربية، قام باتخاذ خطواته
الأولى تجاه تبني الأساليب
الغربية، أو كما يحب هو أن يطلق
عليها، تجاه الأساليب الحديثة.
كان أحد أعماله الأولى، في
تشرين الثاني 1922 إلغاء السلطنة.
لم تكن السيادة العثمانية
سلطاناً وحسب، حاكم دولة معينة،
لقد كان معروفاً على نطاق واسع
كذلك بـ (الخليفة) رئيس الإسلام
السني، والشخص الأخير في خط من
الحكام يرقى
إلى وفاة النبي محمد في عام 632
بعد الميلاد وتعيين خلف له ليحل
محله، لا على نحو روحي بل كرئيس
ديني وسياسي لدولة المسلمين
ومجتمعهم. وبعد تجربة قصيرة
بخليفة معزول، قام الأتراك في
آذار 1924، بإنهاء الخلافة كذلك. خلال
قرونها الثلاثة عشرة تقريباً،
مرت الخلافة عبر العديد من
التقلبات، ولكنها بقيت رمزاً
قوياً لوحدة المسلمين، بل
وهويتهم، وقد أحس المسلمون في
العالم الإسلامي بأسره باختفاء
الخلافة، وأنهم باتوا تحت
الهجوم المزدوج للامبرياليين
من الخارج والعصريين من الداخل.
لقد قام العديد من الحكام
المسلمين بعدة محاولات لادعاء
اللقب الشاغر، إلا أن أيا منهم
لم يحصل على الكثير من التأييد.
ومايزال الكثير من المسلمين
يشعرون بألم بهذا الفراغ، ويقال
إن أسامة بن لادن نفسه كانت لديه
أو ـ لديه ـ طموحات للخلافة[4]. تأتي
كلمة (CALIPH)
(خليفة) العربية، والتي، إضافة
إلى غموض مفيد، تجمع بين معنيي (الوارث)
و(النائب). في الأصل، فإن رئيس
المجتمع الإسلامي كان (خليفة
رسول الله). وقد قام البعض،
بطموح أعلى، باختصار اللقب إلى (خليفة
الله). وقد نوقش هذا الادعاء
بالسلطة الروحية بحدة وتم
التخلي عنه في النهاية، رغم أن
الحكام استخدموا لقباً يعبر عن
ادعاء مشابه وإن كان بشكل أقل
حدة، وهو لقب (ظل الله في الأرض)
على نطاق واسع. في معظم تاريخ
المؤسسة (مؤسسة الخلافة)، أقنع
متولو الخلافة أنفسهم بلقب (أمير
المؤمنين) الأكثر تواضعاً[5]. إن
تلميحات تاريخية كتلك التي أدلى
بها ابن لادن، والتي قد تبدو
مبهمة للكثير من الأمريكيين،
لهي أمر اعتيادي بين المسلمين،
ويمكن فهمها بدقة فقط ضمن سياق
المفاهيم الشرق أوسطية للهوية،
وبمقابلتها مع الخلفية
التاريخية الشرق أوسطية. حتى
وإن كانت مفاهيم التاريخ
والهوية في حاجة لأن تتم إعادة
تعريفها للغربيين الذين
يحاولون فهم الشرق الأوسط. في
الاستعمال الحالي الأمريكي
الدارج، فإن عبارة (هذا تاريخ)
يستخدم عموماً لصرف النظر عن
شيء باعتباره غير ذي أهمية،
وليس له صلة بالأمور الحالية،
ورغم وجود توظيف كبير في تعليم
وكتابة التاريخ، إلا أن المستوى
العام للثقافة التاريخية في
المجتمع الأمريكي منخفض بشكل
كبير. إن
الشعوب الإسلامية، مثلها في ذلك
مثل كل الشعوب في العالم، قد
شكلها تاريخها، ولكنهم بخلاف
الآخرين مطلعون عليه بشكل كبير.
ويعود اطلاعهم إلى مجيء
الإسلام، مع الحد الأدنى من
الإشارات لفترات ما قبل
الإسلام، الضرورية لتفسير
الإلماحات في القرآن، وفي
الأعراف الإسلامية الأولى
والتسلسلات الزمنية. إن للتاريخ
الإسلامي لدى المسلمين أهمية
دينية، وشأناً قانونياً، وبما
أنه يعكس تحقيق مقاصد الله في
مجتمعه[6]،
هؤلاء الذين يتقبلون تعاليم
الإسلام ويطيعون شريعته. إن
تاريخ الدول غير الإسلامية لا
يحمل رسالة كهذه، وهو لذلك غير
ذي قيمة أو أهمية. حتى في بلدان
الحضارات القديمة، كتلك التي في
الشرق الأوسط، كانت المعرفة
بتاريخ الوثنيين أجدادهم،
الذين تجثم مبانيهم ونقوشهم
حولهم قليلة جداً. لقد تم نسيان
اللغات والنصوص القديمة، ودفنت
السجلات حتى تم إعادة اكتشافها
وحل رموزها في أزمان معاصرة من
قبل علماء غربيين[7]
فضوليين في علم الآثار وفي علم
اللغة. ولكن فيما يتعلق بالفترة
التي تبدأ مع مجيء الإسلام،
أنتجت الشعوب المسلمة مادة
تاريخية غنية ومتنوعة. في
الواقع، فإنه في العديد من
الأمصار، حتى في دول ذات حضارة
قديمة مثل الهند، تبدأ الكتابات
التاريخية الجادة مع وصول
الإسلام[8]. ولكن
تاريخ ماذا؟ في العالم الغربي،
فإن الوحدة الأساسية في
المنظومة الإنسانية هي الدولة
والتي تترادف بالاستعمال
الأمريكي وليس الأوروبي مع موطن.
تتشعب هذه بعد ذلك بطرق مختلفة،
إحداها الدين. غير أن المسلمين
لا يرون دولة متشعبة إلى جماعات
دينية، بل ديناً متشعباً إلى
دول. ويعود هذا جزئياً من غير شك
إلى أن معظم الدول ـ الحكومات
التي تشكل الشرق الأوسط الحديث
هي مستحدثات جديدة نسبياً، خلفت
من عهد الهيمنة الإمبريالية
الأنجلو ـ فرنسية التي تلت
هزيمة الإمبراطورية العثمانية،
وقد احتفظت ببناء الدولة وتحديد
الحدود نفسها العائدة لأسيادهم
الإمبرياليين السابقين. حتى
أسماؤها تعكس هذا التكلف: لقد
كان العراق مقاطعة متوسطة، مع
حدود مختلفة تماماً عن حدود
الجمهورية الحديثة، فباستثناء (ميسوبوتاميا)
في الشمال بما في ذلك شريحة من
إيران الغربية، فإن سورية
وفلسطين وليبيا، هي أسماء من
العصور القديمة التقليدية التي
لم يتم استخدامها في المنطقة
لألف سنة أو أكثر قبل أن تتم
عملية إعادة إحيائها وفرضها مرة
أخرى بحدود جديدة ومختلفة على
الأغلب من قبل الإمبرياليين
الأوروبيين في
القرن العشرين. فالجزائر
وتونس غير موجودة حتى ككلمات
باللغة العربية. لقد ظهر أول هذه
الأسماء بشكل مختصر في أواخر
الفترة العثمانية، عندما تمت
إعادة تسمية مقاطعة دمشق
بمقاطعة سورية، وكانت حدودها
مختلفة بشكل عام عن تلك التي
كانت موجودة في جمهورية ما قبل
الحرب. وقد احتفظ الفاتحون
العرب بالاسم الروماني
البيزنطي (فلسطين) لفترة ولكن
كان قد تم نسياته عندما وصل
الصليبيون وعاد إلى الظهور مع
توطيد الانتداب البريطاني بعد
الحرب العالمية الأولى. الاسم
الروماني (ليبيا) كان غير معروف
حتى قام الإيطاليون بإعادة
استعماله[9]. يطلق
الاسم نفسه على كل من المدينة
والدولة. ما هو أكثر لفتاً للنظر
من جميع ما ذكر أنه لا توجد أي
كلمة في اللغة العربية تقابل
كلمة (العربية) (Arabia)،
وتدعى السعودية العربية
الحالية بـ (المملكة العربية
السعودية) أو جزيرة العرب[10]
بحسب السياق. ولا يعود هذا إلى
كون اللغة العربية لغة فقيرة ـ
بل العكس صحيح ـ لأن العرب
ببساطة لم يفكروا بلغة الإثنية
المزدوجة والهوية القطرية. في
الواقع، فإنه يروى عن الخليفة
عمر قوله للعرب (تعلموا
أنسابكم، ولا تكونوا كالفلاحين
المحليين الذين عندما يسئلون
عمن يكونون، يجيبون: (أنا من
مكان كذا وكذا)[11]. في
القرون الأولى من العهد
الإسلامي، كان المجتمع
الإسلامي دولة واحدة تحت (قيادة)
حاكم واحد. حتى بعد أن تصدع
العالم الإسلامي إلى دول كثيرة،
بقيت صورة الدولة الإسلامية
الواحدة. لقد كانت الدول كلها
تقريباً وراثية الحكم، بحدود
متغيرة، وإنه لمهم بالتأكيد
أنه، في تاريخ العالم الإسلامي
الغني بشكل كبير بالعربي،
والفارسي، والتركي، فإنه هناك
تاريخات للسلالات الحاكمة،
وللمدن، وبشكل رئيسي، للدولة
الإسلامية والمجتمع، ولكن لا
يوجد تأريخات لفارس أو تركية.
هذه الأسماء، بخلاف سورية أو
فلسطين أو العراق، تصف كيانات
سياسية قديمة وليست جديدة، ذات
قرون من الاستقلال ذي السيادة.
ومع ذلك وحتى الأوقات المعاصرة،
فإن هذه الأسماء لم تكن موجودة
في العربية أو الفارسية أو
التركية. إن اسم تركية، الذي يصف
دولة مأهولة بشعب يطلق عليه
الأتراك، ويتحدث لغة يطلق عليها
اللغة التركية، يبدو أنه يطابق
النموذج الأوروبي الاعتيادي
بتعريف البلاد باسم اثني،
والمعمول به حالياً في أوروبا
منذ العصور الوسطى، لم يتم
تبنيه في تركية إلا بعد إعلان
الجمهورية في 1923. إن (Persia)
(فارس) هو اقتباس أوروبي، في
الأصل يوناني، لاسم (بارس) (Pars)،
الذي أصبح فيما بعد فارس، وهو
اسم إقليم غرب إيران. بعد الفتح
العربي، وبما أن الأبجدية
العربية تفتقر إلى الحرف (P)،
فقد أصبح يعرف باسم (فارس)[12].
وكما أصبحت (Castilian)
اسبانية، وتوسكان إيطالية،
كذلك فإن الفارسية، اللهجة
الإقليمية لفارس، أصبحت اللغة
الفصحى للبلاد، ولكن في
الاستخدام الفارسي لم يتم إطلاق
اسم الإقليم أبداً على البلاد
ككل. لقد أنتج كل من العرب
والأتراك أدباً ضخماً يصف
كفاحاتهم ضد الأوروبيين
المسيحيين، من الغزوات العربية
الأولى في القرن الثامن إلى
النكوص التركي الأخير في القرن
العشرين. ولكن حتى الزمن
المعاصر، حيث أصبحت المفاهيم
والمقولات الأوروبية هي
المهيمنة، إلا أن الجنود
الإسلاميين والمسؤولين،
والمؤرخين بشكل دائم غالباً لا
يشيرون إلى خصومهم بمصطلحات
تشير إلى أرضهم أو موطنهم، بل
ببساطة على أنهم كفار، أو في بعض
الأحيان بمصطلحات عامة غامضة
مثل الفرنجة أو الرومان. على نحو
مشابه، فإنهم لا يشيرون أبداً
إلى طرفهم كعرب أو فرس أو أتراك،
إنهم يعرفون أنفسهم على أنهم
مسلمون[13].
تساعد هذه الرؤية على توضيح،
إضافة إلى أمور أخرى، اهتمام
باكستان بالطالبان وخلفائهم في
أفغانستان. إن اسم باكستان،
والذي هو اسم مستحدث في القرن
العشرين، يصف بلداً تعرف كلية
بدينها وولائها الإسلامي. في كل
الجوانب الأخرى، فإن دولة وشعب
باكستان هم ـ كما كانوا لآلاف
السنين ـ جزء من الهند. إن دولة
أفغانستانية معرفة على أساس
هويتها الإسلامية ستكون حليفاً
طبيعياً، بل دولة تابعة حتى
لباكستان. إن (أفغانستان) معرفة
على أساس الإثنية القومية،
ستكون على النقيض من ذلك، جاراً
خطراً، قد تقدم دعاوى استردادية
للمناطق الناطقة بلغة الباشتو
في الشمال الغربي لباكستان وقد
تتحالف مع الهند. إن
الإشارة إلى التاريخ المبكر
وحتى إلى التاريخ القديم هو أمر
شائع في الخطاب العام. في عقد
الثمانينات، وأثناء الحرب
الإيرانية العراقية، على سبيل
المثال، شن الطرفان حملات
دعائية شاملة كثيراً ما استحضرت
أحداثاً وشخصيات ترجع إلى القرن
السابع، إلى معارك القادسية (637
م) وكربلاء (680 م). لقد انتصر
العرب المسلمون المجتاحون
لإيران على جيش الشاه الفارسي
المدافع في معركة القادسية،
الذين لم يكونوا قد اهتدوا بعد
إلى الإسلام، ولذلك، فقد كانوا
في أعين المسلمين، مايزالون
وثنيين وكفاراً[14].
وهكذا يستطيع كلا الطرفين
اعتبار النصر نصرهم هم، بالنسبة
لصدام حسين، نصر للعرب على
الفرس، بالنسبة لآية الله
خميني، نصر للمسلمين على غير
المؤمنين.. إن الإشارات إلى هذه
المعاني لم تكن وصفاً مفصلاً أو
قصصياً بل إلماحات سريعة، وغير
كاملة. ومع ذلك فقد وظفها
الطرفان وهما على معرفة أكيدة
من أن جماهيرهما ستلتقطها
وتفهمها على كلا الجانبين، حتى
مع وجود نسب كبيرة من غير
المتعلمين في هذه الجماهير. من
الصعب تخيل متعهدي دعاية
الجماهير في الغرب وهم يدعمون
وجهات نظرهم بإلماحات يرجع
تاريخها إلى نفس هذه الفترة،
إلى الدولة السباعية الأنجلو
سكسونية في انكلترا أو الملكيات
الكارولنجين في فرنسا. بنفس
الطريقة، حقر أسامة بن لادن
الرئيس بوش بتشبيهه بالفرعون،
واتهم نائب الرئيس تشيني ووزير
الخارجية باول (ذكرهما سوية)
بأنهما قد أحدثا دماراً في
العراق خلال حرب الخليج في عام
1991 وما بعدها أعظم مما أحدث
خانات المغول الذين غزوا بغداد
في أواسط القرن الثالث عشر
ودمروا الحاضرة العباسية. يتم
تغذية فهم الشرق أوسطيين
للإسلام من المنبر، وفي
المدارس، وبواسطة الإعلام،
ورغم أنه قد يكون، وفي الحقيقة،
فإنه غالباً ما يكون مشوهاً
وغير دقيق، إلا أنه رغم لك حي
ومدو[15]. في
23/شباط/1998 نشرت القدس العربي،
وهي صحيفة عربية تصدر في لندن،
النص الكامل لـ (إعلان الجبهة
الإسلامية العالمية للجهاد ضد
اليهود والصليبيين). وفقاً
للصحيفة، فإن البيان كان أرسل
إليهم بالفاكس، بتوقيع من أسامة
بن لادن وقادة جماعات الجهاد في
مصر، وباكستان، وبنغلاديش.
ويكشف البيان الذي هو قطعة
بلاغية رائعة، وفي بعض المواضع
نثر شعري عن رواية للتاريخ قد
يجدها معظم الغربيين غير مألوفة.
إن ظلامات ابن لادن كما تبينها
هذه الوثيقة ليست ما قد يتوقعه
الكثيرون. يبدأ الإعلان
بافتتاحية يقتبس فيها أكثر
الآيات حديثاً عن القتال في
القرآن، وفي أحاديث الرسول محمد
(صلى الله عليه وسلم)، ثم يتابع (منذ
أن بسط الله الجزيرة العربية
وأنشأ صحراءها، وأحاطها
ببحارها، لم تحل بها كارثة قط
مثل هؤلاء الصليبيين
المستضافين الذين ينتشرون فيها
مثل الجراد، يتزاحمون على
أرضها، ويأكلون ثمارها،
ويخربون نضرتها، وهذا في وقت
تتنافس فيه الأمم على المسلمين
كما تجتمع الأكلة حول قصعة من
الطعام). من هنا يستمر الإعلان
في الحديث عن الحاجة إلى فهم
الوضع والتصرف لتصحيحه. إن
الوقائع، كما يقول، معروفة
للجميع ويمكن توضيحها تحت ثلاثة
بنود رئيسية: أولاًـ
لما يزيد عن سبع سنوات تحتل
الولايات المتحدة أراضي
الإسلام في أقدس أراضيه،
الجزيرة العربية، تنهب
خيراتها، وتسيطر على حكامها،
وتذل شعوبها، وتهدد جيرانهم،
وتستخدم قواعدها في شبه الجزيرة
كرأس حربة لقتال الشعوب
الإسلامية المجاورة. رغم
أن البعض قد جادل في طبيعة هذا
الاحتلال في الماضي، إلا أن
شعوب الجزيرة العربية بأكملهم
قد سلموا به الآن. لا
يوجد دليل أفضل على هذا من
استمرار الاعتداء الأمريكي على
الشعب العراقي، والذي ينطلق من
السعودية العربية رغم حكامها،
الذين يعارضون جميعاً استخدام
أراضيهم لهذه الغاية ولكنهم
مجبرون. ثانياًـ
رغم الدمار الهائل الذي فرض على
الشعب العراقي بأيدي التحالف
اليهودي الصليبي، ورغم أعداد
الموتى المروع، الذي يتجاوز
المليون، فإن الأمريكيين رغم كل
هذا يحاولون مرة أخرى تكرار هذه
المذبحة المروعة، يبدو أن
الحصار الطويل بعد حرب شرسة،
والتمزق والدمار لم تكن كافية
لهم، لذلك فإنهم يأتون ثانية
اليوم لتدمير ما تبقى من هذا
الشعب وليذلوا جيرانهم
المسلمين. ثالثاًـ
في حين أن مقاصد الأمريكيين في
هذه الحروب هي مقاصد دينية
واقتصادية، فإنهم يخدمون كذلك
دولة اليهود التافهة، بتحويل
الانتباه عن احتلالهم (اليهود)
للقدس وقتلهم للمسلمين فيها[16]. لا
يوجد دليل أفضل على صحة هذا كله
من تلهفهم على تدمير العراق،
الدولة الأقوى في الدول العربية
المجاورة، ومحاولتهم لتمزيق
جميع دول المنطقة، كالعراق
والسعودية العربية ومصر
والسودان إلى دول صغيرة، بحيث
يكفل انقسامها وضعفها بقاء
إسرائيل واستمرارية الاحتلال
الصليبي الفاجع لأراضي الجزيرة
العربية. ويتابع
هذا البيان، إن هذه الجرائم لهي
بمثابة (إعلان صريح للحرب من قبل
الأمريكيين على الله، ورسوله،
والمسلمين. في وضع كهذا، فإن رأي
العلماء بالإجماع في جميع
القرون أنه عندما يهاجم الأعداء
أراضي المسلمين يصبح الجهاد فرض
عين على كل مسلم). يستشهد
الموقعون بسلطات إسلامية
مختلفة ومن ثم يتدرجون إلى
الجزء الأخير والأهم في
إعلانهم، الفتوى، والتي تقرر أن
(قتل الأمريكيين وحلفائهم،
مدنيين وعسكرين، هو واجب عيني
على كل مسلم قادر، في أي دولة
يكون فيها هذا ممكناً، حتى يتم
تحرير المسجد الأقصى في (القدس)
والمسجد الحرام في (مكة) من
قبضتهم، وحتى ترحل جيوشهم من
جميع أراضي الإسلام، محطمة
ومكسورة الجناح، وعاجزة عن
تهديد أي مسلم). وبعد الاستشهاد
بالمزيد من الآيات القرآنية ذات
الصلة، يواصل التقرير (بحول
الله، فإننا ندعو كل مسلم إلى
إطاعة أمر الله في قتل
الأمريكيين واستلاب ممتلكاتهم
حيثما وجدهم وفي أي وقت يستطيع.
كذلك، فإننا ندعو علماء
المسلمين وقادتهم وشبابهم
وجنودهم إلى شن هجمات على جيوش
الشياطين الأمريكية وضد أولئك
المتحالفين معهم من بين أعوان
الشيطان). وقد اختتم الإعلان
والفتوى بسلسلة من مزيد من
الاقتباسات من كتاب المسلمين
المقدس (القرآن)[17]. حرب
الخليج عام 1991، في المنظور
الغربي العام، كانت حرباً شنتها
الولايات المتحدة وائتلاف من
العرب، وحلفاء آخرون لتحرير
الكويت من الغزو العراقي
والاحتلال ولحماية السعودية
العربية من الاعتداء العراقي.
إن النظر إلى هذه الحرب على أنها
اعتداء أمريكي على العراق قد
يبدو غريباً بعض الشيء، ولكن
وجهة النظر هذه مقبولة على نحو
واسع في العالم الإسلامي. ففي
الوقت الذي بهتت فيه ذكرى هجوم
صدام حسين على الكويت، تركز
الانتباه على العقوبات
المفروضة على العراق، وعلى
الطائرات الأمريكية
والبريطانية التي تجوب السماء
منطلقة من قواعد في السعودية
العربية، وعلى معاناة الشعب
العراقي، وعلى ما يرى بشكل
متزايد على أنه انحياز أمريكي
لصالح إسرائيل[18]. إن
البقع المظلومة كما ذكرت في
البيان ـ السعودية العربية،
والعراق، والقدس، ستكون مألوفة
لمراقبي المشهد الشرق أوسطي. ما
قد لا يكون مألوفاً تماماً
التسلسل والتوكيد الذي قدمت به
هذه المواقع الثلاثة. إلا أن
الأمر لن يكون مدهشاً لأي شخص
ضليع في التاريخ والأدب
الإسلاميين. بالنسبة للمسلمين،
بينما نميل نحن في الغرب
أحياناً لأن ننسى، فإن الأرض
المقدسة التي لها الأفضلية هي
السعودية العربية وخصوصاً
الحجاز ومدينتيه المقدستين ـ
مكة، حيث ولد النبي (صلى الله
عليه وسلم)، والمدينة، حيث أسس
الدولة الإسلامية الأولى،
البلد التي كان أهلها أول من
تجمهر حول الإيمان الجديد
وأصبحوا حملة رايته. لقد عاش
النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)
وتوفي في السعودية العربية،
وكذلك خلفاؤه المباشرون،
الخلفاء، في مقدمة المجتمع. بعد
ذلك، باستثناء فترة قصيرة في
سورية، فإن مركز العالم
الإسلامي وموقع انجازاته
الرئيسية كان العراق، وعاصمته
بغداد، كانت مقر الخلافة لنصف
ألفية من الزمن. بالنسبة
للمسلمين، لا يمكن التخلي أبداً
عن أي قطعة من الأرض كانت قد ضمت
مرة إلى عالم الإسلام، ولكن لا
يمكن مقارنة أهمية (أي من هذه
الأراضي) بأهمية السعودية
العربية والعراق[19]. ومن
هاتين الإثنتين فإن السعودية
العربية هي الأكثر أهمية.
يخبرنا المؤرخون العرب
التقليديون أنه في السنة
العشرون من العهد الإسلامي،
الذي يوافق سنة 641 ميلادي، قرر
الخليفة عمر (بن الخطاب) إخراج
اليهود والنصارى من كل الجزيرة
العربية باستثناء التخوم
الشمالية والشرقية، وذلك
تنفيذاً لوصية أوصى بها الرسول (صلى
الله عليه وسلم) وهو على فراش
الموت: (لا يجتمع دينان في جزيرة
العرب)[20].
المعنيون بهذا الصدد كانون يهود
واحة خيبر في الشمال، ونصارى
نجران في الجنوب. وكان لكل منهم
مجتمع قديم ومتجذر بعمق، كانوا
عرباً في لغتهم، وثقافتهم،
وطريقة حياتهم، يختلفون عن
جيرانهم في دينهم فقط. إن
عزو هذا الحديث للرسول (صلى الله
عليه وسلم) كان قد طعن فيه من قبل
بعض السلطات الإسلامية
المبكرة، ولكنه كان مقبولاً على
العموم، ووضع موضع التنفيذ. إن
تهجير الأقليات الدينية كان
أمراً نادراً جداً في التاريخ
الإسلامي، بخلاف النصرانية،
حيث كان ترحيل اليهود،
والمسلمين بعد إعادة فتح بلادهم
أمراً معتاداً ومتكرراً.
بمقارنته بعمليات التهجير
الأوروبية فإن قرار عمر يبدو
محدوداً ورحيماً، فهو لم يشتمل
على المناطق الجنوبية والشرقية
الجنوبية من الجزيرة العربية،
التي لم ينظر إليها على أنها جزء
من الأرض الإسلامية المقدسة.
وخلافاً لليهود والمسلمين
الذين أخرجوا من اسبانية ومن
الدول الأوروبية الأخرى،
ليعثروا على أي ملجأ يستطيعون
الوصول إليه في أي مكان آخر، فإن
يهود ومسيحيي الجزيرة العربية
قد تمت إعادة توطينهم في أراض
خصصت لهم، اليهود في سورية
وفلسطين، والمسيحيون في العراق.
وكانت العملية تدريجية كذلك
أكثر منها مفاجئة. وهناك روايات
عن بقاء يهود ومسيحيين في
خيبر ونجران بعد صدور أمر
التهجير[21].
وقد تم التهجير في الوقت
المناسب. ومنذ ذلك الوقت حتى
الآن أصبحت أرض الحجاز أرضاً
محرمة على غير المسلمين[22].
وفقاً للمذهب الفقهي الذي
ترتضيه الحكومة السعودية وابن
لادن وأتباعه، فإن قيام شخص غير
مسلم حتى بوطئ التراب المقدس هو
خطيئة كبيرة. في باقي أنحاء
المملكة، وفي الوقت الذي يعترف
به بغير المسلمين على أنهم زوار
مؤقتون، إلا أنه لم يسمح لهم
ببناء أماكن سكن أو بممارسة
أديانهم. وقد عمل ميناء جدة
لفترة طويلة كنوع من منطقة حجر
ديني، حيث يسمح للديبلوماسيين
الأجانب، والقناصل، والمندوبين
التجاريين بالحياة وفقاً
لقواعد مشددة مؤقتة. منذ
عقد التسعينات، فإن اكتشاف
واستثمار البترول والنمو الذي
تلاه حول العاصمة السعودية
الرياض، من مدينة واحة صغيرة
إلى عاصمة كبرى تسبب في إحداث
الكثير من التغييرات وتدفق عدد
كبير من الأجانب، أمريكيين على
الأغلب، يؤثرون في كل جوانب
الحياة العربية. إن وجودهم
مايزال ينظر إليه من قبل
الكثيرين على أنه تدنيس، وقد
يساعد هذا على تفسير حالة
الامتعاض المتزايدة. لقد هدد
الصليبيون الجزيرة العربية
لفترة وجيزة في القرن الثاني
عشر الميلادي، بعد هزيمتهم
واندحارهم، ثاني تهديد من
الكفار للجزيرة العربية بدأ في
القرن الثامن عشر، مع تعزز
القوة الأوروبية في جنوب آسيا
وظهور سفن الأوروبيين، بكلمات
أخرى، المسيحيين، على شواطئ
الجزيرة العربية. إن شعور الغضب
الناتج عن ذلك كان على الأقل أحد
العناصر في الإحياء الديني الذي
شجعته الحركة الوهابية في
الجزيرة العربية وقاده آل سعود،
مؤسسو الدولة السعودية[23].
خلال فترة التأثير الإنجليزي
الفرنسي وبعدها الهيمنة في
الشرق الأوسط في القرنين التاسع
عشر والعشرين، حكمت القوى
الإمبريالية مصر، والسودان،
والعراق، وسورية، وفلسطين. لقد
اقتربوا قليلاً من الجزيرة
العربية، ولكنهم كانوا على قدر
جيد من الحكمة فلم يتدخلوا في
شؤون شبه الجزيرة العربية لا
عسكرياً ولا سياسياً. فمادام
هذا التدخل الأجنبي مقصوراً على
كونه تدخلاً اقتصادياًً،
ومادام المردود أكثر مما يكفي
لتهدئة كل مظلمة، فإن وجود
الأجنبي يمكن تحمله. مع هبوط
أسعار النفط وارتفاع عدد السكان
والنفقات، لم يعد المردود
كافياً، وأصبحت التشكيات أكثر
عدداً ومسموعة بشكل أكبر. ولم
يعد التدخل مقيداً بالنشاطات
الاقتصادية. لقد أضافت الثورة
الإيرانية، وطموحات صدام حسين،
والتفاقم التالي لذلك لجميع
المشاكل في المنطقة، وعلى
الخصوص الصراع الإسرائيلي
الفلسطيني[24]،
أضافت أبعاداً سياسية وعسكرية
إلى التدخل الأجنبي، ومنحت بعض
المعقولية لصيحات الإمبريالية
التي أصبحت تسمع بشكل متزايد.
وحيث أن الأمر يخص الأرض
المقدسة، فسيميل الكثير من
المسلمين إلى تعريف الصراع،
وكذلك العدو في بعض الأحيان على
أسس دينية، كما سيميلون إلى
تسمية الجنود الأمريكيين الذي
تم إرسالهم لتحرير الكويت
وحماية السعودية العربية من
صدام حسين على أنهم مجتاحون
كفار ومستعمرون. وسيزيد هذا
الإدراك شدة الرئاسة غير
القابلة للمساءلة لأمريكا بين
قوى عالم الكفار. بالنسبة
لمعظم الأمريكيين، فإن إعلان
ابن لادن مسخ وتشويه كامل
لطبيعة وأهداف الوجود الأمريكي
في السعودية العربية. ينبغي أن
يكون الغربيون مطلعين كذلك على
أنه بالنسبة للكثير من
المسلمين، وربما معظمهم، فإن
الإعلان مسخ عجيب لطبيعة
الإسلام، وحتى أحكامه في الجهاد.
يتحدث القرآن عن السلام كما أنه
يتحدث عن الحرب أيضاً. إن مئات
الآلاف من الأحاديث والأقوال
المنسوبة إلى النبي (صلى الله
عليه وسلم)، مع اختلافها في
الموثوقية، قد فسرت في بعض
الأحيان بطرق متباينة تماماً،
مما يشكل نطاقاً واسعاً من
الدلالات، حيث يشكل التفسير
العسكري والعنفي للدين واحداً
بين العديد (من التفسيرات
الأخرى)[25]. في
نفس الوقت، فإن أعداداً كبيرة
من المسلمين على استعداد لتأييد
وقليلة منها على استعداد
لتنفيذ، هذا التفسير لدينهم.
ويتطلب الإرهاب القليل فقط. من
الواضح أنه يتوجب على الغرب أن
يدافع عن نفسه بكل الوسائل التي
قد تكون فعالة. ولكن أثناء إيجاد
وسائل محاربة الإرهابيين سيكون
من المفيد بالتأكيد فهم الدوافع
التي تقودهم[26]. ·
ـ في هذه المقدمة يحاول
المؤلف أن يبين مواقع خطاب
أسامة بن لادن في قلوب وعقول
العرب والمسلمين. موضحاً
التجليات الدينية والتاريخية
الواردة في خطاب ابن لادن، أي
أن المؤلف يحاول أن يعمل
وسيطاً أو مترجماً ليجعل
الغربيين والدارسين، منهم
بشكل خاص، أكثر فهماً لفحوى
خطاب (أسامة) ولوقع هذا الخطاب
في نفوس السواد الأعظم من
العرب والمسلمين. [1]
ـ حقيقة أن الرئيس بوش
والسياسيين الغربيين قد
بذلوا جهوداً عظيمة ليوضحوا
أن الحرب ليست ضد الإسلام ولا
ضد المسلمين، ليست دقيقة لا
نظرياً ولا عملياً. فعلى
الصعيد النظري ارتكب الرئيس
بوش وفريقه الغربي (الأمريكي
ـ الأوروبي) أخطاء كبيرة، حين
أدلوا بتصريحات معادية
للإسلام كدين. وللمسلمين
كأمة، وكان أكبر هذه
التصريحات وأكثرها حدة تصريح
بوش أنه سيشنها (حرباً صليبية). وعلى الصعيد العملي،
ارتكب بوش أخطاء أكثر فداحة
منذ أن ألصق بمنظمات المقاومة
الإسلامية صفة الإرهاب، ثم
أتبع ذلك بحربه الكريهة على
العراق. ثم بشن حملة على أشكال
العمل الخيري الإسلامي وحملة
رابعة على الثقافة الإسلامية
في كثير من الأقطار ومطالبته
بتعديل وتغيير المناهج. لقد عمد بوش بهذه
السياسة الخرقاء إلى توسيع
دائرة المعركة وإدخال الكثير
من العناصر المختلف عليها في
الصف المقابل مما جعله يعجز
عن عزل ابن لادن وإفراده في
ساحة عربية وإسلامية أجمعت
على إدانة العنف الذي يمارسه. خسر بوش الإجماع لأن
أحداً من العرب والمسلمين لم
يوافقه على أن منظمات
المقاومة هي منظمات إرهابية،
ولأن أحداً لم يوافقه على
حربه ضد العراق أو ضد أطفال
أفغانستان. وتكرست بذلك حقيقة
أن حرب بوش هي حرب صليبية ضد
الإسلام والمسلمين، وما
الحرب على الإرهاب إلا ذريعة
من ذرائعها.
المراجع [2]
ـ يتجاهل المؤلف حقيقة أن
العرب أيضاً كانوا في الحرب
العالمية الأولى من
المنتصرين. وأنهم دخلوا الحرب
العالمية الأولى إلى جانب
البريطانيين والحلفاء ضد
الأتراك والألمان. وكان
مكماهون قد تعهد للشريف حسين
بقيام دولة عربية واحدة تضم
الحجاز (شبه الجزيرة العربية)
والشام والعراق وأن غدر
الحلفاء وخيانتهم هو الذي جعل
العرب في الصف الخاسر فاحتلت
أرضهم وقسمت بلادهم ونفي
الشريف الذي تعاهد معهم. وكان
من مضامين هذه الخيانة وهذا
الغدر أن وضعت خطة لتنفيذ وعد
بلفور، وغرس الوجود الصهيوني
على أرض فلسطين.
يتجاهل المؤلف هذه
الحقيقة دون أن يحاول أن
يستبطن ما تركته من ريبة
وتوجس في نفوس العرب
والمسلمين. لقد كرس غدر
الحلفاء بالعرب حالة العداء
التاريخي وجعلها أساس
العلاقة المعاصرة ولاسيما
حين انضم إلى هذا الغدر مقولة
قادة الجيوش المستعمرة
للمنطقة التي استحضرت روح
الحروب الصليبية. فالجنرال
غورو يوم دخل دمشق وقف على قبر
صلاح الدين الأيوبي بكل
رمزيته ليعلن انتصار الصليب
على الهلال بقوله (إن وجودي
هنا يتوج انتصار الصليب على
الهلال). [3]
ـ مرة أخرى يقفز المؤلف على
التاريخ، حين ادعى أن تحرير
تركية من الهيمنة الغربية لم
يكن باسم الإسلام. ينسى
المؤلف أن كمال أتاتورك لقب
في أول أمره
(بالغازي) أي المجاهد وأنه
رفع راية الإسلام حتى تمكن.
وانخدع به كثيرون على أنه
المجاهد المنافح عن الدين
وفيه يقول شوقي:
الله أكبر كم بالفتح من
عجب
يا خالد الترك جدد خالد
العرب [4]
ـ بغض النظر عن الموقف من
تصرفات أسامة بن لادن، فإنه
لم يسبق أن صدر منه أي تنويه
أو أي إشارة برغبته لادعاء
الخلافة. والعبارة هنا نوع من
اللمز السياسي المقصود. [5]
ـ في معنى (الخليفة) اللغوي
حقيقة القيام مقام الغائب أو
الوكالة عن الأصيل فسيدنا
موسى يقول لأخيه (اخلفني في
قومي) أي حال غيبتي، أو ستاراً
لقدرة الأصيل وإرادته على قول
من قال (إني جاعل في الأرض
خليفة) يقوم بأمري.
وعندما توفي رسول
الله صلى الله عليه وسلم أطلق
المسلمون على سيدنا أبي بكر
لقب (خليفة رسول الله). وبعد
وفاة أبي بكر استثقل الناس أن
يقولوا (خليفة خليفة رسول
الله)، فمالوا إلى قولهم أمير
المؤمنين ثم صار الناس في هذا
الأمر على ثلاثة مواقف. قوم التزموا لقب أمير
المؤمنين فأطلقوه على عمر
وعثمان وعلي ومعاوية وسائر
الخلفاء، ولا سيما عند النداء
فلا ينادي الخليفة إلا بيا
أمير المؤمنين. ومقام يطلقون فيه لفظ
الخليفة مقطوعاً عن الإضافة
وأحياناً يلجأ بعضهم كنوع من
ترقيق قلب المخاطب بقوله: يا
خليفة رسول الله. ومقام يطلقون فيه لقظ
(الإمام) وهو الذي شاع في أكثر
كتب السياسة الشرعية
والمجاميع الفقهية. أما عبارة
(ظل الله في الأرض) فهي لم تكن
قط عبارة علمية، أو مصطلحاً
سياسياً. وأكثر ما استعملت في
سياق وعظي لتذكير الحكام
بوجوب العدل.
(المراجع) [6]
ـ للمسلمين أدبهم الشرعي في
التعامل مع لفظ الجلالة، وما
يجوز أن ينسب إلى الله مباشرة
وما لا يجوز. فلا يقول مسلم (مقصد
الله) وإنما نقول (إرادة الله
تبارك وتعالى) و(مشيئة الله
تبارك وتعالى)، ونقول
بالمقابل مقاصد الشريعة.
(المراجع) [7]
ـ ربما يشير المؤلف إلى فك
رموز الهيروغليفية المصرية.
ويحب أن ينسب ذلك على طريقة
الادعاء إلى رجال الحملة
الفرنسية. مع أنه سبق لعالم
مسلم أن فك بعض رموز هذه اللغة.
(المراجع)
[8]
ـ مكانة التاريخ في التصور
الإسلامي. يؤكد المؤلف على
ارتباط المسلمين بتاريخهم
الإسلامي وتمسكهم به،
واعتبارهم إياه جزء من وجودهم.
ويقارن هذا الموقف من
التاريخ بموقف الغربي الذي
يرى في التاريخ أمراً قليل
الأهمية. ولعل الملاحظة حتى
هذا الحد صحيحة ومقبولة ولها
أسبابها الدينية والحضارية.
ولكن ما ليس صحيحاً،
وما يجب التنبيه عليه أن
المسلم المعاصر لا يحاول
إعادة إنتاج التاريخ كما كان.
أي أنه لا يتطلع إلى حقبة مضت
بظروفها المادية والمعنوية
ليعيد بناءها على الأسس نفسها.
فالمسلم هو ابن عصره أيضاً،
وهو بقدر ما يقتنص من التاريخ
روحه وروعته وتوهجه ونقاءه
يسعى إلى بناء حياة معاصرة
بكل ما تتطلبه هذه الحياة من
مقومات. الذين يحولون بين
المسلم وبين أبواب العصر هم
هؤلاء الغربيون أنفسهم الذين
لا يقبلون للمسلم أن يدخل
ميادين الحياة الحقيقية إلا
من القنطرة التي صنعوها. ومن
أجل هذا احتلت العراق، ومن
أجل هذا أيضاً حظر على كثير من
الدول الإسلامية أن تأخذ
بأسباب التقدم والتكنولوجيا.
(المراجع) [9]
ـ في هذه الفقرة يعالج المؤلف
مفارقة من أهم المفارقات في
التاسيس للدولة بين الحالة
الإسلامية والحالة الغربية
ولكنه يجتزئ التحليل، ويخطئ
السبيل. في البداية كان عليه
أن يلحظ الفارق في التأسيس
للمسيحية والتأسيس للإسلام.
المسيحية تأسست وانتشرت في (ظل
دولة) دولة الرومان في العهد
الأول، ثم في تجمعات أو
مجتمعات في ظلال دول، حيث
انتشرت. لم يقم في تفكير
المؤسسين ولا الدعاة
المسيحيين في أي عصر موضوع
ارتباط الدولة بالعقيدة. كان الميل الظاهر
لجمهور الفقهاء على أنه لا
يجوز، ثم لما قامت دولة
الأمويين في الأندلس، وتحولت
من إمارة إلى خلافة استنكر
ذلك كثير من علماء الإسلام
ولاسيما علماء الحاضرة
العباسية. إلا أن البعض وكنوع
من الاعتراف بالأمر الواقع
أجازوا أن يبايع لخليفتين إذا
بعدت الشقة وتباعدت الأقطار. وموضوع التسميات
الذي يطرق بابه المؤلف، ويؤكد
فيه محقاً على أن أبناء
المنطقة ينظرون إلى كثير من
الأسماء على أنها مستحدثة لا
يعني أنه لم تكن هناك أسماء
للأقاليم الإسلامية من قبل.
فجزيرة العرب يمن ونجد وحجاز
ثم العراق والشام ومصر
والنوبة وأفريقية والأندلس
ثم كان لولايات الشرق أسماؤها
إما بأسماء المدن الكبرى أو
بأسماء المناطق والشعوب. عملية التجزيء التي
قادها الغربيون في مطلع القرن
العشرين هي التي قادت إلى
استحداث أو نبش أسماء تاريخية
للبلدان الجديدة. فظهرت أسماء
مثل (سورية) و(لبنان) و(فلسطين)
و(ليبية) و(تونس).. الخ. وبعض
هذه الأسماء ماتزال تثير
الرفض في أعماق المسلم لأنها
تتضارب مع شعوره بالانتماء
إلى الأمة.
(المراجع) [10]
ـ ليس دقيقاً أنه لا يوجد كلمة
في اللغة العربية تقابل (العربية
والعربية السعودية) الخ. أما وصف (السعودية)
فهو وصف ارتبط بقيام دولة آل
سعود في أوائل القرن العشرين
كما هو معروف. وهذه طريقة
قديمة في التسميات فنقول:
الأموية والعباسية
والحمدانية والغزنوية. أما بلاد العرب فقد
ورد ذكرها في أكثر من نص
جغرافي على أنها (جزيرة العرب)
وتقسم إلى أقاليم اليمن الذي
تميزت حضارياً وتاريخياً ثم
الحجاز ونجد وتهامة. وبعضهم
يمتد بها إلى الجزيرة السورية
حتى شواطئ نهر دجلة.
(المراجع) [11]
ـ حض الإسلام على تعلم
الأنساب للتواصل بين
الجماعات البشرية. ولم نجد
أصلاً للقول الذي نسبه المؤلف
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(المراجع)
[12]
ـ ليس دقيقاً أن تسمية (فارس)
تمت بعد الفتح. بل كل
المخاطبات والكتابات العربية
السابقة والمرافقة للإسلام
كانت تشير إلى الفرس وإلى (كسرى)
على أنه عظيم الفرس. (المراجع) [13]
ـ هذا غلو وإغراق من المؤلف في
التعصب لتصوير خاطئ لموقف
المسلمين وطرائق تعاطيهم مع
الآخر.
صحيح أن الفقهاء
المسلمين قسموا العالم إلى
ثلاثة دور: دار إسلام ودار عهد
ودار حرب. وارتبط هذا التوصيف
في أذهان المسلمين بواقع
سياسي وتاريخي، إلا أن
التعاطي العملي مع الواقع
البشري والسياسي لم يكن على
النحو الذي وصفه المؤلف بقوله
(إن الجنود الإسلاميين
والمسؤولين والمؤرخين بشكل
دائم غالباً ما ينظرون إلى
خصومهم بمصطلحات تشير إلى
أرضهم ووطنهم بل ببساطة على
أنهم كفار). أطلق المسلمون على
جيرانهم المسيحيين في الشمال
اسماً يدل على جنسهم (الروم)
وعلى الرغم من القرون
المتطاولة من الحروب بين
المسلمين وبين هؤلاء فقد ظلت
كتب التاريخ الإسلامي تشير
إليهم باسم الجنس هذا لا
بوصفهم (مسيحيين) حتى القرآن
الكريم سماهم (الروم) وهو يبشر
بانتصارهم على الفرس
الوثنيين. وفي القرآن الكريم
سورة باسمهم. وميز المسلمون
بين الروم المسيطرين على
الشام وبين المسيحيين
المقيمين في مصر، فأطلقوا
عليهم اسم الأقباط. وجاءت
رسائل النبي صلى الله عليه
وسلم موجهة على هذا النحو (إلى
كسرى عظيم الفرس ـ إلى هرقل
عظيم الروم ـ إلى المقوقس
عظيم القبط..) ثم إن المؤرخين
المسلمين أطلقوا على حروب
الصليبيين وحملاتهم
المتتالية على المنطقة
العربية الإسلامية اسم حروب
الفرنجة، بل حتى في الأندلس
حيث كانت المقاربة (الإسلامية
ـ المسيحية) أكثر وضوحاً وحدة. وهكذا فقد أطلق
المسلمون على المسيحيين في
الشرق اسم (الروم) وهو اسم جنس
كما ترى، وعلى المسيحيين في
الغرب (الأندلس) والغزاة من
الصليبيين اسم (الفرنجة). أما
اسم الحروب الصليبية فهو اسم
اختاره اولئك الغزاة لأنفسهم
تمدحاً واعتزازاً وهم الذين
كانوا يرسمون الصليب على
صدورهم. وفي أحيان قليلة فقد
كان المسلمون لا يميزون بين
هؤلاء الغزاة بأقوامهم
وأجناسهم فالكل بالنسبة
إليهم فرنجي. أما قول المؤلف إن
المسلمين لا يشيرون إلى طرفهم
كعرب أو فرس أو أتراك، فهذا
أيضاً مخالف لواقع التاريخ.
فإن كتب التاريخ تطفح
بالإشارة إلى السلالات
أحياناً فألفاظ مثل العرب
والترك والفرس والديلم مما
تطفح بها كتب التاريخ
الإسلامي، ويتعد ذلك إلى ذكر
السلالات كما أسلفنا (الأمويون
ـ العباسيون ـ العثمانيون ـ
الغزنويون ـ السلاجقة) ولم
يكن هذا متعارضاً أبداً مع
الشعور بالانتماء إلى الأمة
الواحدة. الحقيقة أن المؤلف
الذي يحاول أن يساعد قومه
الغربيين على الرؤية الصحيحة
لواقع موقف المسلم من
الدين ومن الآخر إنما ينحو
لإظهار المسلم بمظهر المتعصب
المنغلق ليدفع الآخر إلى
التعصب والانغلاق. (المراجع) [14]
ـ كان ملك الفرس يلقب حينها (بكسرى)
ولم يكن لقب الشاه بمعنى،
الملك قد ظهر. فقد كانت للملوك
ألقاب في الدولة القديمة (كسرى)
في فارس، (قيصر) في الروم ومن
قبل (فرعون) في مصر. أما قول
المؤلف أن الفرس (المجوس)
كانوا في أعين المسلمين
وثنيين وكفاراً، فقد كانوا
كذلك في حقيقة الأمر. (المراجع) [15]
ـ يحاول المؤلف أن يعزز
نظريته باعتماد المسلمين
بشكل أكبر على التاريخ، فيبرز
استخدام (الرمزية) التاريخية
كطريقة للتأثير في الخطاب
الإسلامي العام، وخطاب
القاعدة بشكل خاص. وكأن هذه
الطريقة في الخطاب خاصة من
خصائص المسلمين وحدهم. مع أن
اعتماد (الرمزية) التاريخية
أو الثقافة شأن عام في الخطاب
الإنساني، ألم يستخدم بوش (رمزية
الحروب الصليبية) عندما أراد
أن يعلن حربه على أفغانستان،
حتى بمنطق الذين اعتذروا له،
قالوا إن المقصود (الحرب
الحامية الوطيس). ربما يكون
الفرق أن الإنسان العربي
والمسلم على أميته أكثر ثقافة
من الإنسان الغربي المحاصر في
تخصصه العلمي.
(المراجع) [16]
ـ حبذا لو يراجع المؤلف تقرير
(الجذور الإنجيلية للأحادية
الأمريكية، تأثير اليمين
المسيحي وكيفية مواجهته)، عن
البواعث المسيحية في مواقف
السياسيين الأمريكيين. هذا
التقرير الذي يؤكد العناق (المسيحي
ـ اليهودي) في صنع سياسات
البيت الأبيض. وانظر ترجمتنا
للتقرير على موقعنا.
(المراجع) [17]
ـ البيان يقتضي أن نبين أن
جمهور علماء الإسلام، قد
توقفوا في قبول هذه القتوى
التي تدعو إلى (قتل المحاربين
وغير المحاربين من المدنيين
الأمريكيين وغيرهم حيثما
وجدوا..) وردوا عليها وفندوها.
(المراجع) [18]
ـ يقع المؤلف في مربع الرؤية
الأحادية التي ينتقد بها
تنظيم القاعدة، وفي هذا تبسيط
مبالغ فيه لطريقة قراءة
الأحداث فكما أنه ليس صحيحاً
أن باعث الولايات المتحدة
لغزو المنطقة هو الباعث
الديني المحض، وكذلك فليس
صحيحاً أن هذا الباعث ليس
حباً بالكويت ولا شفقة على
العربية السعودية. في حدث
سياسي مثل هذا تنضم جديلة
واسعة من العوامل لصياغة مثل
هذه الأحداث. الرؤى الأحادية
والمواقف الحدية هي التي تصنع
مصائب هذا العالم، وتكون
المصيبة أعظم عندما يتلبس
بهذه الرؤى وهذه المواقف
المفكرون والساسة. (المراجع) [19]
ـ فيحاول المؤلف في هذه
الفقرة اللعب على حقيقة تفضيل
بعض البلدان الإسلامية على
بعض، ليقلل من أهمية فلسطين
بالنسبة للحرمة الإسلامية،
فيعطي الأفضلية أولاً
للجزيرة العربية، حيث ولد
رسول الله وقامت دولة
الإسلام، ومن ثم للعراق حيث
قامت دولة الإسلام نصف ألفية
من الزمان. ينسى المؤلف حقيقتين:
الأولى أن معنى الحرمة أو
القدسية بالنسبة لأرض
الإسلام حين تحتل سواء. وثانياً أن أرض
فلسطين وبيت المقدس تمثل قبلة
المسلمين الأولى، كما تمثل
إرث الأنبياء من ذرية إبراهيم
الذي يعتبر المسلمون أنفسهم
امتداداً له، وأنهم حملة
رسالة الأنبياء جميعاً، لذا
فإن توقير المسلمين لأنبياء
الله، بمن فيهم أنبياء بني
إسرائيل أكثر من توقير اليهود
أنفسهم.
وينسى المؤلف حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم في
بيان ترتيب القداسة بالنسبة
لمساجد الإسلام الواردة في
حديث ((لا تشد الرحال إلا إلى
ثلاثة مساجد المسجد الحرام،
ومسجدي هذا (في المدينة
المنورة) والمسجد الأقصى (في
فلسطين) ).
(المراجع) [20]
ـ حديث لا يجتمع في جزيرة
العرب دينان أخرجه البيهقي.
وفي الصحيحين (أخرجوا
المشركين من جزيرة العرب) وقد
اختلف الفقهاء في معنى الحديث
والأحكام المستنبطة منه.
اختلفوا أولاً في حدود جزيرة
العرب حيث قصرها بعضهم على
الحرمين الشريفين مكة
والمدينة فقط وتوسع فيها
آخرون لتمتد من حضرموت في
أقصى اليمن إلى الجزيرة
العليا على شواطئ دجلة
والفرات، وتوسط فريق ثالث
فذكروا الحجاز ونجداً وتهامة. ثم اختلفوا في معنى
المشركين فرآه بعضهم شاملاً
لغير المسلمين بمن فيهم أهل
الكتاب، وقصره بعضهم على عبدة
الأصنام. ثم اختلفوا في معنى
الإخراج فسمح بعضهم بالمرور
والتجارة والإقامة المؤقتة
من غير أن يكون لهم كيان ظاهر
يستقلون به، ومنع آخرون مجرد
مرورهم في جزيرة العرب. أقوال
الفقهاء والشراح المعتبرين
في الباب كثيرة ويمكن الرجوع
إليها للتفاصيل. (المراجع) [21]
ـ جميل هذا الاعتراف من
المؤلف بالموقف التاريخي
للمسلمين من الآخر. فبينما
كانت اللاسامية ببعديها
الاثني والديني مسيطرة على
مشاعر النخب الكنسية
والفكرية والشعبية في الغرب،
كان المسلمون يفتحون بلادهم
وصدورهم لاستقبال المهاجرين
المضطهدين من شتى الملل
والنحل. حين هجِّر اليهود من
الأندلس وجدوا في بلاد
المسلمين وطناً ومأوى. وحين
قام الغربيون باضطهاد اليهود
منذ مطالع القرن العشرين وحتى
المحرقة النازية لم يكن عند
المسلمين أي مانع ديني يحول
دون استقبال اليهود كلاجئين
وضمهم إلى المجتمعات المسلمة.
نشأت المشكلة الأساسية بين
المسلمين واليهود عندما
استقوى اليهود بالتفوق
الغربي ليقتطعوا جزءاً من أرض
المسلمين ويشردوا شعبها
ويؤسسوا دولة مزروعة بغطرسة
رغم أنوف المسلمين.
(المراجع) [22]
ـ المحرم على غير المسلمين هو
منطقة الحرمين في مكة
والمدنية بقعة محددة فقط
اعتبرت حمى للمسجد الحرام
والمسجد النبوي. أما بقية
الحجاز وهو مساحات واسعة فغير
محرم على غير المسلمين المرور
بها وزيارتها والإقامة
المؤقتة بها. وفي المسألة
خلاف فقهي في تحديد دائرة
الحرم سبق الإشارة إليها.
(المراجع) [23]
ـ مرة أخرى يجانب المؤلف
الصواب في فهم الواقع أو في
التعامل معه. لم ينظر إلى وجود
الديبلوماسيين والعاملين
الفنيين في السعودية أو في
غيرها من عالم الإسلام على
أنه (تدنيس) بالمعنى الديني.
وليس للمذهب (الحنبلي) أو
الوهابي كما يطلق عليه
المؤلف، أو لحكومة آل سعود أي
دور في إذكاء مشاعر الكراهية
لأمريكا أو للغربيين، وإنما
السبب في ذلك يعود إلى
السياسات الأمريكية
الاستعلائية والاستحواذية
التي تمارسها الولايات
المتحدة في السعودية وفي
غيرها. وفي الانحياز الأمريكي
المطلق إلى جانب دولة إسرائيل.
ثم هل يستطيع المؤلف
أن يقارن بين راتب الخبير
الأمريكي وبين نظيره من أي
جنسية في العربية السعودية
حتى نظيره السعودي أو العسكري.
(المراجع) [24]
ـ لا يستطيع المؤلف كيهودي
أصيل إلا أن يقلل من أهمية
الدور اليهودي /الإسرائيلي/
في إذكاء نار الصراع. إنها
محاولة مكشوفة لصرف النظر عن
الدور الإسرائيلي. (المراجع) [25]
ـ بعيداً
عن التعاطي السياسي، يصوغ
الإسلام نظرية متكاملة
متوازنة عن (الحرب ـ والسلم).
وقد عبر الكثير من علماء
المسلمين الموثوقين عن
موقفهم من إعلان ابن لادن.
وكذلك من دعاوى بعض المنسلخين
من الإسلام بأن الإسلام دين
الخد الأيسر. راجع بحثنا (وقفات في
فقه الجهاد) المنشور على
موقعنا على الانترنت.
(المراجع) [26]
ـ وهكذا يخلص المؤلف إلى
إطلاق أيدي الغربيين بل يوجب
عليهم أن يدفعوا عن أنفسهم
بكل طريقة فعالة. أليس هذا هو
منهج أسامة بن لادن نفسه. أليس من حق كل مسلم
حين يقرا هذه الفتوى اليهودية
العلمانية ـ الدفاع عن النفس
بكل الوسائل التي قد تكون
فعالة ـ ولو كانت قنبلة ذرية
تلقى على ناغازاكي أو
هيروشيما عربية، أن يفكر
بطريقة مماثلة؟! وأن يقول
للمسلمين دافعوا عن أنفسكم
بكل طريقة فعالة. إن تخويف الإنسان من
أخيه الإنسان، واستثمار
الخوف المكنون أو المكبوت في
استيلاد الكراهة وتدبير
العدوان هو سياسة يهودية بحتة
يأباها الدين كما تأباها
المدنية. وهذا الذي نحذر منه،
وندعو الإنسانية أجمع إلى
الخروج من دائرته.
(المراجع)
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |