كتاب
الصهيونية والحضارة الغربية
يؤكد
إسرائيل
ليست ظاهرة يهودية وإنما ظاهرة
استعمارية
أحمد
سماحة
يحاول الكتاب عبر الدراسة التي
يقدمها وغيرها من الدراسات ان
يؤكد الجذور الغربية للحركة
الصهيونية التي اضيف لها فيما
بعد البعد اليهودي وهو بعد
زخرفي تبريري اضيف من
اجل مقدرته التعبوية، كما يوضح
الكتاب العناصر الغربية الاساسية
(المادية والمعنوية) التي دخلت
في تكوين الرؤية الصهيونية
للواقع.
فعبر
فصول الكتاب العشرة
نلمس الجهد البحثي للمؤلف
والاصرار على تأكيد رؤيته حول
الحركة الصهيونية
التي هي افراز عضوي للحضارة
الغربية ولما يسميه المؤلف
الحداثة الداروينية اي الحداثة التي ترمى
الى تحويل العالم الى مادة
استعمالية توظف لصالح
الاقوى (في مقابل
الحداثة الانسانية التي ترمي
الى تحقيق التوازن بين الذات والطبيعة
والتي تطالب بتكاتف كل أبناء
الجنس البشري لإعمار الأرض
لصالح البشرية جمعاء بما في ذلك الأجيال القادمة).
الفصل الاول من الكتاب وهو بعنوان
(الأصول الغربية ل لرؤية الصهيونية)
يستعرض بعض الظواهر الاجتماعية
التي صاحبت الثورة
الرأسمالية فاثرت
فيها وتاثرت بها مثل الاستعمار
والفكر العنصري، ويقول الكتاب
انه من
المفارقات التاريخية ان الثورة
الرأسمالية التي ادت الى ظهور
المسألة اليهودية هي التي ادت الى ظهور الحل
الصهيوني، ولا يمكن رؤية
الصهيونية خارج السياق
الاستعماري
الامبريالي فحلم اليهود
بالعودة الى ارض الميعاد قديم
قدم اليهودية ذاتها
كما ان الفلسطينيين (العرب)
كانوا لا يبدون اية مقاومة ضد
اليهود اثناء تواجدهم في فلسطين كما ان العودة
الجماعية لم تكن مطروحة اساسا
على المستوى الديني،
فالدين اليهودي في
احدى صوره يؤمن بانه في الوقت
الذي يحدده الرب وعندما يصبح الانسان
مؤهلا للتحرر المطلق، فسوف يعود
اليهود إلى فلسطين ولكن حلم
العودة لن يتم على ايدي الافراد ومن الافكار
المحورية في التشكيل الحضاري
الغربي الحديث فكرة
الدولة المطلقة اى
الدولة التي تعتبر نفسها
المرجعية النهائية التي لا
تحتاج لأى شرعية
(وهذا ما تقوم به اسرائيل الآن).
الصهيونية والرومانسية
يشكل الفكر
الرومانسي
الاطار المرجعي العام للفكر
الغربي في القرن التاسع عشر وهو
فكر اكد اهمية
العقلانية ومقدرة العقل على
اكتشاف ابعاد الواقع والتحكم
فيه، ويرتبط بتلك الافكار فكرة الهرب من عالم مركب
الى عالم بسيط ومن عالم فاسد الى
ع الم خير.. وهناك
كتابات صهيونية عديدة
لمفكرين وأدباء تدعو إلى هذه
النزعات.. ويستشهد الفصل الثاني من
الكتاب بالعديد من النماذج
الأدبية والفكرية لتأكيد ذلك.
الفكر
الاسترجاعي
المفارقة التي يقدمها الكتاب في
هذا الفصل (الثالث) وهي أن الأيديولوجية الصهيونية نبتت في
تربة غير يهودية ثم تحددت
معالمها الاساسية في
منتصف القرن التاسع
عشر على يد مفكرين صهاينة غير
يهود يكنون كراهية عميقة
لليهود، ثم
تبنتها بعض القيادات اليهودية
التي تكره اليهود ايضا في اواخر
القرن التاسع عشر.
ويستعرض الكتاب تاريخيا أبعاد هذه
المفارقة وتبلور الفكر اليهودي
حتى مرحلة
بلفور.
الإدراك الغربي
أدرك الغرب أعضاء الجماعات
اليهودية باعتبارهم عنصرا نافعا يمكن توظيفه، وهذا
النمط الادراكي يعود كما يقول
المؤلف الى شيوع ظاهرة
الجماعة الوظيفية في
المجتمعات الغربية.. وقد تجذر
مفهوم نفع اليهود في الوجدان الغربي
وتبنته المجتمعات ومن اهم
المدافعين عن اليهود الفيلسوف
اليهودي الفرنسي مونتسكيو، ولعل أطرف ما ساقه
الكتاب عن هذا الامر ما قاله
اديسون في مجلة اسبكتاتور
في 27 سبتمبر 1712 حين وصف
بدقة تحول اليهود الى اداه
كاملة، فاليهود منتشرون في كافة
الاماكن التجارية في العالم حتى
اصبحوا الاداة التي تتحدث من
خلالها الأمم التي تفصل بينها مسافات (أليس هذا
ما يحدث الآن؟) ويرى المؤلف انه
لا يمكن فهم
تاريخ الحركة
الصهيونية ولا تاريخ العداء
لليهود بما في ذلك النازية، الا
في اطار مفهوم المنفعة المادية هذا.
ويعد الفصل الرابع من الكتاب من
اهم الفصول بتحليله للوقائع واستشهاداته عليها ولعل
ابرز ما طرح من آراء في هذا
الفصل هو ما اكتشفه
المؤلف عن طريق نموذج
معرفي وتفسيري مختلف عما هو
سائد في الغرب من ان الاباداة النازية
لليهود (وغيرهم) ليست جريمة
المانية - نازية وانما جريمة
غربية تنضوي تحت نمط اوسع.. فحل الابادة هو حل طرحته
الحضارة الغربية الحديثة فتمت
إبادة سكان
الأمريكيتين في القرن
السادس عشر ولا تزال عملية
إبادتهم مستمرة في بلاد مثل البرازيل.
الصهيونية والجذور الغربية
الفصل الخامس يتناول الصهيونية
بين الجذور
الغربية والديبجات اليهودية
ويستعرض من خلاله الحلول
اليهودية التي أدت إلى نجاح الصهيونية في تحقيق أهدافها
وكذلك علمنة هذه الحلول على يد
الصهيونية كما يوضح
الصيغة الصهيونية
الأساسية الشاملة التي ظهرت
بالتدريج عبر مراحل وكان يضاف
إلى كل مرحلة
عنصر جديد إلى أن اكتملت مع صدور
وعد بلفور.
ويؤكد الكتاب في فصله السادس الجذور
الغربية للاعتذاريات الصهيونية
التي انطلقت من تفوق اعضاء
الحضارة الغربية عرقيا وفكريا على أعضاء الحضارات
الشرقية والمغزوة.
ويتناول الفصل مجموعة من الموضوعات
عن اليهودي الاشتراكي واليهودي
الخالص.
هرتزل والعباءة
الليبرالية
يجيب الفصل السابع عن سؤال هام
يطرح نفسه هو: كيف يمكن لحملة
رؤية واحدة تبني أيديولوجيتين
متناقضتين، وكيف يمكن لحملة
رؤية عنصرية اقصائية استبعادية
مثل الصهيونية، تبنى
أيديولوجيتين تنطلقان من فكرة
المساواة، ويفسر الكتاب ذلك بمجموعة
من الأسباب حوله المفهوم
الصهيوني لليبرالية،
والليبرالية والاشتراكية ويولي هذا الفصل أهمية لمؤسس الصهيونية
السياسية (تيودور هرتزل)..
أفكاره ورؤيته ودوره
وعلاقته ببعض الأمور
وفلسفته التي وصفها المؤلف
بالسطحية.
الصهيونية
الاشتراكية
يفند الفصل الثامن ادعاء
الصهيونية الاشتراكية بأن
الفكر الاشتراكي من المصادر الأساسية لرؤيتهم
للواقع، ويرى ان هذا الفكر
يختلف جوهريا عن الفكر
الاشتراكي العالمي
وانها لا تختلف كثيرا عن
التيارات الصهيونية الأخرى
اللهم إلا في المصطلح
وفي الزخارف الاشتراكية
البراقة التي لا تمت بصلة
للجوهر الصهيوني.
ويرصد لمجموعة أصحاب الفكر
المرتبط بالاشتراكية.
ويتناول الفصل
التاسع
عبر مساحته ديفيد بن جوريون:
الزعيم والرؤى، نشأته وأفكاره
وعلاقته بالعنف والأساطير الصهيونية.
الفصل الأخير من الكتاب يتحدث من
الجيبين الاستيطانيين في إسرائيل وجنوب أفريقيا ويعقد
مقارنة بينهما ليؤكد أن إسرائيل
ليست ظاهرة يهودية
وإنما ظاهرة
استعمارية استيطانية، وان هناك
ديباجات عديدة مشتركة بينهما.
ويعد
كتاب الصهيونية
والحضارة الغربية كتابا هاما
ومرجعا يجب على الجميع قراءته
والوقوف عل
ى ابعاد ما يقدمه ومناقشة
الأفكار التي طرحها وتبنيها
إعلامياً.
الكتاب:
الصهيونية
والحضارة الغربية المؤلف: د.
عبدالوهاب المسيري الناشر: دار
الهلال - مصر عدد الصفحات: (418) صفحة قطع وسط
|