التربية
السياسية في المجتمع المسلم
اسم
الكتاب : التربية السياسية في
المجتمع المسلم
اسم
الكاتب : خالد أحمد الشنتوت
دار
النشر : دار البيارق في عمان
عرض
وتقديم : محمد عبد الكريم
النعيمي
صدرت عن دار البيارق في عمان
الطبعة الأولى من كتاب ( التربية
السياسية في المجتمع المسلم ) ،
للباحث الأستاذ : خالد أحمد
الشنتوت ، سنة 1421هـ الموافق - 2000م
، يقع هذا الكتاب في (161) صفحة من
القطع العادي . ويتناول قضية
التربية السياسية كجزء أساس
أصيل من التربية الإسلامية ،
وتأتي قيمة الكتاب في ظل ضعف
الوعي السياسي وغبـش الصورة لدى
العاملين في حقل الدعوة
الإسلامية، خاصة فيما يخص إقامة
المجتمع المسلم ، الذي يسبق
ويمهد لإقامة الدولة المسلمة ،
وهذا الغبـش والوعي السياسي
الضعيف - برأي الباحث - سبب تعثر
الحركات الإسلامية المعاصرة
وتشويه صورة الحركة الإسلامية
من ورائه ، لذا يهدف الباحث إلى
تنقية مفهوم السياسـة
الإسلامية وتمييزها عن السياسة
الجاهليـة في أذهان شباب الصحوة
وقادتها .
وهذا عرض سريع
للكتاب :
1 ـ بدأ الباحث مقدمته بالمبشرات
التي تؤكد عودة المسلمين إلى
الالتزام بدينهم كما هو في كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم ، وساق لذلك الآيات
والأحاديث الصحيحة ، ومنها
أن روما تفتح بعد القسطنطينية ،
وقد فتحت القسنطنطينية ، وستفتح
روما بالتأكيد [ تقول آخر
الدراسات المستقبلية أن
المسلمين سيكونون أغلبية في
أوربا عام 2050] .
ويعرف الباحث
التربية السياسية فيقول : هي
إعداد المواطن المسلم الصالح
الذي يعرف واجباته فيؤديها من
تلقاء نفسـه ، طمعاً في ثواب
الله عزوجل ، كما يعرف حقوقه
فيسعى إلى اكتسابها بالطرق
المشروعة ؛ التي بينتها شريعة
الله عزوجل .
ثم يلخص الباحث في
المقدمة موضوع بحثه في أسئلة
يطرحها تدور عليها رحى البحث ،
وهي :
1- هل السياسة جزء
من الإسلام ؟
2- ما موقف الإسلام
من المكيافيلية ؟ لأنها - بنظره -
أصل السياسة الجاهلية .
3- ما موقف الإسلام
من الديمقراطية ؟ وبعبارة أخرى
هل السياسة الإسلامية
ديمقراطية ؟ أم تختلف عنها ؟
4- ماهي أهـداف
السياسة الإسلامية ؟ وما هي
خصائصها التي تميزها عن سواها ؟
أما عن أهميـة
البحـث فيرى الباحث أن تعثر
كثير من الحركات الإسلامية يعود
إلى عدم تبلور مفهوم السياسة
الإسلامية ، وتميّـزها في
سلوكهم وممارساتهم عن السياسة
الجاهلية ، مما شـوه صورة العمل
الإسلامي عندما رقـع بممارسات
سياسية غير إسلامية .
2 ـ في
الفصل الأول من فصول الكتاب
العشرة تحدث الباحث عن علاقة
الإسلام بالسياسة ، مناقشاً
الشبهة الغربية المسيحية الأصل
، التي تعزل الدين عن السياسة بل
وعن واقع الحياة كلها وتحصره
داخل الكنيسة والمعبد ، وتحاول
الأيدي المتربصة بالإسلام
إسقاطها على واقع الحياة
الإسلامية ، وقد بين الباحث أن
الإسلام هو الانقياد التام
والخضوع لما أتى به محمد صلى
الله عليه وسلم ، بما في ذلك
تطبيق النظرية السياسية التي
جاء بها رحمة للعالمين ، لا كتلك
النظريات المتعفنة التي تفوح
روائحُها إثر كل تجربةٍ لتطبيق
إحداها .
ويخلص الباحث إلى
أن السياسة جزء من الإسلام ،
فالإسلام لايقوم بأفراد ، بل في
مجتمع ، وكل مجتمع لابد له من
سياسة ، وقد أخرج الدارمي عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً
قوله : [ يامعشر العريب ، الأرض
الأرض ، فإنه لا إسلام إلا
بجماعة ، ولاجماعة إلا بإمارة ،
ولا إمارة إلا بطاعة ] . سنن
الدارمي ص 79 ـ
ويستشهد الباحث
بشيخ الإسلام ابن تيميـة يرحمه
الله [ الذي كان قائد جماعة
تلتزم بأمره ، الذي يوجهه إليها
كأمر وليس موعظة ، وكانت جماعته
عاملة قائمة للدعوة والجهاد ...
وكان يرحمه الله إمام أمـة يطبق
الحدود الشرعية فيما يستطيعه ،
ويغير المنكر باليد واللسان ]
كما يقول عنه عبد الرحمن
عبدالخالق .
والعمل الجماعي
هو العمل السياسي ، والعمل
السياسي فرض كفاية بعد أن تقوم
الدولة المسلمة ، أما الآن فهو
فرض عين على كل مسلم كما يقول
الشيخ سعيد حوى يرحمه الله .
كما عدد الباحث
الأسباب التي جعلت المسلمين
يهملون السياسة ومنها: آراء
المعتزلة والخوارج ، ثم مفهوم
السياسة المكيافيلية ، والحكم
الجبري ، وغيرها .
ثم ينطلق الباحث إلى تجلية
مفهوم السياسة لغة وعُرفاً ،
فيقرر أن السياسة هي : القيادة
باللطف واللين والحكمة
والبصيرة ، فهي بذلك مناقضة
للمفهوم العسكري الذي يتعجل
تحقيق الأهداف وقطف الثمار
بالعنف والقوة بحكم موقعه
وطبيعة مهمته في الذود عن
البلاد والعباد عند الضرورة ،
وبالتالي فالعسكري منضو تحت
إمرة السياسي لأن مؤسسته ( الجيش
) قطاع من قطاعات الأمـة ،
والسياسي يقود الأمـة .
ومن ثم يطرح الباحث سؤالاً عن
ذلك السياسي الذي يتأتى له أن
يقود أمة ، هل عن علم أتقنه ؟ أم
عن فن وُهِبَه ؟
ويخلص الباحث بعد عرضٍ للأمرين
جميعاً إلى أن السياسة علم وفن
معاً ، لا يستقيم بأحدهما دون
الآخر للسياسي أمر .
وأما السياسة الإسلامية - خاصة -
فهي : قيادة المسلمين إلى ما فيه
خيرهم في الدنيا والآخرة ،
وتهدف إلى عبودية البشرية لرب
واحد تتحقق مع تلك العبودية
غاية خلقهم ، وتهدف إلى تعميم
مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وجلب المصالح ودرأ
المفاسد .
وهذا الدين لا يقوم به إلا
جماعة ، ولا تتحقق فرائضه إلا
بتآزر جماعي ، ولابد لهذه
الجماعة من أمير يحقق لها مصالح
الدنيا وقبل ذلك يؤمن لها إقامة
فرائض الدين ، ولابد أن يطاع
الأمير ، وإلا ماصار أميراً .
3 ـ وفي
الفصل الثاني يعرض الباحث
مفهوم المكيافيللية ، وموقف
الإسلام منها ، ولو تجاوزنا
صاحب النظرية تلك - التي نسبت
إلى اسمه - إلى تجلية مفهوم
النظرية ذاتها التي ضمّنها
كتابَه الشهير ( الأمير ) ، وهي
نظرية سياسية
تجعل الغاية تبرر الوسيلة ،
فالغاية عند
الحاكم هي استمراره في كرسي
الحكم ، لذلك كل مايفعله من قتل
وسلب ونهب وتدمير مباح له وجائز
كي يحافظ على كرسي حكمه ، وهذه
الغاية لا تصب في مصلحة الشعب
طبعاً ، وإنما هي ضمانٌ لتثبيت
الحاكم المستبد على كرسيه بكل
الوسائل الأخلاقية وغير
الأخلاقية ، وبالتالي حقق
مكيافللي بنظريته انفصالَ
التفكير السياسي عن الأخلاق ،
ومن هنا نكشف المدخل الذي جعل
الباحث يربط
- في المقدمة - بين
المكيافيللية والأنظمة
الجاهلية ، بل ويجعلها أصل
السياسة الجاهلية ، وهذا المدخل
إذاً هو : الفصل بين السياسة
والأخلاق ، وهو ما يُلاحظُ
فعلاً في الأنظمة السياسية
المعاصرة .
ويعد تفكير مكيافيللي على هذا
النحو حلقةً متأخرة من مسلسل
فصل الدين عن الحياة ، وجعلِ
السياسة تقوم على المصلحة
المجردة وحذر واتقاء الرعية ،
والحس البليد والضمير الميت
الذي لا يُؤنب على خطأ أو تجاوز .
وأما موقف الإسـلام من هذه
النظرية ، فإن الإسلام نقيضُ
سياستها المصلحية ، إذ يقوم على
مبادئَ ومُثُلٍ يحتذيها في أحلك
الظروف وأشـد الأزمات ، وغايته
السياسية في مجتمعه تتمثل في
حفظ الدين عليهم وتطبيق حدوده
وحماية بيضته والذب عن حوزته
وإقامة العدل بين الرعية ، كما
تتمثل غايته على مستوى الأمة
المسلمة في تجسيد أخوة تعاون
وتآلف وتصد للقوى المتربصة ،
ويذهب الإسلام في سياسته
الدولية العامة إلى نشر دعوة
الإسلام والتعاون الإنساني
للخير والمصالح المشتركة .
وهذا السياسي المسلم الذي
توافر له علم كسبه وفن وُهِبه
يجب أن يتصف بصفات تدعم سياسته ،
ومن أهمها ذكاء يُحسنُ معه
تصريف الأمور وعلم ينفعه في
أداء مهمته ، والتحلي بالفرائض
والفضائل والتخلي عن المعاصي
والرذائل ، والشجاعة المتزنة
المتعقلة ، والتجمل بالحلم
والصبر ، والتثبت في كل ما يصله
، والوفاء بما وعد وتعهد وقطع ،
والحزم في غير تجبر ، والعفو في
غير ضعف ، وتقبل النصح من رعيته
، وتكوين عصبة وبطانة صالحة
قوية تعينه على أمور الحكم .
وخلص الباحث إلى
أن السياسة الإسلامية سياسة
عقائدية ، تقوم على المبادئ ،
وهي سلوك إنساني لاينفصل عن
الدين والأخلاق ، ومن أهم أسسها
أن الغاية لاتبرر الوسيلة ، وعدد الباحث عدة أمثلة منها موقف
السلطان عبد الحميد الذي كان
بحاجة ماسة إلى دعم اليهود
لاستمرار حكمه ، وقد وعدوه بذلك
وبذلوا له الأموال الكثيرة
مقابل أن يسمح لهم بالهجرة إلى
فلسطين ، ولكنه رفض لأن القضية
قضية عقيدة ، مع أن رفضه كلفه
خسارة ملكه .
4 ـ ينتقل الباحث في الفصل
الثالث إلى أكثر المواضيع إثارة
للجدل اليوم في أوساط
الإسلاميين ، وهو موضوع
الديمقراطية وصلته بالإسلام ،
الديمقراطية التي التبس
مفهومها السـياسي البشري
بالنظرة الإسلامية الإلهية في
تصريف أمور الحياة ، وتكمن أهم
نقطة التقاء وإلباس بين
المفهومَين في نظام الانتخابات
في الأول ، والشورى في الأخير ،
والأمر شبيه بالتباس مفهوم
الاشتراكية بمفهوم الاقتصاد
الإسلامي قبل بضعة عقود ، حيث
نادى بعض المفكرين المسلمين
باشتراكية الإسلام ، لأن مصطلح
الاشتراكية صار يشـد الأنظار ،
ولايسمع الناس إلا من خلاله ، ثم
تبين بعد ذلك بعقدين أو ثلاث فقط
أن الاشتراكية وهم وسراب خدع
الفقراء والطبقة الكادحة ، فركب
الوصوليون موجتهم ووصلوا إلى
كراسي الحكم التي اسـتغلوها
ونهبوا لقمـة الكادحين من أفواه
أطفالهم باسم الاشتراكية ، وهذه
الاسطوانة تتكرر اليوم مع
الديموقراطية
.
ويبرز الباحث خَلَلين في تجربة
الديمقراطية الأولى في (أثينا)
قبل الميلاد
- بالإضافة إلى نشأتها
الوثنية - ، وهما :
1- الاعتماد في
القرار على الكثرة العددية
للمصوتين المختلفين
والمتفاوتين في درجات التفكير ،
فصوت المثقف البعيد الرؤية
كقيمة صوت الفلاح البسيط القصير
الرؤية - وهو مدلول لفظة
الديمقراطية أي : حكم الشعب - .
2- مع هذا التساوي
في قيمة الصوت إلا أن العبيد (
وكان عددهم أكثر من السادة
يومذاك )معزولون عن معترك
التصويت - مما يشي بطبقية قائمة -
.
أما التطبيق الحديث
للديمقراطية وشبهة مقارنتها
بالإسلام فقد أورد الباحث
وجود نقاط تشابه بين
النظامين ( الديموقراطية
والشورى ) ؛ هي التي ألبست على
المسلمين وجعلت منهم منادين
لتطبيقها في حمأة التسلط
الديكتاتوري الفردي الذي
تباركه الدول الديمقراطية
نفسها في أوروبا ، دون الانتباه
إلى أن الشـورى نظام رباني ،
والديموقراطية نظام بشري وسيان
بينهما ، وذكر الباحث أزمة
الديموقراطية وانتحارها في
أميركا نفسها ، حتى سيطر اليهود
باسم الديموقراطية عليها
ممادفع وايزمان للقول : إن
الصهيونية هي صاحبة السيادة
الحقيقية في الولايات المتحدة
الأمريكية ... ويقول : إن فئة
لاتتجاوز (3%) من مجموع المواطنين
ـ وهم اليهود ـ أصبحت تسير
اتخابـات الولايـات المتحدة
الأمريكية وتوجهها لأغراض غير
أميركية كما
يقول قـدري قلـعي في كتابه
أميركا وغطرسـة القوة ( ص51) .
كما يؤكد أن أميركا تحارب
الديموقراطية في العالم ، وتقيم
أنظمة ديكتاتورية تحقق لها
مصالحها في العالم الثالث ، ومن
آخر الأمثلة الانتخابات
الجزائرية التي ألغيت لأن
الإسلاميين حصلوا على أغلبية .
ويعدد الباحث
نقاط الاتفاق بين الديموقراطية
والشورى ومن
أهمها محاربة الديكتاتورية
والطغيان الفردي ، ونقاط
الاختلاف ومن أهمها الفرق بين
الانتخاب في الديموقراطية
والانتخاب في الشورى ، ففي
الأولى يهتم الانتخاب بالكم ،
بينما يهتم في الثانية بالكيف
ثم الكم ، ولذلك يمتاز الانتخاب
في الشورى بأنه على مراحل [
بينها الباحث في كتابه اللاحق :
الانتخابات أمانة وشهادة ] .
5 ـ ينتقل الباحث في الفصل الرابع
مستعرضاً خصائص السياسة
الإسلامية التي ميزتها عن
الديمقراطية والاشتراكية وعن
كافة الأنظمة البشرية .
وأول هذه الخصائص هي ( البيعة ) ،
وتعني في المفهوم الإسلامي :
مبايعة الأمير ذي الشوكة المطبق
لشرع الله عز وجل على السمع
والطاعة ما لم يأمر بمعصية . وهي
واجبة على كل مسلم . فالبيعة
باختصار هي الطاعة ، طاعة أولي
الأمر الذين أمرنا الله عزوجل
بطاعتهم .
ويركز الباحث في حنايا حديثه عن
خاصية البيعة على العمل الجماعي
وضرورته والنتائج الوخيمة
للتشرذم والانقسام ، كما يجلي
معنى ( أولي الأمر ) في المفهوم
الإسلامي مستعرضاً آراء علماء
السلف في هذا المصطلح ومناقشاً
لها ، ويبدو الباحث أشدَّ
اقتناعاً مِن بينها برأي شيخ
الإسلام ابن تيمية القائل : "
وأولو الأمر صنفان : الأمراء
والعلماء ، وهم الذين إذا صلحوا
صلح الناس " ، إذ يأخذ الباحث
باستعراض نماذج ممن ينطبق عليهم
وصف ابن تيمية من الأمراء
والعلماء ، بمن فيهم ابن تيمية
نفسُه . ويرى الباحث أن أولي
الأمر هم الأمراء والعلماء إذا
كانا متفقين ، أما إذا اختلف
العلماء مع الأمراء ، فأولو
الأمر هم العلماء كما يقول
الجويني إمام الحرمين يرحمه
الله .
6 ـ في الفصل الخامس ينتقل الباحث
إلى الخاصية الثانية من خصائص
النظام الإسلامي ، وهي خاصية (
الشـورى ) والتي تُعَدُّ من أبرز
الخصائص المميزة لهذا النظام
الإلهي الذي يقدر حاجة الفرد
والمجتمع ، ويشير الباحث إلى
أهمية تربية الفرد نفسَه
ومجتمعه القريب من حوله على
مبدأ الشورى ليترسخ في تصوره
ويبادر إليه في قراراته .
وأهم ما يفصِّلُ الباحث في شأنه
في هذا الفصل هو قيمة الشورى
بالنسبة لولي الأمر ، هل هي
مُلزِمةٌ إذا انعقدت آراء
المستشارين الغالبة على أمر ما
؟ أم هي مُعلِمةٌ يُوسِّعُ فيها
ولي الأمر مداركه ويستجلي
حقائقَ مغيّبةً من القضية دونَ
التزام برأي الغلبة من مستشاريه
؟
ويصل الباحث إلى نتيجة - يراها
الدكتور توفيق الشاوي - أن
الشورى إذا كانت بمعنى تشاور
أهل الحل والعقد بشأن قرار
سياسي أو اجتماعي خطير ، أو لوضع
نظام دستوري أو استنباط حكم
فقهي فهي حين إذن مُلزِمةٌ
إلزاماً قاطعاً .
أما إذا كانت المشورة في أمرٍ شخصي
فردي أو مستقرئةً خبرةً معينة -
وتسمى حينئذ استشارة - فهي
مُعلِمةٌ لا إلزام فيها .
7 ـ وأما الخاصية الثالثة من خواص
النظام الإسلامي في الحكم ، فهي
( التعاون ) ، ويتناولها الباحث
في الفصل السادس من فصول الكتاب
العشرة ، فيقرر أن الصحوة
الإسلامية المعاصرة قد اجتازت
مرحلة الفرد إلى واقع جماعي
عفوي متزايد يضطرها إلى تنظيمه
وربطه برباط وثيق من مودة
الأخوة والشعور بوحدة الهدف
والمصير ، مما يمهد لآفاق تعاون
إيجابي فاعل رحب يتجاوز
الخلافات الفقهية والفكرية
والحزبية .
ويجد الباحث عند ذكره لتعاون
الجماعات الإسلامية مدخلاً
مناسباً لبحث قضية تعدد
الجماعات والموقف الفقهي
المعارض لمبدئها ، ويورد حججاً
وأدلةً شرعية وتاريخية تجوِّز
تعدد الأحزاب ، أو على الأقل
تتقبل وجودها في ظل حرية الرأي
في الإسلام .
8 ـ وفي الفصل السابع تطالعنا
الخاصية الرابعة من خصائص
التصور السياسي الإسلامي ، وهي
خاصية ( العدالة ) ، وهي خاصية
أصيلة في الفكر الإسلامي ، حتى
إن الدولة الكافرة العادلة تبقى
وتدوم -
في التصور هذا – بينما تزول
الدولة المسلمة الظالمة
ولاتبقى ، والعدالة تستغرق كل
مواطني الدولة المسلمة من
مسلمين وغير مسلمين ، وتقام
العدالة في العصر الحاضر بما
يسمى اليوم بتحقيق تكافؤ الفرص
، إذ تكفل الدولة المسلمة
لمواطنيها حقَّ الحياة وحق
التعليم وحق العمل وحق الحرية
والمساواة في الحقوق والواجبات
.
9 ـ وفي
الفصل الثامن يسوق الباحث حديثه
عن آخر الخصائص السياسية
الإسلامية ، وهي ( الاهتمام
بالمسلمين ) ، فرابطة العقيدة
أوثق من كل رابطة ، والمسلمون -
كما يقول سيد قطب - أسمى من أن
تجمعهم حظيرة وكلأ وماء كما
توحِّد هذه البهائم ، وبالتالي
فالاهتمام بالمسلمين واجب
تمليه الشريعة الجامعة ،
والانصهار الجماعي - كمبدأ -
ضرورة ملحة لتكتمل في كل فرد
خاصية الأنس والتعاون ، ولكن
العزلة التي يعاني منها الفرد
اليوم غلَّبت فيه جانبَ الفردية
، بل وجعلت منها نموذجاً
انعزالياً متضخم الشهوات
الأنانية
.
وتتمثل عناصر الاهتمام
بالمسلمين في موالاتهم وعدم
موالاة أعدائهم ونصرتهم وحبهم
وودهم ومخالطتهم وطاعة
قياداتهم السياسية والعلمية -
المخلصة - .
ويدخل الباحث في
ثنايا علم الاجتماع ليذكر
الحاجات الاجتماعية ومنها
الحاجة إلى الانتماء ، والحاجة
إلى الاتباع ، ويذكر علماء
الاجتماع أن الاهتمام يشكل
العنصر الأول من المسؤولية
الاجتماعية ، وهذا الاهتمام هو
الرابطة العاطفية بين الفرد
وجماعته ، يحول الجماعة من وجود
خارجي إلى وجود داخلي ضمن الفرد
، وذلك عندما يتوحد الفرد مع
الجماعة .
ويؤكد علماء
الاجتماع أن المجتمع سابق على
الفرد ، لذا عندما يتفاعل الفرد
مع المجتمع هذا هو الوضع السليم
، أما إذا انعزل الفرد ذهذا وضع
شـاذ ، ويكتسب الفرد صفاته
الانسانية من خلال مشاركته في
المجتمع .
ونفـر الباحث
المسلمين من الوهم القائل (
الابتعاد عن الناس عبادة ) وبين
الباحث أن هذه ( الرهبنة ) غريبة
عن مفهوم الإسلام ، وذكر الباحث
الحديث الشريف عن ابن عمر رضي
الله عنه قوله صلى الله عليه
وسلم : [ أحب الناس إلى الله
أنفعهم للناس ، ..... ولأن أمشي مع
أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف
في هذا المسجد ( الحرم النبوي )
شهراً .... ] .
وبين االباحث كيف
نهتم بالمسلمين ، ومامعنى
الولاء والبراء ، وما مكانته في
عقيدة لا إله إلا الله ، محمد
رسول الله .
10ـ أما الفصل التاسع من
الكتاب فقد تصدى لمُرجئي أيِّ
عملٍ إسلامي - مهما قل شأنه - إلى
مابعد قيام الدولة الإسلامية ،
وذوو هذا الاتجاه يستعجلون قيام
الدولة المسلمة ويسعون إلى
تحقيق قيامها بالعنف ، وربما
أخلد بعضهم إلى اليأس بسلبية
منتظراً أن تتدخلَ السماء
بمعجزة .
وناقش بهدوء
النظريتين الموجودتين في ساحة
العمل الإسلامي : وهما أنقيم
الدولة أولاً ، وبها نقيم
المجتمع المسلم ، أي الدولة قبل
المجتمع . أم
نقيم المجتمع المسلم ، وهو
مؤسسات اجتماعية اسلامية لابد
منها ، ثم تقوم الدولة المسلمة ،
ووضح أن الباحث من انصار الرأي
الثاني ، وهو نقيم المجتمع
المسلم ثم تولد الدولة المسلمة
بشكل منطقي من المجتمع المسلم .
وقد تتطرق الباحث إلى قيام
الدولة المسلمة الأولى
وإرهاصات قيامها والإعدادات -
التي يغفلها هؤلاء - التي مهدت
لقيامها ، من إعداد الفرد
المسلم فالأسرة فالمجتمع ، مما
كون قاعدة صلبة داخل المجتمع
المشرك نفسه في مكة ، وأمضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة
عشر عاماً في تكوين هذه القاعدة
بروية وتمهل وإتقان في إرساء
دعائمها , وبالتالي فالمجتمع
سابق على الدولة في القيام ,
وإنشاء دولة واهية المجتمع -
القاعدة - معرَّض للزوال سريعاً
.، وهو مبدأ عقلي صرف .
ويسوق الباحث أمثلة عن كيفية
إقامة المجتمع المسلم في بيئات
مختلفة ، ثم يعرض لمقومات
الدولة المسلمة الأولى حتى
يتهيأ المسلمون لإقامة الدولة
المسلمة إن كانوا قريبين من تلك
المقومات ، أو حتى يوفروها
لإقامة الدولة المسلمة إن كانوا
بعيدين عنها - وهو الحاصل - .
والدولة المسلمة الأولى ما
قامت إلا بعد أن وفرت المقومات
التالية :
1- المنهج : وهو
كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم وهدي الراشدين
من خلفائه ، ويحتاج المسلمون
اليوم إلى فهم جماعي لهذا
المنهج .
2- القيادة : وقد
تمثلت في رسول الله صلى الله
عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن
.
3- الشعب : وهو
مجتمع فريد لا يختلف عنا في
تكوينه ومداركه ، وإنما في
طريقة تربيته ، وفي مدى إيمانه
وإخلاصه لله في عمله وجميع
حياته .
4- الأرض : وهي
نتيجة تتوافر بعد قيام المقومات
السابقة ، وهي في عرف المسلم أي
بقعة من الأرض يتمكن فيها من
إقامة فرائضه الدينية وينعم
فيها بحكم الإسلام . ويفصل
الباحث مبيناً كيف هيأ الله
سبحانه وتعالى المدينة المنورة
، وكيف هيأ الأوس والخزرج لتقبل
الدعوة الإسلامية ، بل التحمس
لحماية رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، دعوته للهجرة إليهم
لحمايته كي يبلغ الرسالة .
وقد نقل الباحث من
السيرة بشيء من التفصيل بيعة
العقبة الأولى ثم الثانية ، حيث
هيأ الله عزوجل الأرض ( وهي
المدينة المنورة ) لتقوم عليها
الدولة المسلمة ، بعد أن وجد
المجتمع المسلم ، ويذكرنا
الباحث بأن عملنا الإسلامي لابد
أن يبقى على صلة وثيقة جداً
بربنا سبحانه وتعالى الذي يهيئ
لنا أرضاً بعد أن يقوم المجتمع
المسلم .
وذكر الباحث
بالتفصيل علاقة الدولة
بالمجتمع من زاوية علم الاجتماع
، وخلص إلى أن الدولة مؤسسة من
مؤسسات المجتمع . والدولة
المسلموة مؤسسة من مؤسسات
المجتمع المسلم . يقول الباحث ص
135 ( حاولت الدولة الشيوعية
إقامة المجتمع الشيوعي ، الذي
بشر به ماركس ولينين ، وخلال
سبعين عاماً قتلوا عشرات
الملايين من البشر ، وأنفقت
ملايين البلايين من الدولارات ،
ولكنها أخفقت أخيراً وانهارت
وأغلق ( يالستين ) قبل أيام مكاتب
الحزب الشيوعي في موسكو وختمها
بالشـمع الأحـمر ) .
11 ـ وفي الفصل
العاشر الأخير يختتم الباحث
كتابه بعرض ملخص له ، ويذكر
ويوصي أبناء الصحوة الإسلامية
بالعمل الجماعي المنضبط
بالشريعة ، والتزود منها بأكبر
قدر من دروس الجهاد والإمارة
والسياسات الشرعية ، كما يوصي
المشايخ العلماء بالمسارعة إلى
تشكيل هيئة أهل الحل والعقد
لتولي أمور المسلمين وسياستهم -
وهو ما ظهرت بوادره اليوم بإذن
الله تعالى في العراق - ، كما
يوصي المؤسسات التربوية
المختلفة بغرس قواعد السياسة
الإسلامية في نفوس الناشئة منذ
الصغر ليتكون بهم – بإذن الله –
المجتمع المسلم الممهد لقيام
دولة الإسلام .
ملاحظات على
الكتاب
1 ـ تتبين أهمية
هذا الكتاب من تفرد عنوانه
وموضوعه ، فبينما صار كثير من
الكتّاب يبحثون في مواضيع
التربية الإسلامية ، لم يُسبق
الباحث إلى هذا الموضوع إلا في
حدود ضيقة جداً ، ولم يسمع طلاب
العلم بمثل هذا العنوان سابقاً
، أما في المضمون فقد اهتم
الباحث بمواضيع أساسية للدعوة
الإسلامية ، منها أن السياسة
جزء أساس من الإسلام ، وأن
التربية السياسية جزء أساس من
التربية الإسلامية ، وغيرها
كثير .
2 ـ عرض الباحث فكر ومنهج مكيافللي ،
وقلما وجدنا مسلماً عرض هذا
الفكر ونقده من وجهة نظر
إسلامية ، مع أن فكر مكيافللي
يسيطر على السياسة العالمية منذ
أكثر من قرنين ومايزال .
3 ـ بين الباحث
العلاقة بين المجتمع والدولة ،
وأسبقية وجود المجتمع للدولة ،
كمابين ماهية المجتمع ، وهذا من
تخصصه الجامعي الذي درسـه كطالب
في جامعة دمشق ، ودرّسـه عقداً
من السنوات في سوريا والجزائر ،
ومن الجدير بالذكر قوله :
المجتمع هو مجموعة أسر مترابطة
تقيم المؤسسات الاجتماعية ،
لذلك فالمؤسسات الاجتماعية
الإسلامية لابد من إقامتها قبل
الدولة المسلمة ، وكل محاولة
لإقامة دولة مسلمة قبل هذه
المؤسسات هي إجهاض لجهود الحركة
الإسلامية .
وكيف نقيم مؤسسات
إسلامية في المجتمع المعاصر ،
هذا أمر صعب جداً ، ولكنه غير
مستحيل ، وقد أقامت الحركة
الإسلامية في الأردن ـ يحفظهم
الله ـ مؤسسات إسلامية صحية
وتعليمية ، ولابد من مؤسسات
اقتصادية أيضاً ، ناهيك عن
المؤسسات الاجتماعية الخيرية .
عندئذ يعرف عامة المسلمين أن
الحركة الإسلامية هي التي ستوفر
لهم الحياة الإسلامية الكريمة ،
وهي التي ستحفظ لهم دنياهم
ودينهم ، عندئذ يقبلون أفواجاً
عليها كما حصل في الجزائر في
مطلع التسعينات .
4ـ ذكر الباحث في
المقدمة أن الاسم الأكاديمي
لهذا الكتاب هو ( منهج التربية
السياسية في المجتمع المسلم ) .
وهذا يلزم الباحث بمتابعة البحث
في ( وسائل التربية السياسية في
المجتمع المسلم ) ، وقد نما
لعلمي أن الباحث ـ أمد الله في
عمره ـ بدأ بهذا البحث ( وسائل
التربية السياسية ) ، ونسأل الله
عزوجل أن يعينه على إتمامـه
ونشـره .
وفي الختام ندعو
الله عزوجل أن يحفظ المسلمين من
كل مكروه ، وأن يبصرهم في دينهم
، وييسر لهم الالتزام بكتابه
وسنة رسوله ، إنه على كل شيء
قدير .
والحمد لله رب
العالمين
محمد
عبد الكريم النعيمـي
طالب
في قسم اللغة العربية بالجامعة
اليمنية
المدينة
المنورة في
15شعبان 1425
|