ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أين تكمن أهمية سوريا

مقالة صادرة عن مجلة الشرق الأوسط للشؤون الدولية (جلوريا)

بقلم:  باري روبن*

ترجمة : قسم الترجمة / مركز الشرق العربي

إن ظهور التحالف الجديد المكون من (حزب الله, إيران, سوريا, حماس) قد غير من اتجاهات كثيرة في الشرق الأوسط في عدة أوجه, إن هذا التحالف الجديد قد قام بصياغة عقيدة جديدة دمج فيها القومية العربية بالإسلام, و الذي يمكن أن نطلق عليه اسم " القومية الإسلامية" . و هذه المجموعة لديها هيمنة واضحة في كل من لبنان و العراق و هي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لمحاربة أمريكا و إسرائيل. و لكن ما هو مثير  للاهتمام  هو التكتيكات و الاستراتيجيات و النظرة للعالم من خلال معادلات  السيطرة والفشل التي اتبعتها  خلال الفترة ما بين 1950-1980 . لقد أصبحت سوريا  أهم دولة عربية من خلال انخراطها في هذه الأمور. 

"انه لمن دواعي سروري أن ألتقي بكم في الشرق الأوسط الجديد" بشار الأسد في خطاب ألقاه أمام  اتحاد الصحفيين السوريين في 15 أغسطس 2006 (1). إن شرق بشار الأوسط ليس هو الذي حلم به كثيرون قديماً منذ هزيمة صدام في الكويت , و لا هو شرق أوسط جديد بالكامل. انه في الحقيقة عبارة عن عودة عكسية إلى الشرق الأوسط خلال فترة الخمسينات إلى الثمانينات من القرن الماضي. ان العالم العربي الآن مشترك مع إيران, و هو يعود إلى إحياء حقبة تاريخية كانت نتائجها تدميرية على نفسها و كانت تمجد أفكاراً و استراتيجيات ساقتها في النهاية نحو نتائج كارثية.  ليس هناك أي دولة عربية أخرى فعلت ما فعلته سوريا في هذا التغير المهم. لقد كانت المهندس و المستفيد الرئيس من هذا التغيير. لقد سعت مصر و السعودية و الأردن و دول عربية أخرى إلى الهدوء, و العراق كان يحتاج إلى الهدوء و السلام لإعادة بناء نفسه, حتى الرئيس الليبي معمر القذافي تم الضغط عليه من خلال العقوبات و تم تخويفه من خلال المثال العراقي و المصير الذي آل إليه صديقه صدام.  مما جعله يسلك أفضل الطرق. سوريا هي الدولة الوحيدة التي بقيت مصدراً لعدم الاستقرار و التطرف, و السؤال هنا هو هل الرئيس بشار الأسد غبي أم عبقري؟ و هذا الأمر لا يمكن تحديده بشكل مباشر. والذي يمكن قوله هنا أن سياسته مفيدة له شخصياً ولكنها كارثية على سوريا و على آخرين غير سوريا.  

 ومن أجل فهم السمات الخاصة بسوريا فانه من الأفضل أن نلفت نظرنا إلى الكلام المهم الذي يقوله المتخصص الأمريكي اللبناني فؤاد عجمي "إن أهم مصدر قوة لسوريا هو ليس كقدرة مصر على التفوق أو الثروة المادية كما في السعودية , إن أهم مصدر من مصادر القوة السورية هو قدرتها على تسبيب الأذى للآخرين"(2) . إن تسبيب الأذى هو في خدمة السلطة وديمومتها, و هو يشمل جميع أهداف وتصرفات الحكومة السورية. إن الغوغائية و الفوضى و ليس تقديم المنافع الملموسة هم الأسس لقوة النظام السوري.  

ولكن لماذا سلكت جميع الأنظمة التي حكمت سوريا هذا النمط من الحكم خلال أكثر من نصف قرن؟ إن الجواب الدقيق هو لان سوريا بلد ضعيف في كثير من النواحي.  ففضلاً عن الافتقار إلى قوة مثل قوة مصر أو نقود مثل نقود السعودية فان سوريا تفتقر إلى اللُحمة الداخلية بسبب التنوع الطائفي والمذهبي فيها، و بسبب حكم الأقلية و تسلطها. في العراق , استخدم صدام القمع و المغامرات الخارجية لكي ينجح في المحافظة على النظام الذي كان يسيطر عليه المسلمون السنة و الذين يشكلون خمس السكان فقط.  أما في سوريا فان النظام العلوي يحكم في بلد أكثر من نصفها مسلمون سنة[1].

ولكي يستطيع النظام أن يحافظ على بقائه فهو بحاجة إلى شعارات كبيرة ورنانة والتي من شأنها أن تخفي مشاكله تحت السطح. فالقومية العربية, و إطلاق شعار الدين في الآونة الأخيرة هي الحلول لمشاكل النظام. وعلى هذا الأساس فان سوريا لا يحكمها نظام غير كفوء و لا نظام فاسد و لكن يحكمها قادة عرب و أبطال مسلمون. إن صرخات المعارك هذه تستخدم و بشكل فعال لتبرير القمع الداخلي و الاعتداءات الخارجية.  ليس هناك بلد في العالم تستخدم فيه كلمة امبريالية لوصف الخصوم الخارجيين أكثر من سوريا, و حتى الآن لا يوجد بلد آخر في العالم يتبع سياسة امبريالية تقليدية أكثر من سوريا .

و بصفة عامة, فان هذا النهج في الحكم متبع في كثير، إن لم يكن جميع الدول العربية, ولكن سوريا تمثل المثال الأنقى و الأصفى لهذا النظام في الحكم. و على ذلك فان هناك مبدئين أساسيين من المفيد أن نتذكرهم دائما:

أولاً: كلما تصرفت سوريا بشكل أسوأ كان نظامها أفضل. فالقادة السوريون لا يقبلون الرؤية الغربية في البراغماتية و الاعتدال و الانفتاح الخارجي و نظام السوق الحر, و أن السلام هو الحل الأفضل دائماً. و عندما تتصرف سوريا بشكل راديكالي (إلى بعض الحدود طبعاً) فإنها تعظم أصولها ونقاط قوتها الرئيسة في تحقيق الاضطرابات . فضلاً عن ضعف موقفها التفاوضي. و كنظام دكتاتوري فان القبضة الحديدية و تحقيق الجماهيرية والشعبية تتحقق من خلال عمل جماهيري فوضوي بشكل أفضل.  

ثانياً: إن نجاح النظام والدولة يعني كارثة للناس والمجتمع و الاقتصاد. إن النظام يزدهر و ينمو عبر إقناع الشعب أن المعركة ضد أمريكا وإسرائيل و ليس الحرية و الازدهار هي التي يجب أن تبقى على رأس الأولويات. إن سيطرة الدولة على الاقتصاد تعني انخفاض في مستويات المعيشة لمعظم الشعب, و في نفس الوقت فان هناك نخبة حاكمة تتمتع بثروة كبيرة توزعها على من يدعمها. وان سجن أو تخويف النقاد الليبراليين يعني استقراراً داخلياً دون وجود لحقوق الإنسان. 

ان شكل النظام هذا يمكن أن يجلب أعظم الكوارث. فالسياسة تعمل على أن النظام باق، و ان الشعب يعتبره نظاماً ناجحاً. و لكن حقيقة فان المجتمع و الاقتصاد يكونان قد دمرا بالكامل، و تم التضييق على الحريات و إهدار الموارد العامة.  ان نظام الحكم هذا هو أصل البلاء في العالم العربي وهو يمثل أساساً و منطلقاً لعقيدة النظام وأسلوب حكمه.

و على هذا فان سوريا تمثل اختبارا حقيقياً للفشل في تغيير السياسات في الشرق الأوسط, وهي كذلك لاعب رئيسي في جعل الأمور تؤول إلى الأسوأ في الوطن العربي. وإذا انتقلت سوريا من الراديكالية الحالية إلى معسكر الاعتدال فإنها ستعمل على إعادة التوازن و تكون خطوة أولى نحو السلام و التقدم في الشرق الأوسط. إن مشاركة سوريا في حرب الخليج الثانية عام 1991 و استعدادها للتفاوض مع إسرائيل,و تحريك الاقتصاد و الحالة الاجتماعية الراكدة, و التهديدات الإستراتيجية لسوريا وكل هذا مسبوقاً بقدوم جيل جديد إلى السلطة أثار توقعات بأن هناك تغيرات كبيرة قادمة في سوريا. 

مثل العديد من سياسات الأنظمة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. كانت إستراتيجية سورية ذكية و غير ذات جدوى في نفس الوقت. فالنظام قد حافظ على بقائه, و مناوراته الخارجية كانت ناجحة على مدار الوقت, و دَرت سيطرة سوريا على لبنان أموالاً طائلة لها. و على أية حال فهل يساوي كل ذلك شيئاً إذا ما قارنا ما بينه و بين ما تم تحقيقه في مجال السلام و التقدم الذي كان ممكناً أن يحدث؟

لقد كانت فكرة غربية في أن اليأس و المشاكل الاقتصادية سوف تجعل النظام يتقدم باتجاه الاعتدال والتقدم (كما في حالة صدام و عرفات و قادة عرب وإيرانيين آخرين). و لكن الحاكمين هناك تحركوا في اتجاه معاكس وواجهوا ضغوطات التغيير و أصبحوا أكثر عنداً و أكثر تصلباً.

عادة, على الأقل إلى حد ما, فان هذه الإستراتيجية تعمل في حال أراد الغرب تقديم مزيد من الامتيازات في محاولة للوصول إلى الإصلاح المطلوب. و تتضمن الامتيازات صفقات تجارية و معاهدة سلام و محاربة للإرهاب. بالطبع فان إستراتيجية كهذه تنفذ ضمن مصالح الدول الغربية و لكنهم يعتبرونها أيضاً إشارة إلى مصالح مشتركة. و الهدف منها هو اجتثاث أسباب الصراع من جذورها, و بناء تفاهم و ثقة متبادلة. و إثبات للنوايا الحسنة. 

رغم ذلك فان هذا التصرف بالنسبة لهذه الأنظمة لا يعتبر كرماً أو إثباتا لحسن النية من قبل الدول الغربية بل هو خوف من هذه الأنظمة و من قوتها و محاولات امبريالية غربية للاستيلاء و السيطرة على العالم العربي والإسلامي حسب رؤية هذه الأنظمة. و كذلك لا تبدو هذه الأمور تقديراً لهم على خططهم المتفوقة, و التي تخدع الأعداء.  لقد شجع هذا النهج العناد المستمر من قبل الأنظمة أملاً في كسب المزيد من الفوائد. و حقيقة فان هذا النهج لم يؤد إلى تعديل أو اعتدال في سلوك الأنظمة المستهدفة.

و إليكم هنا مثالين عن أسلوب التفكير و العمل هذا. في عام 1986 في قمة الضعف العربي والسوري, قال حافظ الأسد للسفير البريطاني "لو كنت مكان رئيس الوزراء الإسرائيلي مع التقدم العسكري الموجود لديه و دعم القوى العظمى له, سوف لن أقوم بتقديم أي تنازل". (3)

و في ذلك الوقت و فيما بعده كانت الولايات المتحدة تعمل بجد على عقد اتفاقية بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل تؤدي إلى جعل المنظمة على رأس دولة فلسطينية. و بعد سنوات قليلة, و عندما كانت إسرائيل في موقف أقوى, فقد تفاوضت مع المنظمة و قدمت تنازلات كبيرة, لأنها كانت تريد السلام فعلياً و كانت النية وقتئذ هو التوجه إلى حل المشكلة عبر التوصل إلى تسويات متبادلة ومقبولة بين الطرفين. و في الناحية الأخرى كان تفسير ذلك هو إما أنها خدعة يجب ان ترفض أو إشارة إلى ضعف ما يجب استغلاله. 

و بعد 20 سنة من كلام  والده, جعل بشار خطابه الأكثر أهمية مملوءاً بالقوة و العنف و ذلك في 15/8/2006  حيث قال إن القوة و العنف تجبر الطرف الأخر على تقديم التنازلات,  وفي ردة فعله بعد نهاية الحرب اللبنانية-الإسرائيلية الأخيرة قال " إن العالم لا يهتم بمصالحنا أو بمشاعرنا أو حتى بحقوقنا إلا أذا كنا أقوياء و  إلا فان العالم لن يفعل أي شئ من أجلنا. " (4)

إن ملاحظات حافظ الأسد و بشار تكشف عن أمر عظيم. ففي حالة غياب الضغط عن سوريا يكون النظام جريئاً جداً في الوصول إلى أهدافه. و في حالات الخوف والضغط ينكفئ النظام على نفسه لتقوية نفسه و الحفاظ على ديمومته. وبناءً على ذلك فان الطريقة الوحيدة لإقناع سوريا بأن تتخذ المسار المعتدل على الأقل مؤقتاَ هو مزيد من الضغط القوي و إقناعها أن صناعة الفوضى و المشاكل لن تجدي أي فائدة أو نفع. و هذا النموذج من الانكفاء والتراجع السوري يظهر جلياً عندما تم إجبار سوريا الضعيفة على المشاركة في مؤتمر السلام في مدريد عام 1991 , و عندما أجبرتها تركيا على التوقف عن دعم المقاتلين الأكراد ضدها, ومباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر.  

وفي معظم الحالات السابقة (باستثناء الحالة التركية في مجال ضيق) فانه قد تم السماح لدمشق أن تنجو بأفعالها, و مثل هذه الأعمال قد تؤدي إلى تدمير دول أخرى لو قامت بها.و لهذا فان المحاولات الغربية المستمرة لتهدئة الوضع و التفاوض مع سوريا زادت الأمور سوءً عندما رأت سوريا أنه لا يوجد شئ تخاف منه. و هذا بالضبط ما حدث عندما خرجت سوريا من مرحلة التسعينات و فهمت أن أمريكا لن تذهب أبعد من ذلك معها, و أن الأوربيين سوف يعطونها فوائد. وبهذا فقد قلبت سوريا الطاولة رأساً على عقب. 

و هذا يقودنا إلى مهمة بشار, فمنذ الثمانينات و سوريا تواجه مشاكل كبيرة. ابتدءا من سقوط حليفها و مزودها الرئيس بالأسلحة الاتحاد السوفيتي, ثم إن الاقتصاد السوري الذي لا يعمل بشكل جيد, و عدم الاستقرار الداخلي والذي قد ازداد بشكل مضطرد, و الجارة العدوة إسرائيل وسعت الفجوة العسكرية بينها و بين جارتها, و تم إسقاط صدام حسين على يد الأمريكان.  

كان لدى الأسد الأب مناورات دولية محكمة, فقد كان اشتراكه في حرب تحرير الكويت مع أمريكا كافياً لكي يتلقى المساعدات من دول الخليج و يكسب ود الولايات المتحدة. وقد ساعده دخوله في مفاوضات مع إسرائيل كثيراً على الرغم من أنه في النهاية لم يوقع معاهدة سلام معها. و قد مات حافظ وورث الكرسي لابنه بشار عديم الخبرة.

وبشكل واضح فان بشار ليس (حافظ). فقد كان حافظ رجلاً استراتيجياً وبعيد النظر, وعلى العكس مما فعله بشار, فهو غالباً لن ينسحب بهذه السهولة من لبنان, وسوف يتجنب الاحتكاك المباشر مع دول الخليج وأمريكا. و لن يسمح لإيران أن تحول سوريا إلى عميل لها أو أن يعامل حسن نصرالله على أسس متساوية.

ومع ذلك فان جينات عائلة الأسد لا تزال تعمل . فبشار قد انسحب من لبنان و لكنه ترك تواجداً أمنياً ومالياً هناك. و هناك 20 انفجاراً رئيسياً و حوادث اغتيالات حدثت في لبنان أظهرت أن هناك وراءها مصالح سورية, و بمقتل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق فقد حدثت بعض المشاكل الظاهرية لبشار ولكنه في الحقيقة قد تخلص من الشخص الوحيد القادر على توحيد البلاد والوقوف بوجه حزب الله.

و يبدو أن مجازفة بشار في الحرب العراقية قد بدأت تعطي أكلها, فمنذ2003 قام بشن حرب على أمريكا دون اجر مجزي له . فسوريا قامت بتجهيز وتدريب و إرسال الإرهابيين إلى العراق و الذين تسببوا في مقتل المئات من العراقيين والأمريكيين على السواء بدون أي تهديد دولي له باتخاذ أي إجراء ضد سوريا وحتى أنه لم يتلق الإدانة لعمله من المجتمع الدولي.

وعلى الجبهة اللبنانية, فقد ساهم في شن حرب كبيرة ضد إسرائيل مرة أخرى دون منفعة تذكر له, و كذلك لكثير من اللبنانيين. و في هذه الحالة فان معظم الأموال والأسلحة قد جاءت من طهران وتم إيصالها عن طريق سوريا. و اليوم في دمشق يعتبر بشار بطلاً لأنه واجه إسرائيل على حساب اللبنانيين. و كذلك قام ببناء رصيد جيد مع المتطرفين الإسلاميين كونه حليفاً لهم في العراق و في لبنان إلى جانب فلسطين طبعاً.

ولكن كل هذه الجهود قد يتم نسفها من خلال الضغط الخارجي أو الداخلي. و لكن وحتى هذه اللحظة, فان بشار يحلق عالياً. و ربما يجيب ذلك عن سؤال فيما يخص تصرفات بشار: إن الشخص الذي يتصرف كأحمق من وجهة النظر الغربية قد يكون ذكياً من وجهة النظر العربية كقائد شرق أوسطي.

إذن كيف يمكن لقائد شاب و جديد يحكم دولة صغيرة وضعيفة نسبياً أن يحول الشرق الأوسط بل والعالم إلى هذا الاتجاه الدموي والخطير؟ 

بعد عام 1991 كان هناك آمال كبيرة في الغرب وفي إسرائيل و في الوطن العربي أن التغيرات التي يشهدها العالم قد تؤدي إلى ولادة شرق أوسط جديد يتميز بالبراغماتية و الإصلاح وا لديمقراطية و السلام. ونظراً لانهيار الاتحاد السوفيتي و هزيمة صدام حسين و التوجه العالمي نحو الديمقراطية في كثير من الأماكن و ظهور الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة و كثير من العوامل الأخرى , فقد بدا أن عالماً جديداً قد يولد. أجيال كثيرة من العرب قد شهدت الانهزامات و المآسي و الركود في جميع النواحي. بكل تأكيد يريدون ان يعرفوا أين الخطأ و أن يختاروا مساراً جديدا. وكان لبشار قدم السبق في قتل هذا الحلم في التغيير إلى الأفضل , يقول بشار " انه ليس من السهل أن نقنع الكثيرين بنظرتنا ورؤيتنا للمستقبل". و يضيف " إن الشرق الأوسط المتعقل" من وجهة نظر أمريكا وإسرائيل و المعتدلين العرب هو " القائم على الاستسلام و حرمان الناس من حقوقهم" . ويظهر بشار و كأنه بطل شعبي يتميز بالعروبة و الشرف و المقاومة. و كل هذا مألوف لدينا. اذ بعد حرب إسرائيل وحزب الله الأخيرة دخل الشرق الأوسط في عهد ومرحلة جديدة يبدو أن لا رجعة عنها . فإمكانية دخول العرب وإسرائيل في محادثات سلام تبدو مستحيلة وكذلك تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط يبدو كذلك. و الأصولية الإسلامية سواءً وصلت إلى السلطة أم لم تصل فقد نجحت في تحقيق بعض أجندتها,  و في الست سنوات الماضية بدا الوضع في الشرق الأوسط متجهاً إلى ما هو عليه الآن ابتداءً من رفض السوريين و الفلسطينيين توقيع معاهدات سلام مع إسرائيل عام 2000 و التوجه نحو الإرهاب في انتفاضة عام 2000 و التداعيات التي حدثت بعد 11 سبتمبر و العنف الذي حدث في مرحلة ما بعد صدام في العراق, و رفض الأنظمة العربية لكل أشكال الإصلاح والتغيير, و من ثم التقدم الانتخابي الذي حدث لكل من حركة حماس و حزب الله و الإخوان المسلمين في مصر, مع الكثير من التطورات الأخرى  التي رافقت ذلك.

ان واحدة من أهم مزايا الشرق الأوسط الجديد هو أن الحلف المتمثل بإيران وسوريا و حزب الله و حماس سيسعى للسيطرة على هذا العالم الشرق أوسطي الجديد, و سيسعون للقضاء على إسرائيل و محاربة جميع التأثيرات الغربية على الشرق الأوسط (و هي الأهداف القديمة نفسها) تحت شعار مقاومة العدوان. ان ظهور هذا التحالف يشكل قطيعة مع الماضي في قضيتين أساسيتين هما :  أولاً:  تدخل إيران بشكل لم يشهد له مثيل في قضايا و سياسات الشرق الأوسط.  ثانياً: ظهور توليفة من تيار إسلامي-قومي كان بشار الداعي والراعي الرسمي له . واذا أخذنا بالحسبان أن بشار ليس مسلماً في الحقيقة, و على الرغم من ذلك فانه يلعب دوراً كبيراً في الشاشات و على التلفزيون, فان هذا الانجاز بحد ذاته يعتبر جرأة كبيرةً.  

انه لمن الغريب جداً أن نشهد الآن إعادة لإحياء سياسات قديمة كانت فاشلة إلى أبعد الحدود وأدت إلى نتائج كارثية ما زال صداها السلبي يتردد في المجتمعات العربية و في الشرق الأوسط و حتى في العالم أجمع. يقال ان العالم الناطق بالعربية له ذاكرة طويلة. ولكن ما الذي يمكن أن يكون اشد غرابة من الحماسة التي تُبدى لإعادة إحياء هذه الأفكار القديمة و الذي يبدو أنه لا أحد يلاحظ انها كانت السبب في ما يحصل الآن. إن النقاط التي ذكرت في هذه المقالة قد ذكرها كثير من الكتاب العرب حتى أولئك الذين ينتقدون أسلوب التفكير الجديد. و كل عناصر هذه الأفكار القديمة قد تم عرضها على محك الزمن و خضعت لاختبارات الوقت ولكنها جميعاً فشلت في الاختبار.    

إن نسخة بشار من الديمقراطية قد تبقى مستمرة إلى جيل كامل. و الذي حولها من مجرد شئ جدير بالملاحظة إلى ظاهرة مدهشة, هو الشد العكسي إلى الوراء, والعودة غالباً إلى التفاصيل الأصغر إلى المفكرين والاستراتيجيين العرب الذين كانوا ظاهرين في فترة الخمسينات والثمانينات. اذاً مرة أخرى نعود إلى الخط السياسي الذي يمجد العنف و البحث عن نصر كبير بدلاً من البراغماتية و الديمقراطية و الحلول الوسط والبناء الاقتصادي. وفي بعض الأحيان فإنها ستستخدم على الصعيد الجماهيري, و أحياناً أخرى فإنها هي التي ستطبق فعلياً على أرض الواقع. 

إذا ما الذي يجعل هذه النظرة إلى العالم تعود إلى الحياة وهي التي فشلت بشكل مدمر و قادت الوطن العربي إلى سنوات من الهزيمة و إهدار الموارد و الدكتاتورية و الفشل المستمر في اللحاق بالركب العالمي في معظم القضايا الاجتماعية-الاقتصادية؟

ان جزءا كبيراً من الجواب يكمن في أن هذه الحالة الجديدة تخدم المجموعتين الرئيسيتين اللتين تهمان أكثر في السياسة العربية: القوميين العرب في الأنظمة الدكتاتورية, و الثوريين الإسلاميين الذين يسعون لتغييرهم. إن الأنظمة العربية قد رفضت التغيير, لان التغيير قد يهدد وجودها . و الجماهيرية تنجح في تثبيت أنظمتهم الدكتاتورية و قيادتهم الفاشلة, في الوقت الذي يتمتعون فيه بدعم شعبي واسع. وعلى الجانب الآخر من المنافسة   القوى الإسلامية المتطرفة, و التي تستطيع المنافسة بشكل أكبر بسبب الدعم الواسع لها في الأوساط الشعبية وهي أقدر على لعب الدور من المجموعات الليبرالية و التي تحتاج إلى إستراتيجية جديدة لتوسيع تأثيرها و كسب قوة اكبر.  

بالإضافة  إلى جوانب النظرة النفعية إلى العالم هذه, فهناك التركيز التحليلي على "المقاومة" ضد الأجنبي, بدلا من التركيز على الإصلاح الداخلي و البناء على أسس قوية: وعلى مدى نصف قرن لقنت النخب الحاكمة الشعوب أن جميع مشاكل العالم العربي تكمن في إسرائيل و أمريكا و الغرب. و العامل الثالث هو ببساطة هو أن مفهوم المقاومة النبيلة يجعل الناس في الوطن العربي يشعرون أفضل. و هو في الحقيقة أفيون للشعوب و خصوصاً الشعوب التي تخوض تجربة الحرب بالوكالة و بالنظر إلى العراقيين والإسرائيليين و اللبنانيين والفلسطينيين وهم يقتلون نتيجة للمقاومة النبيلة.

أما الجانب الآخر من جوانب إعادة إحياء المواقف القديمة هو الترديد في بعض الأوقات خلال التسعينات و الادعاء بأن إسرائيل و الغرب هم في الحقيقة ضعيفون. و من هنا فإذا كان باستطاعة العرب والمسلمين التضحية بأنفسهم كشهداء فإنهم يستطيعون تحقيق النصر و فيما بتعلق بهذا.فاننا نجد أن قائد حزب الله حسن نصرالله و قائد حماس خالد مشعل و الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني أحمدي نجاد لديهم صوت مخيف كصوت ياسر عرفات و الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر و الرئيس العراقي السابق صدام حسين و الرئيس السوري صلاح جديد ثم حافظ الأسد في الستينات و السبعينات. كان هذا نمط التفكير السائد, و الذي قاد إلى هزيمة العرب عام 1967 و كثير من الحروب التي تلت ذلك. 

وكنتيجة لذلك, فان الاستنتاج ظهر في التسعينات بأن هذه الإستراتيجية العنيفة لا سبيل لها للنجاح. يقول هاني الحوراني رئيس مركز البحوث الأردني " لقد تركنا الخيار العسكري. و ان هذا الخيار ينتمي الى التاريخ". و مع قدوم عام 2006 و مع اندلاع حرب حزب الله و إسرائيل فان ذلك التفكير القديم كان قد نسي أو تم اعتباره فكرة خاطئة. يقول الحوراني " ان حزب الله قد خلق طريقة جديدة للتفكير بالنسبة للصراع في المنطقة كاملة: ان إسرائيل ممكن ان تقهر. ويمكن إيلامها و هزيمتها...و حتى ان لم نتفق مع عقيدة حزب الله و أسلوبه فانه قد اقترح خياراً مختلفاً للعالم العربي". (6)

لقد كان هناك العديد من الشواهد و الحالات التي تدعو إلى مثل هذا الاستنتاج , ولكن وبالرجوع إلى الأمثلة فان البيانات لا تدعم هذا الاستنتاج. فالانتفاضة الفلسطينية الثانية من 2000-2005 و كسابقتها لم تعط الفلسطينيين أية دولة, علاوة على قدرتها على تدمير إسرائيل. و كانت آثارها كارثية على البنية التحتية في غزة و الضفة الغربية, وتسببت بإصابات كبيرة بين الفلسطينيين و أدت إلى خسارة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية. و بالنسبة لفتح المجموعة الرئيسة المسببة لتلك الانتفاضة فقد جلبت لها هذه الإستراتيجية الفشل و السقوط.و ما لم يكن الهدف هو تسبيب الأذى لإسرائيل بغض النظر عن الكلفة.  فان هذا المثال لم يكن جذاباً.    

و الحالة الثانية من الأمثلة هو الحالة العراقية. مرة أخرى فقد قتل بعض الأمريكيين, بينما كانت الغالبية العظمى من الضحايا هم من العرب والمسلمين. و تم تسوية الاقتصاد والمجتمع العراقي بالأرض.  و كأن كل ذلك لم يكن كافياً فقد تصاعدت حدة الكراهية إلى مستوى الحرب الأهلية بين العراقيين, هذه الحرب التي لن يخسرها المسلحون العرب السنة فقط بل يمكن أن تسبب مجازر لمجتمعهم. مر ة أخرى و كما حدث في 11 سبتمبر فإذا كان القصد هو تسبيب الأذى للأمريكيين فان بعض النجاح قد حدث. و لكن كلفة الحرب في أفغانستان و العراق كانت أكبر بكثير.

و آخر الأمثلة على تلك الحالات هو حرب حزب الله وإسرائيل عام 2006. من السهل رؤية أن إسرائيل قد انتصرت عسكرياً في تلك الحرب, فإسرائيل لم تشعر أنها بحاجة إلى وقف سريع لإطلاق النار والإمساك بأرض المعركة. و في الجانب السلبي فان إسرائيل قد عانت من التدمير الذي حصل نتيجة إطلاق صواريخ الكاتيوشا على أراضيها, و هذه إصابات و خسائر عسكرية ومادية لا يمكن تفاديها حتى في الحروب التي يتحقق فيها انتصارات كبيرة. و كان الإحساس العربي العام بأن الخيار العسكري قابل للتطبيق على إسرائيل, و الذي كان أمرا مشكوكاً فيه في فترة الثمانينات و حتى في التسعينات. 

و الذي يثير الدهشة في هذه الحالة عدا عن استهداف المدنيين الإسرائيليين – و الذي ليس له تأثير على الحالة العسكرية- انه لم يكن هناك أي شئ جديد على الإطلاق في أسلوب حزب الله.  فهي نفس الأساليب التي لم يكن لها تأثير حقيقي خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران, أو عندما أطلق العراق صواريخه تجاه إسرائيل عام 1991.  

لقد نجحت حرب لبنان عام 2006 في إعادة إقناع العرب أن هذه الاستراتيجيات لن تجدي نفعاً إلا بجعلهم يحسون بشعور أفضل لكونهم جعلوا عدوهم يشعر شعوراً سيئاً. و من الصعب أن يكون ذلك أساساً حقيقياً لإستراتيجية سياسية ناجحة. و إنها بالتأكيد ليست البديل المناسب للتطور أو التقدم الاقتصادي. و في غياب نصر حقيقي ملموس, يبقى الإنسان العربي منتظراً المعجزات و التدخلات الإلهية .

 وهذا يقودنا إلى العامل القديم الثالث الذي يعيد نفسه حاليا: وهو الاعتقاد بوجود بطل سياسي خارق سيقود العرب والمسلمين إلى تحقيق النصر. ففي فترة الخمسينات و الستينات كان هناك عبد الناصر,و في السبعينات ُوجد عرفات و الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار, و في الثمانينات و التسعينات كان هناك الرئيس صدام حسين و أسامة بن لادن. و كلهم فشلوا و هزموا. و النتيجة لم تكن رفضاً لهذا الأمل العظيم بل البحث عن أشخاص آخرين لعمل هذه المهمة.
فالرئيس الإيراني أحمدي نجاد يحاول بث روح الرئيس عبد الناصر من عام 1966, فهو يوجه التهديدات المستمرة للغرب, و يتنبأ بكل ثقة بأن إسرائيل سوف تزال و تمحى من الخارطة, و يتخذ الحرب كلعبة لتحقيق نصر سهل و سريع. و بشار الأسد ليس شاباً حليقاً  من طراز خاص بل هو بطل المقاومة . و قادة كل من حماس وحزب الله عملاء لسوريا , فخالد مشعل القاطن في دمشق و حسن نصرالله هما مثال للرجولة عند العرب, و هم يِعدون بتحقيق المستحيل و يقنعون الملايين بأنهم سوف يحققون ذلك.

وأخيراً, فان محور المقاومة الجديد يعد بحل جميع المشاكل بشكل سريع و بسيط, و لو عبر شلالات من الدماء. فلماذا اللجوء إلى التسويات والحلول الوسط في الوقت الذي بإمكانك فيه أن تحقق النصر الشامل والثورة, وتمحي إسرائيل من الخارطة عبر الكفاح المسلح وعبر إرهاب الغرب؟ لماذا الدخول في عمل طويل ومرهق لتحقيق التقدم الاقتصادي عندما تستطيع اظهار شجاعتك في ارض المعركة وقتل بعض الأعداء لتحقيق أحلام أحدهم, كما ذكر بشار في خطابه المشار إليه أعلاه. و اذا كان لا أحد يتذكر أين أدى أسلوب التفكير الخاطئ هذا في الماضي, فان الجميع على استعداد لاعتناق هذه الأفكار مجدداً.

وفي أوجه عديدة, فان ما يحدث الآن هو إعادة للعب مسرحية أدت إلى إفلاس وإفقار لاعبيها وأدت إلى تشويه سمعة جميع الممثلين المشاركين. وجميع الأجزاء القديمة يتم لعبها الآن بإيمان وإخلاص كبيرين. فإيران تلعب دور راعي الثورية 2006 و هو الدور الذي لعبته مصر في عام 1966. و سوريا تلعب دور الراعي الرئيسي للقومية العربية و الإرهاب الثوري و هو دور لعبته سوريا عام 1966. ويمثل حزب الله وحماس منظمة التحرير الجديدة, و يعدان بتدمير إسرائيل عبر العنف غير المرتبط بالدول.  

و على ما يبدو فان تجربة الماضي الحزينة هذه ليست متوافقة مع ملاحظات كارل ماركس حول حتمية اعادة التاريخ لنفسه . ويبدو أن التاريخ الحزين في الفترة الماضية لم يترك تأثيراً على غالبية المفكرين و الكتاب والصحفيين العرب و غيرهم بالاحتفاء و البحث عن النصر الكامل.

صحيح, فان هناك أقلية ليبرالية صغيرة في العالم العربي تحذر من الرجوع و التوجه نحو التطرف و تنادي بعدم مواجهة الغرب باسم المقاومة البطولية. انه لمن الصعب و الخطير عليهم أن يعملوا قضية ضد هذه النظرة إلى العالم. إن الأباطرة لا يحبون أن تعرض المواضيع التي تعريهم. و المجتمعات و خصوصاً غير الديمقراطية منها لا تحب أن ترى معتقداتها الثابتة والأساسية عرضة للاستجواب.

أكثر اعتدالاً, ولكن لا يزال دكتاتورياً, إن الأنظمة تريد استخدام العقيدة المتطرفة من اجل مصلحة النظام الخاصة, عبر تعبئة الجماهير من اجل مقاومة الأجنبي لا من أجل الإصلاح, و لكن وفي نفس الوقت فهذه الأنظمة تمنع استخدام هذا التطرف ضدها. إن حكام مصر والأردن و السعودية يتذكرون أكثر من غيرهم كيف أن هذه الأيديولوجية فشلت في العمل عكس ما رتبوا له.   

و كما شكل صدام و عبدالناصر تهديداً لهم في الماضي, فان الحكم المستبد في طهران و السيف في دمشق يشكلون تحدياً مباشراً لوجودهم هذه الأيام. وهم عادة ما يستخدمون ويعززون الأفكار الجديدة, و لكنهم يأملون في سن النصال, على الأقل عندما تكون مصالحهم الخاصة معنية في الموضوع. و لكن و لتفادي أن يكونوا هم ضحايا المد الثوري القوي فإنهم يعزفون على نفس اللحن.  

و حتى التهديد الظاهر له فوائده عندهم. فهم لديهم سبب جيد لعدم عمل أو تطبيق معاهدة سلام مع إسرائيل, من اجل ان يستخدموا هذا الصراع كمبرر ومسوغ لأسلوب حكمهم. و نفس الأسلوب يستعمل لاستمرار بُعدهم عن الولايات المتحدة. و على حد سواء فان بإمكانهم سحق التحديات الديمقراطية الداخلية و قمع أي انتقادات داخلية و يعللون ذلك بان الانتخابات أو المناقشات الحرة قد تقوي التيار الإسلامي المتطرف.

و لكن ما هذا العصر الجديد الذي ألغى  كل شئ قبله, على الأقل من الناحية الخطابية؟ يتميز باختصار بالنقاط التالية:

*زيادة قوة التيار الإسلامي المتطرف, على الرغم من أن الأنظمة القومية لا تزال تحتفظ بالحكم و القوة و قد لا تفقدهم حاليا.

*تنامي مشاعر الكراهية لأمريكا وإسرائيل, مقارنة على الأقل بمستويات الكراهية في التسعينات.

*الاعتقاد بأن النصر الشامل يمكن تحقيقه عن طريق الإرهاب و أساليب العنف الأخرى.

*توقع حدوث ثورات وشيكة وانتصارات عظيمة ووحدة عربية لم يسبق لها مثيل.

*عدم المبالاة بالحلول الوسط و التسويات و اعتبارها أمراً غير مهم و حتى اعتبارها خيانة. فيجب عدم إعطاء أي شئ ما دام بالإمكان اخذ كل شئ.

*تلاشي آمال الديمقراطية بسبب مناورات و تلاعب كل من الأنظمة والمتطرفين الإسلاميين عن طريق تعطيلهم لكل محاولات تطبيق الديمقراطية .

إن الفرق الحقيقي بين الحقبة الجديدة والقديمة هو أن ما كان يعبر عنه في القومية العربية أصبح يعبر عنه الآن ضمن مفاهيم إسلامية أو على الأقل بأسلوب أكثر إسلامية. ان الفكرة هي أن الإسلام ممكن ان ينجح حيث فشلت الأفكار القومية. و بعيدا عن الاختلافات الواضحة في  محتوى هاتين الأيديولوجيتين فان نظرتهم الأساسية وأهدافهم متوازية تقريباً. أولاً: إن العالم العربي والإسلامي يواجه مؤامرة أمريكية-إسرائيلية أو غربية-إسرائيلية أو صهيونية-صليبية لتدميره. ثانياً: ان العدو الثانوي هم أغلبية الحكام العرب الذين يعتبر اعتدالهم شكلاً من إشكال الخيانة . فقط أولئك الذين يتصفون بالتصلب والعناد في مواقفهم و يكافحون ضد الأعداء هم الذين يحققون القيم الإسلامية. في فترة الخمسينات و الستينات كان تهمة الرجعية ملصقة بكل من الأردن و السعودية و الأنظمة الملكية الأخرى من قبل مصر وسوريا والعراق. و اليوم تقف إيران وسوريا ضد مصر والأردن و السعودية.  

 ولكون العدو الرئيسي هو شر خالص, فانه لن يكون من الممكن عمل أي تسويات معه. و بنفس أسلوب السيطرة فان جميع أنواع العنف مبررة. و لا يمكن لهذا أن يكون إرهابا لأن هذا  العنف عبارة  عن حق و دفاع ضروري ضد الشيطان الأعظم. و النصر الشامل الذي يعدون به قابل للتحقيق و أي شئ يحول دون تحقيقه يعتبر خيانة. و لذلك فعلى الجماهير أن تتحد تحت حكومة واحدة و أن يتبعوا عقيدتها و أسلوبها في الحكم و هذه الحكومات هي القادرة على تعبئة و حشد الناس في المجتمع الداخلي و هي نفس أساليب الأنظمة الدكتاتورية. و الأولوية لقصوى لهذه الحكومات هي تدمير دولة إسرائيل, وهزيمة أمريكا, و رفض التأثير و الثقافة الغربية. و بما أن هذه الأهداف ضرورية و قابلة للتحقيق فان الأمور الأخرى دون تحقيق هذه الأهداف كالمزيد من حقوق المواطنة و الإصلاح و تحقيق نجاحات اقتصادية ... الخ تعتبر إعاقة وإرباكا لحركة المقاومة والكفاح. ولكن وفقط بعد تحقيق النصر الشامل فان هذه أمور الرفاهية يمكن ترتيبها. وعلى النقيض فان فكرة الحرية و الإصلاح ما هي إلا خدعة و تضليل من العدو.

و الأمر الذي يدعو للسخرية هو أن عصر القومية العربية الأصلي كان يأمل ويتوقع بان الأنظمة الراديكالية سوف تحقق نمواً وتقدماً سريعاً وسوف تبني نظام عدالة للجميع و كأنه مجتمع طوباوي. و الإسلاميون حالياً لا يزالون يدعون هذه الأمور, و لكن الحكام العرب القوميين أصبحوا متوترين من هذه الأمور.

 وبشكل عام, فانه و على الرغم من أن هناك تنافساً بين القوميين العرب والإسلاميين على السلطة حتى بشكل عنيف, فإنهم و بنفس الوقت يعززون و بشكل متبادل النظام الثقافي و رؤية العالم وهي الأمور التي سببت مشاكل كبيرة للعالم العربي.

إحدى مميزات الحقبة الجديدة و التي تعتبر مشابهة لفترة الخمسينات وحتى الثمانينات هي توقع التغيير الوشيك. و هي ما يعبر عنه بحس الألفية حيث التغيير الدراماتيكي وشيك الحدوث. وفكرة أن المستقبل سيتغلب على الماضي, وأشياء أخرى مثل توازن القوى أو التوازن السياسي و كما أن "فن الممكن" سوف يأتي ويغلب عبر قدرة الإله الذي سيفرض الأيديولوجية الصحيحة أو الإستراتيجية العسكرية المناسبة.

هذه الفكرة كانت واضحة جداً خلال الفترة التي ابتدأت عام 1952 في مصر و خصوصاً بعد حرب السويس عام 1956, و التي دفعت عبد الناصر إلى أن يكون قريباً جداً من قيادة العالم العربي, و هذا البطل حسب الرؤية  العربية كان قادراً على توحيد العرب تحت رايته. و بشكل سريع فقد أصبح له تابعون في كل قطر عربي. و قام عبد الناصر بالتأكيد على قوة وعزة مصر و سخر من القوى الغربية و حطم خصومه من الإسلاميين والماركسيين,  وفتن الطبقة المثقفة, و أرعب الدول و الأنظمة التي كانت معارضة له. يقول توفيق الحكيم " كنا نصفق بافتخار, و عندما خطب خطبته القوية و قال عن الولايات المتحدة التي تمتلك القنبلة النووية, انه اذا لم يعجبهم أسلوبنا فليشربوا من ماء البحر, لقد كان يملؤنا بالكبرياء". (7)

لقد كتب توفيق الحكيم مقالة نقدية عن العقلية المقاومة الأصلية:

هل الناس سعيدون لأنهم يسمعون الأغاني الوطنية على الرغم من البؤس الذي هم غارقون فيه ويراه الجميع؟ جماهير غفيرة تنتظر لساعات في طوابير أمام الجمعيات التعاونية ليلقى إليها بقطعة من اللحم...أم لتلتهم الوحدة العربية... هل نجحت الثورة في تحقيق ذلك بالوسائل السياسية. هل اقتربت من هذا الحلم و جعلته قوياً أو بالأحرى هل بعثرته و جعلته ضعيفاً  عبر السياسات التي تشمل التدخل و الغزو و استخدامه ذريعة للقيادة و السيطرة و التأثير للانتشار. و إغداق الأموال في التخطيط للمؤامرات و الانقلابات و إثارة القلاقل. ففي حرب اليمن تم دفع العرب لقتل بعضهم البعض, وتم استخدام النابالم والغازات السامة ضد العرب أنفسهم. " (8)

و في ذلك الوقت كان القليل من الناس يلتفتون إلى ذلك النوع من النقد. و لقد تم تجريد و تعرية حقيقة هذا الإمبراطور بعد هزيمة 1967 و بالتحديد بعد وفاته عام 1970في كتاب الحكيم "عودة الوعي". ولكن يبدو اليوم كما لو أن عصر الغيبوبة قد عاد ثانية و الكثير من الناس قد نسوا مخرجات الفترة السابقة. و من المفيد هنا أن نذكر أن سمعة عبدالناصر العسكرية قد تم اكتسابها بشكل رئيس في حرب السويس عام 1956 و التي كانت فعلياً اهانة وإذلالا لمصر. فالدبلوماسية الأمريكية والسوفيتية هي التي تدخلت لإنقاذ موقف عبد الناصر و هو ما حدث في حرب حزب الله الأخيرة و التي توقفت نتيجة للضغط الدولي على إسرائيل لوقف النار و التي تركت حزب الله مسلحاً وفي مكانه.  

لنتجاهل الماضي بأكمله, فالمتحمسون يعقدون الآن مقارنة ايجابية بين عبد الناصر ونصرالله, فاسم الرجلين مشتق من الجذر نصر, ففي القاهرة ظهرت صورة الرجلين في المظاهرات جنباً الى جنب, على الرغم من أن نظرة الرجلين في الإسلام والسياسة متعارضة تماماً. والمقارنة الثانية هي أن النصر اللبناني قد حصل في الذكرى الخمسين لحرب السويس. و لكن الذي لم يتم ذكره أنه وبعد خمسين عاماً على تولي عبد الناصر للسلطة لم يحصل هناك أي تقدم في مصر. حتى أن استعادة شبه جزيرة سيناء التي أخذتها إسرائيل عام 1967 لم يحصل عبر الصراع العسكري, بل عبر الصداقة مع أمريكا و معاهدة السلام مع إسرائيل. 

و مفهوم آخر أيضاً تم إحياؤه وهو توازن القوى أو صناعة التكنولوجيا العسكرية أو الالكترونية و هذه الأمور لا تعد ذات أهمية بل الأهم من ذلك هو تفوق الروح المعنوية.  فمنذ عام 1947 أوضح قائد الجيش السوري فوزي القاوقجي الذي حارب لمنع قيام إسرائيل أن العرب سوف ينتصرون بقوله: " أكثر من الجيوش أنا أقّدر الناس الذين يلتحقون بهذه الحرب المقدسة"(9) وفي خطاب الستينات الثوري كان الشعار هو " إن قوة الإنسان أعظم من قوة التكنولوجيا التي اخترعها الإنسان " و هذه الفكرة هي التي تكمن خلف احتفاء حزب الله وحماس و المتمردين في العراق بالانتحاريين و قاذفي الحجارة للاعتقاد بأنهم قادرون على تحقيق النصر على خصومهم.

ان القوميين العرب و بعيداً عن مآثر ماضيهم, ينظرون إلى الثورة الكوبية و الصينية و كذلك الفيتنامية كدليل على أن الجانب الضعيف يستطيع تحقيق النصر بالعزيمة و التصميم و المقاومة الراسخة. يقول الصينيون " الحياة الطويلة لنصر الناس المحاربين" بينما كان لدى الكوبيين " سنة البطل الفدائي" و هذه الأفكار كانت تعشش في الوطن العربي و كأنها في كبسولة الوقت.

و نصرالله الآن و كما كان عرفات في فترة من الفترات يقارن ب (تشي غيفارا), الرومانسي و لكن قائد الثورة الكوبية كذلك, وكنصرالله فهو لم يسقط أي حكومات ولكن هناك العديد من القمصان المخصصة له. و يشير الإسلاميون إلى مثل هذا المثال في النصر الذي حققه المجاهدون الأفغان على الاتحاد السوفيتي (متناسين دور أمريكا في دعم ذلك المعسكر) و كذلك النجاح في 11 سبتمبر أو مثال المتمردين في العراق. و كذلك يعتقدون ان انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني ومن قطاع غزة نصراً للمقاومة. و يستطيع الإيرانيون إضافة ثورتهم كذلك, حيث أزمة احتجاز الرهائن الأمريكان و كذلك وقوفهم في وجه صدام في الحرب العراقية الإيرانية, و التي خسروها في واقع الأمر.

ان النصر للعرب والمسلمين محتوم ومكتوب. كتب أحد الإسلاميين في مصر أن الأمريكان جبناء بينما المسلمون شجعان و أقوياء: " ان المؤمنين لا يخشون الأعداء...بينما يحمي أعداءهم أنفسهم وحياتهم كما يحمي البخيل أمواله. إنهم لا يدخلون الى المعركة بحثاً عن الشهادة... و هذا  هو سر غلبة المؤمنين على أعدائهم. في الواقع فان الحقيقة هي أن جبن الكافر هو الذي يقوده الى  تعزيز وضعه عبر وسائل علمية و عبر الاختراعات"(10). ان حقيقة أن هذه المقالة قد نشرت في صحيفة تسيطر عليها الدولة و هي صحيفة الجمهورية في شهر تموز 2001 كرد فعل على أحداث 11سبتمبر, تظهر لنا كيف أن مؤسسات القوميين العرب تتواطأ لترويج أفكار الإسلاميين, و التي تغذي عقلية المقاومة.

ان هذه الانتصارات المزعومة ما هي إلا انتصارات وهمية, وهي التي تروج للعنف و العداء ورفض السلام, ونتيجة هذه الأفكار هي الإصابات التي تحصل في لبنان والعراق وبين الفلسطينيين و الذين يدعون أن المقاومة يجب ان تكون في المقام الأول. و علي أي حال فهناك سبب وجيه لماذا تتجنب الدول الضعيفة مضايقة أو محاربة الدول القوية: وهو لأنهم هم الخاسرون. إن التاريخ ملئ بأمثلة عن دول ذات معنوية عالية و معتقدات راسخة وقوية لم تستطع ببساطة أن تتغلب على الواقع والحقيقة وانتهى الأمر بمدنهم إلى أن تحولت إلى آثار. واحد الأمثلة الشديدة الوضوح هو ما حدث في  الحرب العالمية الثانية, عندما هزمت اليابان على الرغم من وجود الطيارين و الجنود الانتحاريين (الكاميكاز).

وفي ضوء ذلك, فان الذاكرة العربية المليئة بالكثير من الهزائم في الماضي لا تعتبر ذلك جبناً, بل خبرة وتجربة سياسية ثمينة ينبغي الالتفات إليها. إن إمضاء سنوات طويلة في المعاناة و الدكتاتورية و هدر الموارد في النصف الثاني من القرن العشرين يجب أن تستخدم لتعليم درس مهم وهو أن التصلب والعناد و العنف لا يجدي شيئاً, وأن تلك الأهداف المتطرفة لم تستطع أن تبعد العرب عن الكارثة. 

و في فترة التسعينات و عندما واجه العرب قصتهم الحزينة بمزيد من الصدق والمباشرة كانوا أكثر ميلاً إلى إعادة التفكير في مستقبلهم. ان معرفة ما لا يجدي و لا ينفع يخبرك ما الذي عليك فعله. فإذا كان من المستحيل تدمير إسرائيل و كان الصراع مكلفاً جداً, فانه قد يكون من الأفضل التوجه نحو السلام. و اذا كانت أمريكا قوة عظمى فانه من الأفضل أن تسير بركابها و أن لا تعمل على حربها. و إذا كان العرب متخلفون في الاقتصاد و العلوم و الأمور الاجتماعية, فان الإصلاح الشامل يعتبر ضرورياً. و إذا كان الإرهاب قد انقلب عليك و نشر السموم في المجتمع فعليك أن ترفض هذا الطريق. ان فكرة التغيير يجب أن تكون على جدول الأعمال وتتحدى جميع الافتراضات السابقة التي عملت وتوبعت ووجد أنها ضعيفة.

والآن فان هذه العملية قد غيبت عن الذاكرة. و نشأ جيل جديد لا يتذكر التاريخ و ليس لديه من يذكره و انبثقت أيديولوجية مختلفة لا تراعي التجربة القومية المريعة و تعمل على تكرير نفس الأخطاء السابقة ولا تتعلم من الخبرة الماضية. ففي نسخة بشار فان هناك ثلاثة أجيال من العرب قد حاربت إسرائيل و خسرت, و عززت التوقع بأن الرغبة في الحرب والقتال ستنخفض مع مرور الوقت. ولكن بشار يقول :" ان الجيل الرابع جاهز للقتال و إن الرغبة في الصراع تتزايد مع مرور الوقت". (11)

إن العرب لا يقعون في الأخطاء على حد قولهم , ولكنهم ببساطة لا يناضلون كفاية لإتباع الأيدلوجية المناسبة. كأن يقوم شخص ما بضرب رأسه بحائط قوي ليكسره, ولحظياً يتم اعتبار ذلك عملاً غير مجدي,وبعد تفكير بسيط يتم الاستنتاج بان الرجل لم يضرب رأسه بقوة لدرجة تكفي بأن يكسر الحائط.

كتبت صحيفة تشرين السورية التي تسيطر عليها الدولة في 3/8/2006 قصيدة تحت عنوان "يا سيد المقاومة" تترنم فيها بحسن نصرالله الذي أعاد لبنان 20 عاماً الى الخلف:

لقد لفعت نفسك بالمجد والشرف لأنك كتبت الصفحة الأولى من سفر المقاومة وهزيمة الصهاينة الأمريكان, وكل من يسير خلفهم. لا أحد يعتقد أننا سنربح الحرب اليوم أو غداً أو حتى السنة القادمة...إنها بداية النهاية فقط, و طريق النصر ابتدأت لتوها... (12)

و على ذلك فإننا على أبواب طريق طويل للصراع, كما حدد ذلك العرب في الخمسينات أيضاً. ومن الممكن أنه في عام 2035 سوف ندخل في جولة أخرى من محادثات السلام.   وعندما تتمزق هذه الذاكرة عن طريق عقلية المقاومة, فقد يكون من الضروري أن نمر عبر أجيال طويلة من المحنة والصراع مرة أخرى قبل أن يتحقق تقدم حقيقي على أسس من هزائم و إخفاقات وعيوب جديدة. 

إن تقييم موازين القوى يجب أن يُظهر أن الصراع مع الغرب هو خطأ كبير لان الغرب لديه القوة العسكرية والتكنولوجية الأكبر. و على كل حال فماذا إذا كان كل ذلك وهم و خيال, و تفوقت الروح المعنوية للعرب وحققت النصر؟ بطريقة أخرى, اذا كانت أمريكا نمر من ورق والغرب ممكن التغلب عليه.إن هذا النضال لا يستوجب الحرب بالضرورة, فإذا كانت أمريكا و الغرب ضعافاً جداً فإنهم سيتراجعون مباشرة عند تعرضهم لخطر الحرب, كما قال وينستون تشرتشل عن الأساليب السوفيتية في خطابه عام 1946 في إشارة لبداية الحرب الباردة :" أنا لا اعتقد أن الاتحاد السوفيتي يرغب في الحرب, إن ما يرغبون فيه هو ثمار الحرب و التوسع الكبير لقوتهم ومبدأهم". (13)

إن الغرب بشكل عام وأمريكا خصوصاً هم جبناء جداً وأغبياء و يمكن هزيمتهم, حسب النظرة والإدراك السوري. إن الخبرة تعطيهم أسباباًً للتفكير بهذه الطريقة. فهذا الأسلوب الخاطئ في التفكير  هو الذي اتبعه صدام منذ نهاية الثمانينات مروراً بعام 1991 حيث غزا الكويت وحتى لحظة الإطاحة به عام2003, وهو نفس أسلوب تفكير أسامة بن لادن حتى نجاحه في تدبير أحداث 11 سبتمبر قبل أن يضطر إلى الاختفاء في الجبال. ألا تؤدي نتائج هذه القصص إلى ذلك الاستنتاج؟ ليس بالضرورة إذا تم تجاهلها. إن مصير الدكتاتور العراقي لم يمنع أحمدي نجاد من وصف أمريكا بالقوة العظمى المصنوعة من القش. أو أن يقول رئيس مجلس صيانة الدستور آيت الله أحمد جاناتي "إن أمريكا أوهن من بيت العنكبوت... وإذا تصرفت الدول الإسلامية كما فعل حزب الله, ووقفوا في وجه أمريكا كالرجال, فان أمريكا ستتعرض للخزي والعار".(15)

لقد اتبع صدام نفس أسلوب التفكير هذا. في خطاب له في المركز الثقافي الملكي في الأردن في  24/2/1990 قال صدام أن الأمريكان قد هربوا من فيتنام و من لبنان عام (1983) و تخلوا عن شاه إيران. ومن ضمن ما قاله إن الأمريكان لن يصمدوا طويلاً في المعركة. ووافقه الخميني في هذه النقطة, وأشار عام 1979 أن أمريكا لا تستطيع أن تفعل أشياء ملعونة لإيقاف الثورة الإسلامية. (16)

و بن لادن نفسه شرح ذلك إذ يقول " إن أتباع الله لن يخسروا أبداً... إن أمريكا مملوءة بالخوف من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها الى غربها...وسينقسم العالم حالياً إلى معسكرين : معسكر المؤمنين ومعسكر الكافرين ... و على كل مسلم أن يؤدي دوره في دعم دينه."(17) وبعد كل ذلك, فان أحداث 11 سبتمبر قد خطط لها من أجل إسقاط خرافة القوة الأمريكية, وإظهار بأن أمريكا غير محصنة ضد الهجوم. و حسب مفاهيم المسلمين حول هذه النقطة, فان أحداث سبتمبر و أحداث أخرى غيرها تعتبر أعمال "مقاومة" و قد حققت نجاحاً عظيماً.  

ان مفهوم بشار للشرق الأوسط الجديد قد انتشر وساد في الشرق الأوسط, ابتداءً من رئيس اليمن الذي يريد حرباً مع إسرائيل الى رئيس السودان الذي يفضل قتال قوات الأمم المتحدة على أن تدخل الى دارفور, حيث قام جنوده بعمليات قتل عرقية هناك, يقول البشير "لقد عملنا حسابنا... ان المواجهة أفضل بملايين المرات بالنسبة لنا" . ان الحساب الذي قام به السودانيون لا ينطبق مع أي نظام حسابي معروف في العالم. ان الحساب الذي قام به البشير يشير الى أن العالم لا يأبه بدارفور أو انه سيرهق سريعاً من عمليات حفظ السلام هناك (أي سيتعب بسبب الإصابات التي ستلحق بقوات حفظ السلام). وسوف يهربون سريعاً. ان بشار يحمل وجهات نظر متوازية حول العراق ولبنان. هل سيعطيه الغرب حق السيطرة على لبنان من أجل رشوته للرجوع لحكم لبنان؟ و علاوة على ذلك فان كلاً من بشار والبشير يعرفان أن رد الفعل الغوغائي سوف يعطيهم دعماً داخلياً و فرحة ومساعدات من العالم الإسلامي. ان الهدف هو ليس الحرب بل جني ثمار الحرب.  أما بخصوص اسرائيل فعلى الرغم من أنه يصعب فصل القتال الواقعي عن غيره. فان استراتيجيات المقاومين الجدد تشابه الى حد كبير ما كان يفعله أسلافهم  (بعد حرب 1973 الكثير من الأجداد قد تعلموا الدرس بالفعل)  فالكلام الكبير و الهجوم من بلد ثالثة و إطلاق الصواريخ و إرسال الانتحاريين مع الشجاعة الصافية سوف يسد الفراغ ويملأ الفجوة. ان جزءً من هذا الحساب خطر لانه يقلل من حجم الأعداء. فعندما يتحدث نصرالله و إسلاميون متطرفون آخرون عن إسرائيل فإنهم يرددون صدى كلمات كان يقولها عرفات وقوميون آخرون في فترة الستينات. وبشكل أساسي فانه يتلخص فيما يلي :  اذا كان العرب أو المسلمون مستعدين لجعل أنفسهم جميعاً شهداء وضحوا بكل شئ في سبيل الحرب, فان محو إسرائيل عن الخارطة أمر بسيط. وان استمرار وجود إسرائيل هو بسبب أن الحكام العرب جبناء وخونة .  ان هذا الأسلوب في التفكير قد جلب إلى العرب أربعة عقود من الكوارث المستمرة. و بدأ ذلك عندما أعلن القادة العرب في الستينات بأنهم قريباً سوف يهزمون إسرائيل ويرمون اليهود في البحر. و في الواقع فان العرب هم الذين عانوا من الخسارة و الهزيمة المذلة. ولذلك فان عرفات وآخرين قد تباهوا بأن حرب العصابات ستفي بالغرض, وهذا هو التفكير الموازي لتفكير حزب الله في حرب 2006.  

و النتيجة لم تكن هزيمة إسرائيل بل حروب أهلية في كل من الأردن وسوريا, وهزائم إضافية على أرض المعركة, وسنوات طويلة من المعاناة وهدر لملايين الدولارات من الموارد. و قطاع غزة الآن يخضع لنفس الأسلوب من التفكير للمرة الثالثة في 15 عاماً. ان الدول العربية تكاد تكون هي المكان الوحيد المتبقي في العالم الذي تحكمه أنظمة دكتاتورية, لأن الدولة الدكتاتورية حسب رأيهم هي الدولة القادرة على هزيمة إسرائيل و إبعاد التأثير الغربي . وهكذا فقد ابتدأت الأمور من صدام حيث خاض ثلاثة حروب مكلفة و كذلك حال أسامة بن لادن و حتى يومنا هذا حيث حزب الله و حماس.

و عندما يفقد المسؤلون و القادة الحس بالمسؤولية فان هناك عواقب وتبعات لذلك. زغلول النجار صاحب عمود في صحيفة الأهرام . وهي ليست إيرانية أو تابعة لموقع الكتروني من مواقع القاعدة ولكنها تحمل علم الحكومة المصرية المعتدلة, و التي وقعت على معاهدة سلام مع إسرائيل قبل أكثر من ربع قرن. كتب في 14/8/2006 الآتي:

تخيل ما لذي سيحدث لهذا الكيان الغاشم (إسرائيل) إذا تم قطع البترول عنه, و اذا دمرت قوته الجوية بهجوم مفاجئ, و اذا قامت الدول العربية المجاورة لها بقصفها بالصواريخ بشكل متزامن و قررت تلك الدول أن تضع حداَ لجرائم هذه الدولة و قذاراتها. اذا حدث ذلك فان هذا الكيان الغاشم الذي هدد أمن المنطقة عبر أسلحة الدمار الشامل التي يملكها لن يبقى له وجود على الأرض المغتصبة بعد اليوم.(19)

ولتأكيد أن هذا المقالة لم تكن رمية من غير رام, فان نفس الصحيفة قد نشرت مقالاً مشابهاً للمقال الأول بقلم أنور عبدالمالك, وهو قومي عربي في 29/8/2006 وقد تمحورت هذه المقالة حول المعجزة التي صنعها حزب الله حيث أظهر أن إسرائيل لا تعني شيئاً و أنه من الممكن تغيير مسار التاريخ. (20) هل تريد مصر حرباً مع إسرائيل؟ بالطبع لا , ولكن هذا النوع من الغوغائية و الذي استمر لفترة طويلة وما زال كذلك يعطيها درجة من المناعة ضد انتقادات الراديكاليين وإضافة لذلك فإنها تعزز لديها فكر المقاومة القديم الجديد. 

و خلال كل هذه الرحلات من الخيال و الفشل التي حدثت, ماعدا فترة قصيرة خلال التسعينات, كان هناك عدم إدراك لماهية إسرائيل لان القوميين العرب و الإسلاميين لا يرغبون بوجود إسرائيل و قد توصلوا لقناعة بأن إسرائيل عبارة عن وهم و أنها ضعيفة و مفككة وجبانة و قريباً جداً سوف تنهار.

وهذا هو عرفات عام 1968 : " إن لدى إسرائيل خوف عظيم واحد, وهو الخوف من الإصابات". و هذا المبدأ هو الذي حرك ونظم إستراتيجية المنظمة و هي : قتل ما يكفي من الإسرائيليين عبر الحرب أو العمليات الإرهابية, و من خلال ذلك فان إسرائيل سوف تنهار أو تستسلم. وفي عام 1970 صرح مسئول في المنظمة بان إسرائيل لن تحتمل ان تبقى تحت الضغط والتهديد, :" ان الجهود الصهيونية لتحويل اليهود الى أمة متجانسة ومتوحدة قد فشلت," وهكذا فإنهم سيرحلون(21) وفي 12 سبتمبر من عام 1973 وقبل أن تباشر دولته ومصر هجومها على إسرائيل فان السفير السوري في الاتحاد السوفيتي قد صرح لمسئول في الاتحاد بان الدول العربية بحاجة  من 10-15 عاماً لتدمير إسرائيل, و لكنهم قريباً سيشنون هجوماً قوياً لتدمير أسطورة الدولة التي لا تقهر ولتدمير الاستثمارات الأجنبية و الهجرة اليهودية.

لقد اعتقد العرب بأنهم فعلوا جيداً في بداية الحرب و ادعوا بأنهم بعد ذلك قد استعادوا شرفهم, و لكن وبعد مرور أكثر من 30 عاماً فان كل القضايا بقيت كما هي: إسرائيل قابلة للهزيمة, و الاعتقاد بأن المجتمع الإسرائيلي ممكن سحقه, و أن النصر ممكن أن يكون واقعاً اذا أعاد العرب ثقتهم بأنفسهم. و هذه الكلمات هي لحسن نصرالله في 29/7/2006 " عندما يفقد الناس في هذه الدولة المستبدة إيمانهم بجيشهم الأسطوري, فان هذا يمثل بداية نهاية وجودهم" (23) لقد عانى الإسرائيليون من خسائر أكبر في حربهم ضد إرهاب منظمة التحرير في الستينات عندما كان عدد السكان أقل في البلاد أكثر من حرب لبنان عام 2006 وبدون ثورات سياسية أو اجتماعية.

و على الرغم من ذلك, فان بشار و نصرالله يرددان ما كان عرفات يردده دورياً خلال أربعين عاماً , ان الحرب قد أظهرت بان الجيش الإسرائيلي " محتاج للعون وضعيف و مهزوم و مهان و فاشل..."(24) و لكن بالطبع فهذه عبارة عن تسويق للذات لكسب التأييد و الفرحة الجماهيرية و الدعم للصمود, و لكن القادة أيضاً يعتقدون بتسويقهم لذاتهم و بعد كل شئ فهم يضعون استراتيجياتهم و أساليبهم وفقاً لها.

ان ما كان يريده  عرفات في السابق وما يريده بشار و نصرالله و حماس الآن هو إرهاب المدنيين الإسرائيليين. و لهذا السبب فهم يستعينون بالإرهاب, وليس السبب هو أنهم أشرار خالصين وإنما لأنهم يعتقدون أن هذا التفكير سيجدي نفعاً ويكون فعالاً على المدى الطويل. لقد صرح عرفات عام 1968 بأنه و عبر استهداف المدنيين الاسرائيلين فان منظمة التحرير ستكون قادرة" على إضعاف الاقتصاد الإسرائيلي و خلق مناخ من التوتر والقلق مما سيدفع الصهاينة لإدراك أنه من المستحيل لهم العيش في إسرائيل" (25)

باختصار, العمل على شل جميع المناحي في البلد, وجعلهم يشعرون بالخوف الدائم و هكذا فان نهايتهم ستكون قريبة. أو وكما جاء في مجلة منظمة التحرير عام 1970, فانه اذا شعر الإسرائيليون بأنهم "معزولون وعاجزون", فإنهم سيتركون البلد وإسرائيل ستمحى من الوجود.(26)

إن وقع ما يقوله بشار و نصرالله اليوم يشابه ما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تردده قبل ربع قرن من الزمان في وثائقها من قبيل " مبادئ توجيهية لمهاجمة أهداف مدنيه في إسرائيل" و الذي يدعو الى "استخدام الأسلحة بشكل مرعب ضد أماكن إقامة المدنيين الإسرائيليين, ويتضمن على سبيل المثال مهاجمة  المرافق السياحية خلال فترة ذروة الموسم السياحي"(27) , وهو ما حدث عام 2006. وحول تدمير إسرائيل فان أحمدي نجاد يردد صدى ما كان القادة العرب يقولونه وهو ما يزال صبياً, بدون تحقيق أي نجاح حقيقي.

وبشكل مشابه فان الإستراتيجية الرئيسة للحلف الذي تقوده إيران هو نفس ما كان سائداً في فترة الستينات, حيث تقوم الدول الراعية والداعمة للإرهاب بمهاجمة إسرائيل عن طريق دول أخرى أو مجموعات مدعومة منها. فسوريا استخدمت الأردن ولبنان عام 1947, حتى قبل أن توجد إسرائيل, عندما حاولت دمشق أن تخفي انخراطها في القتال.(28) إن معظم تاريخ منظمة التحرير و المجموعات الفلسطينية  الإرهابية الأخرى  قائم وبشكل كبير على فكرة الدولة الداعمة والمأوى الآمن. ومرة أخرى فإن هذه الفكرة لم تنجح.

وهناك ملاحظة دائمة أو ربما تكون دورية و معممة في الفكر العربي, وهي فكرة البحث عن بطل كاريزمي يقدم النصر للعرب. وهناك أسس تاريخية لهذا النهج عند العرب ابتداءً من صلاح الدين و هزيمته للصليبين  ,ومن ثم جاء عبد الناصر في التاريخ العربي المعاصر الذي ألبس هذه العباءة (1956-70), وأتبع ربما بالمقلدين العراقيين والسوريين في الستينات و الثمانينات , وقد لعب نفس الدور عرفات و الخميني بالنسبة للبعض, وجاء صدام (1980-91)¸ و الآن هناك قائد المتمردين في العراق أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في عملية خاصة, واحمدي نجاد و نصرالله وبشار.

بالطبع فان القادة يحاولون إقناع الآخرين بأنهم هم الأصلح, ويسوقون بأنهم هم الأفضل لتمثيل مصالح الدول أو المجموعات التي يقودونها. وتأخذ عبادة هذا البطل العديد من الأشكال, و التي تعاد مع ظهور كل بطل جديد. و لإعطاء بعض الأمثلة, فان الأطفال يسمون باسمه,  وتطبع صوره على البضائع الاستهلاكية الأساسية كحاملة المفاتيح و الخواتم, و تكتب الأغاني في تمجيده, و هكذا... .

ان فكرة القائد العظيم الذي سيقدم النصر على طبق من فضة قد أدت الى قطع الرجاء بالديمقراطية و الاعتدال و البراجماتية. ومن الأمور المثير للسخرية أن هذه الفكرة قد أدت الى تدمير الحراك الاجتماعي لأن الفرد العربي يحتاج الى أن ينتظر القائد العظيم أو الى دول أخرى أو منظمات بطولية لتقوم بالعمل جميعه. و على كل حال فان العمل لم ينجز لحد الآن. فكما هو الحال بالنسبة لصدام فقد انتهى به الأمر في السجن (كتب المقال قبل إعدام الرجل), وابن لادن مختبئ ربما في أحد الكهوف, و الزرقاوي قد قتل. و لكن الحماسة بانتظار المرشح القادم لا تزال مشتعلة. 

لقد اتبع رد الفعل العربي على حرب 2006 في لبنان نفس أساليب التفكير القديمة حيث حول عبر التلاعب بالكلام الى نصر, وهو يعتمد بجزء منه على حقيقة أن القوات العربية قد انتصرت في بعض المعارك و قاتلت بشجاعة. فحرب 1956 و 1973 قد حولوا بنفس الطريقة. و المثال الواضح على ذلك هو ما حدث في حرب الكرامة في الأردن عام 1968. فقد عبر الجيش الإسرائيلي النهر إلى الضفة الشرقية لتدمير معسكر تدريبي لفتح و قد فعل ذلك. وقد ولى عرفات هارباً تاركاً رجاله يقاتلون دفاعاً عن أنفسهم. والذي خاض الحرب آنذاك هو الجيش الأردني. و قد فقدت إسرائيل 21 جندياً بينما قتل من فتح ما يقرب من 150 مقاتل. لقد كانت المعركة نصراً إسرائيليا و كانت المقاومة في معظمها من الجيش الأردني وهو الذي أدى دور الدفاع عن فتح.

وعلى كل حال فقد أقنع عرفات العالم العربي و الفلسطينيين بأن الكرامة كانت نصراً مؤزراً لحركة فتح, مما جعله بطلاً كبيراً بالمقارنة مع الجيوش العربية التي انهزمت قبل سنة فقط من معركة الكرامة في حرب 1967. و قد توسل الآلاف من العرب للانضمام الى فتح, وقام عبد الناصر بدعوة عرفات لزيارة القاهرة ليكون حاميه هناك. 

إن مصر نفسها قد استخدمت هذا الأسلوب في حرب 1973. فبينما كانت بداية الحرب رائعة بالنسبة للمصريين و استخدم المصريون فيها أسلحة جديدة مضادة للدبابات(في تواز مع ما حصل في الحرب اللبنانية2006) بنجاح, فقد خسرت مصر الحرب في نهاية المطاف. و لكن تدخل المجتمع الدولي أدى إلى إنقاذ مصر عندما كانت القوات الإسرائيلية تعبر قناة السويس و كان جيشها الثالث محاصر. ولكن على الأقل فقد استخدم السادات الحرب كقاعدة انطلق منها للسلام, أي أنه حول مزاعم النصر إلى شئ أكثر فائدة. و لكن لا أحد في الوطن العربي يأخذ الحرب على هذا السياق.

و الحالة الأكثر نموذجية هي حالة الهزيمة الكارثية التي منيت بها منظمة التحرير في لبنان عام 1982, و التي أجبرت تلك المجموعة إلى ترك لبنان و الخروج منها. و لكن عرفات أطلق عليها اسم النصر, و صديقه خالد الحسن صرح بتواضع " يجب أن لا نصبح متعجرفين في المستقبل نتيجة لهذا النصر" (29) 

ولكن كان هناك خروج وشذوذ فيما يتعلق بهذه النقطة. فقد قدم عصام سرطاوي القيادي المعتدل في المنظمة نظرة أخرى للموضوع, فقد طالب بالتحقيق في سوء أداء المنظمة خلال الحرب. و قد حث المنظمة على الاستيقاظ وترك طريق الهزيمة التي أدت الى كارثة 1982. وقد سخر السرطاوي من أسلوب التفكير الذي حول الهزيمة الى نصر حيث قال : " اذا حصلنا على نصر آخر مثل هذا النصر فسنجد أنفسنا في جزر فيجي".(30)

 ولكن ما الذي حدث بعد ذلك بين عرفات ذي المنهج الخيالي وبين سرطاوي صاحب النظرة الواقعية؟ لقد استمر عرفات في منصبه يقود المنظمة حتى وفاته. و بعد شهرين من تذمره تم اغتيال السرطاوي على يد مجموعة فلسطينية إرهابية تتمركز في دمشق و التي استخدمت كأداة للتغيير من قبل النظام السوري.

 ومع ذلك, فبينما يمكن أن يقنع الخيال الناس بأن الهزيمة هي نصر, فان الخيال لا يمكن أن يقدم انتصارات عسكرية في المستقبل.

ان هذا النظام السياسي و العقائدي المتمثل في العقلية المقاومة كان له آلية حماية ذكية. فإذا شكك أي شخص أو لم يتفق مع هذه النظرة ورأى انها لا يمكن ان تحقق نتيجة فانه ووفقاً لهذه الآلية يتهم بالعمالة للغرب والصهيونية. و مثل هذا الضغط قد تم استعماله على الصعيد الشخصي بشكل واسع.  وقد كتب أحد اللبنانيين الشيعة عن مشكلته, " كيف أتصرف مع اللبنانيين الذين يقولون لي بأنهم مستعدون لقتل أنفسهم أو أولادهم أو أن يروا بيوتهم مدمرة و أنهم مستعدون للجلوس بدون عمل, في الوقت الذي ينظرون فيه إلي و يقولون: اذا لم تكن قادراً على فعل نفس الشئ فهذا لأنك عميل أمريكي-صهيوني". (31)

ونفس هذه المعاملة يعامل بها الحكومات أو المجموعات التي تبحث عن دعم خارجي لحماية نفسها من المتطرفين, لأن هذا يعني الالتفات الى الغرب.  وبالطبع فان التهديد يصبح أكثر خطورة عند كسر المحرمات كما حدث عندما استعان السعوديون والكويتيون بالأمريكان لحمايتهم من صدام عام 1990.

و مع ذلك فان هناك حساباً رهيباً فيما بعد, لأن هذا القرار كان العامل الرئيسي في ظهور الجهاديين العالميين بقيادة ابن لادن. و السادات وقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979 و من ثم اغتيل عام 1981. و نفس المصير واجه الرئيس اللبناني بشير الجميل عام 1982, والملك عبدالله الأول عام 1951 لمجرد محاولته تحقيق السلام.

و هذا الأسلوب من التخويف تم استخدامه مرة أخرى ضد الدول. على سبيل المثال فقد هاجم بشار كلاً من قادة مصر والأردن والسعودية و ذلك حسب قوله لتصرفهم كأقزام وخدم للغرب. ان مثل هذا الاستقطاب يثير النزاعات الداخلية في العالم العربي ويؤدي الى حصول نزاعات بين الدول العربية نفسها, وقد يؤثر على التعاون والاستقرار في الوطن العربي. في الواقع لا أحد يتحدث بشكل كبير عن الوحدة أكثر من العرب وليس هناك شعوب أكثر فرقة من العرب.

وهناك منظور قديم-جديد آخر يتعلق بعقلية المقاومة و هو أن الحرب قد أدت الى استعادة الشرف العربي. و هذا الامر قد تم ادعاؤه في نهاية الستينات من قبل منظمة التحرير و بعد حرب 1973 و بعد الانتفاضتين الفلسطينيتين و في مناسبات أخرى. و بالإضافة الى ذلك فقد تم الحديث بأن حزب الله قد أجبر إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان و أن حماس فعلت مثل ذلك في غزة وهذا أدى الى استرداد الشرف العربي.

ان المشكلة التاريخية هي أنه بعد كل إعلان عن إعادة الشرف العربي المصون تبدو الأمور بعد ذلك وقد فقدت بريقها, أو أن الأمور تحتاج إلى جولة أخرى لاستعادة الشرف. خلال فترة التسعينات كان المصلحون يقولون بأن الطريق الصحيح لرفع كرامة وعزة العرب ليس هو القتال أو الحرب مع إسرائيل أو مع الغرب, ولكنه عبر وضع الأولوية لبناء اقتصاد منتج و مستويات معيشة أعلى وحق المساواة للمرأة و المجتمع الحر و المحاكم المستقلة و الإعلام الصادق و بناء نظم صحية و تعليمية صحيحة . ولكن هذه الأمور جميعها قد تم إزاحتها من جدول الأعمال العربي. حقيقة ان فلسفة المقاومة تحتاج إلى ولادة مقاومة تعمل التغيير الذي يحتاجه الوطن العربي.

وهناك مثال رائع على هذا الموضوع كتبه يوسف الراشد صاحب عمود في جريدة الأنباء الكويتية يقول فيه : "ان الشعب اللبناني ربما فقد الكثير من الموارد البشرية والاقتصادية خلا حرب عام 2006, و لكن وبعيداً عن الأرقام والحسابات, لقد حصل اللبنانيون على الكثير من الفوائد... لأن المقاومين اللبنانيين الأبطال قد أثبتوا للعالم أن الحدود اللبنانية غير مفتوحة للدبابات الإسرائيلية بدون دفع للثمن. لقد كانت لبنان هي المنتصرة في معركة الكرامة والشرف."(32)

و بناء على ذلك فان ما يدلل عليه المقال هو أن مليارات الدولارات التي ضاعت في الدمار و الموت و المعاناة واستعادة سوريا لنفوذها في لبنان و زيادة المنازعات الداخلية بين اللبنانيين التي أعادت صورة الحرب الأهلية و تدهور اقتصاد البلد جميعها أمور مقبولة لان هذه الحرب جعلت شعور الناس أفضل . حتى أن الراشد لم يستطع أن يقول ان الحدود اللبنانية قد أغلقت بوجه الدبابات الإسرائيلية وإنما قال أنها لا تستطيع ان تدخل وتخرج دونما ثمن. 

ان مثل هذا النوع من البيانات شائع جداً في التاريخ السياسي العربي. و قد اخترت مثالاً واحداً حول الموضوع, ففي عام 1966 أصدر حزب البعث السوري وثيقة يقول فيها ان النضال ضد الامبريالية والصهيونية مهم جداً وهو يستحق منا التضحية بكل شئ حققه الحزب والشعب السوري : "يجب علينا أن نخاطر بكل شئ بنيناه و ذلك من أجل العمل على محو إسرائيل". لقد كان كل شئ جيداً ووضح حزب البعث ان عليه عقد المؤتمرات التحضيرية للحرب , ولكن كان عليهم أن ينتظروا قليلاً قبل تطبيق خطتهم على الواقع.(33) ففي العام التالي و مع حرب 1967, حصل النظام على أمنياته.

اذا كانت الأولوية للمقاومة, فان الإصلاح هو لفت للانتباه عن المقاومة في أحسن الأحوال, وفي أسوأها فهو خيانة للدولة.  ولذلك فلا عذر لعدم القتال. ان ما يهم حقاً هو مجد المقاومة فماذا تعني الأمور التافهة إلى جانب المقاومة سواء من الإصلاح الاقتصادي أو دعم النظام المدرسي أو تطوير وسائل نظيفة وصادقة للعمل الإعلامي. يقول الكاتب المسرحي المصري علي سالم في "حالة حرب", والذي يعتبر العمل معه في مصر ممنوعاً :" لا أحد يستطيع النقاش...أو أن يسأل أي سؤال. إنهم يخبرونه أنه ليس الوقت المناسب للحديث عن حرية التعبير أو الديمقراطية أو الفساد, ومن ثم يؤمر الفرد مباشرة بالرجوع إلى خندقه القتالي ".(34) 

وفي شهر مارس من عام 2001 عندما سأل أعضاء من حزب البعث نائب الرئيس السوري آنذاك عبد الحليم خدام في لقاء جماهيري عن عدم اتخاذ الحكومة المزيد من الخطوات لحل مشاكل الفساد و العجز و الإصلاح السياسي السلمي البطئ, كانت إجابته بأن الصراع العربي الإسرائيلي يفرض بأن لا يكون هناك تغييرات داخلية. "ان هذا البلد في حالة حرب طالما أن الاحتلال قائم".(35) ان المثير للسخرية في هذا التصريح هو أن النظام كان قد رفض عرضاً إسرائيلي لإعادة مرتفعات الجولان في السنة التي قبلها فقط. 

ان النظام بحاجة إلى استكمال الصراع مع إسرائيل لتبرير دكتاتوريته و فساده وحتى يستمر في الحكم. وقد أتاح ذلك الأمر فرصة للتموضع بشكل شجاع. فقد زأر بشار في خطاب عام 2001 :" ان انشاً واحداً من الأرض هو كمثل كيلومتر واحد و هو بالتالي كآلاف الكيلومترات. ان البلد الذي يسلم جزء صغيراً من أرضه سيسلم جزء اكبر يوماً ما... ان قضية الأرض هي قضية شرف لا قضية أمتار.ان حافظ الأسد لم يستسلم, وليس علينا أن نفعل ذلك لا في الحاضر ولا في المستقبل".(36)  

 واليوم فان المتطرفين الإسلاميين و بدعم من القوميين العرب يعيدون التاريخ و بنفس التفاصيل القديمة, بما في ذلك وعود النصر المبالغ فيها, تسميم الأفكار بالنصر المفترض واستثمار الموارد في المعركة بدلاً من استثمارها في البناء , وهكذا... . ان لعبة الخداع القديمة في تقديم الايدولوجيا وكراهية إسرائيل و الغرب كبديل للديمقراطية و الإصلاح و التقدم المادي الملموس تتقدم بشكل كبير مع شعور كبير بنجاحها وكما لو أنها لم تجرب قبل ذلك أبداً في الماضي.

ان تشويه سمعة إسرائيل من قبل إيران و بشار و نصرالله الذين كسبوا شعبية كبيرة يقومون بدور مماثل لما فعله القوميون العرب في السابق الذين قادوا شعوبهم الى العديد من الهزائم و أبعدوهم عن السلام. ونفس القضية بالنسبة للنظرة الى الولايات المتحدة (وبالنسبة للغرب في الغالب) فإنها بقيت نظرة عدائية . 

و بطريقة أو بأخرى فان النظرة التي يرى بها العرب العالم لا تنتمي الى الواقع بشئ, ان هذا الأمر شكل من أشكال الجنون. و على كل حال فان هناك أشكالاً أخرى من "الجنون" بالنسبة للذين يروجون هذا الفكر. ان عقلية المقاومة أداة ممتازة للحفاظ على الأنظمة و لحشد الدعم والتأييد للحركات الإسلامية المتطرفة. ان الضحايا الرئيسيين للموضوع هم : السلام و البراغماتية و الاعتدال و الإصلاح و الديمقراطية, مما يعني بالضرورة أن الضحية الأساسية لعقلية المقاومة هم العرب أنفسهم. 

بالنسبة للإصلاحيين العرب, فان هذا التناقض هو أمر مخيب للآمال. كتب طارق الحجي و هو ليبرالي مصري و أحد المفكرين اللامعين في الوطن العربي : "إنني اسمع الناس من خلال محطات التلفزة العربية يتحدثون عن كرامتنا و كيف ان عبد الناصر و نصرالله قد قاموا بالدفاع عنها... و أقول في نفسي ,إما أن جميع هؤلاء الناس من حولي مجانين أو أنني أنا المجنون."

وعلى كل حال, فان الدعاية للمقاومة منتشرة في كل مكان سواء في المدارس أو وسائل الإعلام أو المساجد أو من خلال بيانات الحكومات أو جماعات المعارضة, و هكذا... وهذا يتطلب أقصى الجهود و قوة الشخصية للوقوف ضد هذه الفكرة. و حتى ذلك الحين يبدو ان أصوات العقل صعب أن تنافس نداءات المعركة و اتهامات الخيانة و أفراح النصر المزعومة.

لقد كان هناك من يعتقد أن الاعتدال و الإصلاح و العلاقات الجيدة مع الغرب يمثلون الطرق الأنجع لحل مشاكل العرب. ورغم ذلك فقد  قال بشار في مقابلة صحفية مع مجلة مصرية عام 2006, "ان صمود  جناح  المقاومة في لبنان و التغييرات التي نشهدها في العالم العربي, هو السبب فيما نراه من ان ملايين اليافعين العرب يلوحون بأعلام حزب الله, و هذا يثبت أن الأمة على حافة مرحلة جديدة من تاريخها".(37)  

ربما كان ذلك صحيحاً, و لكنها نفس سمات المرحلة القديمة, وقطعياً سيكون لها نفس النتائج. و في غضون ذلك, فان النظام السوري يتمتع بالاستقرار و الشعبية. ما لم يقم بخطأ رئيسي في تقديراته, انه موسم الربيع بالنسبة لبشار. 

*باري روبن : هو المشرف على المركز العالمي للبحوث الدولية (جلوريا), متخصص جامعي, مجلة الشرق الأوسط للشؤون الدولية . كتابه "حقائق حول سوريا" سوف يصدر عن دار بالجريف-ماكملان في ربيع 2007 . و آخر كتبه هي "الحرب الطويلة من أجل الحرية" و " الكفاح العربي من اجل الديمقراطية في الشرق الأوسط" .

 

NOTES

[1] Speech by Bashar al-Asad, Syrian Arab Television, August 15, 2006 . Translation in U.S. Department of Commerce, Foreign Broadcast Information Service (FBIS).

[2] Fouad Ajami, " Arab Road ," Foreign Policy, No. 47 (Summer 1982), p. 16.

[3] Christopher Andrew and Vasili Mitrokhin, The World Was Going Our Way (NY: Basic Books, 2005), p. 212.

[4] Speech by Bashar al-Asad.

[5] Speech by Bashar al-Asad.

[6] Quoted in the New York Post, September 3, 2006 .

[7] Tawfiq al-Hakim, The Return of Consciousness (NY: New York University Press, 1985), p. 50.

[8] Ibid.

[9] Text of UPI interview in FO371 E8124/951/31, August 16, 1947 .

[10] Al-Gumhuriya, October 7, 2001 . Translation in MEMRI, #289, October 19, 2001 , http://memri.org/bin/articles.cgi?Page=archives&Area=sd&ID=SP28901#_edn1.

[11] Speech by Bashar al-Asad.

[12] Tishrin, August 3, 2006 .

[13] Speech of March 5, 1946 . Text available at: http://www.fordham.edu/halsall/mod/churchill-iron.html.

[14] IRINN TV, February 1, 2006 . Translation in MEMRI, Clip #1019, http://www.memritv.org/Search.asp?ACT=S1.

[15] Sermon broadcast on Iranian channel one television, September 1, 2006 . Translation by MEMRI, http://www.memritv.org/search.asp?ACT=S9&P1=1261.

[16] Text in FBIS, November 8, 1979 .

[17] Al-Jazira television, October 7, 2001 .

[18] Interview on al-Jazira television, August 1, 2006 . Translation in MEMRI, No. 1217, August 1, 2006 ; Al-Jazira television, August 29, 2006 . Translation in MEMRI, Clip #129, http://www.memritv.org/search.asp?ACT=S9&P1=1255.

[19] Al-Ahram, August 14, 2006 .

[20] Al-Ahram, August 29, 2006 .

[21] "Yassir Arafat," Third World Quarterly, Vol. 8, No. 2 (April 1986); al-Anwar symposium of March 8, 1970, cited in Yehoshafat Harkabi, The Palestinian Covenant and its Meaning (London: Vallentine Mitchell, 1979); p. 12; Arafat statement, May 1969, International Documents On Palestine 1969 (IDOP), pp. 691-92.

[22] Andrew and Mitrokhin, The World Was Going Our Way, pp. 203-4.

[23] Al-Manar television, July 29, 2006 . Translation in MEMRI, #1224, August 1, 2006 , http://memri.org/bin/articles.cgi?Page=archives&Area=sd&ID=SP122406.

[24] Ibid.

[25] Interview, January 22, 1968 in IDOP 1968, p. 300.

[26] Filastin al-Thawra, January 1970, p. 8.

[27] Raphael Israeli, PLO in Lebanon : Selected Documents (London: Palgrave Macmillan, 1983), p. 31.

[28] The details are discussed in Barry Rubin, The Arab States and the Palestine Question (Syracuse: Syracuse University Press, 1982), pp. 187-88.

[29] Al Madina, August 31, 1982 , FBIS, September 9, 1982 .

[30] Muhammad Anis, "An interview with 'Isam Sartawi," al-Musawwar, March 25, 1983 ; Avner Yaniv, "Phoenix of Phantom? The PLO after Beirut ," Terrorism, Vol. 7, No. 3 (1984).

[31] Abu Kais, "Loving Life, Loving Death," in From Beirut to the Beltway, August 26, 2006 , http://www.beirutbeltway.com/beirutbeltway/2006/08/loving_life_lov.html.

[32] Associated Press, August 17, 2006 .

[33] "The Palestinian Problem in the Internal Political Report of the Extraordinary Regional Congress," March 10-27, 1966. Text in Abraham Ben Tzur, The Syrian Baath Party and Israel (Givat Haviva, 1968), p. 19.

[34] Ali Salem, "My Drive to Israel ," Middle East Quarterly, Vol. 9, No. 1 (Winter 2002), http://www.meforum.org/article/130.

[35] New York Times, March 12, 2001 .

[36] Al-Sharq Al-Awsat, February 8, 2001 . Translation in MEMRI, No. 49, February 16, 2001 , http://memri.org/bin/articles.cgi?Page=archives&Area=ia&ID=IA4901.

[37] Al-Usbua, August 14, 2006 .

http://meria.idc.ac.il/journal/2006/issue4/jv10no4a2.html


[1] ـ واضح أن النسب المئوية التي يطرحها الكاتب لا تعتمد على إحصاءات حقيقية. السنة في العراق مع الأكراد يشكلون 70% من السكان على الأقل.  أم السنة في سورية فيشكلون 80% من السكان على الأقل . المترجم

 

  السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ