ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 01/04/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ما وراء الانقسام السني الشيعي

بقلم: تشارلز كرين

مجلة التايم الأمريكية

ترجمة : قسم الترجمة / مركز الشرق العربي

إن التنازع و القتال بين الطوائف العراقية المتناحرة قد وصل الى مراحل سامة جداً, الى درجة أنه لوث الذاكرة المشرقة لأوقات التعايش الجيدة بين جميع الأطراف. في 31 أغسطس 2005 أدى الذعر و التدافع الذي حدث  بين الحجاج الشيعة على جسر الأئمة فوق نهر دجلة في بغداد الى قفز المئات من الحجاج الى النهر في حالة من ا لذعر والهلع. وقام العديد من شبان حي الاعظمية <السني > الذي يقع على الضفة الأخرى من النهر بالسباحة لإنقاذ هؤلاء الحجاج. و احد منهم اسمه عثمان العبيدي يبلغ من العمر 25 عاماً قام بإنقاذ 6 أشخاص قبل أن يشعر هو بالإعياء الشديد الذي عرضه هو شخصياً للغرق. وقد توفي ما يقرب من 1000 حاج شيعي في ذلك اليوم,  و لكن قادة الشيعة في حي الكاظمية على الضفة المقابلة للنهر أثنوا على التضحيات التي قدمها العبيدي و شجاعة أصدقائه . وقد أثبتت تضحيات العبيدي أن السنة لا يحملون نية سيئة تجاه جيرانهم الشيعة على الضفة الأخرى.

 

ولكن بعد 18 شهراً على ذلك, أحد الرجال الذين القوا بنفسهم في النهر لمساعدة الحجاج الشيعة قال بان العبيدي" أهدر حياته من اجل هؤلاء الحيوانات". حمزة موصلاوي رفض الحديث عن عدد الشيعة الذين أنقذهم بنفسه, قائلاً أن هذا الأمر يجعله يشعر بالعار. "لو رأيت طفلاً شيعياً على وشك الغرق في نهر دجلة فلن أقوم بمد يدي له لإنقاذه". و على الطرف الآخر في حي الكاظمية, كان كرار حسين يعبر الجسر عندما حصلت حادثة التدافع . و سألناه عن العبيدي فقال بعد أن امتعض وجهه :" إنها خرافة, هذا الشخص غير موجود في الواقع أبداً. لقد تم اختلاقه من قبل السنة لجعل أنفسهم يبدون بمظهر جيد, و عوضاً عن إنقاذ الناس ورمي أنفسهم في النهر, قام سكان الاعظمية بالضحك و الاحتفال و هم يرون الشيعة يتساقطون و يغرقون في النهر". 

 

إن هذا الجسر الذي يربط بين الحيين مغلق حالياً لدواع أمنية, لان الهوة قد اتسعت كثيراً بين الجيران على طرفي النهر. لقد أدى إطلاق قذائف هاون من خلف مقبرة أبي حنيفة في حي الاعظمية على الضفة السنية من النهر بالتسبب في مجزرة في سوق شعبي مكتظ في حي الكاظمية على الضفة الغربية للنهر. و أطلقت قذائف أيضاً من الجهة المقابلة على حي الاعظمية السني حيث سُمع دوي انفجار كبير في الحي السني أسُتقبل بهتافات الفرح من المصلين الشيعة الذين كانوا يُصلون عند مقام شيعي في حي الكاظمية.

 

ان هتافات الفرح هذه ما هي إلا إشارة واحدة تدل على مدى سوء العلاقة و الحقد الذي وصل في العلاقات بين السنة والشيعة و التي وصلت إلى الذروة عند تفجير المراقد المقدسة عند الشيعة في سامراء. ان إراقة الدماء لم تعد مقتصرة على المتطرفين من الجهتين. لقد تسرب الحقد والكراهية الى كل الشارع العراقي, حيث انتشر أولاً بين ضحايا العنف و عائلاتهم و مئات الآلاف من العراقيين الذين فقدوا أحباءهم وأعمالهم و بيوتهم بل وفقدوا أحياء بكاملها, و ثانياً انتشر الحقد في كل المجتمع العراقي.  ولا يقتصر الحديث الطائفي على الخطاب السياسي في المنطقة الخضراء فقط بل يتعداه الى الأحاديث العادية في البيوت و أماكن التسوق, حتى انه يثير روح الانتقام لدى الأشخاص الذين ليس لديهم شكاوى ملحة أو محددة و لم يتعرضوا لمضايقات واضحة. فلا الموصلاوي و لا حسين عانوا من مشاكل شخصية محددة, و لكنهم يعزفون على نفس الوتر الذي يحرك ويحفز العنف بين المسلحين الشيعة والسنة الجهاديين. يقول عباس فاضل و هو طبيب عراقي :" ان الجو أصبح مسمم بالطائفية, وجميعنا نتنفس من هذا الهواء. و هكذا فان الجميع يتكلم بنفس اللغة, سواء أكانوا مثقفين أو أميين, علمانيين او دينيين, عنيفين أو لا ".

 

و الأسوأ من ذلك, هو وجود إشارات على أن هذا الحقد الموجود في العراقي يلاقي صدى له في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط, ان الصراع الشيعي السني يتفاقم بشكل مضطرد و يتم إيقاظه بعد سبات طويل. في لبنان, يسعى أنصار و مؤيدو حزب الله للإطاحة بالحكومة. و التغني باسم مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي المسئول و مليشياته عن مقتل آلاف السنة في العراق.و في الدول العربية السنية مثل السعودية و الكويت ومصر هناك تعاطف مع السنة في العراق يرافقه خوف خصوصاً في الأوساط الرسمية  من امتداد المد و النفوذ الشيعي عبر الشرق الأوسط, و الذي يغذى و يدعم من قبل عدو العرب القديم: إيران.

 

بالنسبة للذين يراقبون المشهد العراقي من بعد فان قصص المجازر الطائفية اليومية تعتبر محيرة ومربكة له. لماذا يتقاتل السنة والشيعة؟ لماذا الآن؟ ان هناك تفسيرات عدة لشرح سبب توقيت الصراع, ان كل ذلك مرتبط بشكل رئيس في الأمور التي حدثت بعد سقوط صدام حسين: مثل السياسات الخاطئة التي اتبعتها أمريكا بعد الحرب و استفزازات الجهاديين الأجانب و التدخلات من قبل الميليشيات الشعبية مثل ميليشيا جيش المهدي التابعة لمقتدى الصدر و حمق السياسيين العراقيين ومؤخراً التدخل الإيراني في الشأن العراقي. و لكن الحقد المتقد في صدور أناس مثل الموصلاوي و حسين لديه أبعاد أقدم و أعمق من ذلك . انه نتاج سنوات من الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي و الذي فرض بالتعصب و الاضطهاد و عُزز بإراقة الدماء. ان الكراهية ليست معزوة الى الدين بالدرجة الأولى . فالسنة والشيعة قد يختلفون حول بعض الأمور المتعلقة بالعقيدة والتعاليم الإسلامية أو حول بعض تفاصيل التاريخ الإسلامي المبكر, ولكن هذه الاختلافات صغيرة فهم يتفقون على معظم الأشياء الرئيسة في الإسلام, مثل عصمة القرآن الكريم تبجيل و تقدير الرسول محمد. على الرغم من أن بعض المعلقين العرب يدعون أنه لا توجد إشارات على أن المتطرفين الشيعة يحاولون تحويل السنة عن مذهبهم , أو العكس. فانه بالنسبة للمقاتلين العراقيين على الطرفين كما يقول أستاذ التاريخ الإسلامي المعاصر في جامعة المستنصرية في بغداد غانم هاشم خضير:"ان لطائفة بالنسبة لهم لا تعني شيئاً إلا زياً رسمياً, و طريقة مناسبة لمعرفة الصديق من العدو,  ان الدافع الرئيس لهم ليس هو الدين و إنما التجربة التاريخية العامة: فالشيعة يرون أنفسهم مظلومين و يرون بأن السنة هم الذين مارسوا الظلم ضدهم".

ان السنة والشيعة يتقاتلون من أجل جائزة علمانية: السيطرة السياسية, ان الطوائف المتحاربة و كما يقول مسؤلون أمريكيون في بغداد هي "من أجل كسب أو استعادة السلطة" . ان أي محاولة لتهدئة الوضع في العراق من قبل الأمريكان أو العراقيين ستبوء بالفشل اذا لم تعرف الأسباب و الجذور الحقيقة للقتال بين هذه الطوائف ولتحفيز أشخاص مثل الموصلاوي و حسين للكلام الجارح عن بعضهم البعض. و ان التقاتل على السلطة في العراق سواء أدى الى نشوب نزاع طائفي في البلاد المجاورة للعراق أو لا, أدى الى إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة وان ذلك كله سيؤدي الى إحداث تغييرات كبيرة في الشرق الأوسط.

 

أولاً :بداية النزاع في التاريخ الاسلامي

إن الخلاف و النزاع قد بدأ في التاريخ الإسلامي عام 632 للميلاد, و ذلك بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة اذ انه توفي دون أن يسمي خليفة له لحكم المسلمين.  واعتقد بعض أتباع النبي محمد أن خلافة المسلمين يجب أن تستمر في سلالة النبي , وأن تبدأ بابن عمه و صهره علي بن أبي طالب. و لكن الغالبية الكبرى دعمت رفيق النبي محمد, أبو بكر الصديق والذي عُين خليفة للمسلمين بالفعل. و استلم علي بن أبي طالب الخلافة بعد أربعة من الخلفاء قبل أن يتم اغتياله عام 661 للميلاد من قبل أحد المنشقين قرب الكوفة, و هي مدينة تقع في العراق حالياً. وأصبح موضوع الخلافة مثار جدل من جديد بين المسلمين,  ولكنه في هذه المرة تحول الى نزاع حقيقي و رسمي. و دعمت غالبية المسلمين معاوية بن أبي سفيان الذي كان و الياً على سوريا وقتها, و كذلك ابنه يزيد. ولكن مؤيدي علي بن أبي طالب و الذين عرفوا باسم شيعة علي أو أنصار علي لم يوافقوا على ذلك و دعموا موقف الحسين ابن علي ليكون خليفة للمسلمين. و أدت المعركة التي التقى فيها الطرفان في كربلاء عام 680 للميلاد الى مقتل الحسين وقطع رأسه . و في نظر الشيعة فان الحسين شخص عادل و إنسان مظلوم وقف بوجه الظالمين. ان الذكرى السنوية لمقتل الحسين و التي تعرف باسم " عاشوراء" تعتبر من أكثر المناسبات حزناً عند الشيعة: فالمؤمنون الشيعة يتوجهون الى الشوارع و يضربون صدورهم و يبكون بحزن وأسى. و المؤمنون المغالون يقومون بجلد أنفسهم بالسيوف و الجنازير.

 

و تاريخياً فان الأشخاص الذين دانوا بالولاء لمعاوية و ذريته في الحكم عرفوا باسم السنة, و يعني ذلك أتباع السنة او طريق النبي محمد . ونظراً لان الخليفة في الدولة الإسلامية كان هو رأس السلطة السياسية و الدينية فان ذلك أدى الى جعل المسلمين السنة هم المسيطرون في أغلب الأحيان. و اليوم فان أكثر من 90% من المسلمين يتبعون المذهب السني. و لكن المذهب الشيعي عادة ما يجتذب أولئك الذين لديهم شعور بالقهر والظلم في دولهم.  و استمر الشيعة بتبجيلهم وتعظيمهم للأئمة عندهم, أو لورثة الرسول, و ذلك حتى الإمام الثاني عشر لديهم و هو "محمد المهدي" , والذي كان قد اختفى حسب اعتقادهم في القرن التاسع الميلادي في موقع الضريح في سامراء في العراق. و ان التيار السائد لدى الشيعة يعتقد بان المهدي مختف في مكان ما و سوف ينبعث أو يخرج في يوم غير محدد ليطبق العدالة من خلال حكمه في المنطقة.

 

لقد شكل الشيعة أغلبية في الدول حديثة التشكل في كل من العراق و إيران و البحرين وأذربيجان. و هناك أقليات شيعية في مناطق أخرى مثل السعودية ولبنان و باكستان.  وبشكل ملحوظ فان الشيعة يفوقون من حيث العدد أعداد السنة في دول شرق أوسطية المنتجة للنفط ليس فقط في العراق وإيران, بل ويمتد ذلك إلى شرق السعودية أيضاً. و لكن فيما عدا إيران فان السنة هم الممسكون بزمام السلطات السياسية حتى في المناطق التي كان الشيعة فيها يشكلون تعداداً سكانياً أكبر. (و لكن المكان الوحيد الذي حصل فيه عكس ذلك هو سوريا الحديثة, و التي يشكل فيها السنة أغلبية عظمى و لكن منذ عام 1970 فقد حُكمت سوريا من قبل فرقة صغيرة من الشيعة تسمى العلوية) .  و كما يوضح التاريخ الإسلامي فان الحكام السنة قد احتكروا السلطة و القوة و قاموا بإبعاد الشيعة عن الجيش و المناصب الحكومية, و لفترة كبيرة في التاريخ فان النخبة السنية الحاكمة عاملت الشيعة كمواطنين من الدرجة الثانية, و حرمتهم من العمل و من أخذ نصيب عادل من موارد الدولة.

 

لقد استخدم الحكام حججاً دينية لتبرير ظلم الشيعة, فالشيعة كما يقولون ليسوا مسلمين حقيقيين بل هم زنادقة. وقد ابتكرت هذه الحجج من اجل راحة الحكام السياسية و لكنها أدت الى تأسيس و ترسيخ التحيز في التاريخ الإسلامي. لقد شبه السنة تبجيل و توقير آل بيت النبي و الولع بتصوير الأئمة على أنها عودة الى عبادة الأصنام و الأشخاص. ان الطقوس الشيعية و خصوصاً طقس جلد الذات خلال عاشوراء قد تم الاستهزاء بها و كأنها عبادة للأوثان. و قام الكثير من الحكام بمنع مثل هذه المظاهر و الاحتفالات خوفاً من تحول هذه الجموع الكبيرة الى انتفاضة شعبية سياسية في وجه الحكومات. ( فقد تم منع الاحتفال بعاشوراء طيلة فترة حكم صدام و تم الاحتفال بها بعد سقوط النظام عام 2003). يقول و الي ناصر وهو عضو في المجلس الأعلى للعلاقات الخارجية و مؤلف كتاب : "كيف سيشكل الصراع الداخلي في الإسلام المستقبل": " بالنسبة للشيعة فان الحياة تحت حكام سنة أشبه بحالة من التمييز العنصري".

 

و لكن حالات الظلم في التاريخ كانت متفاوتة. فالخلفاء السنة في بغداد تسامحوا بل و ساهموا أيضاً في تطوير كل من النجف وكربلاء كمنارات للعلم بالنسبة للشيعة. و آيات الله الشيعة لطالما امتنعوا عن مواجهة النخب السنية الحاكمة. وسُمِح لمزارات الأئمة الشيعة في كل من النجف وكربلاء و سامراء أن تصبح محجاً للشيعة من كل مكان.

 

لقد ساءت العلاقة بين الطوائف الإسلامية خلال القرن السادس عشر الميلادي. حيث حُول مركز الخلافة و القوة بالنسبة للسنة الى استانبول. حينما قام العثمانيون السنة بخوض سلسلة من المعارك مع الشيعة الصفويين من بلاد فارس, حيث وقع العرب في وسط هذا القتال إلا أنهم أجبروا في بعض الأحيان الى الانحياز الى طرف دون آخر. ومنذ ذلك الحين زُرعت بذور الطائفية في العالم الإسلامي و لا تزال آثارها مستمرة الى اليوم, و لا يزال العرب السنة ينظرون بازدراء الى الشيعة ويصمونهم بالفرس أو الساسانيين. وفي نهاية المطاف فقد استطاع العثمانيون بسط سيطرتهم على معظم العالم الإسلامي وقاموا بفرض المذهب السني في هذه البلاد. و لم تقم بريطانيا الاستعمارية  القوة التالية في الشرق الأوسط بفعل أي شئ للتغيير من هذه المعادلة. و قاموا بتسليم البلاد الناشئة حديثاً مثل العراق و البحرين الى أنظمة ملكية سنية على الرغم من وجود أغلبية شيعية في كلتا البلدين.

 

ثانياً: إرث صدام

وعندما قام صدام حسين بفرض القوة في بغداد عام 1979, كان الشيعة يتمتعون بمساواة معقولة مع السنة من قبل الحكام الذين حكموا العراق لعقدين من الزمان. و بعد ذلك وفي عام 1979 قامت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الخميني. و خوفاً من انتقال العدوى الى العراق فقد أمر بصدام باستعادة بعض الظلم الذي كان يُمارس على الشيعة من قبل و أمر بتصفية أهم شخصية دينية في العراق في ذلك الوقت و هو :"آية الله محمد باقر الصدر" والد مقتدى الصدر. لقد شكل الشيعة غالبية عدد الضحايا الذين قتلوا في الحرب العراقية الإيرانية من عام 1980 الى 1988 , و لكن وبعد انتهاء الحرب فقد تقلد الشيعة كثيراً من المناصب المهمة في الجيش والدولة العراقية. و مع هزيمة جيش صدام عام 1991 في حرب الخليج رأى الشيعة أن الفرصة مواتية لعمل انتفاضة و ثورة ضد صدام. و لكنهم لم يتلقوا أي دعم من قوات التحالف, و استطاع صدام أن يسحق تلك الانتفاضة. و حسب بعض التقديرات, فقد قُتل أكثر من 300000 شيعي و دفن الكثير منهم في مقابر جماعية. و في المدة الباقية من حكمه فقد سيطر صدام على الشيعة سيطرة محكمة. و قتل العديد من رجال الدين الشيعة بمن فيهم والد مقتدى الصدر. كما و أمر صدام بقتل العديد من رجال الدين السنة أيضاً, و لكن هناك فرق كبير بين الأمرين. يقول والي ناصر:"عندما يأمر صدام بقتل شخص ما من السنة فان الموضوع يكون شخصياً, لأن ذلك الشخص قد قام بعمل ما, ولكن عندما يقوم بقتل الشيعة فانه يفعل ذلك دون تمييز. و هو لا يحتاج الى سبب معين ليقوم بذلك, فمجرد كون الشخص شيعياً فان ذلك يكفي". 

 

وبشكل ملحوظ, و على الرغم من اختلال التوازن في السلطة السياسية و الإرث القديم من الظلم , فقد قام العديد من العراقيين بتطوير علاقات شخصية و اجتماعية مختلفة بين الطوائف.  ففي بغداد و مدن أخرى فان الأحياء التي بنيت في العهود الجديدة كانت تتمتع بخليط من هذه الطوائف. فسكان الاعظمية و الكاظمية كانوا يستطيعون التواصل مع بعضهم رغم وجود نهر دجلة. محمد الشمري و هو أستاذ لغة عربية يتذكر بكثير من الولع الأمسيات التي كان يقضيها مع أصدقائه في الكاظمية و التي عادة ما تُتبع بالعشاء و من ثم الذهاب الى الاعظمية حيث كانت المطاعم والمحال التجارية تُبقي أبوابها مفتوحة الى أوقات متأخرة من الليل. يقول الشمري :" لا احد كان يسألنا ما اذا كنا سنة أم شيعة, و لم نكن نفكر بأن نسأل بعضنا هذا السؤال. فلقد كان لدي أصدقاء لا ادري بأنهم شيعة إلا مؤخراً" . لقد كان شائعاً بين الأوساط المتحضرة والمثقفة بأن السؤال عن الطائفة هو أمر لا يليق, و على الرغم من ذلك فان هناك طرقاً أخرى لاكتشاف ذلك. فبعض الناس المذكورين في هذه المقالة لم يوافقوا على مقابلتهم إلا بعد تغيير أسمائهم الحقيقية. ان هناك العديد من القبائل العراقية تحتوي على عشائر مختلطة الطوائف. و لقد كان الزواج ما بين السنة والشيعة منتشراً بشكل كبير بين الناس و خصوصاً في الأوساط المثقفة و المتحضرة. ففي شتاء عام 2002 و عندما قام "فاتح" وهو تقني كمبيوتر شيعي بطلب يد صديقته زهراء السنية من والدها لم يكن هناك أي تردد في الموافقة على ذلك, وتم الزواج قبل أيام قليلة من بداية الحرب. تقول زهراء :"ان العديد من الضيوف الذين حضروا الحفل كانوا هم أنفسهم خليطاً من الشيعة والسنة".

 

وبعد مضي سنتين على سقوط نظام صدام كانت تلك الروابط بين السنة والشيعة كافية لإبعاد شبح الحرب الطائفية عن الساحة. و لكن في الحقيقة فقد كان هناك بعض الاستفزازات : فالمجموعات السنية مثل القاعدة برئاسة أبو مصعب الزرقاوي بدأت بسلسلة من التفجيرات ضد أهداف شيعية. ولكن كان هناك بعض المتطرفين الشيعة فضلاً عن المتمردين السنة يقومون بعمليات ضد الجيش الأمريكي و حلفائه. فعندما قام جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر بثورته ضد الأمريكان في صيف عام 2004 فقد كان مدعوماً من بعض المسلحين السنة. كما أن بعض مقاتلي جيش المهدي انضموا للمقاتلين السنة في معركة الفلوجة. وقد قدم مقتدى الصدر نفسه على أنه المدافع عن العرب وحقوقهم, و ليس عن الشيعة فقط. حتى أن بعض رجال الدين من السنة المتشددين و بعض المثقفين السنة احتفوا بالرجل ووصفوه بالبطل المقدام؛ وقد تكلم بعض السياسيين السنة عن وجود تحالف سياسي مع جيش المهدي.

 

ثالثاً: الانفجار الداخلي:

ولكن المشاكل والاضطرابات بدأت بالظهور بين السنة والشيعة مع الانتخابات التي أجريت عام 2005. فالمجموعات السنية بغالبيتها قد قاطعت هذه الانتخابات, مما أعطى الفرصة للأحزاب الشيعية باكتساح السلطة في العراق. ولكن تعامل  الحكومة الجديدة التي يقودها الشيعة بأسلوب معاند ومتعجرف بعض الشئ مع السنة قد أدى الى إشعال جذوة الامتعاض السني من هذه التصرفات.  وكان المصدر الرئيسي لهذا الامتعاض هو التوظيف الكبير لأعضاء الميليشيات الشيعة في مجال الأمن و الجيش والشرطة, وقد قام هؤلاء الشيعة باستخدام الحصانة التي أعطيت لهم و التستر خلف زيهم الرسمي للانتقام من السنة بسبب أحقاد وضغائن قديمة. وعلى اثر ذلك قام المسلحون السنة بزيادة هجماتهم بالقنابل والسيارات المفخخة ضد الشيعة, مما أقنع الشيعة بان الطبقة الحاكمة السابقة لن تقبل أي تخفيض أو انتقاص من وضعها السابق في الحكم. و في ذلك الوقت فقد نجح السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاد بإقناع الأحزاب السنية بالمشاركة في الانتخابات العامة الثانية التي جرت في ديسمبر 2005, ولكن الطائفتين السنية والشيعية كانتا على مسافة بعيدة من بعضهما البعض.

 

ثم جاءت حادثة تفجير المراقد في سامراء, و قد حملت هذه الحادثة بصمات أصابع أبو مصعب الزرقاوي, ولكن السنة في العراق كانوا هم الذين سيدفعون الجزء الأكبر من ضريبة الدم نتيجة لهذه العملية الإرهابية. بالنسبة لمعظم الشيعة فقد كانت هذه العملية أكبر من مقدار تحملهم. ومن ثم فقد التفتوا الى الميليشيات الشيعية مثل جيش المهدي لينتقموا لهم من تدنيس هذه المراقد, و انفلتت تلك الميليشيات من عقالها , وقاموا بمجازر كبيرة ضد السنة وهاجموا المساجد السنية بشكل عشوائي. وبعد هذه الهجمات الفوضوية و العنيفة بدأت الميليشيات تقوم بأعمال أكثر تنظيماً كعمليات الخطف و الإعدام اليومي. وقد حملت أجساد ضحاياهم آثار تعذيب حشي وقد تم رمي الجثث في معظمها في مكبات القمامة. وعلى اثر ذلك قامت المجموعات الجهادية بالرد بالمثل . القوات الأمريكية بدورها قامت بنقل الكثير من المسؤوليات الأمنية الى الجيش والشرطة العراقية, و لكنهم أثبتوا عدم قدرتهم على إيقاف عمليات القتل. و الأسوأ من ذلك أنهم اتهموا بالاشتراك أو التغاضي عن عمليات القتل تلك. وطبعاً الى جانب الميليشيات. وفي الخريف الماضي قامت القوات الأمريكية و العراقية بعمليتين أمنيتين و لكنهما فشلتا في إيقاف إراقة الدماء في العراق.

 

وقد جاء إعدام صدام نقطة إشعال جديدة تضاف الى سلسلة النقاط السابقة في العراق. فحتى السنة الذين لديهم تعاطف قليل مع صدام أثارهم الموعد الذي اختارته الحكومة العراقية لعملية الإعدام و الذي تصادف في الساعات الأولى لعيد الأضحى عند المسلمين (و الذي يحتفل فيه السنة بيوم قبل الشيعة). وقد بدا اختيار ذلك الموعد على انه إشارة من الحكومة الشيعية المسيطرة بأن مسلسل الإذلال مستمر. يقول المحلل السياسي كاظم المقدادي :" لقد كانت تلك طريقته لإخبارنا بأنهم هم المسئولون الآن وانه حتى الأيام المقدسة عندنا ليس لها معنى على الإطلاق بعد اليوم, في ذلك الصباح قٌطع أي أمل لدي بأن الأمور ستتجه نحو الأفضل".

 

و لكنه في الحقيقة ليس الشخص الوحيد الفاقد للأمل. فلقد استشرت المشكلة الطائفية حتى في الأحياء المختلطة. فحيث تتواجد أغلبية شيعية ترى ان العائلات السنية قد غادرت خوفاً من الموت. وقد رد السنة بممارسة عمليات التطهير الطائفي في أحيائهم. و من الملاحظ أن كثيراً من العائلات السنية من الطبقات المتوسطة والعليا قد هاجرت من العراق؛ وتضم الأردن وسوريا لوحدهما حالياً أكثر من 2 مليون عراقي مُهجر. ومن الملاحظ أيضاً ان الزواج المتبادل بين الطرفين قد أصبح أقل شيوعاً عن السابق. فوالد زهراء رفض رفضاً قاطعاً أن يقوم بتزويج ابنته الثانية من شيعي كما فعلت ابنته الكبرى من قبل.  تقول زهراء مدافعة عن والدها :"انه نفس الشخص, و لكن الظروف من حوله قد اختلفت. فإذا سمح بزواج ابنته من شيعي فان الموضوع سيكون محل تساؤل من الناس".

 

رابعاً : الحرب الأوسع

ان الحرب في العراق ما بين السنة والشيعة قد لا تبدو أحياناً أكثر من سلسلة من المناوشات الصغيرة في الأحياء مثل الاعظمية والكاظمية. فليس لدى المتصارعين في الغالب أي تصور لخطة أكبر من تلك المناوشات. ولكن العالم الإسلامي يميل الى التركيز على الصورة الأكبر. فالشيعة حالياً مسيطرون في العراق,و إيران هي القوة التي تقود الشيعة في العالم. وهكذا فانه في معظم العواصم العربية يسود الاعتقاد بأن إيران هي المسئولة عن الحرب الطائفية في العراق. أضف الى ذلك طموحات أحمدي نجاد النووية والدعم اللامحدود لحزب الله في لبنان و كذلك دعمها لحركة حماس في فلسطين, وعلى ذلك فان انخراط إيران في الشأن العراقي ما هو إلا دليل للقادة العرب بأن منافسيهم القدماء من الفُرس مصممون على إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يوافق مصالحهم.

 

وفي مستهل عام 2004, حذر الملك عبدالله الثاني ملك الأردن من "هلال شيعي" يمتد من إيران الى العراق و سوريا ومن ثم لبنان. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تتلقى دعماً كاملاً من أمريكا إلا أنها في نظر الكثير من العرب ما هي إلا امتداد للنفوذ الإيراني في المنطقة. وقد بدأ القادة العرب السنة بالحديث بشكل علني سواء في خطاباتهم أو في أحاديثهم عن الخطر الشيعي بشكل عام و عن إيران بشكل خاص. فالرئيس المصري حسني مبارك قال عام 2006 :"ان ولاء الشيعة في معظمهم هو لإيران و ليس للبلد التي يعيشون فيها". ولكن وبعد عاصفة من النقد والاحتجاجات من العراق ومن أماكن أخرى ادعى مبارك أنه كان يقصد الأمور الدينية فقط. . وفي الأراضي الفلسطينية ذات الأغلبية السنية وصفت حركة فتح حماس بأنها منظمة شيعية بسبب الدعم الذي تتلقاه من إيران. وفي يناير من هذا العام صرح الملك السعودي لصحيفة كويتية بأنه أخبر مبعوثاً إيرانيا بأن إيران تتدخل في الشأن العراقي و تهدد أمن المنطقة. وقد اتهم الملك عبد الله ملك السعودية إيران بأنها تسعى للتبشير بالمذهب الشيعي في البلاد السنية. 

 

في الحقيقة فان الطرفين يتحملان مسئولية تصعيد التوتر. ان القادة الوهابيين المتطرفين يُدعمون عادة من قبل أفراد من العائلة الملكية الحاكمة في السعودية وهم يساهمون بشكل كبير في العنف الطائفي عبر تبشيرهم بالمذهب السني المتشدد (السلفية) و الذي يدين جميع أشكال التجديد ويعتبرها نوعاً من البدع والضلال. في باكستان فان المسلمين المعتدلين يلقون اللوم على المدارس التي تدرس الفكر الوهابي وكذلك على الممولين الإيرانيين الذين يدعمون المتطرفين الشيعة هناك  في ازدياد وتيرة العنف الطائفي و الذي حصد أرواح ما يزيد عن 4000 شخص خلال العقدين الماضيين. وفي الهجوم الأخير قام ثلاثة انتحاريين متفرقين بتفجير أنفسهم خلال احتفالات عاشوراء عند الشيعة مما أدى الى مقتل 21 شخص. و في لبنان ارتفعت حدة التوتر الطائفي بعد سنوات من الهدوء النسبي.  حزب الله الشيعي تلقى التبريك و التهنئة من السنة و ذلك عند انسحاب القوات  الإسرائيلية من الجنوب اللبناني عام 2000, ولكن وبعد حادثة اغتيال رفيق الحريري عام   2005 بدأ الصراع مابين الطائفتين يشتد . فقد ألقى السنة اللوم على حزب الله و الحكومة السورية في حادثة الاغتيال. . ومع أن هناك الكثير من النقد كان قد وجه الى حزب الله بسبب استفزازاته التي أدت الى الحرب الأخيرة إلا أن كثيراً من السنة وقفوا مع حزب الله في تلك الحرب. ولكن ومع نهاية العام الماضي فان التعاطف الذي أبداه السنة مع حزب الله قد ذهب أدراج الرياح عندما قاد حزب الله حملة للإطاحة بحكومة الصديق الحميم للحريري "فؤاد السنيورة".

 

أما بالنسبة للعراقيين السنة فقد لعبوا دوراً مهماً في إثارة القلق حول الدور الإيراني في المنطقة. وقد قام السياسيون السنة بلعب هذا الدور أملاً بان يقوم العرب بالضغط على الحكومة العراقية الحالية من أجل أن تقوم بإعطائهم دوراً سياسياً أكبر في حكم العراق. يقول محمد بشار الفيضي المتحدث باسم هيئة علماء المسلمين :"إذا لم يتحرك العالم العربي لمساعدتنا فإنهم سيجدون إيران على حدودهم, و في سبيل الاستقرار الداخلي في المجتمعات الإسلامية فان هذا الوحش يجب ان يتم إيقافه وتدميره في العراق". و بالنسبة لقادة المجموعات الإرهابية, فان التخويف من انتشار الشيعة في المنطقة هو مبرر جيد من اجل حشد الدعم وجمع التبرعات لمقاومة هذا الامتداد الشيعي. وتقوم الشاشات العربية عبر العالم العربي باستضافة المتطرفين السنة حيث يقومون بتأجيج مشاعر الجمهور عبر اتهامهم للفرس بممارسة التطهير الطائفي ضد السنة في العراق. في شهر يناير أعلن محرر في جريدة الأهرام المصرية ذات الانتشار الواسع :"ان ايران تسعى الى نشر مذهبها الشيعي في الدول التي ليس لديها حتى أقلية شيعية". و بالمقابل فان ايران تتهم علماء السنة بأنهم يصدرون الفتاوى التي تسمح بقتل الشيعة أينما كانوا .

 

خامساً: الصدع غير القابل للرأب:

ان معظم العراقيين محاصرون بالرعب اليومي و ليس لديهم الوقت الكافي للقلق على مشاكل العالم الإسلامي . ان الذين يستطيعون أن ينظروا الى الماضي يخشون من أن العنف الحاصل في الواقع العراقي هو أمر مخيف لأن أجيال هذه الأيام قد تحمل العنف الى المستقبل. و مع تكاثر القتل بين الطرفين فان الشعارات القومية والعلمانية التي كانت تدرس في مدارس العراق قد فقدت معناها وحيويتها. تقول عائشة عبيد السنية ذات ال26 سنة و التي تعمل كمساعد طبيب و التي كان زوجها الراحل شيعياً :" عندما كنا صغاراً علمنا أهلنا أن الشيعة لديهم أفكاراً خاطئة عن الإسلام فقط وهم أناس ضالون فقط وليسوا أشخاصاً سيئين, ولكني في هذه الأيام أسمع أخوتي و أخواتي يقولون لأولادهم ان هؤلاء الناس قد قتلوا عمنا و أبناء عمنا الاثنين وسرقوا بيوتنا." ابنها محمد صاحب ال8 سنوات رجعاً في يوم من الأيام غاضباً من المدرسة وصرخ في وجه أمه :"لماذا تزوجت من شخص كافر؟". تعيش عائشة الآن مع أخوتها  الثلاثة و عائلاتهم. وفي شهر نوفمبر الماضي انتقلوا جميعاً من حي الشعلة ذي الغالبية الشيعية الى حي الاعظمية. تقول عائشة :"عندما رحلنا من الحي قام بعض جيراننا بالبكاء علينا ووعدوا أن يحمونا بأرواحهم. و لكن في اليوم التالي احتلت عائلة شيعية بيتنا, و لم يقم أي شخص بإيقافهم". وتقول عائشة أنها ربت أبنها محمد على أنه شيعي وذاك احتراماً لوالده. ولكن الآن و كما تقول :" ان ذلك قد يؤدي الى كارثة". وتقول أيضاً ان حيها الجديد أكثر أمانا لها طالما هي في بغداد.

 

ولكن هل ستبقى أمور عائشة على هذا النحو؟ مع الكثير من الحظ, فان عملية "فرض القانون" التي تقوم بها القوات الأمريكية  و العراقية تطبيقاً لإستراتيجية بوش الجديدة في العراق سوف تساهم في الحد من الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة و سوف تعطيهم الفرصة ليبدؤوا صفحة علاقات جديدة. وإذا سارت أمور الخطة كما يجب فان الحكومة العراقية سوف تقوم باستغلال فترة الراحة هذه من أجل خلق فرص عمل جديدة للمواطنين و لدعم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء. و اذا استطاعت الحكومة عمل ذلك, فانه وكما يقول السياسي الشيعي أبو فراس السعيدي:" ان الناس لن يكفوا عن قتل بعضهم البعض فوراً ويصبحوا أصدقاء من جديد, و لكن على الأقل اذا انشغلوا في العمل و جمع الأموال فان ذلك سيتيح لهم نسيان الماضي ومشاكله". ووفقاً لهذه النظرة التفاؤلية فان فرق الموت والميليشيات المختلفة لن تنقل عملها إلى خارج بغداد حيث التواجد الأمريكي أقل, وان أي مكسب أمني في بغداد سيتم نشره بسرعة كبيرة إلى المناطق الأخرى.

 

ان تصور أن هذه الأمور قد تحدث هو أمر معقول. فمنذ بداية عملية "فرض القانون" في 14 فبراير نستطيع ملاحظة ان هجمات الميليشيات الشيعية ضد السنة قد تناقصت نوعاً ما. و السيد مقتدى الصدر أصدر أوامر لجيشه بالهدوء و تجنب المواجهة المباشرة مع الأمريكيين. و يسود اعتقاد أن الصدر نفسه وبعضاً من كبار معاونيه قد سافروا إلى إيران. ولكن الغالبية يعتقدون أنه سيرجع قريباً. يقول رجل الدين الشيعي "حسين المؤيد" :"ان الصدر ينحني للريح فقط لأنه على يقين أن مقاتليه لا يستطيعون مواجهة الأمريكان, و لكنه يعرف حق المعرفة أن القوات الأمريكية ستغادر وباستطاعة جيش المهدي أن يحتمل الانتظار". و لكن الجهاديين من السنة واصلوا حملة تفجيراتهم على الرغم من العملية الأمنية, وإذا استمروا في مهاجمة الأحياء الشيعية فانه من المرجح ان جيش المهدي سيعود من جديد للقتال.

 

ان الوقت مبكر للقول أن العملية الأمنية الجديدة سوف تحد من التوتر الطائفي في العراق.  يقول المحلل السياسي "تحسين الشيخلي" : " ان هناك العديد من الطرق التي قد تؤدي بهذه العملية الى طرق خاطئة, لقد رأينا العديد من الخطط الأمنية تؤول الى الفشل ولذلك ليس لدينا ثقة بهذه الخطة". رئيس الوزراء نوري المالكي وهو محارب شيعي قديم أظهر نفاذ صبره على الشكاوى السنية وفشل لحد الآن في عقد أي مؤتمر للمصالحة لشاملة في العراق. و على الرغم من قدرته على الإقناع بأن الخطة الأمنية في طريقها الى النجاح إلا أن الفرصة تبقى قائمة بتداعي هذه الخطة الأمنية, وذلك بسبب فشل السنة والشيعة في التوصل الى حل سياسي وسط وعدم تخفيض عدد القوات الأمريكية في العراق و الذي سيحدث يوماً ما.

 

وبعد كل ذلك فان أبواب الجحيم ستبقى مفتوحة. ان العراق بلد يمتلك كل بيت فيه نوعا من أنواع السلاح على الأقل. وإذا لم يحدث تقارب سني-شيعي فان أعداد القتلى سترتفع بشكل كبير و ستتدخل الدول المجاورة للعراق في الحرب, وستقوم إيران بدعم الميليشيات الشيعية, و الدول العربية ستدعم السنة. ان مثل هذه الحرب قد تستمر الى العديد من السنوات, وسينقسم كل مجتمع طائفي الى مجتمعات أصغر تقاد من قبل لوردات الحرب. وفي بغداد سيصل التطهير الطائفي الى نتيجته المنطقية النهائية: مدينة شيعية في الشرق ومدينة سنية في الغرب.

 

وإذا آلت الأمور الى تلك المرحلة, فإننا لن نجد أي نقاط اتصال أو جسور تقنع سكان الاعظمية والكاظمية أنه كان لديهم حلم مشترك واحد. و سينظر الموصلاوي و حسين الى عام 2005 حيث سيجدون ماضياً مغايراً للحاضر, و لذلك فانه على السنة والشيعة في العراق إعادة التأمل في المستقبل الذي لن يستطيعوا أن يتشاركوا فيه.

 

في الحقيقة فانه لا يمكن ان يكون هناك تركة أو تراث أكثر مرارة من قرار إدارة بوش الحاسم بدخول الحرب في العراق.

http://www.time.com/time/magazine/article/0,9171,1592849-1,00.html

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً

 

  السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ