ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
هل من الممكن أن يكون هناك "ديمقراطية
إسلامية"؟ بقلم:
دافيد بوكاي منتدى
الشرق الأوسط MEF
- ربيع 2007 ترجمة
: قسم الترجمة / مركز الشرق
العربي هل يوجد توافق ما بين الاسلام و
الديمقراطية؟ إن هناك الكثير من
الأدبيات التي تناقش بأن
الاسلام يمتلك المكونات
الرئيسة للمجتمع والدولة
الحديثة. كثير من المفكرين
والمثقفين المسلمين يحاولون
الإثبات بأن الاسلام يحتوي على
القيم الديمقراطية الأساسية.
ولكن وبدلاً من أن يكونوا هم من
يقود النقاش فإنهم عادة ما
يكونون تابعين وليسوا مبادرين,
ويستدلون في تحليلاتهم بمراجع
لباحثين غربيين من الذين
ابتعدوا عن الأساليب التقليدية
للاستشراق الى مستشرقين
ودارسين معاصرين مثل ادوارد
سعيد, ويقومون بلي عنق الأدلة
لكي تتناسب مع نظرياتهم. ولكن لم
كل هذه الجهود؟
بالنسبة للباحثين الغربيين,
فان الإجابة تعتمد على جانبين
جانب سياسي وجانب يتعلق بالرغبة
في إسعاد شريحة عريضة من
الجمهور في الشرق الأوسط, أما
بالنسبة للإسلاميين فان الهدف
من ذلك هو إزالة الشبهات حول
طبيعة و أهداف الحركات
الإسلامية مثل حركة الإخوان
المسلمين وربما حتى حركة مثل
حزب الله. التبرير الغربي: بعض الباحثين الغربيين يؤيدون
ما يذهب إليه الإسلاميون في
ادعائهم بأن الديمقراطية
البرلمانية و الانتخابات
التشريعية لا تتناغم مع الشريعة
الإسلامية فحسب بل ان الاسلام
يؤيد ويدعم الديمقراطية. وهم
يقومون بذلك بإتباع إحدى هاتين
الطريقتين : فهم إما يقومون
بتطويع التعاريف ليجعلوها
تناسب أدوات الحكومة الإسلامية,
ان مصطلحات مثل الديمقراطية
تصبح قريبة جداً أو أنهم
يقومون بإخضاع حقيقة الحياة في
البلاد الإسلامية من أجل أن
تناسب نظرياتهم.
ومن أهم هؤلاء المؤيدين
لفكرة أن الاسلام يتناغم
ويشجع الديمقراطية هو الباحث
المعروف "جون اسبوزيتو"
مدير مركز الوليد بن طلال
للحوار الإسلامي – المسيحي في
جامعة جورج تاون, قد ألف
أسبوزيتو ما يربو عن 30 كتاباً
حول الاسلام والحركات
الإسلامية. وقد بنى اسبوزيتو
والباحثين الذين معه دراساتهم
على فرضيات متحيزة ومبتذلة مثل
أن "للديمقراطية معاني
متعددة ومختلفة"(1), أو أن "كل ثقافة سوف تنشئ
مفهومها الخاص والمستقل حول
الحكومة الديمقراطية"(2) أو أن
هناك إمكانية "لتطوير
ديمقراطية دينية"(3)
. يقول
السيد اسبوزيتو بان "الحركات
الإسلامية قد استوعبت الخطاب
الديمقراطي و أضفت عليه مسحة
ذاتية من خلال مفاهيم (الشورى) و
(الإجماع) و (الاجتهاد) "(4),
وخلص من ذلك الى أن الديمقراطية
موجودة بالفعل في العالم
الإسلامي, "سواء أكانت كلمة
ديمقراطية بحد ذاتها مستخدمة أم
لا". (5) وإذا
كان ما يقوله أسبوزيتو صحيحاً,
فلماذا لا تظهر الديمقراطية
بوضوح و جلاء في الوطن العربي؟
ان الدول العربية تقبع في أسفل
القائمة بالنسبة للدول التي
تطبق الديمقراطية(6). ان اسبوزيتو
يتبنى معتقدات ادوارد سعيد بأن
الباحثين الغربيين يتبنون
معايير متحيزة في الأصل
وينتقدون الباحثين الذين
يطلقون الأحكام على الحركات
الاسلامية دون الاحتكاك
المباشر أو التجربة المسبقة مع
هذه الحركات الاسلامية (7)
و أولئك الذين لديهم تحيز
علماني واضح ضد الإسلام. (8) على
سبيل المثال, في كتاب "الإسلام
والديمقراطية"(9) يتساءل اسبوزيتو
وجون فول مؤلفا الكتاب عن
المحاولات الغربية لاحتكار
مفهوم الديمقراطية ويقولان ان
هذا المصطلح قابل للتغيير
باختلاف الزمان و المكان.
ويضيفان بان كل ثقافة تستطيع
قولبة نموذج مستقل حول الحكومة
الديمقراطية, وهذا النموذج
المستقل قد يتناسب وقد لا
يتناسب مع المفهوم الغربي
الليبرالي للديمقراطية. (10) في
الحقيقة فانه يمكن لاسبوزيتو
وزملائه أن يقدموا نموذجاً
ديمقراطياً يتناسب مع الإسلام
ولكن بعد أن يقوموا بإفراغ
الديمقراطية من معناها الأصلي
الذي طوره أفلاطون وأرسطو في
اليونان القديمة كذلك بعد تجاهل
جهود أشخاص مثل توماس جيفرسون
وجيمس ماديسون من القرن الثامن
عشر في أمريكا. و بينما تنتشر أفكار وأطروحات
اسبوزيتو في مراكز الدراسات
الموجودة في الشرق الأوسط, فان
منظري الديمقراطية يميلون إلى
رفض هذا النوع من التقريب الذي
يقوم به اسبوزيتو. ومن هؤلاء
لاري دايموند محرر "مجلة
الديمقراطية" و ليوناردو
مورلينو المتخصص في السياسات
المقارنة في جامعة فلورنس, وهما
يقولان أن هناك 7 أشياء رئيسة
يجب أن تتواجد في أي ديمقراطية
لتكون صحيحة , و هي : 1-الحريات
الفردية والمدنية2-حكم القانون.3-
أن السلطة في النهاية هي
للشعب4-تساوي جميع الناس أمام
القانون5-المسئولية
الحكومية الأفقية والعمودية6-شفافية
نظام الحكم أمام الشعب7-تساوي
الفرص أمام جميع أفراد الشعب. (11). ان هذا المدخل مهم جداً, لأنه
يركز على الحريات المدنية و
حقوق الإنسان وحريته بدلاً من
الاعتماد على الانتخابات و
المؤسسات الرسمية للدولة.(12) لقد تجاهل اسبوزيتو هذا المدخل
الأساسي للديمقراطية و عوضاً عن
ذلك قام باستلهام أفكاره من
رجال مثل الفيلسوف الهندي محمد
إقبال (1877-1938), و القائد الديني
السوداني حسن الترابي (1932-),
وعالم الاجتماع الإيراني علي
شريعتي (1933-1977), و الرئيس
الإيراني السابق محمد خاتمي
(1943-), الذين قالوا بأن الاسلام
يقدم إطارا يجمع فيه
الديمقراطية مع الروحانيات من
أجل معالجة الخواء الروحي
المزعوم لدى الديمقراطيات
الغربية (13).
وهم يؤكدون ويصادقون على رؤية
خاتمي للموضوع التي تتضمن أن
الديمقراطية لا تحتاج إلى صيغة
معينة واحدة لتطبيقها و يمكن
تطبيقها في الأنظمة الاجتماعية
أو الدينية المختلفة و ليس
بالضرورة أن تطبق في الأنظمة
الليبرالية فقط؛ وهم يتبنون
مفهوم المفسر الهندي المهم
والمعروف أبو الأعلى المودودي
حول "نظرية الديمقراطية" (14) التي تحتوي حسب نظرته على
ثلاثة مبادئ أساسية هي : توحيد
الله و الرسالة والخلافة , وهي
المبادئ الأساسية للنظام
السياسي الإسلامي. ولكن المودودي يقول بأن أي شكل
من أشكال الحكم الإسلامي يجب أن
يقبل بسيادة الشريعة الإسلامية
على جميع الأنظمة والديانات
الموجودة(16) وهذا
ليس شكلاً من أشكال الديمقراطية,
إذا أخذنا بعين الاعتبار بأن
القانون الإسلامي لا يساوي بين
جميع الناس بعيداً عن الدين
والجنس. كما و ينفي هذا المفهوم
عن الديمقراطية حقاً أساسياً من
حقوق المواطنين وهو الحق في
تقرير القوانين التي تخصهم, وهو
مبدأ رئيسي من مبادئ
الديمقراطية,
ان المودودي نفسه يؤكد على
وجود تناقض في الديمقراطية
الإسلامية. ان سيادة الله و
سيادة الناس فيها تعارض . ان
الديمقراطية الإسلامية سوف
تكون نقيضاً للديمقراطية
الغربية العلمانية.(17) ويرد
اسبوزيتو وفول بقولهم ان
المودودي ومعاصريه لم يرفضوا
الديمقراطية أو يردوها بوضعها
تحت مفهوم توحيد الله. ان نظرية
الديمقراطية لا تعني حالة من
الدكتاتورية, و لكنها قد تحتوي
على سيادة مشتركة من قبل جميع
المسلمين, بما فيهم المواطنون
العاديون. (18)
وقد ذهب اسبوزيتو أبعد من ذلك,
وذلك عبر جدله بأن نظام
المودودي الإسلامي يمكن أن يكون
ديمقراطياً حتى ولو تحاشى أو
تجنب سلطة الشعب, طالما يسمح
بوجود مجموعات استشارية خاضعة
للقانون الإسلامي.(19)
بينما
يجادل اسبوزيتو و فول بأن
الديمقراطية الإسلامية تستند
الى مفاهيم الشورى و الإجماع و
الاجتهاد, فان هناك باحثين
مسلمين يضيفون مفهوماً جديدا
وهو "الحاكمية" (20).
و لدعم هذا المفهوم عن
الديمقراطية الاسلامية يعتمد
فول و اسبوزيتو على "محمد
حميد الله" (1908-2002) وهو باحث
هندي صوفي متخصص الاسلام و
القانون الدولي: وعلى "آية
الله باقر الصدر" (1935-1980) وهو
رجل دين عراقي و "محمد إقبال"
(1877-1938) وهو شاعر هندي مسلم و
الفيلسوف و الشاعر "خورشيد
أحمد" نائب رئيس الجماعة
الاسلامية في باكستان و "طه
العلواني"
وهو متخصص في التشريع
الإسلامي من العراق. (21)
ان أخطاء العلواني الضمنية قد
كشفت عن مشاكل في نظريات
اسبوزيتو. ففي عام 2003 أشار مكتب
التحقيقات الفدرالي الى أن
العلواني شريك غير متهم في
محاكمة بعض المشتبه بهم بتمويل
و قيادة حركة الجهاد الإسلامي
الفلسطينية. (22) وكما
يقوم اسبوزيتو بإفراغ المعنى
الحقيقي للديمقراطية من محتواه
لإثبات أطروحته, فان يقوم أيضاً
بلي عنق مفاهيم إسلامية أخرى.
الشورى هي مجلس تشاوري و ليس
مجلساً تشاركياً. وهو من ارث
القبلية وليس أمراً سيادياً (23). ولا الإجماع يعبر
عن اتفاق المجتمع الكبير و لكنه
يعبر عن اتفاق القادة و الكبار (24).
وفي الحقيقة فان الكثير من
الباحثين السنة يعتبرون أن باب
الاجتهاد قد أغلق منذ القرن
الحادي عشر (25)
تضخيم اسبوزيتو: ان
أفكار وحجج اسبوزيتو لم تتغلغل
في المجتمع الأكاديمي في الشرق
الأوسط بل وقد جذب بريقها
الكثير من المثقفين من خلال
الكتب التي ألفت من قبل
الصحفيين و ممارسي السياسة. وفي
مقالاتها و كتبها التي كتبتها
طوال عملها تفترض
المراسلة الدبلوماسية السابقة
لمجلة لوس أنجلوس تايمز و
المراسلة الحالية للواشنطن
بوست "روبن رايت" أن الفكرة
الإسلامية يمكن أن تتحول إلى
شكل من أشكال الديمقراطية. في
عام 2000 على سبيل المثال في
كتابها "آخر ثورة عظيمة"
تقول رايت بان هناك تحولاً
عميقاً قد جرى في الثورة
الإيرانية حيث حلت المفاهيم
البراغماتية والمصلحية مكان
القيم الثورية, وقد حلت
الواقعية مكان الغطرسة
والعجرفة غير المقبولة, وتم
التخلي عن "الحكومة الإلهية"
ليحل محلها فنون إدارة الدولة
العلمانية. (26)
ولكن إيران بعيدة عن ان تصبح
دولة ديمقراطية وعلى هذا فقد
أحكم قادة الثورة و الحرس
الثوري سيطرتهم على الحكم,
وبقيت قضية الحريات مجالا
للتلاعب, وبقي السجناء
السياسيون في أماكنهم و بقيت
الديمقراطية عبارة عن خيال. وقد
حملت أعمال رايت فكرة ضمنية
مفادها أن الاسلام و الثقافة
الإسلامية ليسا عائقاً رئيساً
أمام الحداثة السياسية. ووافقت
على أفكار مدرسة اسبوزيتو بأن
الشورى و الإجماع و الاجتهاد
يشكلون أساساً لجعل الاسلام
متوافقاً مع التعددية السياسية
.(27),
وقد شاركت فول في اعتقاده بان
الاسلام جزء لا يتجزأ من العالم
الحديث,(28)
وتقول رايت بأن القضية المركزية
للإصلاح هو محاولة التوفيق بين
الاسلام و الحداثة عبر خلق نظرة
عالمية متوافقة مع كل منهما. (29) وفي
مقالها "الاسلام
والديمقراطية الليبرالية"
تبرز رايت ملامح أفكار اثنين من
المفكرين الاسلاميين البارزين
وهم : راشد الغنوشي زعيم حزب
النهضة الإسلامي المنفي من تونس
و الفيلسوف الإيراني و الصيدلي
عبد الكريم سوروش. فبينما تقول
أن أفكارهما تمثل نقطة التقاء
حقيقية بين الاسلام
والديمقراطية (30)
فإنها لا تقوم بتحديد أو
تعريف الديمقراطية ولا
تعمل على فحص قضيتها
الدراسية بعين نزيهة. فالغنوشي
يستعمل مصطلحات الديمقراطيين
دون أن يقبل بها ناهيك عن عدم
فهمه لها. وعلى هذا فان الغنوشي
يبقى إسلاميا عادياً و ليس
حداثياً. و
تهمل أن سوروش قاد حملة لتطهير
المثقفين الليبراليين من
الجامعات الإيرانية في بدايات
الثورة الاسلامية. (31).
وبينما تحدث سوروش عن الحقوق
المدنية والتسامح, فقد طبق مثل
هذه الامتيازات على الذين
ينتمون الى الديمقراطية
الاسلامية فقط (32) و قال سوروش أيضاً
أنه على الرغم من أن الاسلام
يعني في احد معانيه "الاستسلام"
فان ذلك لا يعني وجود أي تعارض
مع المبادئ الأصيلة
للديمقراطية. فالإسلام
والديمقراطية ليسا مترافقين
فحسب بل ان اجتماعهما أمر حتمي.
ففي المجتمع الاسلامي لا يمكن
أن يتواجد أحدهما دون الآخر
فهما مكملان لبعضهما البعض.
ويضيف سوروش بأن إرادة الأغلبية
في المجتمع الاسلامي هي التي
تعمل على صياغة الدولة
الاسلامية المثالية. (33) ولكن و في الواقع
العملي فان ذلك لا يحدث. كما في
إيران, فان الاسلاميين يعلقون
العملية الديمقراطية و يعملون
على تفتيت المجتمع المدني.. وفي
الدول الاسلامية فان هناك أنظمة
تسلطية وقمعية و قيادات
متوارثة؛ ولا يزال السؤال يدور
فيما إذا كانت العراق يمكن أن
تشكل حالة استثنائية مستقرة.
وعلي أي حال
فان سوروش يناقض نفسه : فعلى
الرغم من أن الاسلام يجب أن يكون
ديناً منفتحاً فانه يجب أن
يحافظ على روحه وجوهره. ان قوله
بان قوانين الاسلام قابلة
للتوسع سيعتبر من قبل كثير من
المعاصرين بمثابة كفر إذ أن
أفكارهم تقول بان قواعد الاسلام
و قوانينه ثابتة لا تتغير. وقد
غادر سوروش الى الغرب بعد أن فقد
الحظوة لدى الثوريين في إيران.
في بعض الأحيان يواجه
الأكاديميون بعض المظاهر
الخادعة فقط
وهم في أبراجهم العاجية الى
أن تجبرهم الأحداث
على مواجهة الواقع.
ان
ما هو مشترك بين سوروش و الغنوشي,
و ما زال صحيحاً في نظر الكثير
من الاسلاميين, انه وبغض النظر
عن الخطابات فإنهم لا يريدون
الموافقة بين الحداثة والإسلام
و لكنهم يسعون الى التغيير
السياسي. و عليه فانه من السهل
تبني الخطاب الديمقراطي عوضاً
عن تبني مبادئه الحقيقية. وبينما أثبت الوقت الأخطاء
التي وقعت فيها رايت, فان أفكار
ونظريات أسبوزيتو لا تزال
موجودة. حيث نشاهد إعادة انبعاث
الأفكار القديمة كل بضعة سنين. و
النسخة الأخيرة من هذه الأفكار
هي ل "نوح فيلدمان" , أستاذ
القانون في جامعة هارفارد. ففي
عام 2003 أصدر فيلدمان كتابه "ما
بعد الجهاد : أمريكا والصراع من
أجل الديمقراطية الإسلامية",
و الذي كشف عن آفاق الديمقراطية
في العالم الاسلامي. (34) . ان
أطروحته تعيد ما كتبه اسبوزيتو
عام 1992 في كتابه "التهديد
الاسلامي: خرافة أم واقع؟" (35).
وفي كتابه المشترك مع فول "الاسلام
والديمقراطية" (36).
و حتى بعد أحداث 11 سبتمبر
فان فيلدمان يقول بأن عصر العنف
الجهادي أصبح شئ من الماضي, و أن
الاسلاميين انخرطوا الآن في
الاتجاهات السلمية و
الديمقراطية في العالم (37).
وقد ضمن فيلدمان مجموعة من
الاسلاميين الديمقراطيين مثل
"يوسف القرضاوي" (38) المنظر الاسلامي الذي يبيح
العمليات (الانتحارية) و قتل
المثليين جنسياً.(39) وبينما
لم يخرج نقاش معظم الأكاديميين
عن الصف الا أن الحوار حول توافق
الاسلام والديمقراطية يؤثر على
السياسة. وقد دفع فيلدمان
باستنتاج مفاده أن التهديد
الاسلامي ما هو الا تهديد وهمي.
وبناء على ذلك فان فيلدمان يقول
بان الحركات الإسلامية يجب أن
تُعطى الفرصة لتولي الحكم (40). ويختتم فيلدمان
استنتاجاته بان على صانعي
القرار في أمريكا أن يتبنوا
اتجاهاً شاملاً نحو الاسلام
السياسي. " وقد أوضح فيلدمان
في مقابلة معه عام 2003 "بأن
الاسلام دين ثابت و لا يكره
أحداً على الدخول فيه
و يعامل الأقليات فيه بصورة
متساوية مما يجعله ديناً
متوافقاً مع الديمقراطية" (41) شيرين
هنتر, الدبلوماسية الإيرانية
السابقة و التي تدير الآن
برنامج الاسلام في مركز
الدراسات الإستراتيجية و
الدولية, قامت هي الأخرى بإعادة
تقديم أفكار اسبوزيتو في كتابها
"مستقبل الاسلام و الغرب:
صراع حضارات أم تعايش سلمي؟" (42) و مؤخراً في "التجديد
و الديمقراطية والإسلام "(43)
بالاشتراك مع هوما مالك مساعد
اسبوزيتو في مركز الوليد بن
طلال في جامعة جورج تاون.
ففي الكتابين هناك إنكار
بأن هناك تهديد أو خطر إسلامي و
محاولة للتوفيق بين تعاليم
الاسلامي و القيم الغربية. وقد
حاولت أن تواجه هنتنغتون في
نظريته "صراع الحضارات" (44). وقد أعطت تقييماً
للدور النسبي لعوامل المواجهة و
التعاون في العلاقات الاسلامية
الغربية. وتقول أيضاً أن انصهار
الروح و المادة في الاسلام ليس
أكثر مما هو موجود في الأديان
الأخرى. وعلى هذا فان التقدم
البطئ لإحلال الديمقراطية في
البلاد الاسلامية لا يعود الى
الاسلام بحد ذاته. وعلى الرغم من
أن شيرين على علم بان البلاد
الاسلامية لديها سجل ضعيف في
التجديد و الديمقراطية, فإنها
تضع اللوم على عوامل خارجية مثل
الاستعمار و النظام الاقتصادي
العالمي. (45) لقد
وصل الباحثون الى مستويات جديدة
من التزلف و المداهنة. "آنا
جوردن" لا تقدم أي معلومات عن
خبرتها و معرفتها ولكن مقالاتها
تنتشر بشكل كبير على المواقع
الإسلامية على شبكة الانترنت (46)
حيث تقول بأن القرآن يقدم الدعم
لمبادئ الديمقراطية الغربية
كما عرفها ويليام ابنشتاين و
ادوين فوغلمان, وهما أستاذان في
العلوم السياسية يركزان على
الأفكار و الأيدلوجيات التي
تعرف حقيقة الديمقراطية(47). ومن خلال استخدام
العديد من الآيات القرآنية (48), وجدت
جوردن ان القرآن يدعم المنهج
العقلاني و الحريات الفردية, و
يرفض السلطة المطلقة, ويروج
لحرية الاعتقاد, ويقبل بفكرة أن
الدولة تابعة وخاضعة للقانون,
ويقبل بفكرة تداول السلطة و
المساواة الأساسية. و
على الرغم من ذلك فان معظم
استشهاداتها لا تدعم
استنتاجاتها. و في بعض الحالات
تشير الى عكس ما تريد. فبدلاً من
تأييد فكرة "المنهج العقلاني"
على سبيل المثال فإنها تستدل
بآيات تشير الى السلطة المطلقة
لله. وبعض تلك الاستشهادات لا
ترتبط بالموضوع الذي تتحدث عنه.
ان إصرارها على أن القرآن يؤكد
على "المساواة بين جميع البشر"
تعتمد على آيات تأمر بالمساواة
بين المسلمين أنفسهم, إضافة الى
آيات تحذر من وجود النزاع داخل
صف المسلمين.
إن
"جوردون كرامر" رئيسة معهد
الدراسات الاسلامية في جامعة
برلين ممن يقبل أفكار اسبوزيتو.
وتقول بان التيار المتوسط في
الإسلام "يقبل شيئاً فشيئاً
العناصر الأساسية للديمقراطية
و هي التعددية و المشاركة
السياسية و المسئولية الحكومية
و حكم القانون و حماية حقوق
الإنسان". و في رأيها بان
المنهج الإسلامي في مجال حقوق
الإنسان و الحرية متقدم على
كثير من المناهج الغربية. (49) الرفض الإسلامي لنظرية اسبوزيتو: ومن
دواعي السخرية أنه في الوقت
الذي يعكس فيه بعض المثقفين
الغربيين الحقائق لإظهار توافق
الإسلام والديمقراطية, فان هناك
مثقفين إسلاميين بارزين يقولون
بأن الديمقراطية غير متوافقة مع
دينهم. ويعتمدون في ذلك على
القواعد التالية : أولاً,
الاقتناع التام بأن القانون
الإسلامي ينظم نشاطات المؤمنين
في كل مناحي الحياة. ثانياً, أن
المجتمع المسلم من المؤمنين سوف
يحقق أهدافه إذا سلك المؤمنون
طريق الله. (50)بالإضافة الى ذلك,
فان بعض الباحثين المسلمين
يرفضون أي شئ ليس له أصل في
القرآن. (51)
حسن
البنا (1906-1949) مؤسس جماعة
الإخوان المسلمين (52), عمل على تطهير
الاسلام من التأثيرات الغربية.
وقد كان من تعليماته أن الاسلام
هو الحل الوحيد لمشاكل المسلمين
و إن الديمقراطية قد تصل الى حد
الكفر و الخيانة(53).
أما سيد قطب (1906-1966) المنظر
الأساسي للإخوان المسلمين فقد
عارض فكرة سلطة الأغلبية. و قال
بان الدولة الاسلامية يجب أن
يكون أساسها القرآن الكريم الذي
يدعم و يقدم نظاماً أخلاقياً
متكاملاً لن يكون المسلمون
بحاجة الى أي تشريع بعده (54). إن استشارة واحدة
للفكر الإسلامي التقليدي بدلاً
من أسلوب اسبوزيتو الاستقرائي
كانت كافية.
المودودي
والذي استشهد به اسبوزيتو, قال
بان الاسلام نقيض لأي نظام
علماني أو ديمقراطي غربي يعتمد
على سلطة الشعب (55)
ورفض مبادئ و قواعد الديمقراطية
الغربية (56). باحثون إسلاميون
أكثر حداثة مثل القرضاوي يقولون
بان الديمقراطية يجب أن تخضع
لقبول الله كأساس للسلطة.
وعلى هذا فان الانتخابات
الديمقراطية عبارة عن بدعة, لأن
الدين لديه التشريعات و
القوانين فلا يوجد أي داع لوجود
هيئات تشريعية (57). وفي إيجاز لخططه في
إقامة دولة إسلامية في
إندونيسيا هاجم أبو بكر باعشير -رجل
الدين الاندونيسي وزعيم مجلس
المجاهدين الاندونيسي-
الديمقراطية و الغرب ودعا
المسلمين لإيقاد نار الجهاد ضد
الأنظمة الحاكمة في العالم
الإسلامي. ويقول :"نحن لا نريد
الديمقراطية و لكننا نريد حكم
الله"(58)
ليس
هناك أي قبول للتركيب الغربي
للديمقراطية في العالم
الإسلامي. فتحت حكم آية الله روح
الله الخميني تبنت الجمهورية
الاسلامية الدستور و البرلمان,
و لكن وجودهما لم يؤد الى جعل
إيران أكثر ديمقراطية. بل في
الواقع فان الخميني استمر في
استخدام السلطات العليا و شكل
مجموعة من الهيئات –مثل
المؤسسات الثورية- بقيت فوق
القانون و الدستور. هل الديمقراطية الإسلامية ممكنة؟ إن
العالم الإسلامي ليس مستعداً
بعد لتشرب مبادئ وقيم الحداثة
والديمقراطية. إذ أن القيادة
بقيت امتيازاً للنخب الحاكمة.
ولم تزل القيادة العربية
والإسلامية وراثية و قهرية و
تسلطية. ان مفاهيم مثل السلطة و
الشرعية و المشاركة السياسية و
التعددية و مفاهيم حقوق الإنسان
و الحرية المتأصلة في
الديمقراطية ليست موجودة حيث أن
الإسلام هو المصدر النهائي
للتشريعات و القوانين. ان
فشل الديمقراطيات في السيطرة في
غزة والعراق تبرر إعلان
هنتنغتون و الجدل الذي أثاره
جيلس كيبل (المختص الفرنسي
البارز في مجال الإسلام
الراديكالي) بعد عقد من ذلك, بأن
تقاليد الثقافة الإسلامية قد
تحول دون التقدم الديمقراطي. (59) لقد
كان المؤرخ ببرنارد لويس محقاً
أيضاً عندما قال بان مصطلح
الديمقراطية يستخدم في أغلب
الأحيان بشكل خاطئ. و قد ظهر في
أماكن مفاجئة (اسبانيا أيام
الجنرال فرانكو, وأيام حكم
العسكر في اليونان, و في عهد
الجنرالات في الباكستان, وتحت
الحكم الشيوعي في أوروبا
الشرقية) اذ استخدمت كلمة
الديمقراطية بصورة منحرفة أو
حتى بشكل عكسي .(60)
قد
يكون الإسلام متوافقاً مع
الديمقراطية, و لكن ذلك يعتمد
على طريقة فهم الإسلام. ان هذا
الأمر ليس متفقا عليه عالمياً و
لكنه قائم على الأمل و ليس على
الحقيقة. ان تركيا و مالي على
سبيل المثال دولتان
ديمقراطيتان على الرغم من أن
غالبية السكان هم مسلمون. ولكن
الإسلام الذي يعتنقه الإخوان
المسلمون وغيرهم من الجماعات
الإسلامية ليس متوافقاً بأي شكل
من الأشكال مع الديمقراطية
الليبرالية. ان
الإسلاميين أنفسهم ينظرون الى
الديمقراطية بازدراء. وهم
قادرون على التكيف مع
الديمقراطية كوسيلة للوصول الى
السلطة و لكن هذه الوسيلة
تستخدم مرة واحدة فقط (61). يقول هشام شرابي
(1927-2005) المفكر و الناشط السياسي
الفلسطيني بأن الإسلام الأصولي
يعبر عن شعور عام لدى الناس بسبب
عدم وجود أيدلوجية قومية أو
اجتماعية و ممكن أن نضيف هنا
ديمقراطية بديلة قادرة على
الوصول الى الناس لحد الآن. (62)
الخلاصة: إذا
لماذا يبدي الكثير من الباحثين
الغربيين حماسة لإظهار وجود
للتوافق بين الاسلام
والديمقراطية؟ ان شعبية ما بعد
الاستعمار و الحداثة تميل
بالمثقفين الى استيعاب
الاسلاموية و التكيف معها. ان
التصحيح السياسي يمنع الكثيرين
من تحديد الظواهر السلبية في
الثقافات الأجنبية. ويعتبر
إثبات التوافق بين الاسلام
والديمقراطية أمراً جديراً
بالثناء و يطلق لفظ "الاسلاموفوبيك"
أو العنصرية على أي محاولة
لإثبات عدم التوافق أو التفريق
بين ما هو ايجابي وسلبي في تفسير
الاسلام. ان
لدى الكثير من صانعي القرار نوع
من هذا الصراع المضاد.
فالإسلاميون يحاولون استغلال
الرغبة الغربية للتكيف مع
الاسلام في الوقت الذي يعمل فيه
المفكرون و صانعو القرار
الغربيون على إيجاد أرضية
مشتركة مع الإسلاميين ولو على
نطاق المفاهيم بغض النظر عن
الواقع العملي.
ويضاف
الى هذا المزيج الدعاية
الإسلامية الشخصية, ومحاولة
تصوير الاسلام على أنه دين
للسلام و حقوق الإنسان حتى في
شكله الأقل تسامحاً وغير
المتطابق مع القيم الديمقراطية.
و المشكلة هنا أن العالم الحر
يتجاهل احتمالية أن يشكل
الاسلام تهديداً على
الديمقراطية ليس في الشرق
الأوسط فقط بل في الغرب أيضاً.
ان تشريع الاسلام السياسي قد
حول الديمقراطية الى أيدلوجية و
نظام سياسي يتناقض كلية مع
قواعد الديمقراطية الحقيقية. ان
كلام اسبوزيتو بأن "على
الولايات المتحدة أن تتوقف عن
نظرتها الأحادية للديمقراطية و
أن تدرك أن هناك مبادئ وجذورا
ديمقراطية في القوانين
الاسلامية"(63)
يظهر جهلاً مبدئيا في التعاليم
الاسلامية والديمقراطية. ان هذه
النتائج تتفاقم حينما يقوم
اسبوزيتو بتوجيه اللوم الى
الغرب و
الاستشراق في
ظهور الإرهاب و
العنف الإسلامي . أنه أمر خاطئ
عندما يكون محصوراً في غرفة
الصف, و لكن هذا الخطأ قد يتحول
الى خطر أكبر عندما يمتد تأثيره
الى السياسة. [1]
John L. Esposito, The Islamic Threat: Myth or
Reality? (Oxford: Oxford University Press, 1992),
pp. 211-2; John O. Voll and John L. Esposito, Islam
and Democracy (New York: Oxford University Press,
1996), pp. 18-21. http://www.meforum.org/article/1680 ----------------- نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |