مناورة
سوريا
بقلم
كريستوفر ديكي
نيووزوييك
25/12/2006
هل
يحمل النظام السوري مفاتيح الحل
لمشاكل أمريكا في الشرق الأوسط؟
البعض في واشنطن يفضل أن يفكر
على هذا النحو، و لكنهم على
الأرجح مخطئون.
في
السراي الكبير مركز الحكومة
اللبنانية في قلب بيروت، يعيش
خمسة من أعضاء الحكومة
اللبنانية بحالة من الخوف
الشديد. قبل سنة فقط كانوا قادة
للتحرك الكبير الذي جرى لطرد
القوات السورية من لبنان، والذي
بدا
انه سوف يدفع البلد نحو
ديمقراطية مزدهرة. و لكن هذه
الذكريات تبدو الآن قديمة و
محطمة كقطعة من كاس فينيقية.
واحد بعد الأخر و بشكل قاس و
مثير للذهول ، فان المعارضين
الرئيسيين لسوريا قد تم محوهم
من الساحة اللبنانية، و اخرهم
وزير الصناعة بيير الجميل، ابن
الرئيس اللبناني السابق، والذي
اغتيل شهر تشرين الثاني السابق.
و منذ ذلك الوقت لا يعرف أي وزير
ما إذا كان هو التالي و متى
سيدور عليه الدور.
ومع
خوف أعداء سوريا و انكماشهم. فان
النظام السوري يقول مع إنكاره
لأي دور في الاغتيالات في لبنان
"إن علاقتنا مع لبنان سوف
تكون أقوى منها حينما كان جيشنا
في ذلك البلد" نائب الرئيس
السوري فاروق الشرع قال بتفاخر
في الإعلام العربي بداية هذا
الشهر" نحن نمهد للعلاقات
الطبيعية مع لبنان" . جوناثان
باريس و هو ناقد دائم لنظام دمشق
يقول "انه كما في التسعينات
،تبدو سوريا لاعب أساسي
لا مفر منه" .
دعونا
نقول ان الرئيس بوش غير مقتنع ،
و نضع
لبرهة اللبنانيين المساكين
جانبا.إن السوريين أنفسهم
يستحقون نظاما وحكومة تستمد
شرعيتها من الإجماع الشعبي لا
من القوة الغاشمة، "و في
تصريح للبيت الأبيض الأسبوع
الماضي ، طالب بوش بنظام في دمشق
يحارب الفساد و يحترم القوانين،
و يضمن حقوق جميع السوريين على
السواء و يعمل على تحقيق السلام
في المنطقة". و لكن الزمرة
التي يحيط الرئيس بها نفسه ليست
مؤهلة لتحقيق أي من هذه الأشياء.
ولكن
توصيات مجموعة دراسة الوضع في
العراق
التي
تضع استراتيجية جديدة للشرق
الأوسط و ضعت الحوار مع دمشق على
راس القائمة تقريبا، وفي
استعراض للنواب الأمريكيين بمن فيهم
الديمقراطي جون كيري و الجمهوري
أرلين سبيكتر، كانوا في طريقهم
فعلا إلى قصر الأسد للمصافحة
وتبادل الابتسامات. كذلك إن
الرعب العالمي المتنامي من
تأثير كارثة العراق يعطي
انطباعاً أن من المرجح طلب
المساعدة من
أي قوة لبسط الاستقرار في
المنطقة، حتى بنظام كنظام
(ال كابوني) في شيكاغو. و سوريا
كما يعتقد تستطيع المساعدة في
إعادة الهدوء إلى العراق عبر
إغلاق حدودها أمام المتمردين
القادمين و المغادرين
للعراق دون أي عقوبة أو رادع.
و إذا لم تتورط لبنان في حرب
أهلية، فان مساعدة سورية سوف
تكون حاسمة، و كذلك للمناطق
المحتلة . هناك أمل كذلك في أن
تبتعد سوريا عن إيران، و تحد من
طموحاتها القيادية في الشرق
الأوسط. " إن سوريا شريك رئيسي
في جميع قضايا المنطقة" وفق
ما يقوله المحلل السياسي السوري
مروان قبلان.
في
الحقيقة، فان "المعطل
الرئيسي" سوف يكون اكبر من
ذلك. الإرهاب الفلسطيني، حرب
عصابات حزب الله، المتمردون
السنة في العراق- لا يستطيع
النظام السوري السيطرة الكاملة
على جميع هذه التهديدات، و لكنه
يستطيع تعميق المشكلة اكبر من
ذلك باتصاله معهم. السياسة الخارجية السورية
تستعمل سياسة مضرب الحماية.
ولمنع الضرر، يجب ان تدفعه بقوة
عبر تهديد صريح ، كتب محرر في
جريدة البعث التابعة للحكومة محذرا
من انه اذا فشلت أمريكا في ضم
سوريا للحوار ،" فسوف
تستمر في التخبط في مستنقع
العراق. والوضع في المنطقة
والعالم سوف يكون مؤهلا للانفجار
وعدم الاستقرار."
إن
ثمن الحماية يمكن أن يكون
النقود ، أو الحواراً، أو
الاحترام. وخاصة الاحترام الذي
يضفي الشرعية على الدكتاتورية.
و معارضو سوريا في لبنان يخشون
أن مستقبل لبنان قد يكون جزء من
صفقة ما بين سوريا و أمريكا.
وإسرائيل ترى أيضا أن مجموعة
دراسة العراق على استعداد أن
تضع الجولان على طاولة الحوار
قريبا. و إذا ابتدأ التفاوض فعلا
فان المسار والصفقات سوف لا
يمكن
التنبؤ بحجمها كما ستكون معقدة
أيضا، و لكن هل يمكن لها أن
تنجح؟
إن
مجموعة دراسة العراق علقت
توصياتها على حكم رئيسي واحد
وهو " انه ليس هناك أي دولة في
المنطقة سوف تستفيد على المدى
الطويل من الفوضى الحاصلة في
العراق". على الرغم من ذلك فان
جوناثان باريس أشار إلى أن
النظام السوري سوف ينمو ويزدهر
على مستوى عدم الاستقرار
الموجود في العراق الآن." إذا
كنت مكان بشار ، الشئ الوحيد
الذي سوف تخشاه هو استقرار
المنطقة" كما يقول باريس "
لأنه بعد ذلك سوف يتساءل 19 مليون
سوري لماذا كانوا يحكمون من قبل
هذه الزمرة أو من هذا الذي
أدار سوريا وكأنها مصرفه الخاص"
في
هذه الأثناء فان أدوات بشار
المفترضة من
الراديكاليين السنة في حماس
والثوريين من حزب الله الشيعة،
لديهم اتصالات مع جماعات
إسلامية يمكن أن تشكل تهديدا
مباشرا على نظام بشار يوماً ما. (لا
يزال أن تكون عضوا في الإخوان
المسلمين في سوريا جريمة كبرى
عقوبتها الإعدام وهم الذين
كادوا يطيحون بالنظام السوري في
بداية الثمانينات. إضافة إلى
ذلك فإن حماس لا تعدو كونها جزء
من الإخوان المسلمين في فلسطين.)
على الرغم من التحالف مع رجال
الدين الإيرانيين والذي يعود
إلى أكثر من ربع قرن من الزمن ،
فان النظام العلماني السوري
والطائفة العلوية التي ينتمي
إليها بشار تعد خارجة عن
الإسلام حسب كثير من المسلمين،
و ببساطة فان
اهتمامات سوريا مختلفة عن
اهتمامات إيران.
في العراق على سبيل المثال، فان
دمشق على اتصال أساسي مع بعض
البعثيين و قادة القبائل
السنية، بينما تكمن قوة إيران
في تحالفها مع الأحزاب الشيعية
التي تحارب السنة في العراق و
تخلق حرباً أهلية بشعة هناك. "
يقول المحلل السياسي السوري
سامي مبيض " أن لدى أمريكا
خياران مختلفان، إما أن تتعامل
مع سوريا، و تبتعد عن إيران، أو
العكس. فالتعامل معهما معا أمر
مستحيل و عدم التعامل مع أي
منهما أمر مستحيل أيضا."
في الحقيقة، فان الأمل الذي
يامله المحللون في واشنطن وتل
أبيب ان تقتنع سوريا تحت الضغط
بلعب دور
أفضل في المستقبل.
و ممكن ان تكون ليبيا مقياس
على ذلك ، والتي تخلت عن
الإرهاب، و تخلت عن برنامجها
النووي و صنعت سلاما مع الغرب
عام 2003 . و لكن سنوات الحرب و
المقاطعة و الحصار جعلت معمر
القذافي يغير رأيه و خصوصا بعد
أن نالت المحكمة الدولية من بعض
أعضاء النظام الليبي في قضية
تفجير الطائرة فوق
لوكربي في اسكتلندا. و
بالتالي عمل المحكمة الدولية
الخاصة سوف يكون أساسيا في
إدانة أحد المجرمين على الأقل و
سوف تدفع حكومة القذافي لتحمل
بعض مسؤولياتها المتعلقة
بالقضية .
و الأمل الوحيد في تطبيق نفس
النظام على سوريا عبر الضغط على
سوريا للنيل من نظام الأسد في
المحكمة الدولية التابعة للأمم
المتحدة المختصة في محاكمة قتلة
رئيس وزراء لبنان السابق رفيق
الحريري. و جميع عمليات
الاغتيال التي تلت ذلك. و هذا
الذي دفع الوزراء الخمسة في
الحكومة اللبنانية إلى البقاء
داخل السراي الكبير. و هذا الذي
دفع بوضعهم تحت الحصار من قبل
حزب الله و القوى اللبنانية
الموالية لسوريا في محاولة
لتحطيم حكومة السنيورة . "
يقول احمد فتفت احد الوزراء
الموجودين في السراي "ان
الاغتيال السياسي شائع بشكل
كبير في لبنان . و نحن بحاجة إلى
محكمة دولية لوقف ذلك . اذا لم
ننجح في هذا المشروع ، انه لمن
المستحيل المحافظة على
ديمقراطيتنا."
في الواقع، إذا لم ننجح فانه من
المستحيل أن نحافظ على سياسات
إدارة بوش في الشرق الأوسط. و
لكن نظام الأسد الجيد في عملية
العرقلة والتعطيل، و القادر على
المحافظة على وجوده ً، يبدو انه
من المحتمل أن يستمر على ما هو
عليه الآن.
|