الحرب
الإسرائيلية الإسلاموية
مارتن كريمر
خريف 2006
صحيفة وودرو
ويلسون الفصلية
ظهر المقال أصلاً في عدد خريف 2006
في الـ (أوكاجيونال بيبر) والتي
نشرت من قبل برنامج الشرق
الأوسط في مركز وودوورد الدولي
للباحثين.
من الذي انتصر في حرب الصيف بين
إسرائيل وحزب الله؟ مباشرة بعد
وقف إطلاق النار، أعلن حزب الله
ومناصروه الإيرانيون الحرب (انتصاراً
إلهياً). وقد اتفقت الإيكونومست
مع ذلك، مصدرة العنوان العريض
التالي على غلافها: (نصرالله
يربح الحرب ) إسرائيل تغرق في
اكتئاب من اتهام الذات.
ولكن وبعد أسابيع قليلة، اعترف
زعيم حزب الله حسن نصرالله بأنه
إذا أتيح له فعل ذلك مرة أخرى،
فإنه كان سيتجنب استفزاز
إسرائيل بداية. الآن أصبح الدور
لحكومة إسرائيل لتدعي النصر.
وتدخل كاتب العمود في الواشنطن
بوست (شارلز كراثمار) مدعياً أن
حزب الله (كان قد صد بقوة في
الحرب)، ودعاها كاتب العمود في
النيويورك تايمز (توماس فريدمان)
(هزيمة مدمرة) لحزب الله. وستبقى
مسألة من له اليد العليا موضع
جدل. ولكن النقاش حول من فاز ومن
خسر يحجب الأهمية الأعمق لحرب
الصيف. فهي تشكل علامة لبداية
المرحلة الثالثة من الصراع على
إسرائيل.
صراع ابتدائي:
في المرحلة الأولى، منذ تأسيس
إسرائيل في عام 1948 وحتى عام 1973،
كسي رفض وجود إسرائيل رداء
القومية العربية الشاملة. ففي
الصراع العربي الإسرائيلي
التقليدي، شكلت الدول العربية
تحالفات باسم الوحدة العربية
بهدف عزل إسرائيل وبناء ائتلاف
عربي يستطيع أن يشن الحرب على
جبهتين أو أكثر. وقد كان العيب
المهلك في هذه الاستراتيجية
يكمن في ضعف العروبة نفسها. فقد
أدى الفشل في التنسيق بين الدول
العربية إلى هزائم مذلة في حروب
عربية إسرائيلية متعددة
الجبهات في 1948 و1967. في عام 1973
أطلقت كل من مصر وسورية هجوماً
عربياً منسقاً على إسرائيل،
وكان ذا نجاح جزئي. ولكن مصر
اختارت بعد ذلك الخروج على
الإجماع العربي بالتوصل إلى
اتفاقية سلام منفردة مع إسرائيل
في 1979، ووصل الصراع العربي
الإسرائيلي إلى نهايته. واحتل
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
مكانه. وفي هذه المرحلة الثانية
استخدمت منظمة التحرير
الفلسطينية مزيجاً من السياسات
و(الكفاح المسلح) لفتح جبهات
جديدة ضد إسرائيل في الأردن
ولبنان في أوج أيام الفدائيين،
في الضفة الغربية وغزة في
الانتفاضة الأولى، وفي إسرائيل
ذاتها في الثانية.
ولكن الكفاح الفلسطيني تباطأ
كذلك بينما كانت منظمة التحرير
الفلسطينية آخذة في التصلب،
وعدم الفعالية، والفساد. إن
تحولها إلى سلطة فلسطينية
متقلقلة قد زاد من تضخم ضعفها،
وقد كان موت مؤسسها ياسر عرفات
في 2004 مؤشراً على نهاية النزاع
الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
في المرحلة الثالثة وهي الحالية
استبدل الصراع الإسرائيلي ـ
الفلسطيني بالصراع الإسرائيلي
ـ الإسلاموي. لقد كان هناك
دائماً عنصر إسلاموي في
المقاومة ضد إسرائيل، ولكنها
لعبت تقليدياً دوراً داعماً،
أولاً للدول العربية، وثم
لمنظمة التحرير الفلسطينية. لقد
كان آية الله خميني، زعيم
الثورة الإسلامية في إيران،
والذي مهد لرؤية مختلفة للدور
الذي ينبغي أن تلعبه الإسلاموية
ضد إسرائيل. لقد رفض الخميني
الرؤية التي تعتبر أن إسرائيل
قد أصبحت أمراً واقعاً مما
يخولها حق الحصول على مكان في
المنطقة. لقد اعتقد أن الإسلام
لديه القوة لابتعاث التضحية
والنظام الضروريين لإنكار
شرعية إسرائيل وهزيمتها في
النهاية. لتحقيق هذا الهدف، لم
يستطع الإسلامويون أن يشعروا
بالراحة قانعين بدور داعم، كان
عليهم دفع طريقهم إلى الأمام
بإنشاء حزب الله كطليعة مسلحة
في لبنان، وقد سعى الخميني إلى
فتح جبهات إسلاموية جديدة ضد
إسرائيل، مستقلة عن الدول
العربية الضعيفة وعن منظمة
التحرير الفلسطينية غير
الفعالة.
في عقد التسعينات، أحرزت الحركات
الإسلاموية قاعدة عبر الشرق
الأوسط. وقد ملأت حركة إسلاموية
فلسطينية، حماس، الفراغ الذي
تركه عدم كفاءة منظمة التحرير
الفلسطينية. وقد شن حزب الله
حملة ناجحة لإنهاء الاحتلال
الإسرائيلي لجنوب لبنان. ولكن
وبينما كان الإسلامويون يرفضون
السلام مع إسرائيل ويدعون (إلى
المقاومة)، إلا أنهم لم
يستطيعوا أن يتحدوا نفوذ الدول
العربية ومنظمة التحرير
الفلسطينية لصنع استراتيجية
واسعة تجاه إسرائيل. وقد استمر
هذا حتى السنة الفائتة.
الحركة
الإسلاموية:
لقد وضع اثنان من التطورات
الإسلامويين في مقعد السائق.
أولاً حملة الانتخابات
الفلسطينية العام الفائت حماس
إلى السلطة في الضفة الغربية
وغزة. وقد نظرت حماس إلى السلطة
كأمر إلزامي وليس لاستبدال
حكومة جيدة بفساد منظمة التحرير
الفلسطينية وحسب، بل لحرف
الاستراتيجية الفلسطينية إلى
الرؤية الإسلاموية للانهاك
التدريجي لإسرائيل. ثانياً، فإن
مسار إيران النووي تحت قيادة
الرئيس أحمدي نجاد قد أحيت فكرة
أن إسرائيل يمكن مجابهتها على
الصعيد الخارجي. إن الجمع
الممكن للأسلحة النووية
الإيرانية، مع صواريخ حزب الله،
ومقاومة حماس قد شحن العالم
العربي والمسلم.
أتستطيع القوى الإسلاموية، إن
عملت بتوافق، أن تحقق النصر
الذي فات الدول العربية ومنظمة
التحرير الفلسطينية؟ هل يكون
بمقدورها أن تجعل شن حرب هجومية
متعددة الجبهات ضد إسرائيل مرة
أخرى أمراً ممكناً؟ أيستطيع
ائتلاف إسلاموي تحقيق نجاح أكبر
بالضرب على روح الإسلام
بالتضحية بالنفس؟
لقد جلب هذا الصيف (الائتلاف
الإسلاموي) ليلعب ضد إسرائيل في
حرب متعددة الجبهات للمرة
الأولى. إنها لم تكن الحرب التي
كانت إيران لتختارها.
فالاستراتيجية الإيرانية كانت
لتنشر الائتلاف في وقت من
اختيار إيران الخاص، وقت ربما
يكون أقرب إلى لحظة النجاح
العظيم أو الإخفاق الكلي في خطط
طهران النووية. ولكن إسرائيل
فضلت مواجهة التحدي باكراً،
مطلقة حرباً وقائية ضد صواريخ
حزب الله، وبنيته التحتية.
العجيب أن إسرائيل لم تكن مستعدة
بشكل كامل للحرب التي أطلقتها:
وحزب الله الذي فوجئ باندلاعها،
كان رغم ذلك مستعداً لها. وقد
روج الإعلام حينها لأولئك
المحللين الذين صاغوا نتائجاً
مبالغاً فيها من أداء إسرائيل
المتردد. إن مشاهدي إحدى
الشبكات الأمريكية كان
بإمكانهم أن يسمعوا مستشاراً
متدفق العاطفة وهو يصرح: (حزب
الله عظيم القوة، حزب الله
يتسلم البضائع، لقد أثبت حزب
الله قوة عضلاته، إن إسرائيل
ليست سوى نمر ورقي بعد كل شيء،
إن قواعد الصراع العربي
الإسرائيلي ستتغير إلى الأفضل).
بالطبع سيكون تقديم الحالة
المعاكسة، بدء بالقواعد
الجديدة في لبنان والتي تقيد
حزب الله.
مواطن القوى
والضعف:
لم يصدر الحكم بعد، لقد كانت هذه
هي الإشارة الحذرة لمعظم
المحللين الجادين. ولكن الحرب
تقدم بعض اللمحات عن الأسلوب
الممكن في الصراع الإسلاموي
الإسرائيلي، بإظهار نقاط القوة
والضعف الداخليين لدى الائتلاف
الإسلاموي.
إن الائتلاف الإسلاموي قوي في
مجالات الانضباط الايديولوجي
وسلطة القيادة. تزعم
الايديولوجية أنها (أصيلة)،
وتثير عملياً امتعاضات ضد
إسرائيل والغرب. يجسد القادة
روح تحد يبالغ في تقديرها في
مجتمعاتهم، وهم يفرضون طاعة
كاملة تقريباً. التدريب دقيق،
فالجميع يتبعون التعليمات، ولا
يستسلم منهم أحد.
يجمع الائتلاف الإسلاموي كذلك
بين مزيج مرن من الموارد ويتكون
كما هو من لاعب دولي (إيران)،
وشبه لاعب دولي(حماس)، ولاعب
دولة فرعي (حزب الله). لقد
طوروا أنظمة أسلحة إبداعية،
من التفجيرات الانتحارية إلى
الصواريخ، والتي تقع حول وضمن
قوى إسرائيل العسكرية
التقليدية.
وإذا ما كانت إيران ستمتلك
صواريخ تطلق أسلحة نووية، فإنهم
سيحولون حجم إسرائيل الصغير من
ميزة (خطوط قصيرة من الدفاع
والتزويد) إلى عائق (إصابة كلية
بضربة واحدة). إن السلاح النووي
الإيراني قد يحول الصراع
الإسرائيلي الإسلاموي إلى لعبة
أشد خطراً بكثير، والتي ستتسبب
الأزمات المنذرة النووية
المتكررة في الانهاك
الاقتصادي، والسياسي، والسكاني
لإسرائيل.
ولكن الائتلاف الإسلامي لديه
مواطن ضعف كذلك. أولاً، أن عموده
الفقري شيعي. فبعض السنة، بمن
فيهم إسلامويون، يرون الائتلاف
تهديداً للصدارة السنية
التقليدية، بقدر ما هي تهديد
لإسرائيل.
وقد تحركت السعودية العربية
خصوصاً ضد الائتلاف الذي تقوده
إيران، مما يجعل من الأصعب على
الائتلاف إبقاء الإسلامويين
السنة في مدارها. وفي حين أن
التنسيق بين إيران وحزب الله هو
تنسيق كلي، فإن حماس لديها
استراتيجيتها الخاصة، والتي
تعكس مأزقها الخاص والقيود
المفروضة عليها من قبل مناصريها
العرب.
نقطة الضعف الرئيسية الأخرى لدى
الائتلاف الإسلاموي هو افتقاره
للوصول المباشر إلى حدود
إسرائيل. إن المنطقة الجغرافية
غير المحددة بين إسرائيل والضفة
الغربية قد تم إغلاقها بحواجز
العزل الإسرائيلية بدرجة أضرت
بحماس. في حرب الصيف، فقد حزب
الله سيطرته الحصرية على حدود
لبنان مع إسرائيل، والتي يزعم
أنها الحصيلة الاستراتيجية
الأهم للحرب. ومع عدم الوصول إلى
حدود إسرائيل، لا يستطيع
الائتلاف الإسلامي إدارة حرب
انهاك مستديمة ضد إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، فإذا ما أراد
الائتلاف استخدام ترسانة
صواريخه وقدرتها الهجومية
المحفوظة، فإنه عملياً يجيز
لإسرائيل الثأر بقوة مدمرة.
بغياب الأسلحة النووية، يرجح
لذلك أن يبقى الائتلاف
الإسلاموي مجمداً، إلا إذا
اشتمل على دولة عربية مجاورة
لإسرائيل. إن سورية لهي مرشح
واضح لهذا الدور، إلا أن
قيادتها الحالية تتصرف كحليف
للائتلاف وليس عضواً مكتملاً
فيه. إن هناك حركات سياسية
إسلاموية في مصر والأردن كانت
لتنضم إلى الائتلاف بتلهف،
ولكنهم في الوقت الحالي معزولون
جانباً من قبل أنظمتهم المعتدلة.
بالنظر إلى هذه القيود، مايزال
الصراع الإسرائيلي الإسلاموي
بعيداً عن أن يكون سمة (الشرق
الأوسط الجديد)، ولكنه قد يصبح
سمة له إذا سمحت الولايات
المتحدة للائتلاف الإسلاموي
بالحصول على المزيد من القوة
العسكرية والسياسية. إذا ما
أوقفت الولايات المتحدة مسار
إيران النووي ودعمت الحكام
العرب المعتدلين ضد مناوئيهم
الإسلامويين، فإن صيف 2006 قد يتم
تذكره باعتباره أول حرب
إسرائيلية إسلاموية والأخيرة.
وإلا فإن من المؤكد أن تتبعها
المزيد من الحروب.
|