معركة
على القيم العالمية
(1)
عن
الشؤون الخارجية - كانون الثاني
/ شباط
توني
بلير: رئيس وزراء المملكة
المتحدة
ترجمة
: قسم الترجمة / مركز الشرق
العربي
ملخص: إن الحرب على الإرهاب لا
تدور حول التكتيكات الأمنية
والعسكرية. إنها معركة حول
القيم، معركة يستطيع المرء أن
ينتصر فيها فقط بالانتصار في
التسامح والحرية. لقد كانت كل من
أفغانستان والعراق نقاط البدء
الضرورية لهذه المعركة. مع ذلك،
فإن الانتصار هناك ينبغي أن
يرافقه تطبيق أعمق وأكثر
ثباتاً، وأكثر شمولاً للقيم
العالمية، مع سير واشنطن في
المقدمة.
ـ جذور التطرف:
لقد أثبت ردنا على هجمات 11 أيلول
أنه أكثر أهمية حتى مما بدا عليه
في ذلك الوقت. وذلك لأنه كان
بمقدورنا اختيار الأمن كساحة
للمعركة، ولكننا لم نفعل. لقد
اخترنا القيم. لقد قلنا أننا لا
نريد طالباناً أخرى أو صدام
حسين مختلف. لقد عرفنا أنه لا
يمكنك أن تهزم ايديولوجية
متطرفة فقط بسجن أو قتل قادتها،
إن عليك أن تهزم أفكارها.
من وجهة نظري، فإن الوضع الذي
نواجهه هو حرب حقيقية، ولكن من
نوع غير تقليدي نهائياً. نوع لا
يمكن الانتصار فيه بطريقة
تقليدية. إننا لن نربح المعركة
ضد التطرف العالمي إلا إذا
ربحناها على مستوى القيم بقدر
ما نربحها على مستوى القوة. إننا
نستطيع أن نفوز فقط بإظهار أن
قيمنا أقوى وأفضل، وأكثر عدالة
من البديل. إن ذلك يعني كذلك أن
نظهر للعالم أننا منصفون
وعادلون في تطبيقنا لهذه القيم.
إننا لن نحصل على أي دعم حقيقي
للتحركات الصعبة والتي قد تكون
ضرورية لتأمين طريقتنا في
الحياة إلا إذا هاجمنا كذلك
الفقر العالمي، وتدهور البيئة،
والظلم بقوة مماثلة.
إن جذور الموجة الحالية من
الإرهاب العالمي والتطرف عميقة.
لقد امتدت عبر عقود من الإقصاء،
وحالة دور الضحية، والقمع
السياسي في العالمين العربي
والإسلامي. ورغم ذلك، فإن
إرهاباً كهذا ليس، ولم يكن
أبداً، حتمياً. بالنسبة
إليّ، فإن الشيء الأجدر
بالملاحظة فيما يتعلق بالقرآن
هو مدى تقدميته. إنني أكتب بخشوع
عظيم كشخص من دين آخر. كأجنبي،
يستوقفني القرآن ككتاب إصلاح،
يحاول إعادة اليهودية
والنصرانية إلى أصولهما، إلى
درجة كبيرة مثلما حاول المصلحون
أن يفعلوا بالكنيسة المسيحية
بعده بقرون. إن القرآن كتاب شامل.
إنه يشيد بالعلم والمعرفة ويمقت
الخرافة. إنه عملي ومتقدم على
زمانه في مواقفه تجاه الزواج،
والنساء، والحكم. تحت
إرشاده كان انتشار الإسلام،
وهيمنته على الأراضي التي كانت
مسيحية أو وثنية في الماضي كان
يبهر الأنفاس. عبر قرون، أنشأ
الإسلام امبراطورية وقاد
العالم في الاكتشاف، والفن،
والثقافة.
لقد كان
يترجح وجود حاملي التسامح
والمثاليين في العصور الوسطى
الأولى في أراضي المسلمين أكثر
منهم في أراضي المسيحيين. ولكن
بحلول أوائل القرن العشرين،
وبعد النهضة، كان الإصلاح
والتنوير قد اكتسح العالم
الغربي، وقد كان العالمان
العربي والإسلامي في وضع متقلب،
وغير آمن، وفي موقف الدفاع. وقد
قامت بعض الدول الإسلامية، مثل
تركية بحركة قوية متقلبة تجاه
العلمانية. في حين وجدت بعض
البلدان الإسلامية وقد وقعت في
شرك الاستعمار، والقومية
الحديثة، والقمع السياسي،
والتطرف الديني. وقد بدأ
المسلمون يرون الحالة المؤسفة
للبلدان الإسلامية متعلقة
بحالة الإسلام المؤسفة. وأصبح
السياسيون المتطرفون متدينين
متطرفين والعكس بالعكس.
وحاول أولئك الذين كانوا في
السلطة استيعاب هذا التطرف
الإسلامي عن طريق دمج بعض قادته
وبعض أفكاره. وقد كانت النتيجة
بشكل دائم تقريباً كارثية. لقد
جُعل التطرف الديني أمراً
محترماً، في حين قمع التطرف
السياسي، ولذلك ففي عقول
الكثيرين، اجتمع الاثنان
ليمثلا الحاجة إلى التغيير. لقد
بدأ بالتفكير بأن طريقة استعادة
الثقة والاستقرار للإسلام كانت
عبر الجمع بين التطرف الديني
والسياسة الشعبوية، مع كون
الأعداء هم (الغرب) وأولئك
الزعماء المسلمين الذين
يتعاونون معه. وربما يكون هذا
التطرف قد بدأ بالفكر والعقيدة
الدينية. ولكن سرعان ما ولدت
ايديولوجية، في تفرعات عن
الإخوان المسلمين، يدعمها
المتطرفون الوهابيون وتنتشر في
بعض المدارس في الشرق الأوسط
وآسيا، ايديولوجية صدرت إلى
العالم كله.
في 11 أيلول تم قتل 3 آلاف شخص،
ولكن هذا الإرهاب لم يبدأ في
شوارع نيويورك لقد كان آخرون
كثيرون قد بدأوا فعلاً، لا في
تحركات الإرهاب ضد المصالح
الغربية وحسب بل في التمرد
السياسي والاضطراب حول العالم.
ويمكن إيجاد ضحاياه في التاريح
الحديث لأراضي عديدة: في الهند،
واندونيسيا، وكينيا، وليبيا،
وباكستان، وروسيا، والسعودية
العربية، واليمن، ومناطق أخرى
لا تعد ولا تحصى. لقد مات ما يربو
على مئة ألف في الجزائر. وقد
أصبحت القضايا السياسية التي
كان يمكن حلها في كل من الشيشان
وكشمير، غير قابلة للحل بشكل
مؤلم تحت ضغط الإرهاب. واليوم،
في ثلاثين أو أربعين دولة يخطط
الإرهابيون لتحركات مرتبطة
بهذه الايديولوجيا برابطة
مهلهلة. ورغم أن كوادر
الإرهابيين النشطة صغيرة
نسبياً إلا أنهم ينتفعون بشعور
بالإقصاء أعظم بكثير في
العالمين العربي والإسلامي.
إن أفعال الإرهاب ليست حوادث
معزولة، لقد كانت جزء من حركة
آخذة في النمو. حركة تعتقد أن
المسلمين قد ابتعدوا عن
إيمانهم الحقيقي، وسيطرت
عليهم الثقافة الغربية، وكانوا
يحكمون بشكل خائن من قبل مسلمين
متواطئين في هذه السيطرة
كمعارضين لأولئك الذين
يستطيعون رؤية الطريق للتعافي
لا الإيمان الصحيح، بل كذلك قوة
المسلمين وتقدير الذات التي
كانت لتستولي على الغرب وكل
أعماله. إن الصراع ضد الإرهاب في
مدريد أو لندن أو باريس هو نفسه
الصراع ضد الأعمال الإرهابية
لحزب الله في لبنان أو الجهاد
الإسلامي الفلسطيني في الأراضي
الفلسطينية، أو الجماعات
الرافضة في العراق. إن مقتل
الأبرياء في بيسلان هو جزء من
نفس الايديولوجيا التي تستلب
أرواح الأبرياء في ليبيا،
والسعودية العربية، أو اليمن.
وعندما تمنح إيران دعمها لإرهاب
كهذا، فإنها تصبح جزء من
المعركة ذاتها، مع نفس
الايديولوجيا في صميمها.
أحياناً تأتي الاستراتيجية
السياسية بشكل مدروس، وأحياناً
بشكل طبيعي. بالنسبة لهذه
الحركة، فإنها قد جاءت على
الأرجح بشكل طبيعي. إن لديها
ايديولوجية، ورؤية عالمية،
ومعتقدات عميقة، وإصرار التطرف.
وهي تشبه في كثير من الأحيان،
الشيوعية الثورية الأولى. إنها
لا تحتاج دائماً قواعد ومراكز
قيادة أو حتى اتصالات مباشرة،
فهي تعلم بما تفكر.
في أواخر عقد التسعينات، أصبحت
استراتيجية الحركة واضحة. ولو
كانت تقاتل ضمن حدود العالم
الإسلامي وحسب، لكانت واجهة خطر
أن المسلمين، كونهم مستقيمين
وذوي عقول منصفة كأي شعب آخر،
كانوا سيختارون رفض تطرفها.
معركة حول إسلام يواجه فيها
مسلمون مسلمين فقط. لقد أدرك
المتطرفون أنه كان عليهم إنشاء
معركة مختلفة تماماً: مسلمون في
مواجهة الغرب.
وهذا ما فعلته هجمات 11/9. إنني لا
أزال مندهشاً حول أعداد الناس
الكبيرة التي تقول، في الحصيلة،
إن هناك إرهاباً اليوم بسبب هذه
الاجتياحات لأفغانستان والعراق.
ويبدو أنهم ينسون بشكل كامل أن 11
أيلول قد سبقتهما كلتيهما. لم
يهاجم الغرب هذه الحركة، لقد
هوجم.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|