معركة
على القيم العالمية
(2)
عن
الشؤون الخارجية - كانون الثاني
/ شباط
توني
بلير: رئيس وزراء المملكة
المتحدة
ترجمة
: قسم الترجمة / مركز الشرق
العربي
ـ طبيعة الصراع:
لهذه الايديولوجيا، نحن الأعداء.
ولكننا (لسنا الغرب). (فنحن)
مسلمون، بقدر ما نحن مسيحيون،
ويهود، أو هندوس. (نحن) كل أولئك
الذين يعتقدون بالتسامح
الديني، بانفتاح على الآخرين،
في الديموقراطية، والحرية،
وحقوق الإنسان التي تديرها
المحاكم العلمانية.
إن هذا ليس صداماً بين الحضارات،
إنه صدام حول الحضارات. إنه
المعركة القديمة بين القديم
والرجعية، بين أولئك الذين
يعتنقون العالم الحديث وأولئك
الذين يرفضون وجوده. بين
التفاؤل والأمل من جهة،
والتشاؤم والخوف من جهة أخرى.
في أي صراع، فإن التحدي الأول
إنما هو لإدراك طبيعة موضع
النزاع بدقة، وهنا فإن لدينا
طريقاً طويلاً علينا أن نسير
فيه. إنه لمن غير القابل للتصديق
بالنسبة إليّ أن يبدو هذا القدر
من الآراء الغربية تتقبل فكرة
أن ظهور هذا الإرهاب العالمي هو
بطريقة ما خطؤنا.
كبداية، فإن الإرهاب عالمي بحت.
إنه موجه لا ضد الولايات
المتحدة وحلفائها فحسب، بل كذلك
ضد أمم لا يمكن القول إنها شريكة
للغرب. إضافة إلى ذلك فإن من
الواضح أن الصراعات في كل من
العراق وأفغانستان ليس حول
تحرير هذه البلاد من الاحتلال
الأمريكي. إن هدف المتطرفين هو
منع هذه البلاد من أن تصبح
ديموقراطية، لا على الطريقة
الغربية للديموقراطيات، بل على
أي نوع من الديموقراطية.
إنهم المتطرفون، وليس نحن، الذين
يذبحون الأبرياء ويقومون بذلك
عمداً. إنهم هم السبب الوحيد
لاستمرار وجود جنودنا في العراق
وأفغانستان.
إن القول كذلك بأن الإرهاب
الإسلاموي هو نتاج للفقر هو
كلام لا قيمة له. بالطبع، إنه
يسخدم قضية الفقر كمبرر
لتحركاته. ولكن متطرفيه لا
يناصرون التطور الاقتصادي.
أيضاً، فإن تشجيع تأسيس فلسطين
تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل
ليس هدفاً للإرهابيين، بل
بالأحرى إن هدفهم منع حدوث ذلك.
لقد قاتلوا لا من أجل أن يصبحوا
داخل دولة فلسطينية بل من أجل
الخروج عن أن يكونوا في دولة
إسرائيلية.
لقد أسس الإرهابيون
ايديولوجيتهم على التطرف
الديني، وليس على أي تطرف ديني،
بل على تفسير إسلامي محدد. لا
يريد الإرهابيون للدول
الإسلامية أن تتحدث. إنهم
يأملون أن يكتسح قوس التطرف
الذي يمتد الآن عبر المنطقة
الخطوات الجديدة ولكن المترددة
التي يريد الإسلام الحديث أن
يقوم بها تجاه المستقبل. إنهم
يريدون للعالم الإسلامي أن
يتقهقر إلى حكم من قبل القلة
الدينية شبه الاقطاعية.
مع ذلك، ورغم كل هذا الذي أعتبره
واضحاً تماماً، فإن الكثيرين في
الدول الغربية يستمعون إلى
دعاية المتطرفين الإعلامية
ويقبلونها. ولعزو الفضل إلى
أصحابه، فإن المتطرفين يلعبون
بإعلامنا الخاص بذكاء يحسدهم
عليه العديد من الأحزاب
السياسية. إنهم ينظرون إلى
إراقة الدماء في العراق ويقولون
إنه سبب كاف لنا لنغادر. كل تحرك
في المجزرة يشير
إلى مسؤوليتنا عن الفوضى
بدلاً من الإشارة إلى فظاعة من
تسببوا به. ويعتقد الكثيرون أن
ما تم إنجازه في العراق في 2003
كان خاطئاً لدرجة أنهم مترددون
في قبول ما أصبح صحيحاً بوضوح
الآن.
يعتقد بعض الناس أن هجمات
الإرهابيين ناتجة بالكامل عن
قمع الغرب للمسلمين. ويعتقد بعض
الناس فعلاً أن الهجمات ستتوقف
فقط لو خرجنا من العراق
وأفغانستان. وفي بعض الأساليب
الأكثر خبثاً، ينظر الكثيرون
إلى إسرائيل ويفكرون أننا دفعنا
ثمناً باهظاً جداً لدعمها
وتعاطفنا مع من ينتقدونها.
لو عرفنا هذا الصراع كما هو عليه
حقاً، فإننا على الأقل، سنكون
في الخطوات الأولى على طريق
الانتصار. ولكن قسماً كبيراً من
الرأي الغربي ليس قريباً ولا
بأي درجة من هذه النقطة بعد.
ينبغي التصدي لهذه
الايديولوجية، والتصدي لها
حيثما كانت. لن يهزم التطرف
الإسلاموي حتى نواجه لا وسائل
المتطرفين وحسب، بل كذلك
أفكارهم. أنا لا أعني إخبارهم أن
النشاط الإرهابي هو أمر خاطئ
وحسب. بل أعني إخبارهم أن موقفهم
تجاه الولايات المتحدة غير
منطقي، وأن فهمهم للحكم ما قبل
اقطاعي، وأن ترتيبهم حيال
النساء وذوي المعتقدات الأخرى
رجعي. إن علينا أن نرفض لا
تصرفاتهم البربرية فقط، بل كذلك
شعورهم الخاطئ بالظلم ضد الغرب،
ومحاولتهم لاقناعنا بأن
الآخرين وليسوا هم أنفسهم
المسؤولين عن عنفهم.
في عهد العولمة، فإن حصيلة هذا
التصادم بين التطرف والتقدم
سيقرر مستقبلنا. لم نعد نستطيع
الخروج من هذا الصراع بقدر ما
أننا لا نستطيع الخروج من تغير
المناخ حولنا. التراخي، وإلقاء
المسؤولية على الولايات
المتحدة وحدها أو خداع أنفسنا
بأن هذا الإرهاب إنما هو سلسلة
من الحوادث الفردية المعزولة
أكثر منه حركة عالمية، سيكون
خطأ كبيراً وأساسياً.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|