معركة
على القيم العالمية
(3)
عن
الشؤون الخارجية - كانون الثاني
/ شباط
توني
بلير: رئيس وزراء المملكة
المتحدة
ترجمة
: قسم الترجمة / مركز الشرق
العربي
جبهتان:
لهذا السبب فإن من الخطأ تجاهل
أهمية الانتخابات في العراق
وأفغانستان. الحقيقة هي أن
الناس لو أعطوا الفرصة فإنهم
يريدون الديموقراطية. من اللحظة
التي خرج فيها الأفغانيون
وصوتوا في انتخاباتهم الأولى
على الإطلاق، تحطم مقولة إن
الديموقراطية هي مفهوم غربي. في
العراق كذلك، ورغم العنف
والرعب، صوت الناس، وليس بأعداد
ضئيلة، بل بأعداد كبيرة بما
يكفي لإثارة خجل الكثير من
الديموقراطيات الغربية.
ما تظهره هذه الأصوات هو أن الناس
لا يريدون الدكتاتورية، لا
دينية ولا علمانية. وعندما تجرأ
مؤيدو صدام أو الملا محمد عمر
على الوقوف في الانتخابات، لم
يحصلوا على أصوات كثيرة. لقد
قالها المسلمون العراقيون
والأفغان بوضوح: الديموقراطية
حق لنا بقدر ما هي حق لكم. وفي
تمسكهم بها، فإنهم يظهرون أنهم
يريدون كذلك مجتمعاً حيث يعيش
فيه الناس من مختلف الثقافات
والمعتقدات معاً في سلام. هذا
الصراع هو صراعنا.
من يحاول إيقاف أولئك الذين
يريدون الديموقراطية؟ في
العراق، هناك خليط من الجهاديين
الأجانب، والصداميين سابقاً،
والمتمردين الرافضين. في
أفغانستان، هناك توليفة من
بارونات المخدرات،
والطالبانات، والقاعدة. وتقوم
قضيتهم على أن الديموقراطية هي
مفهوم غربي يتم فرضه على ثقافة
إسلامية لا ترحب به.
وكل نظرية مؤامرة، من أن هدف
الغرب إنما هو الاستيلاء على
النفط العراقي إلا أن الغرب
لديه مخططات للهيمنة
الامبريالية يتم تكرارها. وحتى
في الغرب فالبعض يؤيد هذه
النظرية.
لماذا تحارب هذه العناصر الرجعية
بهذه القوة؟ لأنهم يعرفون أهمية
النصر أو الهزيمة. لقد كان
ذلك واضحاً لهم من البداية
تماماً. بالطبع، لقد كان هناك
أخطاء وإساءات غير مقبولة لحقوق
الإنسان من جانبنا، ولكن ما هو
موجود هو صراع بين الديموقراطية
والعنف في أصفى أشكاله.
بالتأكيد، فإن مما هو قابل
للمناقشة، أن محو البعثنة قد
سار بشكل سريع جداً وانتشر بشكل
عشوائي تماماً خصوصاً بين
القوات المسلحة. إن من السهل مع
ذلك نسيان أن القلق الحقيقي
بالرجوع إلى 2003 كان أزمة
إنسانية، والتي تم تجنبها، وأن
الضغط في ذلك الوقت كان باتجاه
محو أسرع للبعثنة.
ولكن المشكلة الرئيسية، منذ
اغتيال طاقم الأمم المتحدة في
آب 2003 وما بعده، كانت بسيطة:
الأمن. لقد حاولت عناصر الرجعية
أن تحرف مسار كل من إعادة البناء
والديموقراطية بالعنف. وقد
أصبحت الطاقة والكهرباء مشاكل
لا بسبب الكسل والتراخي من جانب
أي من العراقيين أو قوات
التحالف بل عبر التدمير. وأصبح
الناس خائفين من الإرهاب
والعصابات الإجرامية والتي حرر
بعضها بشكل متعمد من السجن من
قبل صدام حسين قبل سقوطه.
لم تكن هذه أعمالاً عشوائية، لقد
كانت وماتزال جزء من استراتيجية.
وعندما فشلت هذه الاستراتيجية
في دفع الائتلاف للخروج من
العراق قبل الأوان، عندما فشلت
في إيقاف التصويت، تحول
الإرهابيون إلى طائفيين يقتلون
ويعتدون، وبشكل خاص التدمير
الوحشي وغير الموقر للمزار
الشيعي في سامراء.
ويعلم المتطرفون أنهم إذا كانوا
يستطيعون النجاح في العراق،
وأفغانستان، ولبنان، أو أي أمة
أخرى ترغب في سلوك طريق
الديموقراطية، فإن احتمالية
مستقبل ديموقراطي للعالمين
العربي والإسلامي سيكون قد تلقى
ضربة رهيبة فعلاً. كذلك لو أصبحت
هذه الدول ديموقراطيات وأحرزت
تقدماً، فإن ذلك سيكون ضربة
قوية ضد كل من دعاية المتطرفين
حول الغرب ونظام قيمهم بأكمله.
في كل حالة، فإن الولايات
المتحدة، والمملكة المتحدة،
والعديد من الأمم الأخرى موجودة
هناك لمساعدة القوات الأمنية
الأهلية على النمو، ولدعم
العملية الديموقراطية، ولتوفير
حاجز ضد الإرهاب الذي يهدد هذه
العملية. في كل حالة، فإن سلطة
الأمم المتحدة بأكملها متواجدة.
إن الجدل الدائر حول حكمة
القرارات الأصلية، خصوصاً حول
العراق، ستستمر وسيقول الخصوم
بإن العراق لم يكن تهديداً قط،
وأنه لم يكن هناك أي أسلحة
للدمار الشامل، وأن تجارة
المخدرات في أفغانستان مستمرة.
سأشير إلى أن العراق كان
تهديداً بناء فعلاً، بحربين
إقليميتين، و(14) قرار للأمم
المتحدة كما أظهر التقرير
النهائي لمجموعة دراسة العراق.
وسأذكر الناس بأنه في أعقاب حرب
العراق، أحرزنا تقدمات كبرى في
عرقلة انتشار أسلحة الدمار
الشامل، ليس أقلها علاقات جديدة
مع ليبيا، واتخاذ اجراءات بحق
شبكة الأسلحة النووية. وسأذكر
بأنهم الطالبان الذين أداروا
تجارة المخدرات واستضافوا
القاعدة ومخيمات تدريبهما.
لكن مهما كانت نتيجة هذا الجدل،
إذا كان هناك أي جدل، فإن
الحقيقة هي أنه الآن مهما كانت
الأسباب الصحيحة والخاطئة عن
أسباب إزاحة صدام والطالبان، إن
هناك سبب واضح، وجلي، ومهيمن،
لتأييد الناس في هذه البلاد في
رغبتهم بالديموقراطية. منذ
حزيران 2003، كانت القوات متعددة
الجنسيات في العراق تحت قرار
الأمم المتحدة، ومع سلطة حكومة
العراق المنتخبة لأول مرة على
الإطلاق. في أفغانستان كانت
سلطة الأمم المتحدة في مكانها
بشكل شامل.
إن النقطة الحاسمة حول هذه
التدخلات هي أنها لم تكن حول
تغيير الأنظمة بل حول تغيير قيم
الأنظمة الحاكمة التي تهتم بها
الأمم. لم يكن الشعار في الواقع (تغيير
النظام)، لقد كان (تغيير القيم)
لهذا قلت إن ما تم إنجازه
بالتدخل بهذه الطريقة، قد يكون
أكثر أهمية حتى مما تم تقديره في
حينها. إن السخرية المؤلمة هي أن
المتطرفين لديهم رؤية أوضح لما
هو موضع الرهان مما هي عليه لدى
الكثير من الناس في الغرب.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|