معركة
على القيم العالمية
(4)
عن
الشؤون الخارجية - كانون الثاني
/ شباط
توني
بلير: رئيس وزراء المملكة
المتحدة
ترجمة
: قسم الترجمة / مركز الشرق
العربي
ـ المعركة من أجل القلوب والعقول:
إن هذه في النهاية هي معركة حول
الحداثة. ويمكن إدارة بعضها
والفوز بها فقط ضمن عالم
الإسلام نفسه. ولكن دعونا نتذكر
أن التطرف ليس هو صوت الإسلام
الحقيقي. فملايين المسلمين حول
العالم يريدون ما يريد كل الناس:
أن يكونوا أحراراً والآخرون
أحراراً كذلك. إنهم يعتبرون
التسامح فضيلة واحترام عقيدة
الآخرين كجزء من عقيدتهم الخاصة.
هذه هي معركة من القيم من أجل
التقدم، وهي بالتالي معركة يجب
الانتصار فيها. إذا ما أردنا
تأمين طريقتنا في الحياة، فليس
هناك بديل سوى القتال من أجل ذلك.
ويعني هذا الوقوف من أجل قيمنا،
لا في بلدنا نحن وحسب بل في
العالم كله. إننا نحتاج إلى
إنشاء تحالف عالمي لهذه القيم
العالمية والعمل عن طريقها. إن
العطالة في سياسة بقدر ذلك، لها
نتائجها، إنها ببساطة السياسة
الخطأ.
إن استراتيجية التطرف الإسلاموي
الكاملة مرتكزة على استغلال
الشعور بالظلم الذي يقسم الناس
أحدهم ضد الآخر. وينبغي أن تكون
إجابتنا مجموعة من القيم القوية
بما فيه الكفاية لتوحيد الناس
مع بعضهم. إن هذا ليس حول
التكتيكات الأمنية أو العسكرية.
إنها حول القلوب والعقول، حول
إلهام الناس وإقناعهم وتوضيح
الغاية من قيمنا لهم بأفضل
طريقة. لماذا لم ننجح بعد؟ لأننا
لسنا شجعاناً بما فيه الكفاية،
ولا ثابتين بما فيه الكفاية،
ولا مثابرين. ببساطة فلتوضيحها
بهذه اللغة ينبغي التأكيد على
ما تم إنجازه. وإقناع الرأي
العام الغربي بطبيعة المعركة
صعب بما فيه الكفاية. ولكن يتوجب
علينا حينها تفويض قوى حداثية،
معتدلة، ذات تيار مهيمن في
العالم الإسلامي لتهزم خصومها
الرجعيين. إن علينا أن نوضح أن
قيمنا ليست غربية، كما أنها
بدرجة أقل أمريكية أو
أنجلوساكسونية، بل قيماً في
الملكية المشتركة للإنسانية،
قيماً عالمية ينبغي أن تكون
حقاً للمواطن المعولم.
المصطفون ضدنا هم أناس يكرهوننا
فعلاً. ولكن وراءهم هناك
العديدون الذين لا يكرهونا بل
يرتابون بدوافعنا، وعقيدتنا،
وإنصافنا. هؤلاء الناس الذي
يستطيعون دعم قيمنا ولكن الذين
يعتقدون أننا أنفسنا ندعمهم
بانتقائية وحسب. هؤلاء هم الناس
الذين يتوجب علينا إقناعهم. إن
عليهم أن يعلموا أن هذا إنما هو
حول العدل والإنصاف بقدر ما هو
حول الأمن والازدهار.
هذا هو السبب في أنه وفي مستوى
كامل من القضايا الحرجة، فإننا
لا نواجه أسئلة قوية وحسب حول
مصالحنا القومية بل اختبارات
جوهرية لالتزامنا بالقيم
العالمية. إذا ما آمنا
بمسؤوليتنا تجاه الأجيال التي
ستأتي من بعدنا، فكيف لا نتغير
حيال تدهور كوكب الأرض؟ كيف
يكون لدينا نظام عالمي للتجارة
مرتكز على تجارة غير عادلة؟ كيف
نجلب السلام للشرق الأوسط إلا
إذا حللنا قضية إسرائيل
وفلسطين؟
في أي وقت يعيش الناس فيه في خوف،
دون وجود احتمالية للتقدم،
يتوجب علينا أن نكون إلى
جانبهم، في تلاحم معهم، سواء في
مينمار، أو شمال كورية،
أوالسودان، أو زيمبابوي. حيثما
تكون هناك دول في خضم عملية
التطور الديموقراطي، يتوجب
علينا أن نمد يداً للمساعدة.
ويتطلب هذا، بشكل شامل للجميع،
سياسة ارتباط خارجية نشطة، لا
عزلاً. ولا يمكن تحقيق ذلك دون
تحالف قوي مع الولايات المتحدة
وأوروبا في مركزها. إن التحالف
الضروري لا ينتهي هناك، ولكنه
يبدأ هناك.
دعوني أكن صريحاً تماماً هنا.
فأنا لا أتفق دائماً مع
الولايات المتحدة. في بعض
الأحيان تصبح صديقاً صعباً
للمرء، ولكن لحن الشعور بالعداء
لأمريكا في أجزاء من أوروبا هو
جنون عندما نقف ضد المصالح
الطويلة الأمد للعالم الذي نؤمن
به. إن الخطر المتعلق للولايات
المتحدة اليوم لا أنها تتدخل
أكثر مما ينبغي في العالم. الخطر
هو أنها قد تغلق الجسر المتحرك
وتفك الارتباط. فالعالم يحتاج
إلى تدخلها، والعالم يريدها أن
تتدخل. والحقيقة هي أن أياً من
المشاكل التي تضغط علينا لا
يمكن حلها أو حتى مقاربتها
دونها.
ـ ما وراء الأمن:
التحدي الآن إنما هو لضمان أن
الأجندة ليست مقصورة على الأمن
وحده. فهناك خطر من انقسام
السياسات العالمية إلى سياسات
صلبة ولينة، مع المساعي الصلبة
وراء الإرهابيين، تركز حملة
اللين على الفقر والظلم. هذا
التقسيم خطير لأن التكافل يجعل
من هذه القضايا فقط هذا: تكافل.
إن جواب الإرهاب هو التطبيق
العالمي للقيم العالمية، وجواب
الفقر والظلم هو نفس الجواب.
لذلك ينبغي تطبيق الكفاح من أجل
القيم العالمية لا بشكل انتقائي
بل بكامل الأجندة العالمية.
إننا في حاجة إلى تنشيط عملية
السلام بين إسرائيل وفلسطين.
وسنحتاج لفعل ذلك بطريقة
دراماتيكية وعميقة. فأهميتها
بالنسبة للقضية الأعم في الشرق
الأوسط وبالنسبة للمعركة في
عالم الإسلام تذهب إلى ما بعد
تصحيح وضع الفلسطينيين المتأزم.
وستكون التسوية هي الإثبات الحي
والمرئي على أن المنطقة والعالم
يستطيع أن يلائم بين عقائد
وثقافات مختلفة. إنها لن تسكت
دعوة الإسلام الرجعي الأكثر
تأثيراً وحسب بل ستقوض
ايديولوجيته الأساسية بشكل
مدمر.
يتوجب علينا مقارعة الفقر،
والجوع، والأمراض، والصراع
خصوصاً في أفريقيا، وأن نرفع
مقدار مساعداتنا أكثر، وأن نضع
مراحل لنشاطنا. قبل تسلم
المملكة المتحدة لرئاسة مجموعة
الثمانية، وهي القوى الصناعية
المتقدمة، في 2005، لم تكن قضايا
أفريقيا تغير المناخ في موضع
متقدم على الأجندة السياسية في
لندن، دع جانبا بشكل دولي، وهي
كذلك الآن. وهذا يعود في جزء
كبير منه إلى جهود ملايين البشر
الذين حرّكتهم حملة (تاريخ صنع
الفقر) و(الحياة 8)، والتي لعبت
دوراً استثنائياً في تعبئة
المجتمع المدني. لكن فقط لأن
القضايا هي على رأس الأجندة
الآن فإن ذلك لا يعني أنها لن
تنزلق ثانية إلى الأسفل.
إن علينا أن نضمن أنها لن تفعل. إن
علينا أن نستمر في تعبئة
المصادر والإرادة لتحويل
التزامات 2005 إلى فعل. لقد رأيت
أنه إذا كان
هناك التزام حقيقي من قبل
الحكومات الأفريقية للتقدم،
فإن شعوب أفريقيا مؤهلون تماماً
للقيام بالباقي. وهذا هو السبب
في أنه مهما كان الوضع يبدو
محبطاً أو مهما تبدو العقبات
قاهرة، فإن علينا أن نبقى
متفائلين بأن التقدم هو ممكن في
الحقيقة.
إننا في حاجة إلى قفزة بدء
بالمحادثات حول التجارة.
فالمخاطر به بشكل واضح هو
التزامنا بمحاربة عالم الفقر
ودعم التطور. ولكن في الموازنة
هناك الفكرة الهامة جداً
المتعلقة باستخدام تحرك متعدد
الأطراف لتحقيق أهداف مشتركة.
فإذا لم نستطع إدارة دورة
تجارية محترمة في وقت من الواضح
فيه تماماً أن مصالحنا القومية
بعيدة الأمد ومصالح العالم
الكبرى تتطلبها، فإن ذلك سيكون
فشلاً ذا عواقب مضاعفة كلها
عكسية. إن حماية الزراعة
الأوروبية هي سياسة ولدت في عصر
آخر. وقد آن الأوان لأنهائها.
ولكن التغيير
في أوروبة وحدها ليس هو الإجابة.
على الولايات المتحدة أن تكون
منفتحة كذلك. واليابان أيضاً.
خلال تطوير إمكانية الوصول إلى
الأسواق غير الزراعية، فإننا
نتطلع إلى قيادة من البرازيل
والهند. كما أن علينا أن نتفق
على صندوق تطوير للأشد فقراً
يشتمل على نسبة مئوية للوصول
إلى السوق وتلقي المساعدة
للتجارة.
أخيراً، فإن على العالم بأكمله
أن يركز على تهديد التغير
المناخي. فأجيال المستقبل لن
تغفر لنا إذا لم نهتم بتدهور
وتلوث كوكبنا. إننا بحاجة إلى
إطار واضح ومنظم للتحرك ذي
نتائج قابلة للقياس يشتريها كل
اللاعبين الأساسيين والتي يكون
هدفها في الصميم جعل تركيزات
غاز البيت الزجاجي ودرجة حرارة
الكوكب مستقرة. إنني أعتقد أن
هدفاً واضحاً وخطة عمل قوية
ستساعد في تحفيز الثورة
التكنولوجية التي نحتاجها. إن
من الأساسي منح العمل التوكيد
الذي يحتاجه للاستثمار في
تكنولوجيا أنظف وتخفيض
الانبعاثات.
تريد الولايات المتحدة اقتصاداً
ذا كربون منخفض، وهي تستثمر
بشكل كبير في التكنولوجيا
النظيفة، وهي تحتاج إلى أن
تتطور الصين والهند بشكل كبير.
إن العالم مستعد لبداية جديدة
وبإمكان واشنطن أن تساعد
بقيادته.
خلال التسع سنوات التي قضيتها
كرئيس للوزراء، لم أصبح أقل
مثالية أو أكثر سخرية. لقد أصبحت
ببساطة أكثر اقتناعاً بأن
التمييز بين سياسة خارجية
تقودها القيم وأخرى تقودها
المصالح هو أمر خاطئ. فالعوملة
تتسبب في إحداث اعتماد طرف على
طرف، والذي ينتج عنه ضرورة نظام
قيم مشترك لجعله يعمل. وهكذا
تصبح المثالية سياسة واقعية.
ولا ينفي أي من ذلك الانتكاسات،
والتقصيرات والتناقضات
والمراءات التي تأتي مع صنع
القرار العملي في عالم قاس.
ولكنه يعني أن أفضل ما في روح
الإنسان، والتي دفعت لتقدم
البشرية إلى الأمام، هو أيضاً
الأمل الأفضل لمستقبل العالم.
لهذا أقول أن هذا الصراع هو صراع
حول القيم، فقيمنا هي التي
ترشدنا، وهي تمثل تقدم البشرية
عبر العصور. وقد كان علينا
القتال لأجلها عند كل نقطة
والدفاع عنها. وبينما يدعونا
عصر جديد، فقد حان الوقت
لنتقاتل من أجلها مرة أخرى.
-----------------
نشرنا
لهذه المقالات لا يعني أنها
تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً
أو جزئياً
|