متابعة سياسية
رقم 992
9/5/2005
كيف
تحكم سورية ؟
روبرت
ج. رابيل: باحث كبير
في معهد واشنطن، وأستاذ
زائر للعلوم السياسية في جامعة
فلوريدا أتلانتك ومؤلف كتاب (جيران
متحاربون: إسرائيل، وسورية،
ولبنان، 2003).
في أعقاب انسحابها
العسكري من لبنان، فإن سورية
تقوم بالاستعداد للمؤتمر
القطري العاشر لحزب البعث. إن
المؤتمر الأول المماثل كان منذ
خمس سنوات، وهذا المؤتمر هو
الثاني فقط خلال عشرين عاماً.
قبل المؤتمر القطري، الذي تمت
جدولته لينعقد في شهر حزيران،
فإن الحزب سيعقد مؤتمراً قومياً
لجميع العرب (القيادة القومية)،
وهو الأول من نوعه خلال 22 سنة.
وقد يأمل الرئيس بشار الأسد في
استخدام هذه الأحداث لتقديم
دعاواه الإصلاحية. في الحقيقة،
فإن عدة مبادرات هي متوقعة بهذه
الغاية، بما في ذلك تغيير اسم (حزب
البعث العربي الاشتراكي) إلى (البعث
الديموقراطي)، وتفكيك القيادة
القومية، وتعديل القانون من أجل
الأحزاب السياسية. يقدم المؤتمر
فرصة جيدة لفحص الهيكل السياسي
السوري، بفتحه نافذة على عقل
النظام وردود فعله المحتملة على
التطورات الإقليمية.
ـ خلفية: سلطوية
حافظ الأسد:
في تشرين الثاني من
عام 1970، وبعد فترة من الزعزعة
السياسية في سورية، تسلم حافظ
الأسد السلطة في انقلاب لم تسفك
فيه الدماء. بعد ذلك بوقت قصير،
شرع في إعادة صياغة نظام البلد
السياسي، منشئاً هيكلاً رسمياً
لتأسيس نظامه. في عام 1971، قام
بتعيين 173 عضواًً في البرلمان،
وقد قام هذا البرلمان المعين
بعد ذلك بتقديمه كمرشح وحيد
للرئاسة. وقد أسس هذا النموذج من
الاستفتاءات التي كان الأسد
يتلقى فيها إعادة الموافقة من
حوالي 99% من الأصوات. في عام 1972،
قام بتأسيس الجبهة الوطنية
التقدمية، والتي كانت وظيفتها
تجميع القوى السورية التقدمية
حول حزب البعث لمصلحة مواجهة
إسرائيل. في عام 1972، أعلن الأسد
قانوناً دائماً وصف البعث
باعتباره (حزباً قيادياً في
المجتمع والدولة). وقد أكدت
استهلالية الوثيقة على اتجاه
الحزب الثوري، منشئاً صلة بين
الصراع الوطني والاشتراكي،
ووحدة الجمهوريات العربية،
والصراع ضد الاستعمار
والصهيونية.
وقد أصبحت هذه
الإصلاحات تعرف باعتبارها (الحركة
التصحيحية). وقد أنشأ الهيكل
الرسمي الذي كانت السياسة
السورية تدار به. ومع ذلك، فقد
كانت القوة الفعلية تكمن في
هيكل غير رسمي مرتكز على
العلاقة بين الموالين للنظام
وغالبية العسكريين العلويين
وضباط الأمن. فيما يتعلق بضباط
الأمن، فإن سورية كانت قد وضعت
تحت حالة الطوارئ منذ 1963، وقد
برر الأسد استمرارية القانون
العسكري بادعاء أن سورية كانت
في حالة حرب مع إسرائيل. وقد
منحت المخابرات المرعبة دوراً
هاماً بشكل خاص امتد إلى ما وراء
المسائل الأمنية. في نفس الوقت،
عزز الأسد قيادة طائفته. في وقت
مبكر يعود إلى أيار 1971، وصفته
القيادة البعثية الجديدة
باعتباره (قائد المسيرة)، على
على نحو مشابه، في كانون الثاني
من عام 1985، أكد المؤتمر
الإقليمي الثامن للحزب على أن (الولاء
له ـ
للرئيس ـ هو ولاء للحزب وللشعب
وللقضية).
إن الفروع المختلفة
للهيكلية الرسمية للنظام ـ
خصوصاً للبرلمان، وللجبهة
الوطنية التقدمية، وللمنظمات
الشعبية، إضافة
إلى الصناعات التي تملكها
الحكومة ـ قد لعبت دوراً في
التعبئة والسيطرة، حيث كانت
تقوم بتحييد فعال للمعارضة
المحتملة. في عام 1990، على سبيل
المثال، تمت توسعة البرلمان
ليشمل 250 عضواً بدلاً من 195 عضواً.
وقد احتفظ بثلث المقاعد للنواب
المستقلين، مقدماً تمثيلاً
رمزياً للقوات الاجتماعية
والتي لم يكن لديها أي من ذلك
حتى اليوم، في الوقت الذي يحفظ
فيه للبعث سيطرة الأغلبية. على
نحو مشابه، طور النظام المنظمات
الشعبية إلى تسلسل هرمي، مؤسسات
شبه حكومية مكرسة لمساندة
أولويات الدولة. في الحقيقة،
فإن اتحادات سورية المختلفة
والجمعيات (الفنانين،
المعلمين، الحرفيين، الكتاب،
الفلاحين، إلخ) قد عملت كواجهات
مثالية يمكن السيطرة من خلالها
على المجتمع ككل. عبر هذه
الوسائل ووسائل أخرى، قَولب
الأسد سورية الحديثة إلى دولة
سلطوية تشبه السجن من عدة وجوه،
يدور بكل نشاط حول سلطته
وقيادته الطائفية الكلية.
ـ كيف يحكم بشار:
في 10 حزيران /2000،
توفي حافظ الأسد بعد ثلاثين سنة
في السلطة. وقد مهد الحكم الصارم
والمرهوب الجانب للقائد الموقر
والذي غذى استربابه الشخصي
القومية العربية ونخب القيادات
العروبية، مهد الطريق لحكم بشار
الأسد. يفتقر بشار الأسد إلى
شخصية والده المترببة، وقد
تأثرت شرعيته بدرجة أكبر بفشل
النظام في التعامل مع التحديات
الاجتماعية والاقتصادية
وطموحات الإصلاحيين. لا حاجة
للقول، بأن سورية مثلها في ذلك
مثل معظم الدول العربية الأخرى،
تواجه مشاكل جدية اقتصادية
واجتماعية وسياسية، في حين أنها
في نفس الوقت الذي تعاني فيه من
نمو سكاني متفجر. إن بشار الأسد
ليس هو ميخائيل غورباتشوف، وهو
ليس متلهفاً لطرح البيروستريكا
السورية المعادلة أو
الجلاسنوست، والتي قد تزيحه عن
السلطة. في الواقع، فقد قام
بالتضييق على حركة الإصلاح التي
ساعد هو نفسه في إطلاقها ما إن
أدرك نتائجها على النظام
السياسي. إن الطريقة التي أعاد
بها بشار خلط أوراق حكومته تشير
إلى أن مركز السلطة في سورية
مايزال متقلباً، مما يزيد قتامة
عملية صنع القرار في البلاد. يتم
اتخاذ القرارات وراء الأبواب
المغلقة، دون بذل أي جهد لتفسير
أسبابها للشعب السوري. ولكن
وكما يلاحظ المحلل السوري
المتبصر عمار عبدالرحيم، (فإنه
وبعد كل هذه السنوات، فإن أمراً
واحداً هو الواضح: أنه في أوقات
الأزمات، أو عندما يحين وقت
اتخاذ القرارات ذات الأهمية
الكبرى، فإن قادة سورية ذوي
المراتب العليا، مهما كانت
الأسباب، يميلون للاصطفاف مع
المتشددين، وبالتالي فإنهم
يتحملون الحصة الأكبر من
المسؤولية عن ظروف سورية
الحالية).
تبقى قوى البلاد
الرسمية بأيدي المسؤولين
العلويين. وقد ظهر أخو بشار،
ماهر، باعتباره الرجل القوي
للحرس الجمهوري، والذي تعتبر
مهمته الرئيسية حماية قصر
الرئيس والعاصمة. وقد عين غازي
كنعان، الرئيس الأسبق
للاستخبارات في لبنان، ومحل ثقة
والد بشار، كوزير للداخلية في
تشرين الأول/ 2004. إن لكنعان شهرة
واسعة لأساليبه الذكية
وتكتيكاته الدقيقة، رغم أنه
أصبح مناصراً للإصلاح التدريجي.
وقد تم تعيين صهر بشار، آصف
شوكت، مؤخراً كرئيس
للاستخبارات العسكرية، وهو
يعتبر متشدداً. في حين يترأس
بهجت سليمان، وهو متشدد آخر
شعبة الأمن الداخلي لمديرية
الاستخبارات العامة، ويتجاوز
مدى تأثيره تأثير رئيس الدائرة
هشام بختيار. (ينبغي أن يلاحظ
أنه، ووفقاً لإشاعة تدور في
دمشق وبيروت، فقد أيد كل من
ماهر، وشوكت، وسليمان اغتيال
رئيس الوزراء اللبناني السابق
رفيق الحريري، في حين عارضه كل
من بشار وكنعان). وقد حل
الجنرال محمد منصور مكان كنعان
كرئيس لمدير الأمن السياسي،
وتقول التقارير إن قوته في
ازدياد. أما الجنرال ذو الهمة
شلاش(؟؟)، ابن عم بشار، فهو
مسؤول عن حماية الرئيس. وقد حل
اللواء علي حبيب مكان حسن
تركماني كرئيس للأركان في أيار/2004،
في حين حل تركماني مكان مصطفى
طلاس كوزير للدفاع. كل هؤلاء
المسؤولين باستثناء تركماني،
هم علويون ومع علاقة قبلية أو
عائلية ببشار (وكما يوحي اسمه
الأخير، فإن التركماني هو
تركماني)، المسؤول السني الوحيد
الذي يتمتع بسلطة هامة هو نائب
الرئيس عبدالحليم خدام
وسياساته المتشددة سيئة الصيت.
في الواقع، فإن
ترتيب هيكل القوى الجديد في
سورية قد تبع الطريقة
المؤسساتية القديمة التي
انتهجها الراحل الأسد. فلم يحدث
تغيير عضوي، ويبدو أن نظام بشار
يعتمد على مركز غير رسمي من
الضباط العسكريين الموالين،
والعلويين بشكل خاص، وعلى مركز
رسمي من مسؤولي الدولة ذوي
الرتب العالية، والسنيين بشكل
خاص على نحو مشابه، فإن النظام
السياسي لم يحدث أي تغييرات
مؤسساتية هامة. لأنه يفتقر إلى
مهارات والده القيادية وشخصيته
المترببة، قد يدعو بشار إلى
إجماع بين مجلس الضباط العلويين
بدلاً من خلق أزمة قد تؤدي إلى
تحطيم النظام.
ـ متضمنات
إقليمية:
إن قرار واشنطن
باجتياح العراق وتعزيز
الديموقراطية في الشرق الأوسط
الكبير لم تحطم الوضع الإقليمي
الحالي وحسب، والذي بنت سورية
حوله سمعتها باعتبارها طليعة
القومية العربية، بل إنه قد
هددت كذلك استمرارية النظام. إن
حماية النظام الذاتي الحالي
لسورية باجتياز التهديدات
الداخلية والخارجية قد أصبح
تحدياً بالغ الأهمية للقيادة
السورية. وبناء عليه، فإن بشار
قد حاول تقوية حكمه بتقريب
الصفوف مع قادة نظامه. إن جهوده
قد عززت تصميم المتشددين على
حماية مصالحهم المطوقة، مما
يقوض بشكل فعلي مساعي الولايات
المتحدة لتعزيز الديموقراطية
في المنطقة. إن سورية تتوجه
للاصطدام بالولايات المتحدة
على مستقبل الشرق الأوسط إلا
إذا فطم بشار نفسه عن علاقته
بالمتشددين. بهذا الصدد، فإن
انسحاب سورية من لبنان كان
انسحاباً تكتيكياً وحسب.
|