المساعدة
الأمريكية للشرق الأوسط
تراجيديا
النوايا الحسنة
(3)
(مصر)
يوفال
ليفن
·
هدف المساعدة المقدمة
لمصر
·
نتائج المساعدة المقدمة
لمصر
ما
الذي تتضمنه لأمريكا؟ ما هو
الدور الهام الذي تتوقع
الولايات المتحدة من مصر أن
تلعبه في عملية السلام والشرق
الأوسط الجديد؟ في الوقت الذي
سعت فيه الولايات المتحدة
لأهداف استراتيجية وسياسية
داخلية لتعزيز إسرائيل، فقد
سعت غالباً لتعويق مصر، وذلك
لإبقاء المصريين بعيداً عن طريق
السياسة الأمريكية ولمنع صعود
عناصر متطرفة. في أعقاب
اتفاقيات كامب ديفيد مباشرة،
أخبر رونالد ساندرز، مساعد وزير
الخارجية في إدارة كارتر، أعضاء
لجنة مجلس التخصيص بأنه:
بالتأكيد فإن إيجاد سياسة أكثر
إيجابية وتأييداً للأمريكان في
القاهرة هو هدف رئيسي للتمويل
الذي نطلبه، إن من صالح
الولايات المتحدة أن تكون داعمة
لمصر، وأن تحصل بالتالي على
دعمها في السياسة العربية.
ـ
نتائج المساعدة المقدمة لمصر:
من
البداية، فإن الولايات المتحدة
قد فهمتها بشكل خاطئ. لقد أثبتت
الدوافع المادية عدم فعاليتها
لحمل الحكومة المصرية على السير
باتجاه معاكس للسجية المصرية
المعادية للهوية الغربية
الداخلية والمشهد الجيوسياسي.
صحيح أن مصر لم تقم بالحرب منذ
أن سلمت إسرائيل شبه جزيرة
سيناء كاملة بعد اتفاقية كامب
ديفيد، ولكن مصر لم تصبح ودودة
ولا قوة مؤيدة لأمريكا في
السياسة العربية وفي الشرق
الأوسط.
لسبب
واحد، فإن سلام مصر مع إسرائيل
لم يكن بارداً وحسب بل عدائياً
تماماً. على سبيل المثال، فإن
الحكومة المصرية تسمح وفي بعض
الأوقات تشجع نشر الدعاية
المعادية لأمريكا ولإسرائيل
والمعادية للسامية في الإعلام
القومي التابع للحكومة. تصرح
صحيفة الأخبار الحكومية
اليومية في افتتاحيتها في نيسان/2000،
أنه ينبغي (أن لا نثق باليهود
لأنهم أمة من المتشردين مملوئين
بالكراهية تجاه العالم بأكمله).
ويتساءل أحد الكتاب في إحدى
الصحف المصرية المرموقة، صحيفة
الأهرام التابعة للحكومة،
يتساءل بطريقة بلاغية: (ما هي
الفائدة التي سيحصلون عليها "اليهود"
من الهيمنة التي قد حققوها في
هذا العالم ما إن يغادروه؟ كيف
سينتفعون بثرائهم عندما يصلون
إلى الفقر التام في "الجحيم"؟
من سينقذهم؟ فليس من أمريكا
هناك، وحتى إن كانت أمريكا
هناك، فلن تكون قادرة على
مساعدتهم، بل بالأحرى،
ستشاركهم قدرهم، والذي تستحقه
هي أيضاً). وقد نشرت صحيفة
الجمهورية اليومية التابعة
للحكومة موضوعاً ناقشت فيه: (وتستمر
الدعاية الصهيونية حتى اليوم
لإثارة قضية المحرقة النازية
لليهود، رغم أن الدليل التاريخي
الذي كشفه المؤرخون المجددون
الألمان والبريطانيون
والفرنسيون، قد أثبت أن الدعاوى
بوجود محرقة مثل هذه في معسكرات
الاحتجاز النازية هي طرائف.. لقد
اخترعت واستغلت من قبل الحركة
الصهوينية لإدخال الرعب على
الدول الأوروبية خلال الحرب
العالمية الثانية، لكي يهرب
اليهود من أوروبا إلى فلسطين،
لأن الحركة الصهيونية شعرت أن
اليهود تجاهلوا دعوتها للهجرة
إلى فلسطين).
إن
أكثر الأفلام المصرية شعبية في
السنوات القليلة الماضية وصف
قصة رجل اكتشف مؤامرة إسرائيلية
لتسميم مياه الشرب المصرية،
فبدأ رحلة لعكس المؤامرة على
اليهود أنفسهم. وينتهي الفيلم
بمشهد يصور يهوداً في مركب
ساحلي مليء ينقلبون (على ظهورهم)
ما إن يشربوا من مياههم الملوثة.
إن حدود الذوق السليم قد منعتني
من مراجعة العديد من الأمثلة
الأخرى لخطاب الإعلام الذي
تسيطر عليه الحكومة (وغالباً
المدعوم من قبلها).
إلى
جانب هذا النوع من التحريض
والدعاية، فإن المصريين قد
اتخذوا كذلك توجهاً مباشراً
لمنع السلام مع إسرائيل من
الوصول إلى العمق المتصور له من
قبل من صاغه. في الحقيقة، فإن
مصر كثيراً ما تكون على رأس
الهجمات العربية الديبلوماسية
ضد إسرائيل. وفي إحدى النقاط في
عام 1995 فإنها قد اقترحت حتى
إصدار قرار من قبل الجامعة
العربية لإعادة تفعيل الحظر
الاقتصادي ضد إسرائيل. وعندما
سئل عن هذا (السلام البارد) من
قبل باري ساتلوف من معهد واشنطن
لسياسة الشرق الأدنى، أجاب
الرئيس مبارك قائلاً: (صدقني،
إنه سيبقى بارداً، وسيبقى
بارداً لزمن طويل جداً).
ما
هو أكثر خطورة، أن مصر قد انهمكت
في مناورات ديبلوماسية معارضة
بشكل مباشر للمصالح الأمريكية
في المنطقة. فقد عارضت على سبيل
المثال المساعي الأمريكية،
والتي اشتملت على مساع بدعم
أردني، لخلع صدام حسين في
العراق. لقد عارضت كذلك كل
قرارات الأمم المتحدة التي هدفت
إلى التخلص من أسلحة الدمار
الشامل العراقية. بل إن مصر قد
دعمت حتى مسعى فاشلاً من قبل
الإمارات العربية المتحدة لرفع
عقوبات الأمم المتحدة عن العراق.
وفي حديث يعود
إلى آب/2000، قال وزير الخارجية
المصري عمرو موسى أن (قضية
العراق ينبغي أن يتم إعادة
النظر فيها، فإبقاء هذه
العقوبات هو أمر غير مقبول في
العالم العربي). إنه بالطبع لمن
المستحيل القول فيما إذا كانت
هذه المساعي قد حازت على نجاح
أكبر إذا لم تكن بتدخل مصري،
ولكن التدخل بحد ذاته يظهر
بالتأكيد استعداد مصر للوقوف
بقوة في وجه السياسة الأمريكية.
لقد
خرب المصريون كذلك عملية السلام
العربي الإسرائيلي. بل إن مصر لم
ترق لها معاهدة السلام
الإسرائيلي الأردني، والذي كان
بالتأكيد العنصر الأكثر
استفادة والأقل إثارة للمشاكل
في عملية السلام. في خطاب ألقي
في القمة الاقتصادية الثانية في
الشرق الأوسط في عام 1995، قاطع
وزير الخارجية المصري موسى
الملك حسين ملك الأردن ووجه له
إهانة بقوله: (جلالتك ينبغي أن
يتم اتخاذ تعاملنا المتبادل مع
إسرائيل بأقصى درجات المنطق
والثقة والحكمة، وليس بالتظاهر
أو التدافع). مضمنا ً كلامه أن
الملك كان متهوراً متظاهراً.
وقد قام المصريون مراراً
وتكراراً باتخاذ خطوات خلف
الستار لجعل مساعي الحسين
لتطبيع العلاقات مع إسرائيل
أكثر صعوبة.
لقد
سجل المصريون كذلك معارضة قوية
للاتفاقية العسكرية التركية
الإسرائيلية في عام 1996، وقد
هددت بشكل ضمني لدى معرفتها
بذلك بأنهم قد يشكلون تحالفاً
مع سورية كرد على ذلك. مقترحين
بناء على ذلك، بكلمات أحد
المحللين أنه (بدلاً من مناصرة
أو على الأقل دعم تحالف مؤيد
للغرب، فإن القاهرة ستفضل
ظاهرياً روابط أقرب مع دولة هي
على لائحة إدارة الحكومة
الأمريكية لداعمي الإرهاب).
مقياس
آخرمفيد لسلوك مصر كدولة تابعة
ومتلقية للمساعدة الأمريكية
واستعدادها لمناصرة الولايات
المتحدة على الساحة الدولية.
هنا أيضاً وجدنا أن مصر كثيراً
ما تقف معارضة للرغبات والمصالح
الأمريكية. ففي السنوات الأخيرة
الماضية قامت مصر باقتراعها ضد
الولايات المتحدة في 61% من الوقت.
لقد
عارض المصريون كذلك وانتهكوا
بشكل مفتوح الحظر الأمريكي ضد
ليبيا، وقاموا بفتح الطريق أمام
العلاقات العسكرية،
والاقتصادية، والسياسية مع
نظام القذافي. في عام 1997، أعلن
النائب الجمهوري السناتور ميتس
مكونيل من كنتاكي في قاعة
النواب أن هذه العلاقات
المتطورة تعكس (تحول مصر من شريك
في السلام، إلى مناصرة لدولة
إرهابية مسلحة بأسلحة كيميائية.
وفي مقدرة تشكل تهديداً مباشراً
لمصالح الولايات المتحدة). بل إن
مكونيل اقترح قطع المساعدة
الأمريكية بالمقابل، إلا أن
إدارة كلينتون أعاقت محاولته
للقيام بذلك.
بل
إن ما هو أكثر افزاعاً من هذا هو
علاقة مصر بكوريا الشمالية في
تطوير تكنولوجيا الصواريخ، في
انتهاك مباشر لقوانين الولايات
المتحدة التي تحكم المساعدة
الخارجية. ويوضح تقرير
للاستخبارات الأمريكية مقدم
للكونغرس في عام 1999 أنه (وأثناء
النصف الأول من 1998، تابعت مصر
قيامها بالحصول على الأجزاء
المكونة للصواريخ الباليستية
والمعدات المساعدة من كوريا
الشمالية).
إن
هذا النشاط هو جزء من برنامج
تعاون طويل الأمد في الصواريخ
الباليستية بين هاتين الدولتين.
ويوضح تقرير من مركز
الاستخبارات القومية التابع
للقوة الجوية، والصادر في تشرين
أول من عام 1999 بشكل واضح أن
القاهرة ( تتعاون بشكل سري مع
بيونغ يانغ لبناء صواريخ سكود)
إن هذه التقارير لا تقول ما هو
أكثر وضوحاً: (أن تعاون مصر
يتألف على الأغلب من المال الذي
تدفعه لكوريا الشمالية، وهو مال
تستطيع مصر إنفاقه فقط لأن
الولايات المتحدة ذاتها قد مولت
المصريين به).
إن
كوريا الشمالية مصنفة على أنها (دولة
إرهابية) تحت المادة 620 أ من
قانون المساعدة الخارجية
الصادر في عام 1961. يمنع قانون
بعده كذلك (بيع أو إجازة تصدير
مواد دفاعية أو أجهزة دفاع إلى
أي دولة يقرر الرئيس أنها خلال
السنة المالية لم تكن متعاونة
مع جهود الولايات المتحدة
المعادية للإرهاب).
بكلمات
أخرى فإن القانون الأمريكي
يطالب الولايات المتحدة بشكل
واضح بقطع كل المساعدات
الاقتصادية والعسكرية عن مصر،
بل ومنع تصدير المعدات العسكرية
إليها. من هنا، فإن المساعدة
المقدمة لمصر ليست غير فعالة
وحسب، بل غير قانونية في الواقع.
ومع ذلك فإنها تستمر بسبب
الفرضية غير المبررة وغير
المدقق فيها بأن الولايات
المتحدة تساعد نفسها بمساعدة
مصر.
في
المحصلة، فإن المساعدة
الأمريكية لمصر هي عديمة الأثر
بشكل ملحوظ ضد سوء التصرف
المصري وذلك يعود في جزء منه
لكونه يشتمل على الجزر وحسب،
بدون عصا. وكما قالها باري
ساتلوف من معهد واشنطن لسياسة
الشرق الأدنى: (ففي الوقت الذي
لم يتم فيه التعرض لمجالات هامة
وأساسية في التعاون الأمريكي
المصري، فإنني أخشى من كونها
تقارباً مؤقتاً في المصالح،
وليس نموذجاً من الشراكة). لم
تغير المساعدة هذا الوضع.
للأسف،
فقد تسببت المساعدة في إيجاد
نوع من تقارب المصالح بين
المسؤولين الأمريكيين
والمصريين والتي هي ضارة
للولايات المتحدة. إن كميات
الأموال الهائلة التي كانت
متضمنة بشكل حتمي قد أوجدت
مصالح في داخل البيروقراطية
الأمريكية في الهيكل السياسي،
والذين كانت مصالحهم ومراكزهم
تستفيد من استمرارية المساعدة.
من هنا، فإن دعمهم لمصر لم يكن
حباً بمصر ولا بالسياسة
الخارجية الأمريكية بقدر ما هو
عبارة عن صفقة ضمنية:
فالمسؤولون الأمريكيون يساعدون
المسؤولين المصريين ليصبحوا
أثرياء، والمسؤولون المصريون
يساعدون نظرائهم الأمريكيين
لتعزيز سمعتهم.
إن
الاستراتيجية الأمريكية في
المنطقة قد أصبحت معتمدة على
وهم مبني بشكل معقد وممول بشكل
جيد: السلام الإقليمي الثابت
والدائم. ويتطلب هذا الهدف
تأجيل جميع القواعد العادية في
السياسة الدولية والديبلوماسية.
إن المال هو الوسيلة التي تغري
بها الولايات المتحدة العرب
للاستمرار لفترة طويلة. فبدون
المساعدة المقدمة لمصر، فإن
المصريين قد ينحرفون عن الخط
الأمريكي بشكل أكثر صخباً مما
كانوا عليه، وبالتالي فإن
الهيكل السياسي بأكمله قد ينهار.
من هنا فإن صناع السياسة
الأمريكيين قد ألزموا الأمة
باستمرار الدعم لدولة يعرفون
أنها تتصرف بتحد مباشر للمصالح
الأمريكية في الوقت الذي
يستخدمون فيه أموال دافعي
الضرائب الأمريكيين لإغراء
المسؤولين المصريين بمساعدتهم
على إقناع دافعي الضرائب هؤلاء
بأنهم هم أنفسهم كانوا يقومون
بعمل جيد.
إن
مصر هي الدولة الأكثر ظهوراً
والمثال الأكثر تطرفاً على هذه
المشكلة، ولكن المشكلة تنطبق
على جميع حلفاء أمريكا العرب في
عملية السلام. فبغية دعم النص
الجوهري غير القابل للتصديق
لعملية السلام، قامت الولايات
المتحدة بإيجاد واقع سياسي
وهمي، والطريقة الوحيدة للقيام
بذلك كانت عن طريق الاستمرار في
ضخ الأموال للاعبين. إن الوعد
بالمساعدة هو الذي أحضر
المشاركين إلى الطاولة، وقوة
المساعدة هي التي تمنعهم من
تحدي النص بشكل مفتوح، ولكن
وتحت السطح مباشرة، كما رأينا
للتو مع مصر، فإن حقائق السياسة
لم تختف، والأمم المشاركة تتصرف
بطرق تضر بمصالح الولايات
المتحدة وتتنافى بالتأكيد مع
رؤية السلام الشامل. وهكذا فإن
السياسة الأمريكية والمصالح
الأمريكية تصبح بشكل متزايد في
وضع صراع إحداها مع الأخرى،
والمساعدة هي السبب الأساسي
لهذا التناقض المتنامي.
أخيراً،
فإنا المساعدة ضارة عملياً
لأنها تبقي هذا التناقض محجوباً
عن أعين الأمريكيين وتجعل من
الولايات المتحدة ضحية كرمها
الخاص.
|