عمر
هذا التقرير بجزئيه قرابة أربع
سنوات ولكنه مازال معبراً عن
حالة تسعى الولايات المتحدة
إليها. وهو تقرير جدير
بالمتابعة مع مضي الزمن لذا
نقدمه لقرائنا عسى أن تكون فيه
بعض الفائدة.
معهد
السياسة التقدمية
الديمقراطية
الواقعية:
الطريق
الثالث (1)
مارشال
ويل: رئيس معهد السياسة
التقدمية.
مجلة:
بلوبرنت 1 / كانون أول / 2000.
من
إنهاء المساعدات الحكومية إلى
إبعاد العجوزات الاقتصادية
وإعادة ابتكار الحكومة، فإن
ابتكار الرئيس كلينتون للطريق
الثالث قد أعادت تشكيل أجندة
أمريكا الداخلية. ولكن ماذا عن
علاقات الولايات المتحدة مع
بقية العالم؟ هل هناك طريق ثالث
في الشؤون الدولية؟
رغم
أنه أقل تحديداً من نظيره
الداخلي، إلا أن هناك تركيب
جديد في السياسة الخارجية
والأمنية آخذ في الانبثاق. وقد
كانت خطوطه العريضة واضحة في
التدخل الذي قادته الولايات
المتحدة في كوسوفو ـ وهي سياسة
ترتكز بشكل مقصود على مزيج من
القيم الأخلاقية والمصالح
الأمنية مع الأهداف المماثلة
لوقف مأساة إنسانية وتأكيد
مصداقية حلف الناتو كقوة فعالة
في الاستقرار الإقليمي. إن
الشكل الجديد يرتكز كذلك على
عدة وقائع جوهرية متعلقة بما
بعد الحرب الباردة:
ـ
أن الاندماج الاقتصادي
والتنافس قد أصبح يحتل مرحلة
مركزية في السياسات العالمية.
ـ
أن تشجيع انتشار الحرية
السياسية والاقتصادية حول
العالم يخدم مصالح أمريكا
الاستراتيجية.
ـ أن ديبلوماسية الولايات
المتحدة ينبغي أن ترافقها قوة
عسكرية بوسائل متعددة من تطوير
أسلحتنا في عالم متعدد الأقطاب.
هذا الدمج بين القيم
والمصالح، وبين الشؤون
الاقتصادية والأمنية، والقوى
الوطنية والتعاون الدولي، هو
صميم الديمقراطية الواقعية،
وهو إطار عمل للسياسة الخارجية
قد قمنا باقتراحه للقرن الواحد
والعشرين.
في
العقد الذي مر منذ سقوط حائط
برلين، فإن حدثين كبيرين أضعفا
الإجماع الدولي الذي تشكل ودعم
سياسة الولايات المتحدة منذ
عقود الأربعينات وما بعدها.
أحدهما كان تغير الخطر
السوفييتي المعروف إلى عالم من
التهديدات التي وإن كانت أصغر
إلا أنها تهديدات منثورة ولا
يمكن التنبؤ بها. وقد دفع هذا
بعض الأمريكيين للاستنتاج بأن
حزام التحالفات العالمي،
والمنشآت التي بنيناها بعد
الحرب العالمية الثانية أصبحت
تسبب في الوقت الحالي أعباء
أكثر من فوائدها على القوة
العظمى الوحيدة في العالم.
وقد
كان الحدث الثاني هو الظهور
المتسارع للاقتصاد الجديد
المرتكز على تكنولوجيا
المعلومات الجديدة، وشبكات
الاتصال، والأسواق المالية
التي لا تنام أبداً. إن الاقتصاد
المتقلب، وانعدام الأمن الذي
سببته العولمة أثار ردة فعل
ارتجاعية ضد التجارة التي كانت
آخذة في الاتساع وضد تعميق
الاندماج الاقتصادي.
مع
كون الشيوعية قد تم إرسالها
بسلام إلى قمامة التاريخ، يقوم
الكثير من الجمهوريين بشكل خاص
بالانسحاب من مخيم القومية.
يعارض الجمهوريون في الكونغرس
تدخل الولايات المتحدة في
البلقان، وقد ذهب (توم ديلي) إلى
حد شجب تفجيرات الناتو لصربيا
باعتبارها (حرب كلينتون) كما
أنهم انتقدوا التمويل لعمليات
الولايات المتحدة الدولية
وجهود حفظ السلام، وتجميد دفع
المتأخرات الأمريكية للأمم
المتحدة، وقتل معاهدة منع
انتشار الأسلحة. في نفس الوقت،
كان هناك تصويت ضد زيادة نفقات
الدفاع على طلبات البنتاغون وقد
ضغط من أجل نظام دفاع صواريخ
شامل. وقد دفعت تحركاته مستشارة
الأمن القومي (ساندي بيرغر)
لاتهام قادة الجمهوريين في
الكونغرس بكونهم يفضلون (سياسة
خارجية تضمن لهم البقاء).
بينما
يضايق الانعزاليون الجدد
قيادة الولايات المتحدة
العالمية من اليمين، يجتاحها
تأييد عدائي شديد من اليسار.
يقوم العمال وناشطي جناح اليسار
الذي يرون العولمة كمؤامرة من
قبل الشركات العابرة للحدود
لاستغلال اليد العاملة الرخيصة
والهرب من تطبيق القوانين
البيئية المشددة، لقد صوت معظم
الديمقراطيين في الكونغرس ضد (اتفاقية
التجارة الحرة) لشمال أمريكا في
عام 1993. منذ ذلك الوقت، رفضوا
منح الرئيس كلينتون، وهو
ديمقراطي يترأس أقوى اقتصاد
أمريكي في ثلاثين سنة، رفضوا
منحه القوة لمناقشة اتفاقيات
جديدة رئيسية ووضعها في مسار
تشريعي سريع.
إضافة
إلى مؤيد جناح اليمين (بات
باتشانان)، وهو مرشح حزب
الإصلاح المستقل، وهو المعارض
للعولميين الذين أحرزوا تقدماً
لحرية التجارة لدرجة صارخة في
الولايات المتحدة وهم يهددون
بتشويش الاجتماع الحاسم لـ 134
دولة في منظمة التجارة العالمية
في وقت لاحق في سياتل هذا الشهر.
يسعى
الديمقراطيون الواقعيون إلى
مواجهة الاتجاهات المتزايدة
تجاه الانعزالية الجديدة، وضد
الخوف من العولمة. في مرحلة
تجديدية من العالمية
الليبرالية في عهد كل من وودرو
ويلسون، وفرانكلين روزفلت،
وهاري ترومان، وجون كنيدي، تمت
الدعوة لممارسة شجاعة للقوة
الأمريكية ـ على كل من الصعيدين
الاقتصادي والأمني لتشكيل
النظام الدولي الجديد الذي
سينبثق في النهاية من بعد الحرب
الباردة.
مثل
من سبقوهم في نصف قرن مضى، فإن
التقدميين العالميين ذوو عقول
قوية في الدفاع عن مصالحنا
الوطنية وهم ليسوا خجلين من
التأكيد على رسالة أمريكا
الخاصة كمنارة للحرية الشخصية
والديمقراطية في العالم.
بملاحظة التكافل الداخلي،
فإنهم يتصورون قواعد جديدة
للتعاون العالمي الذي يهدف إلى
حفظ السلام ونشر الازدهار،
ومواجهة المشاكل المشتركة التي
تتفشى عبر الحدود القومية.
لقد
تعلم الأمريكيون من تجربة صعبة
أن الارتباط العالمي الحيوي
يحمي مصالحنا البعيدة المندفعة
بطريقة أفضل مما يحميها الوقوف
بتحفظ بعيداً عن العالم والأمل
في المقدرة على تفادي مضاعفات
انهيار اقتصاديات أو أنظمة
أجنبية، أو اندلاع الحروب، أو
تحرك النزاعات الأهلية في دول
أخرى. إنهم يعرفون أنهم ليسوا
بحاجة إلى انتقاء السلوك الخاطئ
في النقاش بين جناح اليمين
واليسار: التعددية في مواجهة
الأحادية، سياسة خارجية
أخلاقية أو سياسة معبأة بسياسة
القوة وحسب.
إثر دراسة أيد الأمريكيون
قيادة بلدنا للعالم في الوقت
الذي رفضوا فيه انعزاليتها. لقد
وجد آخر استفتاء قام به مجمع
شيكاغو للعلاقات الخارجية أن ما
نسبته 61% من الشعب الأمريكي
يفضلون انخراطاً نشطاً
للولايات المتحدة في العالم.
بعيداً عن مشاركة اليمين في
تشككاته في العمل العسكري، فقد
عبر الجمهور عن تفضيل قوي لها:
حيث يشعر ما نسبته 57% بأن على
الولايات المتحدة أن تشارك في
عمليات حفظ السلام التي تقوم
بها الأمم المتحدة، وقال 72% إن
الولايات المتحدة لا ينبغي أن
تتفاعل مع أزمة خارجية إذا لم
تتلق الدعم من أمم أخرى. يدعم
الجمهور بقوة كذلك معاهدة الحظر
الشامل التي تم رفضها مؤخراً من
قبل الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
هذا يشير إلى أن معظم
الأمريكيين يفضلون التعاون
الدولي لتقليل التهديدات
الأمنية المشتركة وهم ليسوا على
استعداد للبحث عن الحماية في
وهم أمن (قلعة أمريكا).
رغم
أن إدارتها للأمور كثيراً ما
تكون انفعالية ومترددة، إلا أن
حكومة كلينتون قد اعتنقت الكثير
من المبادئ الجوهرية
للديمقراطية الواقعية. على سبيل
المثال، فإن الدعم الدائم
للأسواق المفتوحة وتوسيع نطاق
التجارة تحت قواعد عالمية
مشتركة قد أكد على الصلة
الوثيقة بين زعامة الولايات
المتحدة الاقتصادية في الخارج
وازدهارنا في الداخل. إن
دعواتها لتعميم الديمقراطية
وتوسيع نطاق حلف الناتو قد ربط
أمننا بشكل واضح بالانتشار
التدريجي للمشروع الحر والحكم
الذاتي الديمقراطي. وأن
استعدادها للتدخل في الأزمات
الإنسانية من الصومال إلى
البلقان لا يظهر تصميم أمريكا
على القيادة وحسب بل التزامها
كذلك بما دعاه رئيس الوزراء
البريطاني توني بلير كذلك (نظام
مجتمع دولي جديد).
(إنني
أعني بهذا ما هو معروف بشكل واضح
وهو أننا اليوم أكثر من أي وقت
مضى نعتمد بشكل متبادل على
بعضنا البعض، وأن المصلحة
القومية محكومة إلى حد كبير
بالتعاون الدولي، وأننا نحتاج
إلى تداول متماسك لتوجيه هذا
النظام الذي يستغرقنا في كل حقل
من حقول الجهود الدولية. وكما في
السياسة الداخلية، فإن فكرة
المجتمع والاعتقاد بأن الشراكة
والتعاون هما أساسيان لتقدم
مصلحة الفرد، أصبحت فكرة مستقلة
بذاتها، وهي بالتالي في حاجة
لأن تجد صداها الدولي الخاص. إن
الأسواق المالية العالمية،
والبيئة العالمية، والأمن
العالمي، وقضايا نزع السلاح، لا
يمكن حل أي قضية منها دون تعاون
دولي قوي).
|