متابعة
سياسية رقم 980
28/3/2005
الاستراتيجية
السورية في لبنان
روبرت
جي.رابيل: أستاذ العلوم
السياسية في جامعة فلوريدا
اتلانتك. ومؤلف كتاب (جيران
متحاربون: إسرائيل وسورية
ولبنان) (لاين رينر 2003).
يتابع الجنود
السوريون انسحابهم من أجزاء من
لبنان وقد حدثت ثلاثة تفجيرات
خلال ثمانية أيام في مناطق ذات
غالبية مسيحية. فقد حطم انفجار
سيارة في 19 آذار مقدمة بناء في (الجديدة)،
مما أدى إلى جرح تسعة أشخاص، وقد
شق انفجار في 22 آذار مركزاً
لتسوق الصفوة في كسليك، مما أدى
إلى قتل ثلاثة أشخاص، وفي حين
أدى انفجار سيارة في 29 آذار في
القطاع الصناعي إلى جرح خمسة
وتدمير عدة مباني. لقد رأى
العديد من اللبنانيين
التفجيرات على أنها محاولة من
قبل سورية ومواليها لإحراج
الحركة المتنامية من أجل
الديموقراطية والاستقلال في
لبنان، في حين أنها تعمق في نفس
الوقت المخاوف من تجديد الصراع
الطائفي.
ـ تاريخ سورية في
لبنان:
إن لدى سورية تاريخ
طويل من استخدام العنف لتحقيق
أهدافها في لبنان. خلال فترة
الحرب اللبنانية الأهلية ما بين
1975 ـ 1990 على سبيل المثال، قامت
دمشق بتصفية هؤلاء الذين رأتهم
عقبات أمامها. يُزعم أن سورية
كانت وراء اغتيال كمال جنبلاط
في عام 1977 في محاولة لانهاء
قيادته للحركة الوطنية والتي
تضم قوات (عروبية، ويسارية،
ومسلمة) ولتسهيل التقارب بين
سورية والمعسكر السياسي
الإسلامي. ولا يقل أهمية أن دمشق
قد صفت أولئك الذين نظرت إليهم
على أنهم يشكلون صلات محتملة مع
القوى الأجنبية، من مثل الرئيس
المنتخب بشير الجميل في عام 1982،
والذي كان ينظر إليه كحليف
لإسرائيل.
في عام 2002، اعتقد أن
سورية قد قامت كذلك باغتيال
إيلي حبيقة، والذي أصبح إخلاصه
لدمشق موضع تساؤل فيما بعد
هجمات 11/أيلول، عندما ظهر أن
حبيقة كان بصدد استعادة علاقاته
السابقة مع الـ(سي.آي.ايه).
لقد أصبح تفجير
السيارات في لبنان حدثاً يومياً
تقريباً خلال الحرب الأهلية،
وكان يقصد بها دفع البلاد إلى
شلل (اجتماعي ـ سياسي ـ اقتصادي).
إن موجة التفجيرات الحالية تذكر
بهذا الاستخدام السوري للعنف في
الماضي. إضافة إلى ذلك، فإن هناك
الآن إشارات مقلقة إلى أن سورية
تحاول تفعيل دور مواليها داخل
لبنان لإثارة مشاكل طائفية. على
سبيل المثال، في 5/3/2005، قامت
قافلة من السيارات بالتجمع في
الأشرفية (العاصمة المسيحية
لبيروت الشرقية خلال الحرب
الأهلية)، حاملين صوراً للرئيس
بشار الأسد وقاموا بإطلاق النار
في الهواء بين الحشود التي كانت
قد تجمعت هناك. (مما هو جدير
بالملاحظة، أن إطلاق النار على
باص يقوم بنقل فلسطينيين في
ضاحية مسيحية في بيروت كان
السبب في اشتعال الحرب الأهلية).
بعد الحرب الأهلية،
احتفظت سورية بسيطرتها على
لبنان باتباع سياسة التفرقة
والحكم بين المجتمعات الطائفية
اللبنانية. على سبيل المثال،
فقد قامت بموازنة القوة الصاعدة
للرئيس الراحل رفيق الحريري
بدعم القيادات السنية
التقليدية من أمثال سليم الحص.
كما أنها حاولت تعيين قادة
أحزاب طائفية من أمثال كريم
بقردوني بغية تجزئة الوحدة
الاجتماعية والقيادة. كرئيس
لحزب الكتائب المسيحي، قام
بقردوني بعكس سياسة الحزب
بالظهور كمؤيد متحمس للوضع
الحالي، خصوصاً للرئيس ذي
الولاء السوري اميل لحود.
خلال مفاوضات
السلام الإسرائيلية ـ السورية
(1991ـ2000)، استخدمت دمشق حزب الله
للضغط على إسرائيل عسكرياً. في
السيناريو الحالي، فإن من
الممكن أن تقوم سورية بشكل
واضح، عن طريق حزب الله، بإشعال
الحدود السورية اللبنانية،
بهدف تغيير الاهتمام الداخلي
والدولي. في الحقيقة، فإنه
ووفقاً لتقارير الصحافة، فقد
حذر الملك عبد الله مؤخراً
إسرائيل والولايات المتحدة من
احتمال كهذا.
ـ استراتيجية
سورية:
بالنظر إلى هذه
الخلفية، فإن دمشق ستحاول على
الأرجح تجزئة المعارضة بتوظيف
مركب من الإرهاب، والتهدئة،
والتوسط العربي. إن هدفها الأول
سيكون ضرب اسفين التفرقة بين
المجتمعين اللبنانيين الكبيرين
الأكثر أهمية، وهما الدروز
والمارونيين، واللذين يشكلان
جوهر المعارضة ويقودهما على
التوالي وليد جنبلاطـ،
والبطريرك صفير. ستلعب سورية
على الاختلافات والمخاوف لدى
هاتين المجموعتين، والتي تدور
حول العواطف القومية لدى الدروز
والعواطف المسيحية الموالية
للولايات المتحدة لدى
المارونيين.
على سبيل المثال،
إذا ما أتمت سورية انسحابها من
لبنان، فإن جنبلاط سيقع تحت ضغط
القادة العرب وكذلك تحت ضغط
حزبه الاشتراكي التقدمي لتقليل
مطالبه والسير مع خط التيار
العربي. بعد اجتماعه في 22 مارس
مع الرئيس المصري حسني مبارك،
أكد جنبلاط على أن إزاحة الرئيس
الموالي لسورية لم يكن يشكل
أولوية. في نفس الوقت، فقد تعهد
بحماية المقاومة، أي حزب الله.
من المرجح أن تلعب دمشق على
حساسيات جنبلاط بالوعد بمنع
انتخاب رئيس ماروني موالي
للولايات المتحدة ـ من مثل
الرئيس الأسبق كميل شمعون ـ
والمعروف بقواته المسيحية
الكبيرة.
ستحاول دمشق تهدئة
البطريرك الماروني نصر الله
صفير بوعده بانتخابات أمينة.
ومع ذلك، وبالنظر إلى حقيقة أنه
قائد روحي يفضل على التنافس
الحزبي السياسي للمجتمع
المسيحي، فإن دمشق قد تحاول
إضعاف تجمع قرنة شهوان (وهي
جماعة المعارضة المسيحية
الرئيسية) بزيادة الدعم السوري
لكل من وزير الداخلية الأسبق
ميشيل المر (في منطقة المتن في
جبل لبنان) وقادة الحزب السوري
الاشتراكي الوطني في جبل لبنان،
وكذلك لزعيم الكتائب كريم
بقردوني. في نفس الوقت، فإن
سورية ستحاول قطع الروابط
المحتملة بين قادة المعارضة
اللبنانية والدول الأجنبية
وخصوصاً الولايات المتحدة. على
سبيل المثال، فإن بإمكان دمشق
أن تهدد الرئيس اللبناني الأسبق
أمين الجميل، والذي لديه علاقات
ودية مع إدارة بوش (خصوصاً، مع
وزير الدفاع دونالد رامسفيلد).
ستحاول سورية استعادة حلفائها
السنيين التقليديين بينما
تقنعهم في نفس الوقت بإيقاف
المظاهرات المعادية لسورية. وقد
قامت بهية الحريري، وهي نائبة
في البرلمان، وأخت الرئيس
السابق المقتول، فعلاً بإلغاء
الاحتفال بذكرى مرور أربعين
يوماً على وفاة أخيها (؟؟). قد
تحاول دمشق كذلك استرضاء السنة
باللعب على مخاوفهم من القوة
السكانية الشيعية، على الرغم من
الدعم السوري لحزب الله الشيعي،
ولحزب أمل في بيروت.
ـ الجيش والأجهزة
الأمنية:
رغم تواجد الجنود
السوريين في لبنان، إلا أن دمشق
قد سيطرت على لبنان بشكل رئيسي
عن طريق المؤسسات اللبنانية
المملوءة بذوي الولاء السوري.
في الواقع، فإن إبعاد المسؤولين
الموالين لسورية من مراكزهم هو
مطلب أساسي للمعارضة اللبنانية.
بعد اجتماع في 3 آذار في
المختارة معقل جنبلاط، دعت
المعارضة إلى إزاحة عدنان عضوم
كمدعي عام للدولة، والقائد
اللواء المتقاعد جميل السيد
كمدير عام للأمن العام، والقائد
اللواء المتقاعد ادوارد منصور
كمدير عام لجهاز الأمن في
الدولة، والجنرال علي حاج كمدير
عام للأمن الداخلي، والجنرال
مصطفى حمدان كقائد للواء
الرئاسي في الجيش، والجنرال
ريموند عازر كمدير للاستخبارات
العسكرية، والعقيد غسان
الطفيلي كرئيس لوحدة التجسس في
الاستخبارات العسكرية. وقد عبر
أعضاء في المعارضة عن خوفهم من
قيام اللواء السيد بالتخطيط
لانقلاب مفاجئ. في حركة جريئة
وغير مسبوقة قام السيد بعقد
مؤتمر صحفي قام فيه بمهاجمة (المافيا
السياسية) التي تسببت في كوارث
لبنان.
في مقابل موقف
الأجهزة الأمنية الوضيع المؤيد
لسورية، سمح الجيش للمتظاهرين
بتنظيم حشود كبيرة معادية
لسورية رغم الحظر الرسمي في
الحقيقة، فقد شوهد العديد من
اللبنانيين وهم يقومون بمعانقة
موظفي الجيش أثناء التجمع. وقد
ظهر ميشيل سليمان، قائد الجيش،
كقوة مقاومة توازن قوة رؤساء
الأمن. سيكون هدف السلطات
الأمنية إزاحة سليمان عن قيادة
الجيش على وجه الخصوص، وتقوم
هذه السلطات الآن بشن حملة
لإثبات أن الجيش غير قادر على
ملء الفراغ الأمني الناشئ عن
رحيل الجنود السوريين. على سبيل
المثال، فقد وضح وزير الدفاع
عبدالرحيم مراد مؤخراً (أن عدد
الجيش غير كاف لأن يحل محل
القوات السورية، والتي ستترك
البقاع بشكل كامل.. إن أعضاء
الجيش مايزالون صغار السن وغير
ذوي خبرة لتسلم المهمة).
إن التفجيرات
الأخيرة ليست علامة وحسب على
كون سورية ومواليها اللبنانيين
يعتزمون تعميق التوترات
الطائفية، ولكنها أيضاً علامة
على بداية جولة جديدة من
النخويف ضد المعارضة يتم
تنفيذها تحت ذريعة التعاون مع
قرار مجلس الأمن 1550 واتفاقية
الطائف، ينبغي على المجتمع
الدولي مراقبة سورية ومواليها
بتيقظ في الوقت الذي يدعمون فيه
الأمر الإلزامي بإزاحة الرؤساء
الأمنيين الذين يعززون النظام
السوري في لبنان.
|