حد
العدل :
أحلام
الإمبراطورية
تأبين
القانون الدولي
بقلم:
جون جيرشمان.
ملاحظة
من المحرر: إن (حد العدل)
هو عمود اسبوعي يكتب على
التناوب من قبل (توم باري) و(جون
جيرشمان)، وهما محررا السياسة
الخارجية في مركز (الانترهمسفيرك
ريسورس)، ويقومان بتأريخ مرحلة
الأحادية الأمريكية وهجومها
على الإطار التعددي لإدارة
الشؤون العالمية. وذلك جزء من
المشروع الجديد ضد الخطر الحالي.
مع
عمر يقل عن أسبوع للحرب على
العراق، فإن المناورة على ما
سيأتي بعد قد بدأ فعلاً، مع
متضمنات ستشكل حدود الحكم
الإمبريالي بعد 11/9، بعد اجتياح
العالم. وسيحدد جدالان متصلان
رغم كونهما مختلفين. أحدهما
يتعلق باحتلال وإعادة إعمار
العراق، في حين يدور الآخر فيما
إذا كان العراق هو الخطوة
الأولى فقط، في سعي أوسع وأكثر
قوة لتحويل المنطقة. سيحدد هذان
الجدالان العلاقة الجديدة بين
الولايات المتحدة والمنظمات
الدولية مثل الأمم المتحدة،
وكلاً من التحالفات الرسمية
وغير الرسمية من مثل حلف
الناتو، والائتلاف الذي أنشئ
خصيصاً لدعم عملية احتلال
العراق. إن 11/9 كثيراً ما يصور
كما لو أنه قد غير كل شيء، فإن
اجتياح العراق ومضاعفاته قد
يكون علامة على نقطة تحول هامة
في شكل السيطرة الأمريكية.
ـ
إعادة البناء:
لقد
بدأ النزاع فعلاً لإعادة بناء
العراق، رغم أن القنابل مستمرة
في السقوط. إن نهاية كل من
القنابل ووسائل إعادة البناء هي
ذاتها التشظي. إن القضية
الرئيسية هي متى، وعند أي حد
سيطلب من الأمم المتحدة أن تلعب
دوراً؟ إن الخطة الرئيسية في
اللحظة الراهنة تبدو أنها في
السيطرة الأمريكية الأحادية،
مع إدارة مدنية يترأسها الجنرال
المتقاعد جاي جارنر، تحت
القيادة المباشرة للجيش والذي
يعمل كحكومة احتلال. إن الإدارة
المدنية ستزود بشكل رئيسي بطاقم
من الديبلوماسيين الأمريكيين
السابقين، ويراد لها أن تحكم
بقدر ما يستغرق حكومة عراقية
مؤقتة أن تتشكل.. عند هذه
النقطة، ويسيتغرق ذلك بضعة أشهر
على الأقل. إن الشركات
الأمريكية تقوم فعلياً
بالمنافسة من أجل عقود تصل
قيمتها إلى بليون دولار أمريكي
لإعادة بناء البنية التحتية
وتشغيل الأجهزة الصحية
والتعليمية.
وفقاً
للخطة، فإن دور الأمم المتحدة
في أعقاب الصراع مباشرة سيكون
مقتصراً على الإغاثة الإنسانية.
إن دورها في جهود إعادة البناء
يبقى غير واضح، كما أن أي دور
أساسي آخر للأمم المتحدة سيتطلب
إذناً من مجلس الأمن. إن جماعة
المساعدة قلقة من أن إغاثتهم
الإنسانية وجهودهم لإعادة
البناء ستوسم إليها على أنها
جزء من العمليات العسكرية
الأمريكية.
لقد
أثارت هذه الخطة القلق بين
أعضاء (ائتلاف الجديد) التابع
للإدارة، وكذلك معارضي الحزب.
إن البيان المشترك الذي أصدر في
خلاصة اجتماع مجلس الحرب في الـ
(آزورس) في نهاية الأسبوع الذي
سبق شن الحرب تصف دوراً جوهرياً
للأمم المتحدة في جهود إعادة
البناء. ولكن خطط الولايات
المتحدة الحالية يبدو أنها تدل
على أن ذلك كان مجرد كلام. إن
المعركة السياسية تشن حالياً في
المفاوضات على قرار مجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة والذي
سيصدر المرسوم السياسي لعمليات
ما بعد الحرب في العراق. في
الأسبوع الماضي، غادر الوزير
البريطاني للتنمية الدولية (كلير
شورت) الولايات المتحدة خاوي
الوفاض، بعد أن فشل في الحصول
على اتفاقية حول قرار يجعل
الأمم المتحدة في موضع
المسؤولية عن إعادة البناء.
وسيصل رئيس الوزراء البريطاني
توني بلير في اليوم أو اليومين
التاليين ليقوم بمناقشة كل من
تقدم الحرب وكذلك دور الأمم
المتحدة في إعادة البناء. وقد
امتد النقاش ليسيطر على
التمويلات التي سيتم استخدامها
في إعادة البناء. لقد اصطدمت
المملكة المتحدة كذلك مع إدارة
بوش حول السيطرة على الأصول
العراقية، والتي تم تجميدها منذ
أول حرب للخليج بدأت منذ اثني
عشر عاماً مضت. لقد طلبت إدارة
بوش من بلدان لديها أصول مجمدة
أن يساهموا بها في تمويل تسيطر
عليه الولايات المتحدة. لقد
أمرت إدارة بوش سبعة عشر بنكاً
في الولايات المتحدة ليقوموا
بتسليم ما يزيد على 1.7 بليون
دولار أمريكي من أموال الحكومة
العراقية المجمدة. ولكن وزير
المالية البريطاني جوردون
براون، قد رفض حتى الآن، تحويل
200 مليون جنيه استرليني من
الممتلكات العراقية المجمدة في
بريطانيا إلى حساب ذي سيطرة
أمريكية. بدلاً من ذلك يريد أن
يرسلها إلى الأمم المتحدة. لقد
هدد مسؤولو البيت الأبيض بمنع
البنوك الأجنبية من القيام
بالعمل في الولايات المتحدة
فيما إذا رفضوا تحويل أموال
الحكومة العراقية وما يسمونه هم
(أموال الدم) والتي تعود ملكيتها
إلى الرئيس صدام حسين ومساعديه.
إن
خطة الولايات المتحدة لإعادة
البناء، مع جعل الأمم المتحدة
في دور ثانوي، إذا لم يكن دور
بتعاقد فرعي، هو أكبر مثال فوري
على نظام عالمي جديد حيث لدى
الأمم المتحدة موقف محدد جيداً،
وثانوي بشكل جلي في بناء
السيطرة الأمريكية العالمية.
إنها تقترح نهاية للالتزامات
البيانية، إذا لم تكن الفعلية،
للأمن الجماعي المرتكز على
القانون الدولي والتعددية
المتجسدة في دستور الأمم
المتحدة.
إن
رؤية كهذه كانت قد حددت خطوطها
العريضة في افتتاحية حديثة
كتبها ريتشارد بيرل، رئيس مجلس
سياسة الدفاع ومثقف هام ومؤسس
لسياسة إدارة بوش في الشرق
الأوسط، ويستحق كلامه أن يورد
بكامله:
(هو
(صدام حسين) سيذهب سريعاً، ولكن
ليس وحده: ففي ما يكاد يكون
سخرية، فإنه سينزل الأمم
المتحدة معه. حسنا، ليس الأمم
المتحدة بكاملها، فإن قسم
الأعمال الجيدة سيستمر، وستبقى
بيروقراطيات حفظ السلام ذات
الخطر المحدود، وسيستمر
الثرثار في (الهدسون) بالثغاء.
ما سيموت هو أوهام الأمم
المتحدة مع إنشاء نظام عالمي
جديد. وبينما نقوم نحن بغربلة
الأنقاض، سيكون من الهام حفظ
الأفضل منهم، الأنقاض الفكرية
للرأي الحر عن الأمن عبر
القانون الدولي الذي تديره
المؤسسات الدولية).
إن
خطاب بيرل التأبيني لرؤية الأمن
الجماعي الذي تقدمه الأمم
المتحدة هو توضيح لرؤية
المستقبل الذي تعرضه، إنها رؤية
مذهلة حقاً في طموحها، وفي
رفضها العرضي لبنية القانون
الدولي. إن البديل الذي يقدمه
بيرل هو الانتقال من المؤسسات
الدولية إلى مؤسسة مرتجلة لهذا
الغرض.
كما
يكتب:
(إن
الفشل المستمر لمجلس الأمن في
فرض علاقاته الخاصة لا ينخرق:
فهو ببساطة ليس على مستوى
المهمة. لقد بقي لنا ائتلافات
الاستعداد. بعيداً عن التقليل
من شأنهم كتهديد إن علينا أن
نعترف أننا، بسبب غياب الأمل
الأفضل لهذا النظام، والبديل
الحقيقي للفوضى السياسية يسبب
فشل الأمم المتحدة). (في التفاف
مثير للاهتمام يظهر الاختلافات
التحريرية لكتاب العناوين عنون
نفس المقال بـ (ائتلافات
الموافقة هي أفضل أمل لنا) في
صحافة كندا الوطنية في حين أن
الغارديان قد عنونته بـ (شكراً
لله على موت الأمم المتحدة).
ـ أولاً بغداد، ثم...
في
الوقت الذي يرفض فيه مجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة، فإن بيرل
يحدد كذلك الدول المضيفة أو
الداعمة للإرهاب وامتلاك أسلحة
الدمار الشامل باعتباره
التهديد الرئيسي للأمن الدولي (دون
ذكر للأسماء على أرض الواقع).
فما هي الخطوة التالية إذن في
أجندة إدارة بوش الأمنية؟
أحد
الأدلة يتجسد في تصريح أدلى به
مسؤول بريطاني كبير إلى
النيوزويك في أغسطس الماضي: (يريد
الجميع أن يذهبوا إلى بغداد.
بينما يريد الرجال الحقيقيون أن
يذهبوا إلى طهران).
وفقاً
لصحيفة هآرتس الإسرائيلية،
الصادرة في شباط/2003، فإن وكيل
وزير الخارجية، جون بولتون، قد
أخبر المسؤولين الإسرائيليين
أنه بعد هزيمة العراق، فإن
الولايات المتحدة ستتعامل مع
إيران، وسورية، وكوريا
الشمالية.
مع
سياسة كوريا الشمالية فيما يبدو
أنه نموذج متماسك في حين أن
الحرب في العراق ستستمر في
التكثف، فإن الخطوات التالية في
الشرق الأوسط قد تمت جدولتها
فعلياً. لقد وصف ميشيل ليدن،
وهو مثقف كبير آخر في مجموعة
المحافظين الجدد الذين يشكلون
سياسة إدارة بوش، أجندة كهذه في
إحدى المرات. في نقاش في (معهد
الانتبرايز) الأمريكي أجري في 21
آذار/2003، في النيويورك صن، ناقش
ليدن الحاجة للتطلع إلى ما وراء
العراق ومتابعة أنظمة أخرى في
المنطقة، وخصوصاً إيران،
وسورية، والسعودية العربية: (إن
العراق ليست هي الحرب.. إن الحرب
حرب إقليمية، ونحن لا نستطيع أن
نكون ناجحين في العراق إذا ما
أنجزنا موضوع العراق وحده).
ولدى
كتابته في النيويورك صن في 19
آذار، فليس هناك مجال للخطأ في
كون الرؤية التحريرية للقدر
الواضح بأن ليدن يعتقد أن الحرب
في العراق تتضمن:
أنه
كان من الممكن التعامل مع
العراق وحده في وقت ما، دون
الحاجة إلى مواجهة القوات
السفاحة لسادة الإرهاب الآخرين
في طهران، ودمشق، والرياض ولكن
هذا الوقت قد انقضى الآن.
إن
الطغاة الإيرانيين، والسوريين،
والسعوديين يعرفون أنه إذا
انتصرنا انتصاراً سريعاً في
العراق، ثم قمنا بتأسيس حكومة
حرة في بغداد، فإن حكمهم سيكون
قد انتهى. وستكون المسألة حينها
مسألة وقت فقط قبل أن تطالب
شعوبهم بنفس التحرير الذي
جلبناه لأفغانستان والعراق.
بالتالي، فإنهم سيفعلون أي شيء
يمكنهم القيام به لتقييدنا في
العراق، واستنزافنا على الأرض،
وإحباط مخططاتنا، وفي النهاية
كسر إرادتنا.
سيكون
إذلالاً مريعاً لأمريكا
وبريطانيا أن تقعا فريسة لإراقة
الدماء الذي لا حاجة له، لأننا
أعمينا أنفسنا عن الحرب الأوسع،
التي أصبحنا منخرطين فيها الآن.
إن العراق معركة وليست حرباً. إن
علينا أن ننتصر في الحرب،
والطريقة الوحيدة لذلك في إزالة
سادة الإرهاب، ونشر الحرية عبر
المنطقة.
نادراً
ما كان من المتاح رؤية إحدى نقاط
التحول في التاريخ بهذا الوضوح
وهذه الدرامية كما هي اليوم.
ونادراً ما أعطيت دولة ما هذه
الفرصة الرائعة كما هي في
أيدينا الآن. ولكن التاريخ مليء
بالفرص الضائعة والهزائم
المعقدة.
لقد
شكلت حرب الخليج الأولى علامة
الانتقال إلى عالم ما بعد الحرب
الباردة الجديد. وستشكل حرب
الخليج الثانية علامة انتهاء
عالم ما بعد الحرب الباردة. إن
تاريخ ما سيأتي لاحقاً سيبقى
منتظراً أن تتم كتابته، ولكن من
الواضح أن مناصري الامبراطورية
وآلهة السلام الأمريكية هم على
استعداد.
|