معهد
السياسة التقدمي
لنكن
أكثر جدية فيما يتعلق
بالديمقراطية
في الشرق الأوسط الكبير
رونالد
دي آسمس: باحث كبير في مؤسسة
المارشال الألماني في الولايات
المتحدة.
ميشيل
مكفاول: بروفيسور مساعد في
العلوم السياسية وزميل في جامعة
ستانفورد.
هناك
إجماع حزبي آخذ في الظهور في
أمريكا حول الحاجة إلى المساعدة
في إحلال الحرية والديمقراطية
في الشرق الأوسط. فمن هذه
المنطقة يرجح انبعاث أكثر
التهديدات هولاً للأمن الغربي
في القرن الواحد والعشرين. في
هذه المنطقة يتواجد خليط من
الإيديولوجيات المتطرفة،
والإرهاب. والتوصل إلى أسلحة
الدمار الشامل هو أمر مرجح
الحدوث. وبالتأكيد فليس مصادفة
أن أكبر أجزاء العالم خطراً حيث
سيتقرر الانتصار أو الهزيمة في
الحرب على الإرهاب هو نفسه
الجزء الأقل حرية.
لا يمكن الانتصار
في معركة الحرب على الإرهاب
عسكرياً.. بل يتوجب الانتصار
فيها سياسياً وبالأفكار.
إننا في حاجة إلى استراتيجية
ضخمة لمساعدة هذه الدول على
تحويل أنفسها إلى أشكال مجتمعات
تركز اهتمامها على حاجات شعوبها.
مجتمعات لا تنتج أناساً يريدون
قتلنا ولديهم القدرة على ذلك.
إذا لم نساعد الشرق الأوسط
الكبير على علاج انحرافاته
الداخلية الخاصة، فإننا لن نجتث
الجذور المسببة للإرهاب.
هذا
هو السبب في قيام كل من جورج
دبليو بوش ومنافسيه
الديمقراطيين في الحديث حول
الحاجة إلى تحقيق حرية أكبر،
والعدالة، والديمقراطية في هذه
المنطقة. يؤمن عدد متزايد من
الأوروبيين كذلك برؤية أن
التغيير الديمقراطي السلمي
للأنظمة في المنطقة اليوم قد
يساعد في إقصاء ضرورة حل عسكري
غداً.
هذا
التغير الكبير في التفكير
الغربي حول أهدافنا في المنطقة،
لم يتم دمجه مع استراتيجية
لتحقيقه. إن
لدينا خطباً حول تعزيز الحرية،
ولكن ليس لدينا سياسة أو برنامج
تترجم عبره الكلمات إلى أفعال.
في الوقت الحاضر، فإن الغرب ليس
مستعداً لا فكرياً ولا
منظماتياً لمواجهة هذا التحدي
الضخم. لتعزيز دعم من الحزبين
على الصعيد الداخلي والدعم على
طول المسافة وخارج المحيط
الأطلسي لهذا الالتزام الجديد،
فإننا نحتاج إلى استراتيجية
جديدة.
إن
تعزيز استراتيجية جدية
للديمقراطية في الشرق الأوسط
الكبير ينبغي أن تحقق ثلاثة
أمور؛ دعم الديمقراطيين في
المنطقة، إنشاء مناخ إقليمي
للتطوير الديمقراطي، وإعادة
تنظيم أنفسنا في الوطن للمناضلة
بشكل فعال وتعزيز هذه السياسات.
أولاً،
علينا أن نعترف بأن التغيير في
المنطقة ينبغي أن يأتي من داخل
هذه المجتمعات، وعلينا أن نقوم
بتصميم سياسات لتعزيز القوى
الديمقراطية في المنطقة، والتي
تدفع باتجاه تغيير كهذا. اليوم
يقبع الناشطون الديمقراطيون في
هذه البلاد في السجن بسبب
التزامهم بهذه المبادئ ونحن
نفعل القليل لمساعدتهم. إن
استراتيجية جديدة يمكن أن تبدأ
بحيث لا يقوم قيادي أمريكي أو
غربي كبير بزيارة إلى المنطقة
دون إثارة قضايا حقوق الإنسان
والدفاع عن هؤلاء الأفراد
الشجعان الذين يقومون بالقتال
من أجل الديمقراطية في أوطانهم.
علينا
كذلك مساعدة الديمقراطيين
المحليين بشكل مباشر، عن طريق
التعزيز للمنظمات المدنية مع
توجه ديمقراطي. في الشرق الأوسط
الكبير هناك صراع ضار بين
القادة الديمقراطيين وغير
الديمقراطيين على قلوب وعقول
الجماعات المدنية. على الغرب أن
يساعد في تقوية الجانب
الديمقراطي بزيادة دعمنا بشكل
مؤثر للمنظمات غير الحكومية
المحلية العاملة على إيجاد
مصادر القوة والمنشآت لعدل
أكبر، ولمجتمعات حرة
وديمقراطية. في حين تنفق
الولايات المتحدة الآن ما يقرب
من 400 بليون دولار أمريكي على
دفاعها، فإن (الإندومنت الوطني
للديمقراطية) قد كلف ما يقرب من
40 مليون دولار، وجزء منه فقط يتم
إنفاقه على دعم المجتمع المدني
في الشرق الأوسط الكبير.
لقد
اقترح عدد من الجمهوريين
والديمقراطيين مضاعفة (الإندومنت
الوطني للديمقراطية). وفي الوقت
الذي تشكل فيه هذه خطوة هامة في
الاتجاه الصحيح، فإن علينا أن
نفكر بطريقة أوسع وأكثر جرأة.
على سبيل المثال، بزيادة مستوى
الدعم عشرة أضعاف أو أكثر.. إن
المتخصصين غير الحكوميين في عمل
تعزيز الديمقراطية، وليس
المسؤولون الحكوميون، هم الذين
ينبغي أن يديروا هذه التمويلات..
وينبغي علينا جدولة الدعم لكل
من العمل والعمالة في سعي
لتغيير هذه المجتمعات. إن علينا
كذلك أن نحفز حلفاءنا في
أوروبا، والذين كثيراً ما يكون
لديهم خبرات حديثة، لإنشاء
مؤساستهم الخاصة على نطاق
أوروبا بأسرها حيث يستطيعون
الانضمام إلى تمويلنا والعمل
معنا على تحقيق هذه الأهداف.
ولكن
على الحكومات أن تقوم بنصيبها
كذلك. إن عليهم أن يبدؤوا بربط
المستقبل الاقتصادي والمساعدة
الأمنية لهذه البلدان بالإصلاح
الديمقراطي والحكم الجيد. إن
علينا أن نبدأ بمكافأة هذه
البلدان في المنطقة التي تنجز
تقدماً وأن نعاقب تلك التي لا
تفعل. إن لدى الغرب القوة لتحقيق
التغيير في هذه البلدان إذا كنا
مستعدين لفعل ذلك. ونحن لم نفعل
ذلك حتى الآن. إن حقيقة أن
كثيراً من المساعدة للمنطقة
تأتي من حلفائنا، خصوصاً في
أوروبا، إنما تؤكد على مبررات
كون هذه الاستراتيجية متعددة
البلدان.
ثانياً،
إن على الولايات المتحدة
وحلفائها الأوروبيين المساعدة
في إيجاد البيئة الخارجية
والمناخ (الجيو ـ سياسي) والذي
يمكن للتغير الديمقراطي فيه أن
يحدث بسهولة أكبر إن تاريخ
القرن الأخير في أوروبا يظهر أن
التهيأة الأمنية أساسية في
رعاية التطوير الديمقراطي.
اليوم، لا يوجد هناك جوار أكثر
عدائية من الشرق الأوسط الكبير.
هذا الوضع المؤسف ينبغي أن
يتغير.
إن
الخطوة الأولى لإنشاء هذا
السياق ستكون بمساعدة تركيا على
تحويل نفسها إلى دولة ديمقراطية
كاملة مؤهلة لعضوية الاتحاد
الأوروبي وإظهار أن الغرب مستعد
لتقبل دولة ديمقراطية مسلمة.
إذا كان الغرب لا يستطيع
التعامل مع تركيا بشكل صحيح،
فإن من المؤكد أنه لن يستطيع حل
المشاكل الأخرى الأكثر تعقيداً
في المنطقة.
إن
إحلال السلام بين الفلسطينيين
والإسرائيليين سيسارع بشكل
كبير من عملية التغيير السياسي
في المنطقة. وهذا هو السبب الذي
على واشنطن من أجله أن تنهي
تجاهلها الحالي وأن تعيد
انخراطها في عملية السلام. إن
فلسطين ديمقراطية لن تكون رداً
على إرهابي هجمات 11/9، بل
كابوسهم الأشد سوء. لن يتمكن
الحكام المستبدون العرب من
تفادي الضغوط من أجل التغيير
بالاختباء وراء هذا النزاع. ولن
يكون على الغرب بعد الآن تدليل
الديكتاتوريين في سورية أو تجنب
الدفع من أجل الإصلاح في مصر
بسبب دورهم الهام في عملية
السلام.
لا
شيء سيضعف قضية الديمقراطية في
المنطقة أكثر من فك الارتباط
الأمريكي في العراق قبل الوقت
المناسب، حيث تجري الآن عملية
تحول ديمقراطي خطير. بغض النظر
عن كون المرء مؤيداً أو معارضاً
للحرب، فإن لدينا جميعاً مصلحة
استراتيجية في رؤية تجربة
العراق في بناء مجتمع أكثر
عدلاً وديمقراطية وهي تنجح..
وعلينا أن نلزم إدارة بوش بما
التزمت به من المحافظة على
التقدم في بغداد.
قد
تكون الفرصة الأكبر لانبلاج
ديمقراطي في المنطقة هي في
إيران. فليس هناك نظام استبدادي
أكثر انكشافاً من النظام
الإيراني أمام ضغوط أصول الحركة
الديمقراطية. كما أن مساعي
إيران لاكتساب أسلحة الدمار
الشامل قد ينتج عنها سلسلة من
ردود أفعال نشر هذه الأسلحة في
المنطقة، مما يزيد من عدم
الأمن، ومن المحتمل أن يؤثر ذلك
على التغيير باتجاه ديمقراطية
أكبر. ولهذا فإن على صناع
السياسة الأمريكيين
والأوروبيين متابعة كلا
الهدفين ترادفياً. ومع ذلك،
فإنه خلال تراجع النظام الكبير
عن الممارسات الديمقراطية خلال
25 عاماً، فإن المرء نادراً ما
يسمع أصواتاً ضعيفة حتى للدفاع
عن الديمقراطيين في الغرب، مما
حدا بالبعض في طهران للاعتقاد
بأن الغرب مستعد للتضحية
بالديمقراطية في مقابل الحد من
انتشار الأسلحة.
بالعمل
مع الدول العربية الحداثية،
علينا أن نبدأ كذلك بإنشاء نظام
أمن إقليمي يبني عادات لإلزام
الحكومات في المنطقة واعتبارها
مسؤولة عن كيفية معاملة بعضها
بل عن كيفية معاملتها لشعوبها
كذلك. إن المساهمة الكبيرة في
عملية هليسنكي في أوروبا كان في
اعترافها بأن السلام الحقيقي
يحتاج إلى علاقة جديدة بين
الحكام والمحكومين وكذلك بين
الدول.. وكذلك في كونها عززت
المجتمعات لتطالب حكوماتها
بالتصرف وفقاً لذلك.
إن
لدى حزب الناتو كذلك دوراً
ليلعبه، فإن بإمكانه أن يوفر
مقدرات حفظ السلام التي نحتاجها
لإعادة بناء أفغانستان والعراق.
كما أن بإمكانها أن تساعد في
تعزيز ممارسات أكثر ديمقراطية
في زمن السلم بتوسيع التعاون
تحت نسخة جديدة من شراكة الناتو
في برنامج السلام إلى دمقرطة
الدول في المنطقة. إن دور حلف
الناتو الجديد في الشرق الأوسط
سيكون إبقاء الأمريكيين
والأوروبيين داخلاً، ودحر
الديكتاتوريين والإرهابيين
خارجاً.
الخطوة
الثالثة الكبيرة في استراتيجية
عظيمة لتعزيز الديمقراطية تكمن
في إعادة تنظيم أنفسنا لتعزيز
برنامج كهذا بحيث يستمر لعقود
آتية. إننا في حاجة إلى إنشاء
جيل جديد من الديبلوماسيين،
والمحاربين، وصناع الديمقراطية.
جيل يعرف المنطقة ولغاتها،
وكذلك أولئك الذين لديهم
الإمكانيات لنصح قادتنا بأفضل
السياسات وكيفية السعي
لتحقيقها بفعالية. وكما كان على
أمريكا في فترة ما بعد الحرب
الأولى أن تعمل على إيجاد جيل
جديد من الخبراء لفهم الاتحاد
السوفييتي، فإننا الآن في حاجة
لفعل نفس الشيء من أجل الشرق
الأوسط الكبير.
ولكن
علينا كذلك إعادة تنظيم الحكومة
الفيدرالية للوفاء لهذه
المطالب، ليس بطريقة مخالفة
للابتكار الذي كان ضرورياً بعد
الحرب العالمية الثانية لخوض
الحرب الباردة. إن الانتصار في
الحرب على الإرهاب سيتطلب ترافق
الهجوم والدفاع. فيما يتعلق
بالدفاع فإن الولايات المتحدة
قد كونت دائرة للأمن القومي وهي
تقوم بتحويل الجيش ليفي بمواجهة
التحديات الإرهابية الجديدة. إن
عضوين من حقيبة الرئيس الوزارية
هما مسؤولان عن هذه القضايا.
ولكن
عندما يتعلق الأمر بالهجوم.. فإن
قضايا صنع الديمقراطية،
والتغيير السياسي، والانتصار
في حرب الأفكار.. هذه المهمات
مدفونة في الدرجة الثانية أو
الثالثة لدى الإدارة حيث لن
تتلقى أبداً القيادة،
والاهتمام، والحوار الضرورية
للنجاح لذلك فإن على الرئيس بوش
أو على خلفائه الديمقراطيين
إنشاء إدارة لتعزيز
الديمقراطية ليترأسها مسؤول ذو
درجة وزارية. إن طاقة حكومتنا
على المساعدة في بناء دول
ديمقراطية جديدة ينبغي أن تكون
كبيرة بقدر طاقتنا على تدمير
النظم الاستبدادية.
اليوم،
بدأ الأمريكيون في فهم الصلة
بين انتشار الحرية وتعزيز الأمن
القومي الأمريكي في الشرق
الأوسط الكبير. لقد حان الوقت
لأن يقوم قادتنا بربط كلماتهم
النبيلة بأعمال شجاعة.
|