هذه الدراسة
الأكاديمية أحدثت دوياً في
المجتمع الأمريكي وماتزال موضع
جدل مع أن اللذين قدماها لا جدل
فيهما..
اللوبي
الإسرائيلي
والسياسة
الخارجية الأمريكية
(
1 )
جون. جي. ميرشيمار ـ
دائرة العلوم السياسية، جامعة
شيكاغو.
ستيفن. ام. والت ـ
جامعة هارفارد/ كلية كنيدي
للحكم.
إن مؤلفي ورقة العمل هذه
مسؤولان وحدهما عن الآراء
المعبر عنها فيها. كمؤسستين
أكاديميتين، فإن كلاً من جامعة
هارفارد وجامعة شيكاغو لا
تتخذان مواقف بخصوص الأبحاث
الفردية للأساتذة الجامعيين.
ولا ينبغي تفسير أو تصوير هذا
التقرير على أنه يعكس الموقف
الرسمي لأي من المؤسستين.
تصنع سياسة الولايات المتحدة
الخارجية الأحداث في كل ناحية
من نواحي العالم. ولا يصح هذا
على مكان كما يصح على الشرق
الأوسط، وهي منطقة ذات تؤثر
متكرر وأهمية استراتيجية عظمى.
إن محاولة إدارة بوش الأخيرة
لتغيير المنطقة إلى مجتمع من
الديموقراطيات قد ساعد في إحداث
تمرد في العراق، وارتفاع حاد في
أسعار النفط العالمية وتفجيرات
إرهابية في مدريد، ولندن،
وعمّان. مع وجود الكثير مما هو
في وضع خطر بالنسبة للكثيرين،
فإن جميع الدول تحتاج أن تفهم
القوى التي تؤثر على سياسة
الولايات المتحدة تجاه الشرق
الأوسط.
إن المصلحة الأمريكية القومية
ينبغي أن تكون الهدف الرئيسي
للسياسة الخارجية الأمريكية.
لبضعة عقود خلت، وخصوصاً منذ
حرب الأيام الستة في 1967، كان أهم
جزء في السياسة الأمريكية تجاه
الشرق الأوسط علاقتها مع
إسرائيل.
إن ازدواج الدعم الأمريكي الثابت
لإسرائيل والسعي المتعلق به
لنشر الديموقراطية عبر المنطقة
قد ألهب الرأي العام العربي
والإسلامي وعرض الأمن الأمريكي
للخطر.
إن هذا الوضع ليس له شبيه في
التاريخ الأمريكي السياسي. ما
هو السبب الذي جعل الولايات
المتحدة على استعداد لوضع أمنها
الخاص جانباً بغية تقديم مصالح
دولة أخرى؟ قد يفترض المرء أن
الرابطة بين كلا الدولتين
مرتكزة على المصالح
الاستراتيجية المشتركة أو
حتميات أخلاقية مقنعة. كما
سنعرض لاحقاً، فإن أياً من هذين
التفسيرين لا يمكنه تعليل
المستوى المميز للدعم المادي
والدبلوماسي الذي تقدمه
الولايات المتحدة لإسرائيل.
بدلاً من ذلك، فإن الدفع الكلي
للسياسة الأمريكية في المنطقة
عائد بشكل كامل تقريباً
للسياسات الأمريكية الداخلية،
وخصوصاً لنشاطات (اللوبي
الإسرائيلي) لقد استطاعت جماعات
مصالح خاصة أخرى حرف السياسة
الخارجية للولايات المتحدة إلى
الاتجاهات التي يفضلونها، ولكن
لم يستطع أي لوبي، لولا ذلك، أن
يحول السياسة الخارجية
الأمريكية إلى هذا الحد عما
كانت المصلحة القومية
الأمريكية تقتضيه.
في نفس الوقت الذي يقنعون فيه
الأمريكان بأن المصالح
الأمريكية والإسرائيلية هما
متماثلتان بالضرورة. في الصفحات
التالية، وصفنا كيف حقق اللوبي
هذا العمل البارع، وكيف صاغ
ناشطوه تحركات أمريكا في هذه
المنطقة المتأزمة.
بالنظر إلى الأهمية
الاستراتيجية للشرق الأوسط
وتأثيرها المحتمل على الآخرين،
فإن كلاً من الأمريكيين وغير
الأمريكيين ينبغي أن يفهموا
ويخاطبوا تأثير اللوبي على
السياسة الأمريكية.
قد يجد بعض القراء هذا التحليل
مزعجاً ولكن الوقائع المذكورة
هنا ليست محل جدل فعلي بين
الباحثين. في الحقيقة، فإن
روايتنا تعتمد إلى حد كبير على
عمل الباحثين والصحفيين
الإسرائيليين، والذي يستحقون
الإقرار بعظم فضلهم لإلقائهم
الضوء على هذه القضايا. لقد
اعتمدنا كذلك على الدليل الذي
قدمته منظمات حقوق الإنسان
الإسرائيلية والدولية المحترمة.
على نحو مشابه، فإن الدعاوى حول
تأثير اللوبي تعتمد على شهادة
من أعضاء اللوبي أنفسهم، وكذلك
شهادات السياسيين الذي عملوا
معهم. قد يرفض القراء
استنتاجاتنا، بالطبع، ولكن
الدليل الذي يطمئنون إليه ليس
موضع خلاف.
ـ المحسن الكبير:
منذ حرب أكتوبر في عام 1973، زودت
واشنطن إسرائيل بمستوى من الدعم
تتضاءل بجانبه كميات الدعم
المقدم إلى أي دولة أخرى. لقد
كانت أكبر متلق سنوي للمساعدات
الأمريكية الاقتصادية
والعسكرية منذ عام 1976، وأكبر
متلق في مجموع المساعدات منذ
الحرب العالمية الثانية. إن
مجموع المساعدة الأمريكية
لإسرائيل تبلغ فعلاً ما يزيد
على (140) بليون دولار في عام 2003.
تتلقى إسرائيل حوالي 3 بليون
دولار كمساعدة خارجية مباشرة كل
عام، والتي هي تقريباً خمس
ميزانية المساعدة الأمريكية
الخارجية. باعتبار حصة الفرد،
فإن الولايات المتحدة
الأمريكية تمنح كل إسرائيلي
إعانة مالية مباشرة تقوّم
بحوالي 500 دولار كل عام.
إن هذا السخاء ملفت بشكل خاص
عندما يدرك المرء أن إسرائيل هي
الآن دولة صناعية ثرية يعادل
دخل الفرد الواحد فيها تقريباً
دخل الفرد في كوريا الجنوبية أو
إسبانيا.
تحصل إسرائيل كذلك على مساعدات
خاصة أخرى من واشنطن. فمتلقو
المساعدة الآخرون يحصلون على
أموالهم مقسطة أرباعاً، ولكن
إسرائيل تتلقى حصتها الكاملة في
بداية كل سنة مالية، وهكذا تحصل
على فائدة إضافية. إن معظم
المتلقين للمساعدة الأمريكية
مطالبين بإنفاقها كلها في
الولايات المتحدة، ولكن
إسرائيل تستطيع استخدام ما
نسبته 25% تقريباً من المساعدة
المخصصة لها لتقديم العون
لصناعتها الدفاعية. إن إسرائيل
هي المتلقي الوحيد الذي ليس
عليه أن يقدم بياناً عن الكيفية
التي تصرف بها المساعدة، وهو
إعفاء يجعل من المستحيل عملياً
منع المال من أن يتم استخدامه
لأغراض تعارضها الولايات
المتحدة، مثل بناء المستوطنات
في الضفة الغربية.
إضافة إلى هذا، فإن الولايات
المتحدة قد زودت إسرائيل بثلاثة
بلايين دولار تقريباً لتطوير
أنظمة الأسلحة من مثل طائرة (لافي)
والتي لا يريدها ولا يحتاجها
البنتاغون، في الوقت الذي تمنح
فيه إسرائيل إذن الوصول إلى
أعلى مخزن للأسلحة الأمريكية
مثل طائرات (البلاك هوك
الأمريكية) وطائرات (جت إف 16).
أخيراً، فإن الولايات المتحدة
تمنح إسرائيل إذن الوصول إلى
معلومات استخبارية تنكرها على
حلفائها في الناتو، وقد تجاهلت
امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية.
إضافة إلى ذلك، تزود واشنطن
إسرائيل بدعم ديبلوماسي منتظم.
منذ عام 1982، عارضت الولايات
المتحدة بطريقة الفيتو 32 قراراً
من قرارات مجلس التابع للأمم
المتحدة والتي كانت قرارات
حاسمة لإسرائيل، وهو عدد يفوق
بمجموعه اعتراضات بالفيتو التي
قام بها جميع أعضاء مجلس الأمن. كما أنها تعيق مساعي الدول العربية لوضع
الترسانة النووية الإسرائيلية
على أجندة الوكالة الدولية
للطاقة الذرية. وتصل الولايات
المتحدة لنجدة إسرائيل في زمان
الحرب، وتقف إلى جانبها عند
مفاوضات السلام. لقد أعادت
إدارة نيكسون تزويد إسرائيل
خلال حرب أكتوبر، وحمت إسرائيل
من تهديد التدخل السوفييتي. لقد
كانت واشنطن منخرطة إلى حد كبير
في المفاوضات التي أنهت الحرب
وكذلك العملية المطولة (خطوة
خطوة)، بينما كانت تلعب دوراً
رئيسياً في المفاوضات التي سبقت
وتلت اتفاقيات أوسلو 1993.
لقد كان هناك احتكاكات في بعض
المناسبات بين الولايات
المتحدة والمسؤولين
الإسرائيليين في كلا الحالين،
ولكن الولايات المتحدة نسقت
مواقفها بإمعان مع إسرائيل
وجمعت بثبات المقاربة
الإسرائيلية للمفاوضات. في
الحقيقة، فإن أحد المشاركين
الأمريكيين في (كامب ديفيد 2000)
قال لاحقاً: (لقد عملنا في كثير
من الأحيان كمحام إسرائيلي إلى
حد بعيد..). وكما سيتم مناقشته
لاحقاً، فقد منحت واشنطن
إسرائيل نطاقاً واسعاً في
التعامل مع الأراضي المحتلة (الضفة
الغربية وقطاع غزة)، حتى عندما
كانت تحركاتها مخالفة مع سياسة
الولايات المتحدة إضافة إلى
ذلك، فإن استراتيجية بوش
الطموحة لتغيير الشرق الأوسط ـ
بدء من اجتياح العراق ـ يهدف في
جزء منه على الأقل إلى تحسين وضع
إسرائيل الاستراتيجي. بعيداً عن
تحالفات الحرب، فإن من الصعب
التفكير في مثال آخر زودت فيه
دولة ما دولة أخرى بقدر مشابه من
الدعم المادي والدبلوماسي
لفترة طويلة كهذه.
إن دعم أمريكا لإسرائيل هو
باختصار دعم فريد. إن هذا الكرم
الاستثنائي قد يكون مفهوماً
فيما لو كانت إسرائيل كياناً
استراتيجياً ضرورياً أو كان
هناك وضع أخلاقي مقنع للدعم
الأمريكي الثابت. ولكن أياً من
الدوافع ليس مقنعاً.
|