السياسة
الخارجية تحت الضوء
التقرير
الخاص آذار/2004
الجذور
الإنجيلية للأحادية الأمريكية
اليمين
المسيحي وكيفية مواجهته
بقلم:
دوان أولدفيد: أستاذة مشاركة في
العلوم السياسية في جامعة نوكس.
ومؤلفة كتاب (اليمين واليميني،
رومان وليتلفيد، 1996).
لقد
قدمت نسخة هذا البحث في وقت سابق
في الاجتماع السنوي لجمعية
العلوم السياسية الأمريكية
الذي انعقد في الفترة ما بين 28ـ31
آب/2003.
(في حين أن الولايات المتحدة
ستسعى باستمرار للحصول على دعم
المجتمع الدولي، فإننا لن نتردد
في التحرك وحدنا، إذا ما اقتضت
الضرورة، لممارسة حقنا في
الدفاع عن النفس بالتصرف
استباقياً.
إن البشرية اليوم
تمسك
بيديها الفرصة لتحقيق انتصار
أكبر للحرية على جميع هؤلاء
الأعداء. وترحب الولايات
المتحدة بمسؤوليتها للقيادة في
هذه الإرسالية العظيمة (التي
تؤكد على رسالتنا). ولكن
مسؤوليتنا أمام التاريخ واضحة:
أن نرد على جميع هذه الهجمات،
والتخلص من الشر العالمي).
(هذا
الكلام منقول) عن استراتيجية
الأمن القومي للولايات المتحدة
(2001، ص6، المقدمة، وص5).
إن
كون إدارة جورج.دبليو.بوش تتبع
سياسة خارجية أحادية في قضايا
تتراوح بين الحرب العراقية إلى
الدفيئة العالمية إلى محكمة
الجنايات الدولية أمر واضح
للمراقبين داخل الوطن وخارجه.
من الواضح كذلك حقيقة أن سياسة
بوش، على الأقل في خطوطها
العريضة، هي مبالغة لدرجة كبيرة
في حماية الحق المسيحي. وكما
يشير الاقتباسان أعلاه، فإن
الرئيس، والذي هو نفسه مسيحي
أنجليكاني، لا يتردد في استخدام
لغة أخلاقية، ذات مضمون ديني،
في الدفاع عن سياساته.
ما
هي، على نحو دقيق، العلاقة بين
اليمين والمسيحي والسياسة
الخارجية الأحادية للإدارة
الحالية؟ في ربع القرن الأخير،
أصبح اليمين المسيحي لاعباً
أساسياً في القضايا الاجتماعية
الداخلية مثل الإجهاض، وحقوق
الشواذ، والصلوات في المدارس.
وفي الوقت الذي يستمر فيه
الصحفيون، والسياسون،
والأكاديميون في تحليل ومناقشة
تأثير اليمين المسيحي في هذه
المجالات، فقد تم إيلاء اهتمام
أقل لتأثير اليمين المسيحي على
السياسة الخارجية المسيحية. إلا
أنه أصبح من الصعب تجاهل هذا
التأثير، وهو بحاجة للمزيد من
الدراسة.(1)
في
القسمين الأولين من هذا البحث،
درست الجذور السياسية والدينية
للأحادية اليمينية المسيحية
وتطور التحالفات الذي سمح
لليمين أن يكون لاعباً هاماً في
السياسة الخارجية الأمريكية
الجديدة. ويبحث القسم الثالث من
هذا البحث في سؤال آخر: كيف
ينبغي للتقدميين أن يفهموا وأن
يتجاوبوا مع تأثير اليمين
المسيحي؟ إنني مقتنعة بأن
التركيز على (تطرف) اليمين هي
استراتيجية مضللة وأننا بدلاً
من ذلك، علينا أن ننظر إلى
اليمين المسيحي كجزء من تحالف
مهيمن في السياسة الخارجية. إن
مقاومة التحالف الأحادي تتطلب
تركيزاً على تناقضاتها
الجوهرية.
1ـ جذور أحادية اليمين
المسيحي
رغم
أن الميول الأحادية للإدارة
الحالية تقف على الأقل في موقف
تباين جريء مع سابقاتها، إلا أن
الأحادية ليست أمراً جديداً على
اليمين المسيحي. منذ عقود خلت،
وجه المبشرون بها نيرانهم على
الدوليين وعلى الأمم المتحدة.
وقد شنت (جمعية جون بيرتش)
حملتها في عام 1959 تحت عنوان (أخرجونا
من الأمم المتحدة!). وفي عام 1962،
أعلن بيلي جيمس هارجيس، وهو
قائد المنظمة الصليبية
المسيحية المعادية للشيوعيين،
أعلن أن (التهديد الرئيسي
للولايات المتحدة هو الدولية).
تعود
الأصول السياسية لعدد من شخصيات
اليمين المسيحي مثل (فيليس
سكلافلاي) و(تيم لاهاي) إلى
اليمين الوطني في هذا العصر. إن
معارضة المنشآت الدولية، والتي
نظر إليها على أنها تهديد
للسيادة الأمريكية ولدور
البلاد (كأمة المخلص)، قد استمرت
المعارضة إلى اليوم في دوائر
اليمين المسيحي (انظر لينستش
جزء50).
خلال
عصر الحرب الباردة، كان اهتمام
اليمين المسيحي ومبشريه
بالسياسة الخارجية متعلقاًً
بالصراع ضد الشيوعيين. لقد كان
دعم الأحادية جزءً من مهمة أكبر
هدفها الإطاحة بالقيود الدولية
وإطلاق قوة الولايات المتحدة
لتدير حملة صليبية قوية ضد
الشيوعيين الكفار. مع سقوط
الاتحاد السوفييتي، فقدت
الأحادية المعادية للشيوعية
الكثير من صلتها بالسياسة
الخارجية. في عقد التسعينات،
ظهرت مجموعة جديدة من المخاوف
من المنشآت الدولية على السطح
مما دفع اليمين المسيحي إلى
زيادة تركيز انتباهه على الشؤون
العالمية (3). كانت هذه المواقف
متجذرة في الخوف من استخدام
الأمم المتحدة لتطوير أجندة
اجتماعية ليبرالية. لقد كانت
مؤتمرات الأمم المتحدة الرفيعة
المستوى والمتعلقة بحقوق
النساء والسكان من بين التطورات
التي دقت نواقيس الخطر لزعماء
اليمين المسيحي (4). وقد وصفت
لوريل ماكلاود، المديرة
السابقة لقسم التشريع والسياسة
العامة في نساء (مهتمات بأمريكا)،
وصفت مشاركة جماعتها المتزايدة
في القضايا الدولية بقولها: (لقد
بدأنا نشترك، من وجهة نظري، في
القضايا الدولية في أواخر الـ94،
عندما حضرنا للمؤتمر العالمي
الرابع حول وضع المرأة في بكين،
وإنني أحب أن أقول أنه مع الدخول
في قضايا الأمم المتحدة
والقضايا الدولية، فقد بدا
الأمر كأننا أدخلنا أصبعنا في
بركة سقطنا فيها إلى رقابنا ثم
اكتشفنا أنها كانت المحيط
الهادئ (5).
لقد
أدت فعالية اليمين المسيحي في
قضايا الأمم المتحدة إلى جذبه
إلى مجال دقيق. بقيادة منظم
مؤتمر الأسر العالمي، طورت
عناصر من اليمين المسيحي
تحالفات غير مبشرة بالنجاح على
ما يبدو، فبالعمل مع المحافظين
الاجتماعيين حول العالم.. بمن في
ذلك الفاتيكان وبعض الجماعات
الإسلامية للدفاع عن (العائلة
الطبيعية) في الساحة الدولية(6).
أكثر من هذا، فإنه في الوقت الذي
حصلت فيه منظمة مثل (نساء مهتمات
بأمريكا)، و(منتدى النسر)، و(مجمع
أبحاث العائلة) على تشكيل رسمي
غير حكومي وشاركت في منتديات
الأمم المتحدة، فإنهم ربما
يكونون قد ساعدوا على منح
الشرعية لمؤسسة يراها الكثير من
أعضائهم على أنها مؤسسة غير
شرعية. ورغم أن اليمين المسيحي
يصارع بقوة في مأزق العمل من
داخل الأمم المتحدة، إلا أنه
يبقى عدائياً تماماً للمؤسسة في
شكلها الحالي ومعارضاً للتعاون
الأمريكي معها. من وجهة نظر
اليمين المسيحي فإن الأمم
المتحدة مؤسسة يسيطر عليها دعاة
متطرفون إلى المساواة بين
الجنسين يميلون إلى استخدام
المنشآت الدولية لفرض أجندتهم
على كل من الولايات المتحدة
والعالم الثالث المحافظ
اجتماعياً.
أحد
الاهتمامات الأخرى في السياسة
الخارجية لدى اليمين المسيحي في
العقد الأخير هناك قضية
الاضطهاد الديني، خصوصاً
اضطهاد المسيحيين في الصين،
والسعودية العربية، والسودان.
لقد
لعبت فعالية اليمين المسيحي
دوراً هاماً في إقرار مرسوم
الحرية الدينية الدولية في عام
1998. إن قضية الاضطهاد الديني
ليست مرتبطة بالأحادية بقوة
تماثل قوة ارتباط القضايا التي
تمت مناقضتها، ولكن الجدير
بالملاحظة هو أن الحلول
المطروحة من قبل اليمين المسيحي
ـ من مثل مرسوم الحرية الدينية
الدولية، والعقوبات ضد
السودان، ومنع الفوائد
التجارية الأمريكية عن الصين،
كلها تنطوي على تحرك أحادي
للولايات المتحدة منتهكين
للقوى الدينية بدلاً من
الاعتماد على المنظمات الدولية
لتحديد هذه الحقوق والدفاع عنها.
أخيراً،
فإن ميل اليمين المسيحي الأحادي
متجذر في قراءتهم للوحي
الإنجيلي. فمنذ عقد السبعينات،
عندما كان كتاب (هال ليندسي) (كوكب
الأرض العصري العظيم) أفضل
الكتب غير الخيالية مبيعاً طوال
عقد من الزمن، إلى النجاح
الحالي لكل من (تيم لاهاي وجيري
جنكنز) في سلسلة كتب (تركناه
وراءنا)، وهي أعمال من الوحي
الإنجيلي لاقت شعبية هائلة بين
مؤيدي اليمين المسيحي وغيرهم 7.
تختلف التفاصيل، ولكن معظم
الروايات ابهاجاً للمؤمنين، هي
تلك التي تتحدث عن فترة حرب
وكارثة طبيعية علامتها ظهور
المسيح المزيف، وفي النهاية
المجيء الثاني للمسيح الحقيقي.
ما هو هام بشكل كبير لأهداف هذا
البحث، هي فكرة شائعة في الكثير
من هذا النوع من الروايات،
إنشاء حكومة واحدة في العالم، (نظام
عالمي جديد) لا يقوده إلا المسيح
الدجال نفسه. يقال أن حكم المسيح
الدجال سيشكل محاولات لفرض عملة
عالمية واحدة ودين عالمي واحد.
إن الأمم المتحدة لن ترحل
بعيداً في هذه الروايات.
إن
دور الأمم المتحدة هو دور متنوع
في مجموعة (هال ليندسي) ذات
الكتب العديدة عن الوحي
الإنجيلي. ففي بعض رواياته، فإن
الاتحاد الأوروبي هو
الفيدرالية التي سيترأسها
المسيح الدجال. (بوس وهيرمان26).
إن الأمم المتحدة هي الشخصية
الأكثر شراً في الكتابات عن
نهاية الزمن الإنجيلية. في
سلسلة (تركناه وراءنا) فإن
المسيح الدجال، نيكولا
كارباثيا، هو رئيس الأمم
المتحدة. وفي كتاب (بات روبستون)
(نهاية العصر) يقوم المسيح
الدجال، مارك بيوليو، باستبدال
مؤسسة الأمم المتحدة بهيكل
عالمي جديد وأكثر قوة حتى،
الاتحاد من أجل السلام8. في جميع
هذه الكتابات فإن الرسالة
الأساسية واضحة: فكتل حكومية
متعددة الجنسيات ستكون أدوات
بيد المسيح الدجال للحصول على
الهيمنة العالمية. إن هذه
الروايات عن آخر الزمان تغذي
المقاومة لمحاولات يعتقد أنها
تهدف إلى إخضاع الولايات
المتحدة لسلطة أي كتلة حاكمة
إقليمية أو دولية. من الصعب حساب
التأثير الدقيق لنبوآت آخر
الزمان. إن تردد ممثلي اليمين
المسيحي في الاعتراف بالدوافع
النبوآتية الكامنة وراء تصرفات
جماعتهم. إلا أنه بالرغم من ذلك
ونظراً لشعبية منشورات آخر
الزمان، بما فيها تلك التي
ألفتها شخصيات كبرى من اليمين
المسيحي مثل (بات روبستون) و(تيم
لاهاي)، فإن من الصعب القول أنها
لم تكن تحدث تأثيراً ذا شأن9.
إن
الأحادية الملازمة لليمين
المعادي للشيوعية، وللمعارضة
لأجندة الأمم المتحدة
الاجتماعية، وللنبوءة
الإنجيلية قد شكلت حركة معارضة
بلا تردد للقوى المتعددة
الجنسيات. إن الطبيعة الدقيقة
لهذه المعارضة تختلف من جماعة
إلى جماعة. إن (منتدى النسر)
التابع لـ (فيليس سكلافلاي) و(نساء
مهتمات بأمريكا) هما جماعتان
معاديتان فعلياً لكل شكل من
أشكال السلطة المتعددة
الجنسيات، في الوقت الذي تعتبر
فيه جماعتي مجلس أبحاث الأسرة
والتجمع العالمي للأسر هم أكثر
انفتاحاً إلى حد ما. كل هذه
الجماعات تسعى إلى توجيه
السياسة الخارجية في الولايات
المتحدة باتجاه أكثر أحادية.
2ـ بناء التحالفات
كيف أصبح اليمين المسيحي
لاعباً في الشؤون الخارجية
رغم
أن أحادية اليمين المسيحي ليست
أمراً جديداً، إلا أن قربه من
السلطة هو كذلك. لقد ساعدت ثلاث
تطورات على جعل اليمين المسيحي
لاعباً هاماً في السياسة
الخارجية للولايات المتحدة:
انتخاب رئيس ذي روابط قوية مع
الحركة ـ ونمو قوة الجذور
التنظيمية لليمين المسيحي ـ
وإنشاء تحالفات مع المحافظين
الجديد الذين أصبحوا يلعبون
دوراً حاسماً في الإدارة
الحالية.
أ)
رئيس متعاطف:
لقد
لعب اليمين المسيحي دوراً
مؤيداً في حرب إدارة ريغان ضد
أمريكا الوسطى، خصوصاً في تمرير
المساعدات للمعارضة
النيكاراغوية (ديموند، 1989،
الأجزاء 5 و 6). ولكن نشاطها في
عقد الثمانينات كان على الصعيد
الداخلي بشكل رئيسي. لقد قدمت
إدارتي جورج اتش. دبليو. بوش
وبيل كلينتون فرصاً قليلة
لتأثير اليمين المسيحي، على
المستوى الرئاسي على الأقل. وقد
دق السيد بوش اس.آر، وهو ملتزم
بالأطراف المتعددة، ناقوس
الخطر في اليمين المسيحي بحديثه
عن (نظام عالمي جديد). بالنسبة
للعديد في اليمين المسيحي، فقد
ضربت هذه العبارة على قائمة
طويلة بأعداء اليمين المسيحي،
متمثلة في حكومة عالمية.. قد
تكون إلهاماً شيطانياً مهددة
للسيادة الأمريكية. وقد كانت
العدائية تجاه بيل كلينتون أقوى
حتى. بتحويله من قبل اليمين
المسيحي ـ الذي حارب بقوة لوضعه
في قفص الاتهام ـ إلى مثال للشر،
فإن كلينتون لم يكن لديه أي حافز
لمنح قادته فرصة الوصول إلى صنع
القرار في السياسة الخارجية.
لقد
منح الانتخاب المتنازع عليه
لجورج بوش اليمين المسيحي
رئيساً أكثر تعاطفاً بكثير. لقد
ساعد تاريخ بوش الشخصي على
تثبيت روابطه بالحركة. ورغم أن
والده كان غير مرتاح بشكل واضح
لأسلوب الحركة في خلط الدين
بالسياسة، فإن الرئيس الحالي،
الذي تم انقاذه من خطيئة إدمان
الكحول بتجربته الخاصة في
الولادة من جديد، قد فهم منذ زمن
طويل تعابير أنصار اليمين
المسيحي الدينية وأصبح يتحدث
بلغتها. مع ملاحظة أنه، وفي عام
1988، أعطى بوش الأب ابنه مهمة
التواصل مع هذه المجموعة لصالحه
في حملته الرئاسية. لقد ساعدت
الحملة (دوغ ويد) الذي عمل مع
جورج دبليو بوش كجزء من سعي فعال
لكسب القادة الإنجيليين11. يعكس
بيت جورج.دبليو.بوش الأبيض
وارتياح قاطنه للتبشير
بالإنجيل. وقد كانت الكلمات
الأولى التي سمعت من قبل كاتب
خطابات بوش (ديفيد فرم) عندما
وصل إلى البيت الأبيض (لقد
افتقدتك في درس الكتاب المقدس). (انظر
فرم).
ب)
شبكة الجذور:
لقد
تعززت الميول الشخصية للرئيس
الحالي بتصور القدرات
الانتخابية لجذور اليمين
المسيحي. قبل حملة (بات روبستون)
الرئاسية في عام 1988، كانت تجربة
اليمين المسيحي محدودة جداً
وذات تنظيم محصور. وقد فشلت حملة
ترشيح روبستون في هدفها
المباشر، ولكنها ألبست أرضية
العمل لبزوغ الائتلاف المسيحي.
لقد لعبت شبكة جذور الائتلاف
هذه دوراً هاماً في انتصارات
الجمهوريين في الكونغرس في عام
1994. في الفترات التمهيدية
لحملات 1996و2000، أصبح القبول
السنوي للائتلاف المسيحي محطة
ضرورية لكل طامح للرئاسة. في وقت
سابق، قام جورج.دبليو.بوش،
باستئجار مدير الائتلاف
المسيحي السابق (رالف ريد)
كمستشار لحملة ترشحه. بعد أن فقد
بوش في الانتخابات الأولية في (نيوهامبشاير)،
فإن دعماً قوياً من اليمين
المسيحي، خصوصاًً في جنوب
كارولينا، قد ساعدته في الرد
على تحد خطير تمثل في السناتور
جون مكين.
مع
كون اليمين المسيحي يشكل الآن
جزء مركزياً من ناخبي الائتلاف
الجمهوري، فإنه يتوجب على
الرؤساء في هذا الحزب أخذ
اهتمامات الناخبين في حسابهم.
ويصل التغيير إلى نقاط أعمق حتى
من هذا. عندما دخل ناشطو اليمين
المسيحي في سياسات حزبية خلال
حملة روبستون في أواخر عقد
الثمانينات، فإن الاختلاف بين
هؤلاء الناشطين وبين
الجمهوريين المؤسسين كان
واضحاً. بالنسبة للعديد من
أعضاء التنظيم، فإن ناشطي
روبستون كانوا متطفلين غرباء
هبطوا على الحزب بطريقة ما.
بكلمات أخ الرئيس (نيل بوش)، فقد
كانوا (صراصير) خرجوا (من ألواح
القاعدة في الحزام الإنجيلي)12.
ورغم استمرار التوتر بين اليمين
المسيحي وفصائل الحزب الأخرى،
إلا أن اليمين المسيحي هو الآن
عنصر مؤسس، وفي بعض المجالات
سمة غالبة، في ائتلاف الحزب.
يقدم (جون غرين) تحليلاً حصيفاً
لنشوء (الهوية الجماعية) لليمين
المسيحي: من هويات دينية طائفية
في أوائل عقد الثمانينات إلى
هوية مؤيدة للعائلة قد ساعدت في
توحيد أعضاء اليمين المسيحي عبر
الخطوط الدينية إلى العصر
الحالي (عصر الجمهوريين
الإنجيليين)، حيث المشاركة أمر
جوهري لهوية الحركة. ويوضح (رالف
ريد)، المدير التنفيذي السابق
للائتلاف المسيحي وهو الآن رئيس
حزب جورجيا الجمهوري، هذه
النزعة. بينما أصبح اليمينيون
المسيحيون ناشطيين حزبيين، فإن
المنظمات المسيحية اليمينية قد
تعاني، كما حدث للائتلاف
المسيحي منذ رحيل ريد، ولكن
تأثيرهم في الحزب سيتنامى. في
حزب جمهوري يهيمن عليه
الجنوبيون المحافظون من أمثال
جورج. دبليو.بوش وتوم ديلي، وديك
آرمي، فإن ناشطي اليمين المسيحي
لم يعودوا متطفلين؛ لقد أصبحوا
أعضاء من الداخل.
ج)
روابط المحافظين الجدد:
أخيراً،
فإن وصول اليمين المسيحي إلى
السلطة قد دعمته كثيراًً
الروابط التي قام هو بتطويرها
مع المحافظين الجدد ذوي النفوذ
في الإدارة الحالية. إن مثقفي
المحافظين الجدد، ومعظمهم من
اليهود، قد لا يبدون كحلفاء
محتملين لليمين المسيحي، ولكن
هذه الشراكة قد تطورت عبر عدة
مجالات اهتمام. وأكثر القواعد
أهمية في هذه الشراكة هو الدعم
المشترك لإسرائيل، أو بشكل أكثر
دقة، لرؤية حزب الليكود لمصالح
إسرائيل. إن دعم اليمين المسيحي
لصقور إسرائيل يعود إلى بدايات
الحركة في أواخر عقد السبعينات،
ولكن درجته قد ارتفعت في
السنوات القليلة الأخيرة. إن
الاجتماع السنوي في 2002 للائتلاف
المسيحي قد تأوج بحشد حاشد
لإسرائيل، وقام كل من (رالف ريد)،
والرابي (يتشيل اكستين) مؤخراً
بإنشاء مجموعة جديدة (ادعموا
إسرائيل). في نفس الوقت، وعبر
وسائل الإعلام التابعة لليمين
المسيحي، أصبحت الانتقادات
للفلسطينيين والدعم للسياسات
الإسرائيلية المتشددة أكثر قوة.
إن دعم اليمين المسيحي لإسرائيل
مرتبط بقوة بعلاقة تبادلية مع
المخاوف الرسولية التي
ناقشناها في مكان سابق في هذا
المقال. بكلمات المؤلف (جون هاجي)،
وهو من اليمين المتطرف، فإن (إسرائيل
هي الأمة الوحيدة التي تكونت
بأمر خالص من الله لا دور
للأسباب فيه، وقد أقسم الله
بعظمته أن يدافع عن القدس،
مدينته المقدسة. إذا كان الله هو
الذي أنشأ إسرائيل، وهو الذي
يدافع عنها، فإن تلك الأمم التي
تقاتلها إنما تقاتل الله) 13
حتى أنه في تجمع حديث للائتلاف
المسيحي، اقترح متحدث بأن
هجمات 11 أيلول، كانت عقوبة
إلهية لعدم فعالية الدعم
الأمريكي لإسرائيل (أخبار
العرب،2003).
لقد
تشكلت العلاقات مع المحافظين
الجدد حول قضية الاضطهاد الديني
كذلك. ميشيل هورو ويتز، وهو أحد
البارزين في المحافظين الجدد في
معهد هدسون، ونينا شيا، من معهد
البيوبلا، كانا ذوي فعالية في
تعبئة الإنجيليين حول قضية
الاضطهاد الديني 14. وقد كتب
إياليون أبراهام، الذي كان
حينها رئيس مركز الأخلاقيات
والسياسة العامة، بشكل مكثف
داعماً للقضية، وتم اختياره بعد
ذلك، مع (نينا شيا) للَّجنة التي
أنشئت وفقاً لمرسوم 1998، الخاص
بـ (الحرية الدينية الدولية)،
وقد عمل في النهاية كرئيس لها 15.
وقد نقل (أبراهام)إلى مراكز حقوق
الإنسان وسياسة الشرق الأوسط في
مجلس الأمن القومي.
في عام 1997، عندما ولد مشروع
قرن أمريكي جديد، فقد وحد قادة
المحافظين حول الدعوة إلى سياسة
خارجية للولايات المتحدة تكون
أكثر عدوانية (بما
في ذلك تحرك عنيف ضد عراق صدام
حسين). وقد بين إعلان مبادئ
الجماعة أن (سياسة قوة عسكرية
كهذه ووضوحاً أخلاقياً قد لا
يكون رائجاً اليوم، ولكنه ضروري
إذا أرادت الولايات المتحدة أن
تبني هذا على نجاح القرن الماضي
وأن تكفل أمننا وعظمتنا في
التالي). من بين الموقعين الـ(25)
كان هناك محافظون جدد بارزون
ولاعبون مستقبليون في إدارة بوش
بمن فيهم إيليوت أبراهانز، وديك
تشيني، وفرانك جافني، ودونالد
رامسفيلد، وبول وولفوتيز. وكذلك
على اللائحة كان هناك جاري
باوير، والذي كان رئيساً لمجلس
الأبحاث الأسرية لوقت طويل،
والمؤلف وليام بينيت 16.
رئيس
متعاطف، وقوى انتخابية متجذرة،
وروابط مع محافظين جدد ذوي
تأثير، قد منحت اليمين المسيحي
التأثير في مجال السياسة
الخارجية الأمريكية، إن تقديم
الدعم لتحرك عسكري أحادي ودعم
لا اضطراب
فيه لإسرائيل. وقد كوفئ
اليمين المسيحي بتعيينات لوفود
إلى مؤتمرات الأمم المتحدة
وتحرك مساعد في الإدارة على
صعيد الأجندة الدولية العالمية
الخاصة به (انظر بتلر)، وتم
تشجيعه باستخدام الرئيس للغة
دينية لتبرير سياساته. ومع ذلك
فإن اليمين المسيحي قد قدم
دعماً جذرياً قوياً للقوى
الأحادية التي تهيمن حالياً على
السياسة الأمريكية الخارجية.
3ـ
رد تقدمي
كيف
ينبغي للتقدميين فهم تأثير
السياسة الخارجية لليمين
المسيحي والرد عليه؟ إحدى أكثر
المقاربات شيوعاً، والتي
يتبناها خصوم اليمين المسيحي
وأسلافهم قد أيقظت لغة التطرف.
إن المتطرفين، مثل أعضاء اليمين
المتطرف، ينظر إليهم على أنهم
مختلفون عن العالم العقلاني
لتيار السياسة العام المعتاد.
إنهم يعتبرون على أنهم أناس غير
عقلانيين، ومشوشون فيزيائياً.
عدم القبول بقواعد اللعبة
الديموقراطية هذه ذو تاريخ فكري
طويل منذ تحاليل دانييل بيل،
وسيمور مارتن ليبست، وريتشارد
هوفستادتر عن المكارثية (توجيه
الاتهام بعدم الولاء السياسي
علناً ودون أدلة كافية) وعن
مجتمع جون بيرتش إلى التفسيرات
الأخيرة لليمين المسيحي (انظر
بيل 1955،1963، ليبست وراب،
وكروفرود). ورغم أن هذه المقاربة
قد انتقدت كثيراً من قبل
الأكاديميين، إلا أنها التحليل
الذي يوجه دعامات الضغط
الرئيسية التي تحاول مضادة
اليمين المسيحي 17. إن اسم جمعية (أناس
من أجل الأسلوب الأمريكي) نفسه
يتضمن اختلافاً بين السياسة
الاعتيادية عن (الأسلوب
الأمريكي) والتطرف الخطير عن
خصوم الجماعة (اليمين المتطرف).
إن (تحالف الأديان المختلفة يصف
نفسه على أنه (منظمة تتكون من
أناس مؤمنين وذوي نوايا حسنة
منخرطين في عملية تعزيز القيم
الرئيسية وتلقي الضوء على
التطرف) انظر (تحالف الأديان
المختلفة). إن جعل المرء نفسه
على أنه تيار رئيس واعتبار خصمه
على أنه متطرف وغير أمريكي قد
يكون استراتيجية سياسية فعالة.
إن عناصر المقاومة اليمينية
المسيحية تجاه السياسة
الخارجية، تسوي الأمم المتحدة
بالمسيح الدجال على سبيل
المثال، هي بالتأكيد متطرفة
وينبغي الإشارة إليها من قبل
خصومها. ومع ذلك فإن فهم ومضادة
تأثير اليمين المسيحي في
السياسة الخارجية باستخدام لغة
التطرف هو مقاربة خاطئة لعدة
أسباب.
إن
لمقاربة التطرف أخطاراً أخرى
بالنسبة لأولئك الذين يمحصون
اليمين المسيحي عن اليسار. إن (تحليل
التطرف) هو بشكل جوهري تحليل
يحتفظ فيه طرف بمركز المسؤولية
ضد كلا الطرفين. يقدم ميشيل
روجين رواية قوية عن الطرق التي
يمكن بها لتحليل كهذا أن يستخدم
بطريقة غير دقيقة، ليس لمهاجمة
اليمين المتطرف وحسب بل كذلك
لربطه بـ وبالتالي تشويهه ـ
بالحركات التقدمية
التي شارك فيها جمهوريون وطلاب
ناشطون في الستينات 18. إن
تحليلاً يقابل البراجماتية
والقيادة المسؤولة،
مثلاً، لكولن باول وجورج بوش
الكبير بتطرف الأصوليين
المسيحيين يمكن أن يتم
استخدامها كذلك لمقابلة قيادة
كهذه بتطرف المتظاهرين ضد
العولمة. إن اقحام المركز
العقلاني ضد التطرف اللاعقلاني
يعمي كذلك أي شخص من رؤية
لاعلانية المركز وعقلانية
المتطرف. إنه لخطأ خطير أن يعتقد
أن متطرفي اليمين المسيحي هم
الموضع الوحيد الذي تتجذر فيه
أساطير القوميين الخطرة.
فايديولوجية الأحادية
الأمريكية تنبع من عدة مصادر في
الثقافات الشعبية السائدة
والدين الشعبي (انظر جون ولورنس).
إنه كذلك لخطأ جسيم أن يتم
الاستخفاف بعقلانية اليمين
المسيحي، وأن يتم رفضهم مرة بعد
مرة باعتبارهم حركة لاعقلانية
رجعية منددة بالعالم الحديث.
فقد أربك اليمين المسيحي ناقديه
باستمرار التصرف بطريقة فعالة
وبأساليب سياسية فطنة، فقام
ببناء مؤسساته، وتشكيل
تحالفاته، والعمل بطريقة
واقعية عملية لتطوير أجندته.
أخيراً،
وهو ما يشكل الأهمية الأكبر،
فإن اليمين المسيحي لم يعد
متطرفاً معزولاً عن التيار
العام في السياسة الخارجية. إن
رؤية اليمين المسيحي على أنه
عنصر ثانوي متطرف تمكن بطريقة
ما من شق طريقه إلى عالم التيار
المسؤول عن صنع السياسة
الخارجية، هي ببساطة
رؤية خاطئة. بقوة جذوره، فإن
اليمين المسيحي هو مكون رئيسي
في الائتلاف الانتخابي للحزب
السياسي المهيمن على البلاد.
إنه يتمتع بعلاقات حميمة مع
الرئيس ومستشاريه المحافظين
الجدد، وحتى الآن على الأقل،
فإن اليمين المسيحي هو عنصر هام
في التحالف الأحادي الذي يسيطر
على السياسة الخارجية
الأمريكية. ينبغي وضع هذا في
حسبان أولئك الذين قد يحاولون
مضادة تأثير اليمين الديني.
إذا
كان اليمين المسيحي جزءً من
تحالف مسيطر في السياسة
الخارجية، فكيف يمكن لأولئك
الذين يعارضونه أن يتقدموا؟ إن
الإجراء المضاد الأوضح والأكثر
فعالية سيكون عن طريق الهزيمة
الانتخابية للحزب والإدارة
التي يتحالف معها. فعبر الربع
الأخير من القرن، أصبح اليمين
المسيحي متشابكاً بشكل وثيق مع
الحزب الجمهوري. إن إمكانية
التأثير المتاحة أمامه تابعة
بقوة لحظوظ الحزب الانتخابي.
بالطبع، فإن هذا الحل يتجنب
السؤال. كيف يمكن تحقيق هذه
الهزيمة الانتخابية؟ ليس لدي
رصاصة سحرية يمكن تقديمها.
والسؤال يقع خارج مجال هذا
البحث. ومع ذلك، فإنني كنت
لأقترح أن هؤلاء الذين يتطلعون
لينسقوا جهدهم ضد اليمين
المسيحي، والتحالف الأحادي
الذي هو جزء منه، أن يبدؤوا
بالتوترات والخلافات في داخل
هذا التحالف وفي داخل اليمين
المسيحي نفسه، وسأعدد بعضاً
منها الآن.
أ)
العولمة الاقتصادية:
حتى
الآن، فإن روايتنا عن اليمين
المسيحي ومؤسسات الحكم الدولي
قد ركزت على الأمم المتحدة،
التي كانت الهدف الرئيسي
لأحادية اليمين المسيحي. مع
ذلك، فإن اليمين المسيحي قد وجه
نيرانه كذلك إلى مؤسسات الحكم
الدولي الاقتصادي، مثل منظمة
التجارة العالمية، واتفاقية
التجارة الحرة لشمال أمريكا.
رغم أن إدارة بوش مستعدة
للإفلات من ضوابط تعدد الأطرف
في بعض المجالات، فلا البيت
الأبيض، ولا حلفاء العمل ذوو
الأهمية الكبيرة لنجاحها
مهتمون برفض أحادي للنظام
الاقتصادي الليبرالي الجديد. إن
مقاومة اليمين المسيحي لعولمة
اقتصاد الليبراليين الجدد قد
تفرض تهديداً جاداً أمام تعاون
صداقة ائتلاف السياسة الخارجية
الحالي. لقد بدا هذا التهديد
كبيراً في عقد التسعينات، عندما
وجدت جماعات اليمين المسيحي من
بين معارضي (اتفاقية التجارة
الحرة لشمال أمريكا)، إن امتداد
سلطة التجارة ذا الطريق السريع،
ومنح مكانة تجارية مميزة للصين.
في هذه المعارك، فإن (منتدى
النسر) وجمعية (نساء مهتمات
بأمريكا)، و(مجلس أبحاث الله)
يجدون أنفسهم في وضع غير متوقع
مع قيادة المكتب العام، ومع
حلفائهم المعتادين من مثل مؤسسة
هيرتاج. لقد شجب جاري باوير (العولمة
المستهترة للجمهوريين المتحدين)،
وقد وجد ناشطو اليمين المسيحي
أنفسهم في تحالف غير مريح مع
اتحادات العمال، ومناصري حقوق
الإنسان، ومنظمي معارضة
العولمة.
إن
استغلال إدارة بوش لأحداث 11/أيلول،
والحرب على الإرهاب، والحرب على
العراق قد حلت بشكل فعال مكان
الخلافات التي كانت تدور حول
العولمة الاقتصادية. وكما وضح
اي.اي سكاتشنيدر، من بين آخرين،
فإن تحديد القضية هو أحد أهم
خاصيات القوى السياسية. إن
إدارة بوش، مع مخططاتها لربط
اجتماع الجمهوريين في الـ2004
بالذكرى الثالثة لهجمات 11/أيلول،
قد تعلمت بالتأكيد هذا الدرس في
العمق. يريد التقدميون إعادة
وضع قضايا العولمة الاقتصادية
في المقدمة، لا لإلقاء الضوء
على مخاوفهم فحسب، بل لأن
التركيز على هذا الموضوع يكشف
خلافاً خطيراً في ائتلاف
السياسة الخارجية لدى خصومهم
كذلك.
ب)
الاضطهاد
الديني:
يشكل
موضوع الاضطهاد الديني مشاكل
محتملة للمكتب العام لائتلاف
اليمين المسيحي، وذلك من خلال
ارتباط القضية بالصراع بين
اليمين المسيحي ومصالح العمل
التي ناقشناها أعلاه. فمعارضة
اليمين المسيحي لمنح وضع تجاري
مميز للصين كان مرتبطاً إلى
درجة كبيرة بمعاملة البلاد
لمواطنيها المسيحيين. إن كلاً
من قانون الحرية الدينية
الدولية واستئنافاته التي قام
بها المسيحيون من أجل فرض
عقوبات على السودان قد أثارت
شبح الصدام بين تشجيع التجارة
وحق التعبير الديني. ما هو أكثر
خطورة حتى هي المشاكل التي
تفرضها قضية الاضطهاد الديني
أمام تحرك إدارة بوش في حربها
على الإرهاب. في أعقاب هجمات 11/9،
أظهر البيت الأبيض بعض الميل
لإثارة مشاكل حقوق الإنسان
مشركة بذلك أنظمة مستعدة
للتعاون مع حملاتها المضادة
للإرهاب. ومع ذلك، فإن الكثير من
حلفاء الولايات المتحدة
الهامين في الحرب على الإرهاب،
مثل باكستان، هي نفسها الدول
المعنية أكثر من قبل ناشطي
الاضطهاد الديني المنتسبين إلى
اليمين المسيحي. بالرغم من أن
قضايا الاضطهاد تسبب توترات
لائتلاف السياسة الخارجية
المهيمن، إلا أن على التقدمين
أن يكونوا حذرين في استغلالهم
لهذه التوترات. في المناخ
الحالي، فإن الاهتمام بأمر
معاملة المسيحيين في الدول
الإسلامية يمكن أن ينزلق بسهولة
إلى تشجيع على صدام حضارات بين
الغرب والإسلام. في اجتماع حول
الإسلام في شباط/ 2003، يرعاه
الائتلاف المسيحي أعلن متحدثون
بارزون أن المسلمين (يريدون قتل
المسيحيين بأي وسيلة). وقارن
البعض الإسلام بالنازية (انظر
أخبار العرب). وقد وصف فرانكلين
جراهام في تصريح معلن على مستوى
رفيع وصف الإسلام بأنه (دين الشر).
ورغم أن هذه التصريحات تعقد
بالتأكيد ديبلوماسية بوش، فإن
هذه ليست هي التعقيدات التي
ينبغي للتقدميين أن يشجعوها. إن
هناك طرقاً أكثر إيجابية
لمعالجة قضية الاضطهاد الديني.
إن على التقدميين إعادة متعلقات
حقوق الإنسان إلى المقدمة
بطريقة تخاطب بوضوح قضايا
اضطهاد ديني وتؤكد على نماذج
تعددية وعلى آليات معززة. إن
إثارة قضايا حقوق الإنسان هذه
هي الأمر الصحيح الذي ينبغي
فعله، وأن حركة كهذه تنطوي على
احتمال خلق انقسامات خطيرة بين
اليمين المسيحي وإدارة بوش.
ج)
الحوار الاجتماعي العالمي
والتوترات الملازمة:
إن
التورات الخطيرة ليست موجودة
وحسب بين اليمين المسيحي
وشركائه في التحالف في الولايات
المتحدة، بل كذلك بين اليمين
المسيحي في الولايات المتحدة
وبين حلفاء محتملين عبر البحار.
في السنوات الأخيرة، حاول عناصر
من اليمين المسيحي بناء تحالف
دولي اجتماعي محافظ، يوحد
الانجيليين والفاتيكان، وحتى
بعض الجماعات الإسلامية ضد حقوق
الشواذ، وسياسات التحكم
بالسكان، من ضمن هذا التحالف،
هناك الجمعية العالمية للأسرة،
وجماعات متحدة من أديان مختلفة
دفاعاً عن (العائلة الطبيعية).
في الوقت الذي جعل فيه التحالف
الاجتماعي المحافظ صوته
مسموعاً في أروقة الأمم المتحدة
وقاومت مبادرات الأمم المتحدة،
فإنها كثيراً ما استخدمت لغة
تقدمية غريبة مدافعة عن استقلال
العالم الثالث ضد تدخل مناصري
المرأة في العالم الأول،
والمنشآت الدولية التي يزعمون
أنهم يسيطرون عليها. لقد كان هذا
التحالف الدولي غير مستقر
دائماً. فغالبية قاعدة اليمين
المسيحي مترددة في دعم تعاون مع
الفاتيكان، فكيف بالجماعات
الإسلامية19. رغم أن جماعات من
مختلف الأمم تشارك في جمعية
الأسرة العالمية، إلا أن
المشاركة تميل كثيراً إلى
اليمين المسيحي في الولايات
المتحدة. نظراً للقومية
العسكرية من اليمين المسيحي
واعتقاده بالدور الأمريكي
الفريد باعتبار أمريكا (أمة
المخلص)، فليس باعثاً على
الدهشة أن يقع هؤلاء القوميون
المتدينون في تناقض حول تشكيل
ائتلاف دولي حقيقي. لقد رفعت
أحداث 11/9، والحرب على الإرهاب،
والحرب ضد العراق من هذه
القومية وعقدت جهود اليمين
المسيحي في بناء ائتلاف دولي
إلى درجة كبيرة. في المناخ
الحالي، فإن التعاون مع
الجماعات الإسلامية يثير
للمشاكل بشكل خاص.
بالرغم
من هذه الصعوبات، لا ينبغي لنا
أن نقلل من قدر تحالف اجتماعي
محتمل للمحافظين على مستوى
العالم. وفعاليته الممكنة في
مقاومة جهود الهيئات الحاكمة
للدفاع عن حقوق النساء أو تطبيق
سياسات فعالة ضد الإيدز. إن
معارضة حقوق المرأة والشواذ هي
أمر منتشر على نطاق واسع حول
العالم. حتى وإن كان التعاون
الإنجيلي ـ الإسلامي غير محتمل
في المناخ الحالي، فإن
المحافظين الأمريكيين
المتدينين بإمكانهم أن يأملوا
بالتزايد الكبير للمسيحية
المحافظة حول العالم ضمن بحثهم
عن حلفاء محتملين (انظر جنكنز).
إن الجدال الحالي حول ترسيم
الشواذ في الكنيسة الأسقفية هو
جدال توضيحي. إن معارضي
الولايات المتحدة قرار الكنيسة
الأخير بترسيم قس شاذ شكل
تحالفاً مع أعضاء محافظين في
الجمعية الإنجيلية الدولية،
خصوصاً مع أعضاء من الفرع
الأفريقي الضخم والمتنامي
بسرعة.
على
التقدميين الدوليين، الاستفادة
من المؤسسات الدولية لتشجيع
تطور اقتصادي عادل بدلاً من
الليبرالية الجديدة، والتي
تفرض مشاكل جدية أمام محاولات
اليمين المسيحي لإنشاء تحالف
عالمي يتألف من المحافظين
الاجتماعيين وتضعف القومية
الأمريكية الأحادية لليمين
المسيحي. إن قليلاً من حلفاء
اليمين المسيحي المحتلمين في
أجزاء العالم الأخرى هم قوميون
أمريكيون متحمسون، وهم عموماً
سيميلون إلى الأمم المتحدة (انظر
باز وهيرمان). إضافة إلى ذلك،
فإن أجندة اقتصادية دولية تلقي
الضوء على التناقضات الحقيقية
بين الليبرالية الجديدة
للإدارة الحالية، والتي يتحالف
معها اليمين المسيحي، والمصالح
الاقتصادية لحلفاء متوقعين من
العالم الثالث يحاول اليمين
المسيحي استمالتهم في قضايا
اجتماعية.
إن
استبدال الجدل الاجتماعي
العالمي إلى أجندة القوميين
التقدميين، وترجمة المخاوف من
الاضطهاد الديني إلى التزام
بدفاع عام عن حقوق الإنسان
ومواجهة العولمة الاقتصادية
ليس بالمهام السهلة كما هو واضح.
ومع ذلك، فإذا ما أنجزت بطريقة
صحيحة، فإن متابعة أهداف كهذه
بإمكانها أن تستثير سيناريو
للفوز: فهي ما ينبغي عمله،
وبإمكانها أن تخلق مشاكل جديدة
لليمين المسيحي والتحالف
الأحادي الذي يهيمن الآن على
السياسة الخارجية الأمريكية.
|