ـ

ـ

ـ

الثلاثاء 22/03/2005

سورية واستقطاب السياسة اللبنانية

روبرت. جي. رابيل: بروفسور في العلوم السياسية زائر من جامعة فلوريد اتلانتيك. وهو مؤلف كتاب (جيران متحاربون: إسرائيل وسورية ولبنان 2003).

18/2/2005

لقد جاء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في تفجير هائل في بيروت منذ بضعة أيام في وقت تنامت فيه المعارضة اللبنانية للخمسة عشر عاماً من الاحتلال السوري للبلاد.

لقد أصبحت السياسة اللبنانية متستقطبة بالتمديد الذي أجري في أيلول/2004 للرئيس المؤيد لسورية إميل لحود. وقد تم تبني قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1559، والداعي إلى الانسحاب السوري من لبنان وحل حزب الله، في نفس الشهر كردة فعل على التمديد الرئاسي. لم يساعد هذا القرار المعارضة اللبنانية للوجود السوري لتوسيع قاعدة الدعم لها فقط، بل منحها كذلك غطاء سياسياً ودولياً.

خلفية:

منذ اسقاطها (للجمهورية الأولى) في عام 1990، تلاعبت دمشق بالانتخابات البرلمانية اللبنانية لمنع انتصار خصوم أقوياء أو منافسين محتملين، وكذلك ائتلافات مرشحين سياسيين مستقلين. إن التعديل الدستوري لتمديد فترة الرئيس لحود في وجه معارضة لبنانية تكاد تكون شاملة قد أثبت بتصويت كانت نتيجته 96 صوتاً إلى 29 صوتاً، مع عدم حضور ثلاثة أعضاء. لقد تلاعبت دمشق بالانتخابات البرلمانية عن طريق قيامها بتقسيم مناطق انتخابية وفرض لوائح حزبية. على سبيل المثال، وقبل الانتخابات البرلمانية في الـ 2000، قسمت بيروت إلى ثلاث مناطق بهدف تخفيض عدد المقاعد التي فاز بها الحريري، والذي أصبح ناقداً شديداً للحود، ولسليم الحص الذي كان في حينها رئيساً للوزراء. على نحو مشابه، تم تقسيم جبل لبنان إلى أربع مناطق، مع رفض مناطق الدروز (التي فرضتها لائحة الحزب) لدعم القيادة الدرزية لطلال أرسلان ضد تلك التي لوليد جنبلاط، الذي كان قد بدأ في الاصطفاف مع الأقليات المسيحية. بقيادة بطريرك الطائفة المارونية أصبح المجتمع الماروني ذا صوت مسموع في الدعوة إلى الانسحاب السوري بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار/2000.

رغم المناورات والتهديدات من قبل أجهزة الأمن السورية واللبنانية، حقق الحريري وجنبلاط نجاحاً كبيراً على نحو استثنائي في الانتخابات. بل إن الحريري هزم حتى ذلك الوقت القيادة اللبنانية البيروتية طويلة الأمد لسليم الحص. وقد تحرك جنبلاط إلى قلب المعارضة اللبنانية، نافثاً غضبه على التدخل السوري الوقح في الشؤون اللبنانية الداخلية وخصوصاً محاولة الاغتيال في تشرين أول/2004 لحليفه عضو البرلمان مروان حمادة، والذي كان من الواضح أنه من عمل الاستخبارات السورية. إن حقيقة أن إسرائيل لم تكن كالعادة مسؤولة عن المحاولة. يقول الكثير عن الحالة اللبنانية السياسية مؤخراً:

كرد فعل على المعارضة اللبنانية المتنامية، تظاهرت القوات المؤيدة للوجود السوري بالآلاف في بيروت في تشرين الثاني الفائت ـ بأمر واضح من دمشق ـ لتأييد سورية في لبنان. وقد قاد المتظاهرين كل من الحزب الشيعي الإسلامي (حزب الله)، وحركة أمل، والحزب الوطني الاشتراكي، وحزب البعث اللبناني، وعشرات من الفلسطينيين والمهاجرين والعمال السوريين. إضافة إلى ذلك، قام الكثير من أصحاب المقامات الرفيعة والمسؤولين المؤيدين لسورية بدعم المظاهرة لدرجة أن المعارضة اتهمت حكومة رئيس الوزراء اللبناني عمر كرامي بدعم رسمي للمسيرة. وليس مثيراً للدهشة، أن يدين الكثير من ذوي الولاء السوري في لبنان بحظوظهم السياسية وبقائهم لسورية. إضافة إلى الأحزاب الشيعية والدروز، وذوي المقامات الرفيعة من السنة، يشتمل هؤلاء الموالون على وزير الداخلية اللبناني الحالي سليمان فرنجية، وهو زعيم مسيحي ماروني في الشمال، والذي بدأ تحالفه الحميم وصداقته مع عائلة الأسد عندما وجد جده (كان اسمه سليمان فرنجية كذلك) الملاذ في مسقط رأس الرئيس حافظ الأسد، القرداحة، وقد أصبح لاحقاً رئيس لبنان. ومن بين الموالين الآخرين، زعيم أعمال الأرثوذكس اليونانيون عصام فارس (نائب رئيس الوزراء الحالي) وميشيل المر (وزير الداخلية اللبناني الأسبق).

ـ معارضة متزايدة للتدخل السوري:

في كانون أول، كونهم غاضبين من التدخل السوري المستمر في الشؤون اللبنانية الداخلية والتهديدات من قبل المخابرات السورية، فقد دعت المعارضة اللبنانية إلى اجتماع في فندقs]أت

 البريستول في بيروت. وقد حضر التجمع عديد من الناشطين السياسيين والأطراف من جميع أنحاء الطيف السياسي اللبناني العام. بين هؤلاء الذين حضروا كان هناك تجمع جنبلاط الديموقراطي والحزب الاشتراكي التقدمي، وتجمع قرنة شهوان المسيحي، والقوات اللبنانية المسيحية المحظورة، وأعضاء ميشيل عون الوطنية الحرة، والتجمع الديموقراطي، والحركة اليسارية الديموقراطية. ما كان مثيراً للاهتمام أن أعضاء من كتلة الحريري البرلمانية قد حضروا كذلك. كنتيجة للاجتماع، أصدرت المعارضة وثيقة تاريخية عرفت باسم إعلان بريستول، والتي شجبوا فيها تعديل الدستور اللبناني وتمديد فترة لحود في السلطة تحت الضغط السوري وطالبوا بقانون انتخاب عادل ومنصف، وبحكومة نزيهة لتشرف على الانتخابات  البرلمانية القادمة في أيار 2005.

لقد كانت هذه أول مرة منذ استقلال لبنان عام 1943، التي تتقاطع فيها الكتلة السياسية الاجتماعية على نحو مشابه لتلك التي أسست الميثاق الوطني في 1943 (رغم أن المشاركة الشيعية كانت غائبة على نحو ملحوظ). في نفس الوقت، فإن الحريري الذي استقال كرئيس للوزراء بعد مضاعفات جانبية مطولة وحادة مع لحود، أصبح هدفاً للحكومة اللبنانية، التي اتهمته بإثارة انشقاق طائفي. لقد كان الحريري منتقداً صامتاً لحزب الله، وللتحكم السوري في لبنان. ما هو أكثر أهمية، أن الحريري عارض مسودة قانون الانتخاب البرلماني، والذي سيعيد ترتيب مناطق بيروت بشكل رئيسي لتعويض ائتلاف مرشيحه في انتخابات أيار القادمة. ما أن صادق مجلس الوزراء على القانون الانتخابي، تحرك الحريري مقترباً أكثر من المعارضة. في الحقيقة، فقد قام بإرسال عضو من البرلمان، باسل فليحان، لحضور اجتماع لجنة الريستول، والتي كانت تقوم بتنسيق نشاطات المعارضة.

في أوائل شباط/2005/ التقت المعارضة مرة ثانية في فندق البريستول، وخلافاًَ للقاء الأول، طالبوا (بانسحاب كامل) للجنود السوريين من لبنان. فجأة، بدا النظام السياسي الذي أنشأه السوريون في لبنان على حافة الانهيار. إن تحرك الحريري تجاه المعارضة، غيّر المعادلة السياسية اللبنانية بشكل كامل، وخلق شعوراً قومياً لم ير من قبل في تاريخ البلاد الحديث. إذا كان للماضي أي دلالة، فإن ائتلافاً من مرشحي المعارضة مدعومين من قبل جنبلاط، والحريري، وغالبية المسيحيين سيكون من الصعب هزيمته، وبالتالي، سيغير المعادلة الدستورية التي تعطي الشرعية للوجود السوري في لبنان. نظراً لهذا الوضع السياسي ولسجل سورية الطويل من الاغتيالات السياسية المدعاة، (الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، الرئيس المنتخب بشير الجميل، الرئيس رينيه معوض، والمفتي حسن خالد)، فقد بدأت المراكز السياسية في بيروت بالهمهمة بالسؤال حول من سيغتال أولاً: جنبلاط أم الحريري.

ـ تأثير اغتيال الحريري:

إن السرعة التي لم تقم المعارضة عبرها بلوم سورية وحسب بل اعتبرت الحكومة اللبنانية مسؤولة كذلك (حتى أن طلب إليها بفظاظة عدم المشاركة في جنازة الحريري) تدل على المناخ السياسي الجديد المنبلج في لبنان. في تغير مفاجئ للوضع السياسي، عقد المسلمون السنة اجتماعاً مشتركاً ترأسه المفتي رشيد القباني بعد الاغتيال مباشرة، حيث أصدروا بياناً يشجبون اغتيال الحريري ويؤكدون على أن (من اغتيال رئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري قد استهدف وجود، ودور، المسلمين السنة). وأضاف أن السنة (لن يكتفوا باستنكار هذه الجريمة.. فقد عانوا ما يكفي من الظلم ولم يعد صبرهم يطيق المزيد). في مواجهة حادة لرد الفعل القاسي للسنة، والدروز، والمسيحيين، فإن رد الفعل العام للمجتمع الشيعي كان السقوط في النموذج القديم بإلقاء اللوم على إسرائيل. وقد أكد رجل الدين الشيعي البارز محمد حسين فضل الله على أن (الخطط قد فتحت الباب دولياً وإقليمياً بهدف إغراق لبنان في لعبة ستمنح إسرائيل الأمن على حساب أمم عربية وإسلامية في وضع متفجر). وأعلنت حركة أمل أن الصهاينة هم وراء الجريمة، وأنهم يهدفون إلى إثارة حالة من الاضطراب.

لقد أطلق اغتيال الحريري القوى الاجتماعية والسياسية التي ستأخذ لبنان إلى عهد جديد. بين تصميم المعارضة على مواجهة سورية واستعداد القوى المؤيدة لسورية لدعم الوضع الحالي بقوة، فإن مستقبل لبنان السياسي أصبح من غير الممكن التنبؤ به. إن الوقت مهيأ تماماً للقيام بتحرك دولي للضغط على سورية لإنهاء احتلالها.

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ