محمد
كرد علي
هو
محمد بن عبد الرزاق بن محمد كرد
علي، ولد في دمشق عام 1876 وعاش
فيها. أصله من أكراد السليمانية
(من أعمال الموصل)، تعلم في
الكتاب القراءة والكتابة
والقرآن الكريم، ودرس المرحلة
الاعدادية في المدرسة الرشدية،
ثم أتم تعليمه الثانوي في
المدرسة العازارية.
عشق
محمد كرد علي الكتابة والصحافة،
وأولع بمطالعة الكتب وجمعها منذ
صغره، وقد شجعه والده رغم أميته
على اقتناء الكتب، وقدم له
المساعدة الكافية لامتلاكها.
ولما اشتد ساعده بالعلم واللغة
أخذ يقرأ الصحف والمجلات
بالفرنسية والتركية والعربية،
فزادته المطالعة تعلقاً
بالصحافة وعشقاً للمعرفة
والعلم. وعندما كان في السادسة
عشرة، كان يكتب الأخبار
والمقالات ويدفع بها إلى الصحف،
ولم تقف هواياته عند هذا الحد،
بل أحب الشعر العربي، والسجع
المنمق، وعكف على شيوخه ينهل من
علمهم وأدبهم، وهم من مشهوري
عصره في بلده أمثال: سليم
البخاري، الشيخ محمد المبارك،
والشيخ طاهر الجزائري.
في
العام 1897 عُهد إليه بتحرير
جريدة (الشام) الأسبوعية
الحكومية، واستمر مدة ثلاث
سنوات وكان يلتزم في مقالاته
بالسجع. ثم أخذ كرد علي يراسل
مجلة (المقتطف) المصرية لمدة خمس
سنوات، فانتقلت شهرته إلى مصر.
رحل
كرد علي إلى القاهرة، ولبث فيها
شهوراً عشرة تولى خلالها تحرير
جريدة الرائد المصري، وتعرف إلى
علمائها وأدبائها، ورجال الفكر
فيها، فاتسع أفقه وذاع صيته،
وباتت شهرته في مصر لا تقل عن
شهرة أدباء تلك الفترة وعلمائها
الأعلام.
عاد
كرد علي إلى دمشق، ورُفعت إلى
واليها التركي وشاية به ففتش
بيته، وظهرت براءته فهاجر إلى
مصر عام 1906، وأنشأ مجلة المقتبس
الشهرية نشر فيها البحوث
العلمية والأدبية والتاريخية،
كما قام بتحرير جريدة الظاهر ثم
التحرير في جريدة المؤيد وهما
يوميتان. وكان ينقل عن مجلات
الغرب أحدث أنباء العلم
والحضارة والاختراع والتقدم،
كما ترجم عدداً من الكتب
المخطوطة النادرة فجمع بين
القديم والحديث.
عاد
محمد كرد علي إلى دمشق عام 1908
بعد إعلان الدستور العثماني،
وأصدر مجلة المقتبس وجريدة
يومية أسماها المقتبس بالتعاون
مع أخيه أحمد، كما أسس لها مطبعة
خاصة، غير أن السلطة العثمانية
ضايقته وحاربته ولاحقته وأغلقت
الجريدة بعدما اتهمه أحد ولاة
الترك بالتعرض للعائلة
السلطانية في إحدى مقالاته، ففر
إلى مصر ثم إلى دول أوروبا وعاد
مبرأ، وتكرر ذلك في تهمة أخرى،
فترك الجريدة اليومية لأخيه
أحمد وانقطع للمجلة، واشتد جزعه
بعد إعلان الحرب العالمية
الأولى وابتداء حملة الانتقام
من أحرار العرب، فأقفل المجلة
والجريدة، وكاد يساق كما سيق
غيره من نقدة نظام الاستبداد
ودعاة التحرر إلى المشانق، إلا
أنه أنقذته (خلاصة حديث) وجدت في
القنصلية الفرنسية بدمشق كتبها
أحد موظفي الخارجية الفرنسية
قبل الحرب، وكان هذا قد زار كرد
علي في بيته وأراد استغلال
نقمته على (الاتحاديين) ليصرفه
إلى موالاة السياسة الفرنسية في
الشرق، فخيب كرد علي ظنه، ونصحه
بتبديل سياستهم في الجزائر
وتونس، وأيضاً مثلها (نشرة
رسمية سرية) كان قد بعث بها سفير
فرنسا في الأستانة إلى قناصل
دولته في الديار الشامية يحذرهم
بها من كرد علي ويقول: إنه لا
يسير إلا مع الأتراك. وأوراق
أخرى من هذا النوع أظهرها تفتيش
القنصليات في أوائل الحرب،
فدعاه جمال باشا إليه مستبشراً،
وأعلمه بها وأنذره إن عاد إلى
المعارضة ليقتلنه هو بمسدسه، ثم
أمر بإعادة فتح الجريدة ومنحه
مساعدة مالية. ثم ولاه تحرير
جريدة (الشرق) التي أصدرها
الجيش، فأمضى كرد علي مدة الحرب
مصانعا بلسانه وقلمه، وظل يخشى
شبح جمال باشا حتى بعد الحرب،
وفي مذكراته ما يدل على بقاء أثر
من هذا في نفسه إلى آخر أيامه.
وبعد
دخول العهد الفيصلي واستقلال
سورية عن الدولة العثمانية، وجد
كرد علي الفرصة سانحة لتحقيق
الحلم الذي طالما راوده، ألا
وهو إنشاء مجمع علمي عربي على
غرار ما تفعله الأمم المتحضرة
لحفظ تراثها وصون لغتها، ونشر
آدابها وعلومها. وعرض الفكرة
على الحاكم العسكري رضا باشا
الركابي الذي وافق على قلب
ديوان المعارف برئيسه وأعضائه
مجمعاً علمياً عربياً. وكان ذلك
في الثامن من حزيران عام 1919،
وعُين محمد كرد علي رئيساً
للمجمع واستمر حتى وفاته.
كان
المجمع عند كرد علي أغلى من فلذة
كبده، وهبه كل حياته وكل نشاطه،
كما وهب مجلته كل جهده وعبقريته
ولم يكن ليتخلف عن التردد على
المجمع إلا لأمر طارئ. وكان محمد
كرد علي إماماً في الصحافة،
وحجة في التحقيق، وعلماً في
الكتابة والتأليف، وزعيماً من
زعماء القلم والفكر في الوطن
العربي، إذ كان أول من أنشأ
جريدة ومجلة راقية في دمشق،
وكان أول من أسس مجمعاً علمياً
عربياً، ثم تلاه مجمع اللغة
العربية في مصر ثم بعض المجامع
الأخرى في عدد من بلدان الوطن
العربي.
أما
أسلوبه فقد وصف بالسهل الممتنع،
فهو رقيق التعبير، بليغ باللفظ،
الكلمات فيه على قدر المعاني،
والجمل تطول حيناً وتقصر حيناً
آخر، وهو في جميع الأحوال لا
يتكلف ولا يتصنع، ويهدف إلى
التركيز على المعنى دون أن يعطي
كبير اهتمام للمبنى، وكان ينحو
في كثير مما يكتبه منحى ابن
خلدون في مقدمته.
جمع
محمد كرد علي بين الصحافة
والجامعة، والوزارة والمجمع
العلمي العربي بدمشق، والمجمع
اللغوي في مصر. وقد تولى وزارة
المعارف مرتين في عهد الاحتلال
الفرنسي.
كان
محمد كرد علي من أصفى الناس
سريرة، وأطيبهم لمن أحب عشرة،
وأحفظهم وداً... وقد كتب في وصف
نفسه: (خُلقت عصبي المزاج
دمويه، محباً للطرب والأنس
والدعابة، أعشق النظام وأحب
الحرية والصراحة وأكره الفوضى،
وأتألم للظلم، وأحارب التعصب،
وأمقت الرياء).
يقف
محمد كرد علي في المكانة
الأدبية والعلمية الأولى بين
أنداده الأعلام العرب. وقد بلغت
مؤلفاته التي تركها اثنين
وعشرين مؤلفاً، هي:
ـ
(الإسلام والحضارة العربية)
مجلدان.
ـ
(تاريخ الحضارة) جزآن، ترجمه عن
الفرنسية.
ـ
(غرائب الغرب) مجلدان.
ـ
(أقوالنا وأفعالنا).
ـ
(دمشق مدينة السحر والشعر).
ـ
(غابر الأندلس وحاضرها).
ـ
(أمراء البيان) جزآن.
ـ
(القديم والحديث) وهو منتقيات من
نقالاته.
ـ
(كنوز الأجداد) في سير بعض
الأعلام.
ـ
(الإدارة الإسلامية في عز العرب).
ـ
(غوطة دمشق).
ـ
(المذكرات) أربعة أجزاء.
توفي
محمد كرد علي يوم الخميس الثاني
من نيسان 1952 في دمشق، ودفن بجوار
قبر معاوية بن أبي سفيان في دمشق.
المراجع:
ـ
عبد الغني العطري (عبقريات
شامية، مطبعة الهندي، دمشق،
الطبعة الأولى 1986، ص(10ـ 16).
ـ
خير الدين الزركلي (موسوعة
الأعلام، دار العلم للملايين،
بيروت، الطبعة الخامسة 1980،
الجزء السادس، ص(202،203).
|