الديموقراطية
والإسلامييون
دكتور
عثمان قدري مكانسي
في مقال مركـّز للسيد محمد ماضي -
واشنطن 21 – 10 -2006 نقل ما تناولته
ندوة مداد الشهرية بحضور عدد من
الخبراء العرب والأمريكيين في
الإجابة عن السؤال التالي : هل
الديموقراطية العربية ممكنة
بغير الإسلاميين ؟
وكانت الأفكار تدور حول :
- هل يخاف
الغرب والولايات المتحدة
الأمريكية من أن التحول
الديموقراطي سيأتي بالإسلاميين
إلى السلطة كما حدث في فلسطين ،
او يجعل منهم الجبهة المعارضة
الرئيسية كما حدث في مصر ؟
- هل وصول
تلك الحركات الإسلامية إلى
السلطة يخدم عملية التحول
الديموقراطي أو لا يخدمها ؟
- هل
إدماج الإسلاميين في العملية
الديموقراطية لا يخلو من
المشاكل ؟
- ماذا
يحل بالأقليات إذا شارك
الإسلاميون بالعملية
الديموقراطية .
وكان من الأفكار التي طرحت ما يدل
على النظرة الغربية الخاطئة
للإسلاميين ولكنها لا تخلو من
إيجابيات نشير إليها فيما يلي :
- سارع
الدكتور نيل هكس مدير برامج
الدفاع عن حقوق الإنسان في
منظمة " حقوق الإنسان أولاً
" في نيويورك إلى إجابة
مختصرة توضح ما يحمله من تخوف
على المصالح الأمريكية ضارباً
عرض الحائط بحقوق الإنسان –
ابتداءً- حين قال في إجابة
مختصرة في مشاركة الإسلاميين في
العملية الديموقراطية :
"بالطبع لا ." . وعلل ذلك
بأن الحركات الإسلامية ذات
امتداد شعبي يعطيها القوة أمام
مسيرة الديموقراطية .. وهنا
نتساءل : ما هي الديموقراطية
؟ أليست مشاركة الشعب في
اختيار مصيره وتقريره كما يعتقد
ويؤمن ؟ فإذا استطاعت الحركات
الإسلامية أن تكسب تأييد كثير
من فئات الشعب فهذا دليل على
حيويتها وقدرتها مخاطبته ...
- ويخشى
نيل هيكس أن يتحول المبدأ
الديموقراطي : صوت واحد لكل ناخب
إلى صوت واحد لكل ناخب ولمرة
واحدة على أيدي الإسلاميين !
وينتفي بعد وصولهم إلى الحكم
تداول السلطة . .. والحقيقة أن
الغرب لم
يجرب الإسلاميين في انتخابات
إلا مكرهاً لأنه ابتداءً لا
يريد للإسلاميين أن ينجحوا في
الوصول السلطة ، والدليل على
ذلك إجهاض الانتخابات
الجزائرية في عام 1991
- التي فاز الإسلامييون
بأكثر من ثمانين في المئة-
بانقلاب دبرته فرنسا –
زعيمة العالم الغربي الحر !
والولايات المتحدة الأمريكية -
سحق الإسلاميين ولمّا يستلموا
السلطة ، وكذلك فعل الغرب
بالحكومة الفلسطينية المنتخبة
التي فاز الإسلاميون بها ،
وأعلن الغرب والإدارة
الأمريكية الحرب عليها
ومقاطعتها وعدم الاعتراف بها .
مع أن الانتخابات الديموقراطية
جاءت بها ، كما منعت حكومات
البلاد العربية التعاون معها ،
بل طلبت إليها التضييق عليها .
كما أن الانتخابات المصرية
لأعضاء البرلمان المصري لم ينجح
فيها من الإسلاميين سوى ثمانين
من أصل مئتي مرشح لأن الحكومة
المصرية بدعم من الإدارة
الأمريكية اعتقلت عدداً من
المرشحين وزورت الكثير من
النتائج ، ومنعت الناخبين في
كثير من المراكز المؤيدة
للإسلاميين أن يصلوا إلى صناديق
الاقتراع ...
- وأشار
نيل هيكس إلى عدم مصداقية
الرئيس بوش في نشر الديموقراطية
في البلاد العربية وطنطنته في
ذلك لأنه متيقن أن هذه الأنظمة
الشمولية التي تحكم البلاد
العربية بتأييد من الغرب
والإدارة الأمريكية هي صمام
الأمان لدى الإدارة الأمريكية
في الحفاظ على مصالحها في
المنطقة بدليل أن الإدارة
الأمريكية – على الرغم من عدم
رضاها الكامل عن النظام السوري
مثلاً لأنه نظام قمعي ديكتاتوري
كما تقول – لا تسعى إلى إسقاطه
بل سارعت في كثير من المناسبات
على ألسنة مسؤوليها تطلب من
النظام الحاكم في سورية أن "
يغير سلوكه " فقط .. وحددت
سلوكه في المساعدة على الأمن في
العراق وعلى حدود الدولة
العبرية ،ولم تشر إلا بكلمات
خجولة ومتواضعة إلى حقوق الشعب
السوري في تقرير مصيره .. وبدأت
تغازل النظام حتى سمعنا ورأينا
في وسائل الإعلام العالمية
تصريح وزير خارجية النظام
السوري يعلن بكل وضوح " أن
النظام يريد أن يخدم مصالح
الإدارة الأمريكية في المنطقة
" وأعلن أن الصلح مع إسرائيل
" قضية نبيلة "
كما سارع رئيس النظام بشار
الأسد إلى ترجي الدولة العبرية
في بدء المفاوضات دون شروط
مسبقة وأنه لا يخادعها – فلتجرب
– وسترى إسرائيل مصداقية نظامه
. وقس ذلك على الأنظمة العربية
الحاكمة التي كسبت رضا الإدارة
الأمريكية والغرب على الرغم أن
شعوبها لم تشم رائحة
الديموقراطية من قريب ولا بعيد
..
- إن
الغرب يخاف فعلاً من
الديموقراطية في بلاد العرب
لأنها تجعل الشعب يخدم نفسه
ويسعى لمصلحته ويسعى لمكانة
مشرفة له بين الأمم ، وهذا آخر
ما تفكر فيه الإدارة الأمريكية
والغرب بل هذا هو قاصمة الظهر
لهم . ولهذا سارعت الحكومات
العربية إلى استخدام ما أصبح
يُعرف بالفزّاعة الإسلامية
لتخويف الغرب ، واستخدامها
مبرراً لتأجيل
اتخاذ خطوات إصلاحية جادة ،
والظهور بمظهر الحريص الوحيد
القادر على حماية مصالح الغرب
من وصول الإسلاميين إلى السلطة .
كما أن الحكام العرب حين ربطوا
مصيرهم بالغرب صوروا له أن
الديموقراطية وبال على الطرفين
: الغرب والحكام العرب ولهذا فلا
مجال للحفاظ على المصالح
الغربية إلا ببقاء الأنظمة
الشمولية المستبدة التي تكفل
استمرار المصالح الغربية . ولا
شك أن الغرب يعتقد ذلك تماماً
حين يتغاضى عن الاستبداد المروع
في البلاد العربية وتراه يفرك
آذان الحكام بين الحين والآخر
مذكراً إياهم بواجب التفاعل
التام مع مصالحه وإلا طالبهم
بالديموقراطية التي إن مارستها
الشعوب فلا مكان لهؤلاء تحت
الشمس السوداء التي يفرضونها
على أمتهم .
- ويعتقد
الدكتور عمرو حمزاوي ، وهو كبير
الباحثين بمؤسسة كارنيجي – كما
أورد كاتب المقال حمزة ماضي -
أن التحدي الذي يواجه عملية
التحول إلى الديموقراطية في
العالم العربي ليس هو الحركات
الإسلامية وإنما هي النظم
الشمولية الأوتقراطية القائمة
التي استخدمت أطراً ثلاثة من
العوائق التي تمنع الشعوب
العربية من الحياة
الديموقراطية : أولها :
احتكارالحزب الحاكم لمؤسسات
الدولة واستغلالها ، وضمان
هيمنة الحزب الواحد على كل
مقدرات الحياة السياسية
والاقتصادية والفكرية وقمع
المعارضة وتهميش القوى
الاجتماعية . ثانيها : استخدام
أجهزة الأمن في ضمان استمرار
السيطرة على البلاد والعباد ،
وفرض القيود على العامة والخاصة
ومؤسسات المجتمع المدني ثالثها
: خلق مناخ يفتقر إلى ثقافة
الديموقراطية ويزرع الخوف
الثقافي بين المواطنين والرضا
الطوعي بعد الترويض القسري
للأفكار والنظم بحيث
يرى المواطن بعد هذا
الترويض أن الحياة في ظل
القوانين الاستثنائية هي
الحياة الحقيقية
التي لا بد منها !!
- والواقع
أن هذه الأنظمة المستبدة لم
تستطع أن تفرض على شعوبها ما
فرضت إلا بثلاثة عوامل أولها
: القوة المتناهية في ترويض
الشعوب والقهر المتواصل للأمة .
ثانيها : استخذاء الشعوب لسيطرة
هذه الأنظمة الشمولية . ثالثها :
الدعم الخارجي للأنظمة
الشمولية فهو الذي صنعها
وأعانها على شعوبها ، وقطعها
عنها فما وجدت الأنظمة للحفاظ
على مكاسبها سوى الإيغال في
التبعية للغرب وخدمة مصالحه ،
والإيغال في اضطهاد الشعوب وقطع
العلائق معها .
- ويسعى
الغرب إلى تخويف الأقليات من
الديموقراطية نفسها ، ويوحي
إليها أن الإسلاميين إذا وصلوا
بالديموقراطية إلى الحكم فقد
ضاعت حقوق الأقليات ، ولكن عودة
إلى التاريخ القريب قبل التاريخ
البعيد يكذب هذه الادعاءات التي
لا صحة لها البتة ، فقد وصل رجال
محترمون من الأقليات نفسها إلى
أعلى مراتب الحكم من رئاسة
للجمهوية أو رئاسة للوزراء أو
الجيش , في البلاد العربية دون
استثناء ، وعودة إلى منتصف
القرن الماضي القريب في سورية
والعراق وغيرهما يؤكد ذلك ،
فاحترام الحقوق والمساواة بين
الجميع يجمع فئات الشعب ويدمجهم
في بوتقة واحدة أما الأنظمة
الاستبدادية التي تحكم حالياً
فآثارها التدميرية والتشتيتية
ظاهرة للعيان بما نشأ عنها من
احتراب في العراق وتفاقم للوضع
في سورية ومحاولة لتدمير لبنان
وسرقة الديموقراطية منه ،
وتدمير للجزائر بين عرب وامازيغ
وفي السودان من محاولة تمزيقه
إلى دويلات .
ولعل من أساسيات القول أن نؤكد
على أمور عدة منها :
- أن
الديموقراطية تجعل الإسلاميين
وغيرهم يعيشون في أمن وسلام مع
تداول للسلطة بما يسمح للجميع
أن يخدموا الوطن
- وأن
الفزاعة من الإسلاميين صنعتها
الأنظمة الحاكمة والغرب الذي
صنع هذه الأنظمة
.
- أن من
الخطأ والظلم أن نتهم
الإسلاميين دون أن نجربهم . وأن
اتهامهم دون دليل برهان على
القصور في التفكير .
- أن
اتخاذ المواقف السلبية من
الإسلاميين ابتداءً يدل على سوء
الطوية والعداوة الكامنة
للإسلاميين .
- وأن
الاتهام بحد ذاته يضع من
المتـّهِم نفسه في خانة الاتهام
.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|