ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 19/02/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

ومضات محرضة (6)

هؤلاء الموظفون الرائعون..

هل يطيلون أعمار الأنظمة الفاسدة!؟

عبدالله القحطاني   

   لم أستطع الإجابة على هذا السؤال .. فهل ثمّة من يجيب عليه !؟

   المسألة ، ببساطة ، تتعلق ببشر، بشر حقيقيين ، رجال ونساء ، يعيشون في مستنقع آسن ، لا يستطيعون تطهيره ، ولا يستطيع خنقهم ، أو تحويلهم إلى مخلوقات مثل مخلوقاته : حشرات ، وطحالب ، وضفادع ، وتماسيح ، وصراصر، وبعوض، وذباب..!

   لا نحسب أحداً يعرف ما فعلته العصابة الحاكمة في سورية ، يشكّ في أن المؤسّسات الإدارية في الدولة ، صارت بؤراً صغيرة ، في مستنقع آسن كبير! فالرشوة ، والكذب، والغشّ ، والخداع ، والنفاق ، والتزلف ، والنميمة ، والكيد .. هي مفردات الحياة الإدارية اليومية في سورية ، في العهد القائم الميمون ..!

   الموظف الذي يحرص على أخلاقه وسمعته ، ونقاء سيرته وسريرته ، يحاصَر مِن قِبل الزمر العاملة معه ، داخلَ ثيابه ، بل داخلَ جِلده ! حتى يشعر أن الحياة في دائرته جحيم ..! فإمّا أن يستمرّ في هذا الكرب الخانق ، محافظاً على قيَمِه ومبادئه وأخلاقه ، ويتحمل ما يفوق طاقته ، من الأذى النفسي والاجتماعي والمالي، والبدني أحيانا ..! وإمّا أن ينجو بنفسه وكرامته ، ويتخلّى عن وظيفته ، ويعاني من الجوع ، هو وأفراد أسرته ، من زوج وأطفال وشيوخ ..!

   إذا شكا الموظف الحرّ الشريف ، من سوء الحالة ، إلى مسؤول أعلى ، فإنّما يشكو إلى لصّ ، أو مرتش ، أو منافق ..!

   وإذا رفع شكواه إلى شخص أعلى منصباً ، رفعَها إلى وغد أحطّ أخلاقاً ! وكلما ارتفع  بشكواه إلى أعلى ، ارتفع إلى مستوى من البشر، أشدّ نذالة ، وعراقة في الفساد ! حتى يصل إلى لصوص المليارات ..! وإذا ارتفع إلى مَن فوقَهم ، ارتفع إلى لصوص الحكم ، والكراسي ، والوطن بأسره ..! ووجد نفسَه وجهاً لوجه ، أمام الأسرة (النبيلة!) التي سَرقت الدولة كلها ، الحكم ، والوطن ، والثروات ، وحريّات البشر!

   أ فليس غريباً ، بعد هذا كله ، أن يعثر المرء ، داخل سورية أو خارجها ، على موظفين سوريين بشراً   ـ مازالوا بشراً ـ لم يمسخهم المستنقع ، ولم يحولهم إلى حشرات من حشراته ، أو طحالب من طحالبه ..!؟

   الحقّ أن هذا غريب ، لكنه حقيقة واقعة ! وأعترف أني لم أكن أتصوّر أني سأعثر على مثل هؤلاء الناس ، في دائرة من دوائر بلادي ، حتى رأيتهم عياناً ! رأيتهم ورآهم الكثيرون غيري . وكما دهشت لرؤيتهم ، دهش غيري ، من أبناء وطني ، الذين بلغ اليأس ببعضهم ، أن باتوا يظنون الهواء الذي يتنفسونه ، موبوءاً بالرشوة واللصوصية والنفاق ، في عهد هذه الأسرة الفاسدة المفسدة ، التي صارت نماذج فاضحة للسوء ، ومضرب أمثال في الفساد ، للمواطنين ، الذين يسمعون عن الملياردير الكبير ابن الخال ، والملياردير الضخم ابن العمّة ، والثري العالمي ، فلان ابن فلان، ابن بنت خالة القطب الحكومي فلان ..!

   هل يلام هؤلاء اللصوص الكبار، لصوص السلطة والوطن والثروات العامّة !؟ لا .. فالشعب الذي يسلم مقادير بلاده للصوص ، عليه أن يلوم نفسه ..!

   وهل يلام اللصوص الصغار، إذا اقتدوا بالكبار !؟ أجل .. لسببين :

-  لأن الصغار ليسوا لصوصاً ، في الأصل ! وإلاّ لافترضنا أن شعب سورية كله لصوص ! فهم موظفون اضطرتهم ظروف خانقه ، صنعتها لهم زمرة اللصوص الكبار ، فلم يعد أحدهم يستطيع التنفس خارج هذا المناخ ، إلاّ بصعوبة كبيرة . فكل منهم يلام على حسب ما لديه من قدرة ، على مقاومة هذا المناخ (المستنقع) وحشراته وطحالبه !.

-  لأن التنافس إنّما يكون في الخير والسمو، لا في الشرّ والهبوط والتدنّي ! فكون الحكّام لصوصاً ، لا يقتضي أن يقلدهم أبناء شعبهم ، بل أن يسعوا بكل قوة إلى استئصالهم وتطهير البلاد منهم..!

   ونعود إلى الموظفين الرائعين ، لنؤكّد ما يلي :

-  إنهم ليسوا خيالاً وطنياً بديعاً ، ولا حلماً جميلاً ، ولا ظناً قابلاً للتكذيب ..! إنهم حقيقة واقعة على الأرض ، رأيناهم رأيَ العين ، وسمعنا أصواتهم ، وصافحنا بعضهم بالأيدي!

-  إنهم طيّبون ، متواضعون ، صادقون ، مخلصون ! تَـشكر أحدَهم على إنجاز معاملتك ، فيجيبك بتواضع حقيقي ، غير مزيّف ، ولا مفتعَـل : هذا واجبي ، وأنا موجود في مكاني هذا ، لأخدمك ، وأخدم المواطنين جميعاً .. فلا داعي للشكر..!

-  وهم أصحاب دأب وانضباط ، والتزام بالمواعيد: يستلم أحدهم منك معاملتك ، ويحدّد لك وقت إنجازها بدقّة ، فتأتي في الموعد الذي حدّده لك ، فتستلمها دون تريّث ، أو إبطاء ، أو إرجاء إلى الغد ، أو إلى بعد أسبوع ، أو أسبوعين ..!

-  لا أحدَ منهم يلمّح لك بشيء ، لا بإشارة ، ولا بعبارة ، ممّا يمكن أن تَفهم منه طلبَ هديّة ، أو رشوة ، أو (إكراميّة)..!

-  لا يتبعك حاجب ، أو بوّاب ، أو ساع ، فيهمس في أذنك ، قائلاً : (رحِمَ الله عبداً نفّعَ واستَنفَع !) .

-  مَن يعرف العصابة التي تحكم بلادنا ، من أربعين سنة ، وما فعلته بالبلاد والعباد، لا يستغرب لهفتنا على هؤلاء النبلاء الكرام الطيبين ، الذين جعلتهم عصابة القتل واللصوصية والنهب والرشوة ـ وعن عمد وتصميم ـ أندرَ من الكبريت الأحمر، في مجتمع طيب أصيل ، لم  يتجذّر فيه الفساد ، إلاّ بعد أن حكمته عصابة الفساد والإفساد الحالية البشعة!

   لن نذكر اسم أحد منهم ، ولن نشير إلى أماكن وجودهم ، خوفاً عليهم من حشرات المستنقع ، التي لن يقرّ لها قرار ، حتى تراهم محطّمين ، كيلا يَظلّوا حجّةً على الحشرات الملوّثة الفاسدة المفسدة ! ـ وأسماؤهم محفوظة لدينا ، نعلنها ذات يوم، ليكونوا مصدر فخر حقيقي ، للوطن أولاً.. ثم لأبنائهم ، وأحفادهم ، وآبائهم ، وأمهاتهم.. دائماً ـ ..!

   ما نطرحه هنا ، هو هذا السؤال الجادّ ، والهامّ ، والخطير، الذي وضعناه عنواناً لهذه السطور : هل وجود هؤلاء الموظّفين ، النبلاء ، الرائعين ، في مؤسّسات إدارية، خاضعة لزمرة الفساد الحالية : يطيل أعمار الحكومات الفاسدة ؛ إذ يَعكس لها صورة جميلة ، تخالف واقعها ، فيطمئنّ الناس في بلادهم ، إلى أن وطنهم بخير، وأن قيادتهم التي تحكم البلاد ، رشيدة صالحة عادلة ! وهؤلاء الموظفون ، نماذج حيّة ، وبراهين ناصعة ، على الرشاد والصلاح والعدل..!؟

   ربّما (نعم) ..! لكن لا ذنب لهم في ذلك .. فما كان الصلاح يوماً ، ذنباً في دولة يَحكمها الفساد ، إلاّ في عرف الفاسدين أنفسهم ..!

   وربما (لا)..! لأن وجود بقعة صغيرة نظيفة ، في ثوب وسخ كله ، يجعل الوسخ أشدّ وضوحاً ، وأكثر إيذاء للنظر، ويزيد صاحب الثوب إصراراً على طرحه بعيداً ، لأن تنظيفه مستحيل   ..! وواضح أن صاحب الثوب هنا ، هو الشعب ، المبتلى بهذا الثوب الوسخ ، المفروض عليه منذ أربعين سنة !

   أمّا الحكمة الرائعة ، التي يقدّمها هؤلاء الموظفون الرائعون ، لا لأبناء وطنهم فحسب، بل للإنسان ، في كل زمان ومكان ، فهي : ( إن البطولة لا تقتصر على الشجاعة في مواجهة الموت فحسب ، بل تشمل الشجاعة في مواجهة الحياة أيضاً ، في أحيان كثيرة .. وربما تتفوّق الثانية على الأولى ، في بعض الأحيان..! 

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ