ــ
ومضات
محرضة (6)
هؤلاء
الموظفون الرائعون..
هل
يطيلون أعمار الأنظمة الفاسدة!؟
عبدالله
القحطاني
•
لم أستطع الإجابة على هذا
السؤال .. فهل ثمّة من يجيب عليه !؟
• المسألة
، ببساطة ، تتعلق ببشر، بشر
حقيقيين ، رجال ونساء ، يعيشون
في مستنقع آسن ، لا يستطيعون
تطهيره ، ولا يستطيع خنقهم ، أو
تحويلهم إلى مخلوقات مثل
مخلوقاته : حشرات ، وطحالب ،
وضفادع ، وتماسيح ، وصراصر،
وبعوض، وذباب..!
• لا
نحسب أحداً يعرف ما فعلته
العصابة الحاكمة في سورية ،
يشكّ في أن المؤسّسات الإدارية
في الدولة ، صارت بؤراً صغيرة ،
في مستنقع آسن كبير! فالرشوة ،
والكذب، والغشّ ، والخداع ،
والنفاق ، والتزلف ، والنميمة ،
والكيد .. هي مفردات الحياة
الإدارية اليومية في سورية ، في
العهد القائم الميمون ..!
• الموظف
الذي يحرص على أخلاقه وسمعته ،
ونقاء سيرته وسريرته ، يحاصَر
مِن قِبل الزمر العاملة معه ،
داخلَ ثيابه ، بل داخلَ جِلده !
حتى يشعر أن الحياة في دائرته
جحيم ..! فإمّا أن يستمرّ في هذا
الكرب الخانق ، محافظاً على
قيَمِه ومبادئه وأخلاقه ،
ويتحمل ما يفوق طاقته ، من الأذى
النفسي والاجتماعي والمالي،
والبدني أحيانا ..! وإمّا أن ينجو
بنفسه وكرامته ، ويتخلّى عن
وظيفته ، ويعاني من الجوع ، هو
وأفراد أسرته ، من زوج وأطفال
وشيوخ ..!
• إذا
شكا الموظف الحرّ الشريف ، من
سوء الحالة ، إلى مسؤول أعلى ،
فإنّما يشكو إلى لصّ ، أو مرتش ،
أو منافق ..!
• وإذا
رفع شكواه إلى شخص أعلى منصباً ،
رفعَها إلى وغد أحطّ أخلاقاً !
وكلما ارتفع
بشكواه إلى أعلى ، ارتفع إلى
مستوى من البشر، أشدّ نذالة ،
وعراقة في الفساد ! حتى يصل إلى
لصوص المليارات ..! وإذا ارتفع
إلى مَن فوقَهم ، ارتفع إلى لصوص
الحكم ، والكراسي ، والوطن
بأسره ..! ووجد نفسَه وجهاً لوجه
، أمام الأسرة (النبيلة!) التي
سَرقت الدولة كلها ، الحكم ،
والوطن ، والثروات ، وحريّات
البشر!
• أ
فليس غريباً ، بعد هذا كله ، أن
يعثر المرء ، داخل سورية أو
خارجها ، على موظفين سوريين
بشراً ـ
مازالوا بشراً ـ لم يمسخهم
المستنقع ، ولم يحولهم إلى
حشرات من حشراته ، أو طحالب من
طحالبه ..!؟
• الحقّ
أن هذا غريب ، لكنه حقيقة واقعة !
وأعترف أني لم أكن أتصوّر أني
سأعثر على مثل هؤلاء الناس ، في
دائرة من دوائر بلادي ، حتى
رأيتهم عياناً ! رأيتهم ورآهم
الكثيرون غيري . وكما دهشت
لرؤيتهم ، دهش غيري ، من أبناء
وطني ، الذين بلغ اليأس ببعضهم ،
أن باتوا يظنون الهواء الذي
يتنفسونه ، موبوءاً بالرشوة
واللصوصية والنفاق ، في عهد هذه
الأسرة الفاسدة المفسدة ، التي
صارت نماذج فاضحة للسوء ، ومضرب
أمثال في الفساد ، للمواطنين ،
الذين يسمعون عن الملياردير
الكبير ابن الخال ، والملياردير
الضخم ابن العمّة ، والثري
العالمي ، فلان ابن فلان، ابن
بنت خالة القطب الحكومي فلان ..!
• هل
يلام هؤلاء اللصوص الكبار، لصوص
السلطة والوطن والثروات
العامّة !؟ لا .. فالشعب الذي
يسلم مقادير بلاده للصوص ، عليه
أن يلوم نفسه ..!
• وهل
يلام اللصوص الصغار، إذا اقتدوا
بالكبار !؟ أجل .. لسببين :
- لأن
الصغار ليسوا لصوصاً ، في الأصل
! وإلاّ لافترضنا أن شعب سورية
كله لصوص ! فهم موظفون اضطرتهم
ظروف خانقه ، صنعتها لهم زمرة
اللصوص الكبار ، فلم يعد أحدهم
يستطيع التنفس خارج هذا المناخ
، إلاّ بصعوبة كبيرة . فكل منهم
يلام على حسب ما لديه من قدرة ،
على مقاومة هذا المناخ (المستنقع)
وحشراته وطحالبه !.
- لأن
التنافس إنّما يكون في الخير
والسمو، لا في الشرّ والهبوط
والتدنّي ! فكون الحكّام لصوصاً
، لا يقتضي أن يقلدهم أبناء
شعبهم ، بل أن يسعوا بكل قوة إلى
استئصالهم وتطهير البلاد منهم..!
• ونعود
إلى الموظفين الرائعين ، لنؤكّد
ما يلي :
- إنهم
ليسوا خيالاً وطنياً بديعاً ،
ولا حلماً جميلاً ، ولا ظناً
قابلاً للتكذيب ..! إنهم حقيقة
واقعة على الأرض ، رأيناهم رأيَ
العين ، وسمعنا أصواتهم ،
وصافحنا بعضهم بالأيدي!
- إنهم
طيّبون ، متواضعون ، صادقون ،
مخلصون ! تَـشكر أحدَهم على
إنجاز معاملتك ، فيجيبك بتواضع
حقيقي ، غير مزيّف ، ولا مفتعَـل
: هذا واجبي ، وأنا موجود في
مكاني هذا ، لأخدمك ، وأخدم
المواطنين جميعاً .. فلا داعي
للشكر..!
- وهم
أصحاب دأب وانضباط ، والتزام
بالمواعيد: يستلم أحدهم منك
معاملتك ، ويحدّد لك وقت
إنجازها بدقّة ، فتأتي في
الموعد الذي حدّده لك ،
فتستلمها دون تريّث ، أو إبطاء ،
أو إرجاء إلى الغد ، أو إلى بعد
أسبوع ، أو أسبوعين ..!
- لا أحدَ
منهم يلمّح لك بشيء ، لا بإشارة
، ولا بعبارة ، ممّا يمكن أن
تَفهم منه طلبَ هديّة ، أو رشوة
، أو (إكراميّة)..!
- لا
يتبعك حاجب ، أو بوّاب ، أو ساع ،
فيهمس في أذنك ، قائلاً : (رحِمَ
الله عبداً نفّعَ واستَنفَع !) .
- مَن
يعرف العصابة التي تحكم بلادنا
، من أربعين سنة ، وما فعلته
بالبلاد والعباد، لا يستغرب
لهفتنا على هؤلاء النبلاء
الكرام الطيبين ، الذين جعلتهم
عصابة القتل واللصوصية والنهب
والرشوة ـ وعن عمد وتصميم ـ
أندرَ من الكبريت الأحمر، في
مجتمع طيب أصيل ، لم
يتجذّر فيه الفساد ، إلاّ
بعد أن حكمته عصابة الفساد
والإفساد الحالية البشعة!
• لن
نذكر اسم أحد منهم ، ولن نشير
إلى أماكن وجودهم ، خوفاً عليهم
من حشرات المستنقع ، التي لن
يقرّ لها قرار ، حتى تراهم
محطّمين ، كيلا يَظلّوا حجّةً
على الحشرات الملوّثة الفاسدة
المفسدة ! ـ وأسماؤهم محفوظة
لدينا ، نعلنها ذات يوم،
ليكونوا مصدر فخر حقيقي ، للوطن
أولاً.. ثم لأبنائهم ، وأحفادهم
، وآبائهم ، وأمهاتهم.. دائماً ـ
..!
• ما
نطرحه هنا ، هو هذا السؤال
الجادّ ، والهامّ ، والخطير،
الذي وضعناه عنواناً لهذه
السطور : هل وجود هؤلاء
الموظّفين ، النبلاء ، الرائعين
، في مؤسّسات إدارية، خاضعة
لزمرة الفساد الحالية : يطيل
أعمار الحكومات الفاسدة ؛ إذ
يَعكس لها صورة جميلة ، تخالف
واقعها ، فيطمئنّ الناس في
بلادهم ، إلى أن وطنهم بخير، وأن
قيادتهم التي تحكم البلاد ،
رشيدة صالحة عادلة ! وهؤلاء
الموظفون ، نماذج حيّة ،
وبراهين ناصعة ، على الرشاد
والصلاح والعدل..!؟
• ربّما
(نعم) ..! لكن لا ذنب لهم في ذلك ..
فما كان الصلاح يوماً ، ذنباً في
دولة يَحكمها الفساد ، إلاّ في
عرف الفاسدين أنفسهم ..!
• وربما
(لا)..! لأن وجود بقعة صغيرة نظيفة
، في ثوب وسخ كله ، يجعل الوسخ
أشدّ وضوحاً ، وأكثر إيذاء
للنظر، ويزيد صاحب الثوب
إصراراً على طرحه بعيداً ، لأن
تنظيفه مستحيل
..! وواضح أن صاحب الثوب هنا ،
هو الشعب ، المبتلى بهذا الثوب
الوسخ ، المفروض عليه منذ
أربعين سنة !
• أمّا
الحكمة الرائعة ، التي يقدّمها
هؤلاء الموظفون الرائعون ، لا
لأبناء وطنهم فحسب، بل للإنسان
، في كل زمان ومكان ، فهي : ( إن
البطولة لا تقتصر على الشجاعة
في مواجهة الموت فحسب ، بل تشمل
الشجاعة في مواجهة الحياة أيضاً
، في أحيان كثيرة .. وربما تتفوّق
الثانية على الأولى ، في بعض
الأحيان..!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|