ــ
القارئ
العربي يكره بوش ...
لكنه
يكره الأنظمة القمعية أكثر
الطاهر
إبراهيم*
أعرف كاتبا –هاويا غير محترف-
كان يكتب منتقدا الأسلوب القمعي
في بلده، وأحيانا في بلدان
شقيقة. وكانت مقالاته تستقطب
الكثير من القراء، لأنها على
مايظهر كانت مؤثرة إلى الدرجة
التي جعلت أجهزة الأمن في بلده
تطلب ممن يجيدون فن السباب
والشتائم بالتعقيب على كتابات
هذا الكاتب في المواقع التي
تسمح بالتعقيب. وفي كل مرة يقرأ
تعقيبات القراء كان يبتسم ويقول
لنفسه أو لمن هو بجانبه: ها قد
وصلت رسالتي!.
هذا الكاتب الهاوي كان لا ينزل
بما يكتب إلى مستويات لا تليق.
بل إنه كثيرا ما كان يصر على حفظ
الألقاب واحترام المقامات،
خصوصا لمن كان في رأس هرم
السلطة. ما يعني أنه كان –حسب
العرف الدارج- يحفظ "خط
الرجعة". ومع ذلك فإن هذا
النهج لم يشفع له عند من كانوا
يتعقبون مقالاته، لأنهم كثيرا
ما كانوا يسِفّون في ألفاظهم.
وإذا كانت المواقع لا تسمح بنشر
مثل هذا الإسفاف، فقد كانوا
يرسلون الرسائل عن طريق البريد
الإلكتروني، ما يضطره
للاستعانة بمترجم ليترجم له تلك
البذاءات التي كتبت بلغة
أجنبية.استطرادا، فقد قرر أحد
ضباط المخابرات الأشاوس أن
يخترع طريقة يرد بها على من
يكتبون من وراء الحدود ومنهم
صاحبنا هذا.
ونسجا على منوال "كوبونات"
الرئيس الراحل صدام حسين، فقد
سرب الضابط خبرا لبعض المواقع
يفيد أن مجموعة من الكتاب، من
أقطار عربية مختلفة، قد استلمت
كوبونات بمبالغ خمسمائة يورو
لكل كاتب. وقد زُعِم أن صحيفة
خليجية طلبت إيقاف توزيع أعداد
الصحيفة التي نشرت أسماء
المستفيدين، فلم يستجب ناشر
الصحيفة إلا بعد وصول شيك بمبلغ
طلبه كثمن لوقف التوزيع. وعند ما
علم صاحبنا الكاتب الهاوي
بالخبر ابتسم وقال: هذا ثمن بخس!
على كل حال أنا لم يصلني شيء!.
وكأن صاحبنا الكاتب الهاوي سئم
الأسلوب الهابط والشتائم التي
يرسلها القراء المأجورون،
–ليسوا عملاء، بل يأخذون أجرة
على سبابهم وشتائمهم- ، فأحب أن
يأخذ إجازة من قضايا بلده،
وربما قرر أن عليه أن يخرج من
القطري إلى الإقليمي وربما إلى
العالمي، فيكتب في قضايا
البلدان العربية التي تتعرض
لهجمات شرسة مثل قضايا العراق
وفلسطين.
وعندما اتخذ صاحبا هذا القرار،
لم يجد أمامه موضوعا يغري
بالكتابة فيه مثل موضوعات
الرئيس الأمريكي "جورج
بوش"، فهذه تعتبر بحق
"الموضوع الكامل"، قياسا
على "الجريمة الكاملة"
التي كان "شرلوك هولمز"
ينفي وجودها. استطرادا فإن
الذين خططوا بدقة لاغتيال
الشهيد رفيق الحريري رئيس
الحكومة اللبنانية الأسبق،
تبين لهم مؤخرا أن جريمتهم –رغم
التحضيرات الهائلة التي تمت
بها- لم تكن "كاملة".
وهكذا يمم صاحبنا الكاتب الهاوي
شطر الرئيس الأمريكي
"بوش"، فوجد نفسه أنه أمام
بحر زاخر من المشاكل، التي لها
أول وليس لها آخر. بل وجد بحرا
عميقا يمكن أن يغرف منه كيف شاء
ومتى شاء. الأهم من كل هذا
–وربما كانت هذه هي إيجابية بوش
الوحيدة- أنك لن تجد من يقف في
وجهك فيعتقلك إذا هاجمته، أو
حتى ليدافع عنه، لأنه لا أحد
يتورط في الدفاع عن قضية خاسرة،
خصوصا إذا كانت مثل قضايا
الرئيس الأمريكي "جورج دبل يو
بوش"، هذا أولا. ثم إن
"بوش" من بلد ديمقراطي لا
أحدَ فيه فوق القانون.
أما في
بلادنا فقد أوصل الهتافون فيها
أحد الرؤساء إلى مراتب لم يصلها
مِنْ قَبْلِه الأولياء ولا
الصالحون، حتى أن أعلاهم نبرة
صوت كثيرا ما يتمثل ببيت شعرٍ
قال فيه صاحبه:
ما شئت
لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار.
... تعالى الله عما يقولون.
وهؤلاء الحكام لا أحد يجرؤ على أن
ينتقدهم، بل إن ذلك ممنوع تحت
طائلة التسريح من الوظيفة
والاعتقال، وربما الاختفاء
نهائيا من على وجه البسيطة.
وهكذا كان. فقد كتب صاحبنا المقال
الأول ثم الثاني ثم الثالث،
وكلها مستوحاة من "بركات"
بلاد العم سام ومشاكل الرئيس
الأمريكي بوش. هذه البركات لو
كتبت في قيادي من الدرجة
الثانية في بلادنا، للبث هذا
الكاتب في السجن بضع سنين. وكم
كان عجب صاحبنا للنتائج التي
حصدتها تلك المقالات.
بعض المواقع نشرت بعض هذه
المقالات وصرفت النظر عن البعض
الآخر. مواقع أخرى قالت إنها
لاتستطيع أن تنشر هكذا مقالات.
بعض الصحف التي تُظْهِر أعدادَ
الزائرين، كان عدد من زار هذه
المقالات بالعشرات، بينما كان
الذين يزورون المقالات التي
تعنى بالشأن المحلي يعدون
بالمئات. أما المواقع التي تسمح
بالتعليق، فقد اختفى منها
المعلقون وكأنهم لم يروا تلك
المقالات. بعض الصحف كانت تلجأ
إلى تغيير عنوان المقالة ثم
تنشرها.
صاحبنا الكاتب الهاوي وصل إلى
نتيجة مفزعة، هي أن القارئ
العربي يهتم بالمقالات التي
تسلط الضوء على ممارسات الأنظمة
القمعية، لأنها –حسب رأي
القارئ- تعد انتصارا لكل مواطن
مقهور في طول الوطن العربي
وعرضه، خصوصا في البلدان التي
لا تكتفي فيها الأنظمة باحتكار
السلطة، بل تطارد من لا
يواليها، ولو كان لا يهتم
بالسياسة أصلا. شعار الأنظمة
هذه في استهداف من لا يؤيدها هو:
"من ليس معنا فهو ضدنا".
يبقى أن ننظر: هل سيترك صاحبنا
الكاتب الهاوي الرئيسَ
"بوش" وحاله ويعود إلى
الأنظمة القمعية وممارساتها؟
أم سيغيّر ويلوّن في أساليبه،
لعل وعسى أن ينجح فيما فشل فيه
سابقا؟ سوف ننتظر لنرى!،،،،،،
*كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|