ــ
قضية
ملتهبة أمام العالم
هيكل
هاني غريب
تحتل اوضاع اللاجئين السياسيين
السوريين المتواجدين في العراق
الاولوية في اهتمام الرأي العام
السياسي ، وتنشط الهيئات
الدولية والمنظمات السياسية
والاحزاب كافة في العالمين
العربي والدولي لاعتبار ان قضية
السياسيين السوريين المعارضين
قضية انسانية بامتياز كونهم
يتعرضون لتهديد متواصل ويعيشون
مأساة حقيقية ، والذنب ليس
موجهاً لأحد من المتصارعين في
العراق ، الذنب اولاً وآخراً
موجه لاوضاع العراق السياسية
والامنية كونه بلداً محتلاً
والجميع في العراق يعيش مأساته .
وقد
يقول قائل ، لماذا لاتضعون
اللوم على النظام السوري ، نقول
بصراحة متناهية اننا لا نعول
ابداً على نظام دمشق ، ولانفكر
يوماً بأن نعتبر ان هذا النظام
أحد المساهمين في حل المشكلة ،
بل النظام في دمشق هو المشكلة ،
بل المعطل الاساسي لأي حل قد
ترعاه المنظمات الانسانية
الدولية ، ونعلم جيداً كيف
يتصرف هذا النظام مع هذا الطرف
أم مع غيره في مسعى لاعتبار
مشكلة السياسيين السوريين
المعارضين في وضعها الراهن غير
ذي أهمية .
وهناك
من يسأل ، طالما ان المشكلة
الاساس هي ان كونكم طرفاً في
المعارضة ، وان المشروع المطروح
للمعارضة ، وبالذات بنود اعلان
دمشق يتحدث ان لا خيار امامها
الا بالتغيير الجذري للنظام ،
وامام هذا كيف تريدون تساهلاً
من نظام فقد الاعتراف به وبنهجه
من جماعات تسعى لاسقاطه ...؟ نعم
السؤال مطروح ولكن ماهي الصلة
بين هدا الموضوع وبين قضية
التواجد في العراق والمخاطر
التي تتعرض لها المعارضة ،
والمطالبة بحلول لهذا التواجد
الذي أصبح مأساة بحد ذاتها
وتعرض البعض للقتل ، والبعض
الاخر للاعتقال وقد دمرت البيوت
واحرقت...؟
وللجواب
ايضاً على ذلك لابد ان نعود الى
المربع الاول للصراع بين
المعارضة السورية والنظام في
دمشق ، ان النظام يلاحق جميع
اطياف المعارضة اينما وجدت
ولاتختلف ساحة عن اخرى ، في
الداخل او في الشتات ، واذا كان
لتواجد السياسيين السوريين في
العراق له خصوصيته المرة في هذه
المرحلة ، فأن المعارضة في
الخارج تتعرض هي الاخرى لمتاعب
ومضايقات وملاحقات وتهديد
بالقتل ، ولنا في ذلك عشرات
الامثلة ، ويكفي ان نشير الى
جريمة اغتيال صلاح البيطار في
فرنسا وجرائم اخرى مماثلة
واختطاف العشرات من المناضلين
من لبنان والاردن وقبرص ومصير
بعضهم لايزال مجهولاً حتى
اليوم.
اما
ما يتعرض له الكثيرمن قادة
المعارضة في سورية نفسها ،
فالامر أدهى
وأمَر والقائمة تطول ممن
غدر بهم النظام وتمت تصفيتهم
بوضح النهار ، والقائمة تطول
ممن زج بهم في اقبية السجون
وزنازينها ولايزالون وقد فقدوا
كل امل لاخراجهم ، والقائمة
تطول ممن حرموا من وسائل العيش
وطردوا من وظائفهم واعمالهم ،
والقائمة تطول عن الذين وضعوا
في القائمة السوداء ولم تنفع كل
وسائل التراضي عن رفع اسماءهم
من هذه القائمة اللعينة
ولازالوا يعيشون ملاحقين
ومطاردين ليس في معيشتهم ورزقهم
فحسب بل في حياتهم ايضاً.
اننا
نتحدث في هذا ، لكي يعلم الذين
يطرحون الان عودة لاتشمل عفواً
عاماً وشاملاً للمعارضة
السورية حقائق الامور ، وهناك
البعض ،وخاصة من موظفي المفوضية
السامية لشؤون
اللاجئين يقترح اسوأ الحلول بأن
تتوجه المعارضة السورية
المتواجدة في العراق الى الحدود
السورية العراقية للاقامة في
مخيمات ، وقد وجهت مسؤولية
الشأن السوري في المفوضية
كتاباً صريحاً في هذا ، بمعنى ان
مكتب المفوضية في العراق والذي
تدار مهامه من العاصمة الاردنية
أصبح يطالب بعودة لا آمنة الى
سورية ليترك مصير السياسيين
السوريين في خطر لايعلم مداه
أحد.
والاكثر
مرارة، ان من يتلاعب بمصير
ومستقبل هذه الكوكبة من
المناضلين السوريين يتحدث بين
الحين والحين عن انتماءات
سياسية للسوريين محسوبة على هذا
التيار السياسي أو ذاك ، ويدعى
ان مثل هذه الانتمائات في عالم
اليوم تثير المخاوف وتثير
التساؤلات من جانب بعض البلدان
التي من المفترض ان تقبل اعادة
توطين اللاجئيين السياسيين
السوريين ، اليس هذا الكلام
فزاعة يراد بها الباطل بعينه ،
اليس الحديث حديثاً سياسياً
بامتياز وتدخلاً سياسياً في شأن
انساني ، بل ان هذه التحركات
تتناقض مع التوجه العام لمفوضية
شؤون اللاجئين في جنيف التي
اعلنت تعاطفاً كبيراً مع الحالة
الصعبة التي تواجه المعارضة
السورية بل اعلنت المفوضية
موافقتها على اعادة التوطين في
بلدان تحترم حقوق الانسان وترعى
الحالات الانسانية .
ولعلم
هذا الطرف او غيره ، ان فصائل
المعارضة السورية واحزابها ،
لاتخفي انتمائتها وليس فيها من
يضع رأسه في الرمال ، وهي تيارات
واحزاب ناشطة في سوريا وخارج
سوريا، وان خرج البعض من بلاده
انما ظروف الملاحقة والقهر
والاستبداد اظطرته لهذا الخروج
والبحث عن مكان آمن .
وخلال عقدين من الزمن توجه العدد
الكبير الى العراق كملاذ يعيش
فيه الى ان تزاح الغمة عن بلده ،
منهم القومي ، ومنهم الاسلامي ،
ومنهم الوطني المستقل ، وقد
تآلفت هذه التيارات الوطنية
وتصافت ، وكانت تمثل بحق كافة
شرائح المجتمع السوري ، بل ان
هذه التيارات اشتركت في مشاريع
وطنية وبرامج مشتركة هدفها
تخليص البلاد وانقاذ سوريا من
محنتها ، واذا كان العدد الكبير
من مناضلي سوريا قد اختار
العراق فلان العراق هو البلد
الشقيق المجاور لسوريا ولأن
المعارضة السورية لا تريد ان
تثقل نفسها على غيرها ممن يضع
شروطه ويحاول ان يوظف هذه
المعارضة لاسباب سياسية
ولمصالح خاصة وضيقة.
ومع
ذلك ، فلم تسلم المعارضة
السورية من هذيان البعض لوجودها
في العراق وقدمت في ذلك الكثير
من الخسائر والتضحيات ، وعندما
صدق البعض من السياسيين
السوريين ان نوايا نظام دمشق في
سبيلها للتغيير بسبب الانفجار
الكبير الذي حصل في العراق دخل
بلاده غير آمناً على نفسه ،وكان
ان زج بهم جميعاً في السجون
والمعتقلات وتعهدوا للسلطات
بان لا يقوم احدهم بأي نشاط
سياسي وان يبلغوا عن تحركات
اقرانهم ممن بقوا خارج البلاد ،
والذي حدث ايضاً ان تمت محاكمة
اكثر من خمسة عشر معارضاً لمدد
وصلت الى ثماني سنوات وصدرت بحق
اخرين مذكرات توقيف، ومن تبقى
منهم يتنظر فتح ملفاته دون ان
يستثنى احداً.
وبالامس
القريب جلبت اجهزة الامن
السورية ولدا المعارض البارز
محمد بكور ، سفيان والطبيب عمر
وادخلتهما المعتقل بدون أي سبب
سوى انهم ولدا احد رموز
المعارضة ولازال الاخوان
معتقلان لحد هذه الساعة فهل
نصدق من يطالبنا اليوم ان من
الممكن ان تكون للمعارضة
السورية عودة آمنة الى بلدهم ام
نصدق واقع الحال...؟ اننا نضع هذا
الواقع امام انظار العالم ،ونضع
مأساة اللاجئين السياسيين
السوريين المتواجدين في العراق
امام المنظمات والهيئات
الدولية ، السياسية والانسانية
ونحذر الذين يتعاطون في هذه
القضية ويحاولون عمداً او
بنوايا طيبة الاساءة الى
السوريين ان ينتبهوا ان الضمير
الانساني لن يرحم ، وان العالم
اجمع بهيئاته ومنظماته يراقب
الحالة ، مثلما يحاسب المقصرين
والمهادنين ، وعلى الجميع ان
ينتبه الى ان قضية المعارضة
السورية هي قضية سورية وعربية
وانسانية ، وتحتاج الى الرعاية
والاهتمام كما هو حال جميع
الحالات الانسانية في عالم
اليوم...!.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|