ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

الأنظمة القمعية والشعوب المستضعفة...

من يخاف من؟ 

الطاهر إبراهيم*

من أول يوم يستولي فيه حزب أو شخص على الحكم في بلد ما بغير الطريق الديمقراطي، تبدأ مجموعة الحكم ( حزب أو عسكر) في ترسيخ أقدامها في السلطة بأن تحيط قصور قادتها والمباني السيادية بكتائب من رجال الأمن. وتفتح خزائن الدولة لإنشاء وتسليح هذه الأجهزة الأمنية متعددة الأسماء والتخصصات، ولو استغرق ذلك كامل ميزانية الدولة، ولو كلفها ذلك الاستدانة من الدول التي يسرها أن تنصرف تلك الأنظمة إلى حماية نفسها، فلا تنشغل بتقوية الجيش الذي كان ينبغي أن ينشغل بحماية الحدود. وحجة قادة أنظمة الحكم هذه في مواجهة من يطلب منها صرف هذه الأموال لرفع سوية المواطنين: إن المواطن قادر على أن يدبر أمور نفسه، وبالنهاية "لا أحد يموت من الجوع"!.

هذا الوضع المقلوب يشمل معظم دول العالم الثالث وأكثر الدول العربية. وخلافا لمعهود ما تواضع عليه الناس من نجدة المظلوم، لا تكاد تجد دولة من الجوار تسارع لنصرة الشعوب المستضعفة، فالشعوب هي في آخر اهتمامات تلك الدول، لأن "الحال من بعضه" و"الكل في الهوى سوا". وفي أمر لافت، فإن كل المشاكل العالقة إنما تنشأ من خلاف حول النفوذ بين دول الجوار وتجد أكثر من نظام يسارع لحل الإشكالات بين نظامين جارين -مع أن الأمر لا يكاد يهم المواطنين على جانبي الحدود-  بينما لا نجد حتى الآن دولة واحدة شمرت عن ساعديها لتنصح هذا النظام أو ذاك لكي يخفف من وطأته على شعبه، لأن ذلك في العرف الدولي يعتبر تدخلا في شأن داخلي. أما الشأن الإنساني فلا تكاد تجد نظاما يهتم به. علما أن دببة "الباندا" وأسماك "القرش" و"الحيتان" التي تنتحر على شواطئ البحار تحظى باهتمام أنظمة الحكم –إظهارا منها الاهتمام بأمور عالمية- أكثر مما تحظى به شعوب مستضعفة مضطهدة من حكامها، بل حتى إنها لا تحظى باهتمام كالاهتمام بدببة "الباندا".

هذه الحجج التي تتذرع بها الأنظمة ليس لها أي مصداقية. إذ كثيرا ما تقوم أنظمة لها تَفوّق عسكري وسكاني بمحاولة الهيمنة على جار ضعيف، أو إثارة نزاع عسكري مع جار قوي، ولا يعوزها إبداء الأسباب. وكما قلنا فإن الدول العظمى مثل أمريكا ترحب بهذه المحاولات ،طالما أنها تخدم أهدافها. فإذا ما استنفذت أغراضها انقلبت على ذاك النظام، كأنه لم يكن بينها وبينه مودة. وزير الدفاع الأمريكي المنصرف "دونالد رمسفيلد" عمل بائعا متجولا عند الرئيس العراقي الراحل "صدام حسين" يعرض عليه أسلحة أمريكية خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين، يوم أن كانت لواشنطن مصلحة في تأجيج الصراع. 

ثم رأينا هذا الوزير –البائع المتجول سابقا- يرسل جيشه لإسقاط "صدام حسين" واحتلال العراق في آذار عام 2003 ،عندما أصبحت مصلحة واشنطن تقتضي ذلك.

وإذا كان الرئيس العراقي الراحل أدرك ذلك وحاول أن يقف في وجه مخططات واشنطن، بعد أن دفع هو والعراق ثمنا غاليا، فإن أنظمة عربية ما تزال تحاول كسب ود واشنطن والبقاء ضمن المنظومة التي ترضى عنها أمريكا، رغم أنه تأكد لديها أن واشنطن لا يمكن أن تقف مع العرب وضد إسرائيل. هذه الأنظمة كان يمكن أن تختصر على نفسها الطريق بأن تصل ما انقطع بينها وبين المواطنين. ولكن على ما يظهر فإن هذه الأنظمة قد أوقعت طلاقا بائنا بينها وبين شعوبها ويممت وجهها شطر واشنطن.

العلاقة كانت وما تزال علاقة رفْض بين الشعوب العربية وسياسات واشنطن في المنطقة، لا لأن العربي يكره المواطن الأمريكي، كما زعم الرئيس الأمريكي "بوش" عندما تساءل: "لماذا يكرهوننا؟"، بل لأن الأمريكي ضحية سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة المنحازة إلى إسرائيل ضد كل ماهو عربي ومسلم. ولا أدل على ذلك من سياسة واشنطن وانحيازها النووي الفاضح إلى الهند ضد باكستان المسلمة، رغم انسلاخ الرئيس الباكستاني عن شرقه المسلم، بحيث لم يدع مناسبة إلا وحاول أن يثبت فيها انقياده لواشنطن.

ويبقى التساؤل المحير الذي يفرض نفسه من خلال العلاقة الجدلية التي تصر فيها أنظمة حكم عربية على طلب الدعم من غير الشعب الذي تحكمه؟ فإذا كان الوطن فَرَضَ على النظام والشعب أن يتعايشا فوق أرض واحدة وداخل حدود دولتهما، أليس من المنطقي أن يتم ذلك من خلال تعايش رضائي بدلا من أن تبنى العلاقة على سياسة الإكراه؟

واستطرادا، فإنه مهما حاولت أنظمة أن تركن إلى حزب أو طائفة لتحمي تفردها في الحكم    وتتقي غضب الأكثرية الرافضة لتسلطها، فإن هذه الحماية سوف تتآكل مع الأيام، وتتفتت بعد أن يَسْتجدّ مالم يكن في حسبان قيادات الأنظمة، كأن يتطلع جيل شاب من داخل الحزب أو الطائفة إلى مافي أيدي الدائرة الضيقة في الحكم، يطلب منها أن تتنازل له عن بعض أو كل صلاحياتها. وفي النهاية فإن انهيار الحماية يصبح محتما، لأنه لاأحد يقدّم روحه ليعيش غيره إذا لم يكن ذلك في سبيل قضية مقدسة يفتخر الإنسان بأنه يضحي من أجلها، وهذا ما لا يكون دفاعا عن أنظمة لا تدور إلا حول نفسها، ولو كان من بعدها الطوفان.

إن أنظمة الحكم التي تبني سلطتها على الظلم والاستبداد وقهر المواطن، إنما تسرق ساعات هنائها من شقاء المواطنين. لكنها في نفس الوقت فإنها تعيش في خوف دائم من مصير لا تدري متى يحل، كمن يتربص الموت به عند كل منعطف. فهي تنام في حراسة الحراب، وتستيقظ على خوف من حرابٍ أخرى غيرها لا تراها، ولكنها تحس كأنها مصوبة نحوها من داخل المجهول. يُدْرَكُ ذلك في ارتجاف أصابعها الممسكة بالسوط الذي طالما خاف منه المواطن وهو في يدها، ولكن هذه الأصابع لا تفتأ ترتجف خوفا من هذا المواطن. وما كان أغناها عن ذلك كله لو أنها عاشت وتركت غيرها يعيش!.

هل هذه فلسفة؟ لا إنه الكابوس الذي تعيشه الأنظمة والقهر الذي يعيشه المواطن. وبين قهر  وكابوس تنعدم المساحة التي يمكن أن يتعايش بها الطرفان. فهل يدرك ذلك حكامنا، أم أن الحقيقة سوفي تبقى تتقاذفها أرجل اللاعبين الكبار في ملاعب الشعوب المستضعفة؟!

*كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ