ــ
الولايات
المتحدة الأمريكية في عيون
الكثيرين
العميد
المتقاعد برهان إبراهيم كريم
bkburhan@yahoo.com
لم يسبق أن كانت دولة ما مثار
للجدل والحيرة والعجب كما هي
حال الولايات المتحدة
الأمريكية.
فكل منا ينظر إليها بمنظوره
ومنظاره الخاصين,ويركز على أمور
وأحداث لا يركز عليها غيره.
ويوصفها على طريقته الخاصة.
فهناك من يعتبرها دولة عدوانية
وشريرة من كل نواحيها , حيث لا
يرى سوى جوانبها السلبية. وآخر
لا يبصر سوى نواحيها الإيجابية.وآخر
يعتبرها أشبه بنوع من السمك
كثير الحسك. وآخر يراها ليل طويل
ظلامه دامس لكنه ينفلق بين
الحينة والحينة عن فجر لنهار
مشمس ومشرق. وآخر يراها الحلم
والأمنية له ولكل من يبحث عن
الحرية والديمقراطية وحقوق
الإنسان. وأنها بنظامها المكتنز
بالحرية والديمقراطية العجيبة
الثامنة التي يجب أن تضاف إلى
العجائب السبع..ومن يسمع ويرى
فحوى ما يدور حولها من حوارات في
وسائط الإعلام يلاحظ مدى
التفاوت في الآراء ووجهات النظر.
فهناك من يطنب بالمدح, وآخر يفرط
بالقدح والذم ,وآخر وسط بين
الاثنين. والجميع يتلاعب بالكيل
والميزان نقصانا أو زيادة.
فالمغرمون بكل ما فيها يعتبرونها
جنة الحرية, وفردوس الديمقراطية,
ومنتهى الرقي والحضارة والتقدم
والمجتمع المدني.وهي من بهرت
العقول باختراعاتها الحديثة.
حيث هي من صنع
فيها هنري فورد بتاريخ 30/7/1896
أول سيارة لا تجرها الخيول. وهي
أول من فجرت قنبلتها الذرية عام
16/7/1945م في صحراء نيومكسيكو.وهي
أول من انفرد تلفزيونها ببث
البرامج التلفزيونية لأول مرة
بتاريخ 7/7/1950م و.... و....الخ.
ودائما يجدون الأعذار
والمبررات لكل جرائم إداراتها
من قصف هيروشيما وناغازاكي
بالقنابل النووية مرورا
بالحروب الكورية والفيتنامية,
وجرائمها في بعض دول أفريقيا
وأمريكا الوسطى والجنوبية,وتدخلاتها
في بعض دول آسيا, وحروبها
العدوانية, ودعمها للكيان
الصهيوني في عدوانه على العرب.
وأنتهاءا بغزوها للعراق
ومشاركتها في العدوان على
فلسطين ولبنان.ويبررون كل
ما تصدره من قوانين غير شرعية
كالحصار والمحاسبة.وحتى دعمها
لبعض الحكومات والأنظمة التي لا
تحظى بالقبول من
قوى الأغلبية الشعبية. فهي
بنظرهم من يجب أن تقدر ويعظم
دورها لا أن ينتقص وينتقد.
والمنتقدون لها يرون أنها دخلت
معترك الأحداث السياسية
العالمية كمدافع عن الحرية
بطلاء ديمقراطي وزي كابوي وروح
رعاة البقر وثقافة الوجبات
السريعة والهمبرغر,
واختراعاتها العلمية أنما هدفت
منها الإبهار. ومع ترويجها
للصناعات الحديثة والتكنولوجيا
روجت الفقر والجهل والمرض
والفساد وانتهاك حقوق الإنسان
والجريمة وصنوف التعذيب..وأن
طموحها لتحقيق السيطرة على
العالم كان الدافع وراء حسمها
لحربين عالميتين (1+2), حيث
كانت تختار توقيت دخولها بعد أن
تشعر بأن الفرقاء أصبحوا متعبين
ومثخنين بالجراح,وغدا اقتصادهم
شبه مدمر. بحيث تكون فرصتها
ملائمة لتسلبهم دورهم , وتنحيهم
جانبا.ومن ثم لتربطهم بأحلافها
العسكرية, لتستبيح أرضهم
وأجوائهم ,بعد أن تحفظ لهم بعض
من كبريائهم المهدور كما فعلت
حين خصت بريطانيا بمقعد
دائم في مجلس الأمن, وفرنسا
بمقعد أخرفي الربع ساعة الأخيرة
من مؤتمر يا لطا. وبعد مفاوضات
عسيرة وشاقة إرضاء للرئيس ديغول
الذي استشاط غضبا حين لم يعهد
لفرنسا بمقعد أسوة بباقي
المنتصرين.وأن انسحابها من
اتفاقية الحد من تطوير الصواريخ
البالستية التي وقعتها عام 1972م,
وكذلك رفضها الانضمام إلى محكمة
جرائم الحرب الدولية,وانسحابها
من اتفاقية كيوتوا رغم أنها
أكبر مصدر لانبعاث غاز الكربون
الذي يسهم في زيادة ارتفاع
سخونة الأرض وتهتك طبقة الأوزون,
إنما هدفت منهم أن تفهم الجميع
بأنهم غير جديرين بمشاركتها في
قيادة العالم , وأنها كدولة
ومواطنين فوق أي شريعة وقانون
غير أمريكيين. وأنها القطب
الأوحد الذي يجب أن تحترم
قوانينه وتعطى الأولية على كل
ما عاداها من الشرائع والقوانين
الأخرى.وهي من ربطت كل
البرجوازيات إلى نظامها
الرأسمالي ومن ثم طورته إلى
مرحلة الإمبريالية. وعلى الرغم
من أن سكانها لا يتجاوزون الــ 5%
من سكان العالم فأن منهم أقل من
100ملياردير يشكلون ربع
مليارديرات العالم يسيطرون على
غالبية ثروات العالم. كما أن
الأغنياء هم بحدود 005% من مجمل
سكانها ويستولون على ربع ثروات
البلاد. وأن سكانها خليط من كافة
أصقاع العالم . هاجروا إما بحثا
عن الحرية , أو مغامرين بحثا عن
الذهب, أو لتحقيق مستقبل أفضل,
أو فارين من أوطانهم ,أو منفيين
من قبل الدول الاستعمارية.
قتلوا الهنود الحمر وسلخوا جلد
زعيمهم ديكومسه وهو حي في إحدى
الساحات وبحضور جمهور غفير.
وأشترى البعض رقع من جلده
للذكرى. وقام بعضهم بخطف البشر
لبيعهم كعبيد. فغدت الولايات
المتحدة الأمريكية السوق
الرئيسي الرائج والمزدهر
لتجارة الرقيق.ولولا جورج
واشنطن لبقيت مستعمرة بريطانية.
وأن أبراهام لينكولن هو من
وحدها. وهو من دفع حياته ثمنا
لهذا التوحيد ولجهوده في تحرير
العبيد. ومع ذلك أستمر التمييز
العنصري بين البيض والملونين
سائدا فيها حتى ستينات القرن
الماضي. وهذا ما جعل منها القدوة
والمثال للصهيونية في إقامة
كيانها الصهيوني , وللعنصرين
البيض في جنوب أفريقيا حين
أقاموا نظامهم العنصري. وهي من
دفعت بالعالم إلى حد الخطر
بترسانتها النووية , وهي من وظفت
ثورة تكنولوجيا المعلومات
لخدمة ترسانتها العسكرية.إضافة
لنشر العولمة وحرية الاقتصاد
الحر بما يحقق
متطلبات مصالحها الخاصة.
وتلويحها الدائم باستخدام
القوة في سعيها لتحقيق السيطرة
وقيادة العالم. ناهيك عن خروجها
على ميثاق منظمة الأمم
المتحدة الموقعة عليه, وتجاهلها
لبعض مواده. وخروجها عن كل ما لا
يعجبها فيه. وخاصة حصره لحق
استخدام القوة في حالتين هما حق
الدفاع عن النفس, أو حصول تهديد
للأمن والسلم الدوليين. وكأنها
تريد جعل الأمن القومي الأمريكي
بديلا عن الأمن الدولي. وكذلك
الاستعاضة عن مفهوم القانون
الدولي بالقانون الأمريكي. ورغم
إن المجتمع الأمريكي يعاني
مشاكل عويصة منها: تعرض الأطفال
للجوع وسؤ المعاملة. وحجم
المصروفات العسكرية التي تزيد
عن عشرون ضعف على المساعدات
الاجتماعية, وحجم الأموال التي
تصرف على المخدرات, وأنها تحتل
المرتبة الثانية من حيث نسبة
السجناء في العالم. إضافة لحجم
الجرائم من قتل واغتصاب وسرقة
وتهديد بالسلاح التي تحصل كل
دقيقة. ثم حجم
المخالفات الكبير في مختلف
مناحي الحياة. إضافة إلى نهجها
الامبريالي في إغراق المجتمع
الأميركي بمفهومي الرخاء
والرفاهية من خلال توفير كل
متطلبات الفرد الضرورية وغير
الضرورية بشروط سهلة وميسورة
لا تكلف المواطن الأميركي
سوى زيادات ساعات عمله الإضافية
لتأمين التغطية المالية لظروف
رخائه ورفاهيته بحيث لا يبقى
لديه المتسع من الوقت للاهتمام
بالسياسة وما يجري من أحداث.
ناهيك عن ثقافة الكابوي التي
تشجعه على التغيير في كل شيء من
المنزل إلى السيارة والملبس
والمأكل وحتى الزوجة بحيث يكون
مدمن على الترفيه وعاشق للتغيير.
ولذلك لا غرابة أن تجد عدة عشرات
الملايين من الأميين. وعشرات
الملايين ممن لا يجيدون القراءة.
ولا حتى القدرة على تحديد مكان
بلادهم على الخريطة أو معرفة
موقع الكثير من دول العالم. ولا
حتى معرفة نشأة بلادهم. وأن تجد
نسبة كبيرة لا يعرفون أن
بلادهم حاربت في فيتنام. وأن تجد
نسبة من الشباب الأميركي
عندما يبلغون سن الــ/18/ عام
يكون الواحد منهم قد
شاهد في التلفزيون الأميركي
مئات الألوف من العمليات
البوليسية وجرائم القتل
والاغتصاب. ويعتبر هذا الفريق
أن كل من حزبيها الرئيسيين
ونخبتها قد هرما وشاخا وانحرفا
عن منهاجهما القويم. فالحزب
الجمهوري الذي يؤمن بضرورة
إلغاء الضرائب راح ينفق ويغدق
الأموال بسخاء وإسراف قل له
نظير على حروبه وعلى القدرة
العسكرية وإستراتيجيات دفاعية
وبرامج عسكرية وأمنية كحرب
النجوم مما أوقع الخزينة في عجز
لن يتعافى الاقتصاد الأميركي
منه على الإطلاق. بحيث كبد
الدولار مزيدا من الخسائر.
وأفقده الهيبة والمركز في
الأسواق. وكذلك الحزب
الديمقراطي
الذي يدعي قربه من الفكر
الاشتراكي. ويعتبر أن من واجب
الحكومة تامين وظائف للمواطنين,إلا
أنه بات عاجز عن تحقيق أي من
أهدافه, وراح يجنح أكثر فأكثر
نحو تجسيد المشروع الامبريالي.
وكذلك فبعض نخبها تمارس الكذب
والافتراء والخداع والكذب
والتضليل وتزييف المعلومات
والحقائق.وهذه الثغرات استفاد
منها اللوبي الصهيوني حيث تسلل
منها ليحقق ما يريد في غياب
الصورة الحقيقية والواضحة
للواقع خارج أميركا .ولاستدرار
عطف الشعب الأميركي تجاه كيانه
العنصري إسرائيل. وتوظيف
الولايات المتحدة الأمريكية
لتحقيق مصالحه الخاصة وبما يضر
بمصالحها.
وفريق ثالث يرى أن كل فريق من
الفريقين الأوليين مسرف في مدحه
أو قدحه إلى ابعد الحدود. وهو
إما ممالئ أو مداهن أو يتجنى في
الكثير من مواقفه. ومع ذلك يقر
ببعض ما يورده كل من الفريقين.
ويلخص الولايات المتحدة
الأمريكية على
أنها دولة مثمرة على غرار الدول
الأخرى.رغم ظن البعض أن قشرها قد
يكون أكثر غلظة, وبذورها كثيرة
وأحجامها كبيرة. إلا أن التعامل
معها ضروري ومفيد.وأنه رغم عدم
عدالة المواقف الأمريكية تجاه
الكثير من القضايا العالمية
والعربية. والنهج الخاطئ للكثير
من سياساتها وتوجهاتها خلال
القرن العشرون وما سبقه, إلا إن
سياسة الإدارة الأمريكية
ومواقفها خلال سنوات القرن
الحادي والعشرون جاءت لتزيد
الصورة سوادا وبشاعة وقتامه.
وتفقد إدارتها المصداقية وتجرد
ها من كل القيم الموضوعية وحتى
الأخلاقية في التعامل مع
الآخرين. مما رفع من تصاعد وتيرة
الغضب في شتى أرجاء العالم.
وخاصة من خلال ما جرى ويجري في
العراق ولبنان وفلسطين وبعض
الدول من أعمال وممارسات
إرهابية وإجرامية وعدوانية على
أيدي القوات الأمريكية
والإسرائيلية بالتعاون مع
الخونة والعملاء. إضافة لسياسة
العداء التي تمارسها إدارة
الرئيس جورج بوش ضد سوريا
وفصائل المقاومة في العراق
وفلسطين ولبنان. وما لحق
بالعراق وفلسطين ولبنان من دمار
وبأسلحة وذخائر أمريكية الصنع
ومحرمة دوليا. وهذا ما أوهن
وأضعف موقف المغرمين بأمريكا.
وراح يسيء إليهم وينعكس سلبا
عليهم بحيث جعلهم شيكات بدون
رصيد. وتثار حولهم الكثير من
الشبهات. وتحولوا إلى عبء على
الولايات المتحدة الأمريكية
ساهم في تأييد ودعم موقف
المنتقدون. و حتى بات يصب في
مصلحة منظمات وفرق المتطرفون
والإرهابيين والصقور
والمحافظون الجدد والليبراليين
المتصهينيين والمتزمتون
والعنصريون. وهذا ما دفع بهذا
الفريق (الفريق الثالث) ليزيد من
لاذعة انتقاداته ويرفع الصوت
عاليا منددا بهذه السياسات
الأمريكية العدوانية.
وبمواقفها الآثمة في دعم
إسرائيل.ويحمل إدارتها
المسئولية عما حل بالعراق
وفلسطين ولبنان من دمار.
ويعتبرها المسئولة عما لحق
بالعالم من فقدان للأمن
والاستقرار. وما أصاب قيم
الحرية والديمقراطية
من تشويه واعتداء وتجن عليهم
بفعل ممارساتها العدوانية. وصل
إلى حد مطالبة البعض من هذا
الفريق إلى محاسبة رموز الإدارة
الأمريكية والإسرائيلية أمام
محكمة دولية كمجرمي حرب. وإلزام
الولايات المتحدة الأمريكية
وحلفائها وإسرائيل بدفع
التعويضات للمتضررين. ويعتبر
هذا الفريق أن الشعب الأميركي
شعب طيب وودود ,يحترم باقي
الشعوب, ويكن المحبة والخير
للآخرين. وأن إدارته تفعل دوما
عكس ما يطمح إليه ويريد. وتزييف
إرادته وخياراته بالتعاون مع
اللوبيات الصهيونية
والاحتكارات العالمية وشركات
السلاح والنفط لتحقيق مصالحهم
الخاصة والاحتكارية. والغريب أن
إدارة بوش تعادي هذا الفريق ولا
ترتاح إليه رغم أن كل ما يسعى
إليه تحقيق
المصلحة الإنسانية ومصلحة
الشعب الأميركي وتبرئته من
أوزار إداراته.
فلا غرابة إذا حين يعتبر البعض
الولايات المتحدة الأمريكية:
دولة أحشائها من حديد يتآكلها
الصدأ, وصدرها من خشب ينخره
السوس, وفمها من نحاس صدأ,
وقلبها قنبلة. حتى أن
أحد الكتاب قال عنها: لو نهض
كريستوف كولومبس من قبره وأكتشف
دواء شعبيا لكل الأمراض
المستعصية في التاريخ من الشلل
إلى السكر والايدز والسرطان
وغيرهم فلن يكفر عن جريمته
باكتشاف أمريكا. وعلى الشعب
الأمريكي أن يعذر الآخرون على
رسمهم لهذه الصورة القاتمة
لبلاده. وأن يحاسب إدارته
الحالية بكل طاقمها ومعها
المحافظين الجدد وصقورها
المجرمين. فهم المسئولين عما
أصاب سمعة بلادهم من ضرر, وألحق
بصورتها من بشاعة وقبح وتشويه.
وعليه أن يضغط بكل قواه لإعادة
رسم سياسات بلاده وصياغة
توجهاتها من جديد وبشكل صحيح.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|