ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

مات عظيم من عظماء الأمة

د. منير محمد الغضبان*

وليس مقياس العظمة في موازين البشر . إذ قد يكون العظيم رئيسا أو وزيرا ، تتسابق أجهزة الإعلام على تصويره ، وأخذ حديث منه ، وتتداعى وكالات الأنباء للحديث عن مآثره . وهو لص من لصوص هذه الأمة ينهب خيراتها ، ويذبح شعبها ، ويتربع على أشلائها .

إنما حديثي عن العظيم في ميزان الله الذي يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "

وفقيدنا الأستاذ محمد الحسناوي من هذا الطراز

فيوم يأتي الجبارون والطغاة يوم القيامة كالذر يطؤهم الناس بأقدامهم . يبرز العظماء الذين أخلصوا العبودية لله " يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم"

1- مفتاح شخصيته : والذين يعرفون فقيدنا الحسناوي رحمه الله يعلمون أن " القلب السليم " الذي يحمله هو النموذج الحي القدوة بين إخوانه وأحبابه وخصومه وذويه .

 هذا  " القلب السليم" هو الذي لا يعرف الأنانية أو الحقد أو الحسد أو البغض هو مفتاح شخصيته . ومنه تتفرع مناحي العظمة عنده

فهو يمارس العمل الدعوي والسياسي وهو معروف بأنه أحد " القيادات" العليا في الإخوان المسلمين في سورية . وفي هذه المجالات يبرز دائما الخصام والخلاف ، وإبراز المثالب ، والتطاحن على الزعامة عند الكثيرين من العاملين . والتنافس هو السمة الأبرز بينهم . غير أن فقيدنا الغالي قد باع قلبه لله ، ولم يبق منه بقية لنفسه . فلم يعد يعنيه ما يعني أمثاله من هذه الصغائر من الأمور التي يترفع عنها الكبار من الرجال . ونادر جدا أمثال هذا الطراز منهم اليوم .

2- خلقه :

وكلما قرأناه في الكتب قديما عن الأخلاق التي عزت في عصرنا الحاضر ، والتي نسمع عنها في الجيل الرائد أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي سمة المجتمع كله . نراها متمثلة في فقيدنا العظيم . فكأنما نزع من ذلك الجيل ليكون بيننا صورة حية للإيثار والحب والبذل والعطاء . فجيل الأنصار الذي مثل في التاريخ جيل البذل الذي يعطي ولا يأخذ ، ويتلذذ في العطاء " كأنك تعطيه الذي هو سائله" دون انتظار لثناء أو سمعة أو شكر . هو سمة فقيدنا العظيم .

لقد عشنا معه ورأيناه جنديا وقائدا . فكان عطاؤه في جنديته يفوق عطاءه في قيادته . وحين تفقد منه القيادة فيحل مكانه أخ آخر . لا يضيره أبدا أن يكون في مؤخرة الركب. وهذا  أشهى عنده من المقدمة وأن يعمل تحت إمرة من كان تحت إمرته ، بنفس رضية سمحة . يعيد لنا سيرة ابن الوليد رضي الله عنه القائل : " والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلى من أبي بكر وقد ألزمني حبه "

3- زهده :

وقد انبثق زهده من " قلبه السليم " مفتاح شخصيته فقد جاء إلى الدنيا ، وخاض غمارها ، وخرج منها سليما معافى ، بريئا منها على سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي توفي ودعه مرهون عند يهودي في قليل من البُر لعياله .

ومضى الأخ الحبيب الفقيد وليس له من دنياه شيء . هذا في عالم المادة . أما في عالم المناصب والمكاسب فقد كانت المناصب تساق إليه لثقته إخوانه به . ويقود العمل الذي يوكل إليه بإخلاص وحيوية ، وتعاون مع إخوانه ، بروح الفريق الواحد . ويوحي لإخوانه دائما أن هذا الإنتاج هو ثمرة جهودهم جميعا . وحين لا يكون في موقع القائد لا يضيره أبدا أن يتابع عمله ويلاحق مهمته ثم يقال : إن هذا الجهد هو جهد القائد لا جهده.

لقد اختير واختار أن يكون قائدا لجهاز التخطيط في الجماعة. هذا التخطيط الذي لا يظهر على الأضواء ، ولا يبهر الأنظار . إنما يعمل من الخلف ليبرز الإنتاج العظيم إلى الأمام . فلا يتحدث الناس عن التخطيط ومن قام به . إنما يتحدثون عن الإنتاج ومن نفذه. إنه مثل الأساس الذي يقوم عليه البناء . والأساس دائما تحت الأرض لا يظهر. وكلما كان الأساس قويا ، كلما كان البناء شامخاً عاليا سامقا " أصلها ثابت وفرعها في السماء"

إنه سعيد بأن يكون هو الأصل المدفون تحت الأرض ويترك غيره ليكون الفرع الباسق في السماء .وهذا سر من أسرار عظمته كذلك .

4- تواضعه :

والمتواضعون كثيرون؛ إما لأنهم ذوو طاقات محدودة ، أو أنهم يتظاهرون بالتواضع الكاذب ، ليزداد حديث الناس عنهم رغم طاقاتهم الفذة .

أما فقيدنا رحمه الله فتواضعه عائد إلى مفتاح شخصيته " قلبه السليم " فلا يستطيع إلا أن يكون متواضعا . لأنه مؤمن بأنه وأصغر أخ في جماعته يعملان في كل واحد .

تراه يجلس إلى محدثه ، وإن كان طالبا في الثانوية مثلاً . فيستمع إليه ، ويسأله عن أبداعاته وطاقاته ، ويشجعه ، ويوحي له أنه لا يعرف بهذه الطاقات وهو يتعلم منه ، وهو بحاجة إليه . كما يجلس مع نده في العمل فلا يتحدث عن نفسه . إنما يحدث نده عن إنتاجه هو ويؤكد له أنه استفاد منه ولولا إمكانات هذا الند لما أمكن أن يقوم هذا العمل. هو صادق في تواضعه . ولقد رأيت أبرز صورة من هذا التواضع ليلة التعزية بوفاته . فقد جاء أحفاده واحدا بعد الآخر ؛ من الثماني عشرة للثماني سنوات . وأخذ كل يدلي بدلوه. فيلقي قصيدته التي قالها جده فيه ، متناسبة مع عمره وسنه ، ويحسب أنه هو الأوحد عند جده . لا يضيره أن يستفيد من العبقري والعادي ، وأن يعمل مع القائد والجندي فروحه لا تقبل الكبر ، ولا تأتلف معه. لأن الكبر دوما هو غمط الناس وبطر الحق، وبذلك يزداد رفعة وعلاء عند إخوانه كما أقسم سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه : " ثلاث لو كنت حلافاً لحلفت عليهن ..... وما تواضع عبد لله إلا زاده الله رفعة"

قلبه مفتوح ، وبيته مفتوح لكل راغب ولكل سائل ، ولكل مستفسر . فحياته تقوم على الحب والحب وحده .            ولا يعرف الحقد من تعلو به الرتب

5- عزة نفسه :

وقد يبدو هذا التواضع نقيضا مع هذه العزة. أبداً ، إنهما ينتميان إلى مفتاح شخصيته الرئيسي " قلبه السليم " والقلب السليم لا يعرف النفاق ولا المراوغة ولا المخاتلة ؛ يعرف الوضوح والصدق والصراحة وقول الحق . ويعرف النصح لله ولرسوله ولجماعة المؤمنين وعامتهم . لا يدفعه حبه لأخيه أن يسكت عن خطئه ولا يدفعه بغضه لعدوه أن يظلمه. عاش في سورية الوطن عالي الجبين ، مرفوع الرأس يقول الحق لدى الطغاة وأزلامهم . لا يعرف قلبه الوهن أو الخوف . وعندما اقتضت مصلحة الجماعة المسلمة أن يهاجر ، هاجر مرغما لا محبا . وأمضى حياته في المهجر يكتب المقالات ويشترك في الندوات ، فيما يناله الخطرمنه والخوف عليه ؛ في المغرم لا في المغنم . محتسبا لله تعالى . دخل مدرسة الهجرة ومدرسة الاعتقال ومدرسة التشرد ومدرسة التعذيب . وتخرج منها فكان يحمل كل هذه الأوسمة في حياته . لأنه لا يعرف أن يقول الباطل ، ولا يلتوي به لسانه ، ولا يطاوعه به قلبه . هاهو يقول : " وكأنما الدولة إله أو حلت محل الإله تقول للشيء كن فيكون . وهذا هو جوهرالفساد في الأرض أن تحل الآلهة البشرية محل الإله الحقيقي العادل الرحمن الرحيم جبار السماوات والأرض"

6- ذكاؤه:

وكثيرا ما يتبادر للذهن ونحن نتحدث عن الإنسان الطيب ، وكأنما تعني الإنسان الساذج المغفل أو " الذي يأكل القط عشاءه" . أبدا . إنما نحن أمام فارس ميدان يتوقد ذكاء لماحاً ، يدرك أسرار كل ما حوله ، ويحيط بكل روغان الباطل وكيد أهله . وكأنما يملك مجهراً سرعان ما يسلطه عليه فيحرقه " وجاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد. " وكأن الشاعر يعنيه حين قال :

            متى تملك القلب الذكي وصارماً     وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم

ولقد كان رحمه الله يملك هذه الأسلحة جميعا ؛ القلب الذكي ، والأنف الحمي ، والصارم المسلول . وكان الصارم عنده رحمه الله هو لسانه وأدبه كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

          لساني صارم لا عيب فيه       ودلوي لا تكدره الدلاء

وكان رحمه الله كما وصف أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه نفسه بقوله :

" لست بالخب ولكن الخب لا يخدعني"  الخب : الداهية .

وكان يدرك دائما ً أبعاد متاجرة المتاجرين في الدين . وقد قص لنا صهره نكتته اللاذعة التي أطلقها ضد ذلك المدرس اللاديني الذي جاء يجمع لبناء مسجد في صفه من طلابه وصدقه الطلاب فأعطوه ما بأيديهم . ولقيه زميله الحسناوي قائلاً له بلسانه اللاذع الحاد : تصرفهم بالهنا . فجعله في نفسه صغيرا كالنملة .

7- صبره :

لقد ابتلى الله تعلى فقيدنا الغالي بالمرض العضال ؛ الفشل الكلوي . في سني حياته الأخيرة ونعرف من يبتلى بذلك كيف تنقلب حياته جحيما وكآبة . وتذمراً وشكوى على الله عز وجل . ولكن فقيدنا كان من طراز آخر ، طراز الذين يهزمون المرض ولا يهزمهم ، لقد كان فشلا كلويا ولم يكن فشلاً نفسياً أو حياتيا ً أبدا . لقد كان في ذروة إنتاجه وإبداعه وهو في ذروة مرضه . وكان هذا متناسق تماماً مع مفتاح شخصيته ( القلب السليم ) الذي يرضى بقضاء الله وقدره " فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط"

وكيف يرضى صاحب " القلب السليم " أن يشكو ربه لعواده أو أن يتحول إلى الكآبة القاتلة.وكما يقول الشاعر:

     فإذا أشرق اليقين على المرء       فنادى في الكـرب يا الله

     أصبح الهم قربة وسكونا          الرضا بالقضاء رجع صداه

" وما أعطي عبد عطاء أعظم من الصبر"

ويشهد الله ما التقيته مرة خلال هذه السنوات العجاف وشهدته يشكو أو يتبرم أو يتألم . إنما يثني على ربه ، ويبتسم لمصابه ، وكأنما لم يمسه مرض قط .

لقد كان على سنة أستاذه السباعي الرائد القائد ، الذي كتب أروع كتاباته في سني مرضه . وتوفي وقلمه بيده يكتب لأمته علماً وفكراً وحضارة . ولكم تشابهت النهايات. فقد كان الحسناوي رحمه الله لا ينسى لحظة ذكر أستاذه السباعي. وصارا مدرسة لهذه الأمة في الصبر والعطاء والإبداع .

8- تفاؤله:

ولولا وجهه الشاحب الذي رسم المرض عليه أخاديداً . لما صدقت أنك مع شيخ هدته السنون . إنما أنت مع شاب في سني العشرين من عمره ، طموحاته لا تنتهي لدينه ولأمته ، وأمله بنصرا لله عزوجل ، وثقته بالعودة إلى بلده بعد الهجرة . ثقته بأن ما دون غد الليلة . يعيش لإخوانه ، ولا يعيش لذاته ، لا تفارقه دعابته ونكتته لحظة من اللحظات . وهل يملك صاحب " القلب السليم " إلا أن يكون كذلك ؟ وإلا كان صاحب القلب المريض المنكود المهدود.

لقد كان دائما يرسم في الأفق آماله . لقد فتحت " الإيميل" قبل ساعة من كتابة هذه الكلمات ، فرأيت رسالة من الأخ الفقيد قد بعثها لي تحت عنوان : مقاله مهمة .

قد اطلع عليها وبعثها لي ولإخوانه الأحبة يدعوهم إلى الاطلاع عليها . والذي يقرأ قصيدته عن حلب ، وزغرودة العودة إليها . يجد تلك الروح الحية الوثابة التي تملأ كيانه

9- أدبه :

ولن أطيل الحديث عن أدبه وشعره ، وقصصه ورواياته . وسأدع الحديث عن ذلك لإخوانه الأدباء ، وتلاميذه الشعراء يغنون هذا الجانب . لكن الذي أعرفه أننا ونحن في مقتبل العمر كان لنا شاعران يبنيان مشاعرنا ويوقظان الهمم في نفوسنا هما : الأستاذ الحسناوي رحمه الله ، والأستاذ منا غزيل أمد الله بعمره .

وكنت أفخر أن أحمل شاعرنا على كتفي في شوارع دمشق ، وأرقص به ، وهو يزغرد للوحدة العربية بين سورية ومصر عام ثمانية وخمسين . ونمضي إلى البرلمان بأهازيجه الحلوة المحببة الرائعة .

10 – ثقافته :

فإن كان لي أن أنادي أو أناجي إخواننا من المعارضة الذين حملوا لواء التغيير لأمتهم من كل الاتجاهات والأطياف . فأضع بين أيديهم نموذجاً عن ثقافته الواسعة ، البعيدة عن التحجر والتعصب والأحادية في التفكير .

هاأنذا  أضع بين أيديهم ما ذكره نموذجا ً عن أدب السجون وأدب النضال في هامش تقديمه لأخيه الفارس عادل الفارس ، والذي يجمعه مع كل المناضلين هذا العنوان الرائع : لأنهم قالوا لا

( انظر على سبيل المثال لا الحصر : دواوين " وما أنت وحدك – رقصة جديدة – في ساحة القلب- حمامة مطلقة الجناحين – تقاسيم آسيوية – خيانات اللغة والصمت " لفرج بيرق دار . وديوان " ترانيم على أسوار تدمر" ليحيى الحاج يحيى ، و ديوان " القادمون الخضر" وروايتي : " نقطة انتهى التحقيق- مالا ترونه " لسليم عبد القادر ، وديوان " الظل والحرور" لبعد الله عيسى السلامة ، وديوان " في غيابة الجب " وقصص " بين القصر والقلعة " ورواية " خطوات في الليل" لمحمد الحسناوي ، وقصص " الخطو الثقيل – الوعر الأزرق – النحنحات " لإبراهيم صموئيل ، وقصص جميل حتمل ، وقصص " آه يا وطني – تقول الحكاية " ورواية " بدر الزمان " لفاضل السباعي ، ورواية الشرنقة – سقط سهواً " لحسيبة عبد الرحمن ، ورواية " الصلصال – طفلة من السماء –" لسمر يزبك ، ورواية " الفقد" للؤي حسين ، ورواية " غبار الطلع " لعماد شيحة ، وكتاب " التحقيق" لمحمود ترجمان وكتاب " الخوف " لحكم البابا ، ورواية " عينك على السفينة " لمي الحافظ وكتاب " شاهد ومشهود " لمحمد سليم حماد ، وكتاب " خمس دقائق " لهبة دباغ ، وكتاب " في القاع" لخالد فاضل ، ورواية نشرت في جريدة النهار لهالا الحاج ، وكتاب " النداء الأخير للحرية" لحبيب عيسى ، وشريط " ابن العم" لمحمد علي الأتاسي ، وشريط " قطعة الحلوى " لهالة محمد)

رحم الله فقيدنا الغالي وأسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

وأنتم يا أهل الفقيد ، ابناً وابنة وزوجة وأهلا أنتم أهلنا . ألهمكم الله الصبر والسلوان، ولا تنسوه من صالح دعائكم ليستمر عمله الصالح إلى يوم يبعثون .

*باحث إسلامي سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ