ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 11/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

محمد الحسناوي (يرحمه الله) .. مدرسة مميّزة..

في تذويب المفارقات ،  وتوليد الموافقات .. داخل جماعته !

عبدالله عيسى السلامة

إنه حالة نادرة حقاً ، في هذا الميدان ، قلما يستغني عنها عمل جماعي ، قبَـلي أو حزبي، أو مؤسّسي..!

المفارقات ، في أيّ عمل جماعي ، كثيرة ومتنوعة ، ومختلفة الأشكال والدرجات ، ومتباينة في حرارتها وبرودتها ، وفي جدّيتها وعبثيتها ، وفي تساميها وتدنّيها ..!

  وسنقف عند ثلاثة من أنواعها ، كل منها يشمل أصنافا ودرجات :

   المفارقات بينه وبين الآخرين .. أفراداً ، و جماعة.

   المفارقات بين الآخرين أمامه.

   المفارقات بين بعض الأفراد ، وبين التنظيم.

1- المفارقات بينه وبين الآخرين :

أ‌)  المفارقات بينه وبين الأفراد :

(1) الخلاف في البحث عن الحقيقة ، إذا كانت ثمّة حقيقة ( على مستوى المعلومات والأخبار، التي تحتمل الصدق والكذب ) . لم يكن يضيره ، ما إذا كانت الحقيقة ، فيما قاله هو ، أو قاله غيره ! فإذا وجدها عند غيره ، سارع إلى أخذها ، وشكرَ صاحبَها، على تصويبه ، لما كان لديه من معلومات غير صحيحة ، دون أن يَشعر أنه أحرِج ، أو نقص من قدره شيء ، أو نظِر إليه على أنه ضعيف الإدراك أو التفكير لأنه كان يتبنى معلومة مغلوطة ، أو لأن زيداً من الناس صحّح له معلومة ، حتى لو كان زيد هذا ، أقلّ منه شأناً ، أو خبرة ، أو ذكاء ، أو ثقافة !

(2) الخلاف في البحث عن الصواب ، إذا كان ثمّة آراء مطروحة ، متضادّة أو متباينة، حول موضوع ما . فبرغم براعته في التحليل ، واستنباط الآراء ، والتفكير العميق والدقيق والشامل ، في المسائل الأدبية ، والاجتماعية ، والسياسية .. وإدراك مَن حوله لهذه البراعة لديه .. على الرغم من هذا ، يتخلى عمّا كان يراه صواباً ، إذا وجد ما هو أصوبُ منه وأجدى ، دون أن يشعر بأيّة غضاضة ، حتى لو صدر الرأي الأصوب ، من أحد تلاميذه ، أو من شخص أقلّ منه خبرة وتجربة ، في المسائل عامّة ، أو في المسألة المطروحة خاصّة ! وهذا الطراز من السلوك ، الثابت لديه ، هو صورة من الصور النادرة ، التي قلما نراها عند أشخاص كبار، في مواقعهم ، وفي منازلهم العلمية ، والثقافية ، والاجتماعية ! فما أكثر ما تظهر هنا نزعات التحدّي والمكابرة ، وحبّ الغلَبة ، والاستهانة بآراء الآخرين ، أصحاب الآراء المخالفة ، ثمّ الاستهانة بالآخرين أنفسهم ، متصاحبة مع اعتداد المرء بنفسه ، وعبقريته ، وسعة علمه ، وعمق تفكيره ..! وهذه المسألة من أخطر المسائل ، التي تضيع فرصَ النجاح في الجماعات ، والتجمّعات الإنسانية ، السياسية منها والاجتماعية ..! إذ تَفرض الأصوات المرتفعة ، والأمزجة الحارّة ، والمواقع العليا .. آراءها الخاطئة على الآخرين ، وإلاّ تهدّد بالويل والثبور، وعظائم الأمور! وربّما دفَعها هذا ، إلى تمزيق الصفّ الذي هي فيه ، سعياً وراء حبّ الغلبة ، وانتصار الهوى ، الذي يسمّيه صاحبة رأياً..! وهذه نقطة حسّاسة ، تدخل في صميم الأخلاق الإنسانية ..! وقد يبدو المصرّ على رأيه الفجّ ، ذا خلق ودين ، ويَعيب على الآخرين بعض أخلاقهم ! ولا يعلم أنه بخلقه هذا ، قد يؤدّي إلى تدمير تنظيم ، أو إلى كارثة تسيل فيها دماء كثيرة ! ولو وازن أيّ باحث اجتماعي ، بين هذا النوع من السلوك المنحرف ، وبين أخطر جريمة خلقية ، من كبائر المحرّمات ، يرتكبها فرد عادي .. لوجَد سلوك هذا المفكّرَ (الألمعي) أشدّ خطراً وضرراً ، من أيّة موبقة فردية ، يؤذي بها الفرد نفسَه ، أو أفراداً قليلين من حوله..! مع فرق كبير بين الإحساسَين ، لدى كلّ من المجرمَين ، وهو أن المجرم العادي ، يعلم أنه مخطئ ، وربّما يتمنّى أن يتوب عن سلوكه ! بينما المجرم الآخر يحسّ بالعظمة ، ونشوة الانتصار..! حتى إذا ظهرت آثار انتصاره، كارثةً على جماعته ، أو المجتمع كله ، ألقى باللوم والمسؤولية على مَن حولَه ، متّهما إيّاهم بالجهل ، أو الغباء ، أو التقصير.. لأنهم أخذوا برأيه وهم يعلمون أنه خطأ..  فهم شركاؤه في المسؤولية !

وهاهنا تظهر عظمة رجال ، كالأخ الحسناوي ، يرحمه الله..! 

(3) الحِلم في مواجهة الزوابع : لا يخلو أي تجمّع بشري ضخم ، من عقلاء وحكماء ، ومن حمقى وأغبياء ، ومن برَرة وسفهاء ..! وكثيراً ما يجتمع بعض هذه المفارقات ،  في مجالس ، ومنتديات ، وسهرات ، ومجموعات عمل ..! وكثيراً ما تعلو الأصوات،  ويحتدّ النقاش ، وتحمرّ الأنوف ، حميّة لرأي ، أو شخص ، أو موقف ..! وكثيراً ما كان بعض أصحاب الأمزجة الحامية ، يَنظرون حولهم ، فلا يرون بينهم ، من لديه استعداد ، لتحمل كلماتهم الغاضبة ، وعواطفهم الهائجة .. سوى الأخ الحسناوي ـ إذ الآخرون متحفّزون للردّ على مَن يَرفع صوتَه في وجوههم ـ فتوجّه إلى الأخ الحسناوي ، كلمات في غير محلّها..! بعضهم يحمّله مسؤولية ليس مسؤولاً عنها ، وبعضهم يخطّئه ـ متعجّلا ـ في كلمة ، هي عين الصواب ! وبعضهم يلومه على قول كذا ، أو فعل كذا . وربّما كان بعض هؤلاء ، من مستوى تلاميذه ، أو أبنائه ، عمراً ، أو قدراً ، أو علماً ..! وربما رأى بعض الصغار، في توجيه كلمة جافّة ، إلى كهل حليم ، نوعاً من الشجاعة المجّانية..! وربما خامر بعضَهم إحساس غامض ، بنشوة التحدّي العبثية ، كإحساس المراهق الشقيّ ، بأنه يثبت رجولته حين يتحدّى أباه ..! ويظلّ الرجل ساكناً، محافظاً على اتّزانه ، وهدوء أعصابه ، حتى تنتهي الزوبعة ..! فيبدأ بعرض ما عنده ، من رأي ، أو موقف ، أو حكمة ، أو نصيحة ، أو عفو عمّن أساء إليه ، وملاطفة له !  فلا ينتهي المجلس ، إلاّ وقد سادت روح الألفة والمودّة ، واستقرّ الرأي الصحيح الناضج ، في الأذهان ، فيخرج الجميع من المجلس ، وكأنْ لم تحصل مشادّة ، أو شحناء ! حتى إذا اعتذر مِن الرجل بعضُ المخطئين بحقّه ، لاطفَه ومازحَه ، كما يستقبل الأب الحكيم ، مشاعر ابنه المخطئ النادم !

ب- المفارقات بينه وبين مؤسّسات الجماعة :

كثيراً ما يَعرض في مؤسّسات الجماعة ( قيادة..مكتب..جهاز..لجنة ) بعض الطلبات التي يحتاجها عمله ، ويكون محقاً فيها ، لضرورات العمل . فيقابَل طلبه بالرفض ، أو بالتأجيل ـ لا تعمّداً ، بل بناء على موازنة بين الأولويّات ، يجريها الإخوة في المؤسّسةـ  برغم الحاجة الماسّة إليه ، فيسكت محتسباً ، أو يعلق بهدوء ، وهو يضبط انفعالاً مشروعاً: لقد عرضت حاجتي أمامكم ، وأنتم تتحمّلون المسؤولية أمام الله .

 وكذلك الأمر، فيما يتعلق بمناقشة الآراء وتمحيصها ، لبناء موقف ، بشأن قضية ما.فقد كان ، يرحمه الله ، يعرض رأيه بعمق وتأنّ واستقصاء ، ويترك الأمر للآخرين ، لاتّخاذ القرار بالتصويت ، ويلتزم بنتيجة التصويت راضياً ، حتى لو أيقن أن رأيه الذي لم يؤخذ به ، هو الأصوب والأنضج ، والأجدى لعمل جماعته .. مادام الأمر شورى . بينما يصعب على بعض الناس ، من الناحية النفسية ، قبول نتيجة التصويت ، لكنهم يقرّون بها التزاماً ، ويظلون يتحدثون عن آرائهم الصائبة ، التي حجِبت ، والتي لو أخِذ بها لحققت فوائد كثيرة ..!

2- المفارقات بين الآخرين أمامه :

 كان عقله هو الحاضر، في كل موقف أو مأزق ! ولم يكن لهواه ، أو مزاجه الشخصي، تأثير في رأيه ، عندما تناقش أمامه مسألة . ولديه قدرة على التمييز الدقيق ، بين ما هو رأي ناضج ، وما هو رأي فطير! وعلى التمييز بين الرأي ، والشتيمة ، أو الاتّهام والتجريح ..! فكان يبدي رأيه بهدوء وحكمة ، بصرف النظر عن ميله الشخصي ، إلى هذا الفرد أو ذاك ! لأن الرأي أمانة لا يساوم عليها . فهو يشعر بالمسؤولية عن رأيه ، أمام ربّه أولاً ، وأمام نفسه ثانياً ، وأمام جماعته ثالثاً . وحتى لو سمع من بعض الأشخاص ، أصحاب المزاج الحامي ، كلمات غير سديدة ، فإنه سرعان ما يلجأ إلى العفو والمسامحة ، وفي كثير من الأحيان إلى الدعابة ، التي تزيل آثار الشحناء من النفوس.

3- المفارقات بين بعض الأفراد وبين التنظيم :

كثيراً ما يشعر بعض الأفراد ، داخل التنظيم ، بالغبن ، بسبب قرار اتّخذته إحدى مؤسّسات الجماعة . فيأتي إلى الأخ الحسناوي غاضباً مزمجراً ، أو شاكياً متذمراً ، ليناقشه في مظلمته ، ويطالب بحقه الضائع ..! ويكون موقف الأخ الحسناوي معتدلاً ، باحثاً عن حق الأخ ، في كلام الأخ نفسه ، ثم عند المؤسسة التي يدّعي أنها ظلمته . فإذا تبيّن له أن الأخ مظلوم حقاً ، سعى بقدر طاقته ، إلى مساعدته في الحصول على هذا الحق ، وإلاّ اعتذر منه، ونصحه بالتوجّه إلى مؤسّسة أعلى ، لتنصفه . وإذا وجَده متسرّعاً ، أو متوهّماً بأنه مظلوم، بيّن له حقيقة الأمر، ونصحه بالهدوء ، والتزام قرارات جماعته ، والاعتذار عمّا قد يكون بدَر منه ، من إساءة بحقّ الجماعة ، أو بحقّ بعض أفرادها .

 ونقول في الختام : إن مَن لا يعرف طبيعة العمل الجماعي التنظيمي ، قد يرى في كل ما ذكِر، أموراً عادية ، لا ميزة فيها لأحد ! أمّا مَن يعرف الأمور على حقيقتها ، داخل التنظيمات السياسية والاجتماعية ، ويعرف حاجاتها الحقيقية إلى رجال يشكّلون صِمامات أمان، ضدّ التفجّرات الداخلية ، وضدّ الانحرافات الفكرية أو السلوكية.. فيستطيع أن يلمس قيمة رجل مثل الأخ الحسناوي ، في تنظيم ينتمي إليه آلاف البشر، ويعِدّ نفسه لمهمّات جسام ، تنوء بحملها كواهل الرجال !

 رحم الله الأخ الحسناوي ، وجزاه عن جماعته وأمّته خير الجزاء .

ولله درّ القائل :

سيذكرني قوميْ إذا جَـدَّ جِدّهمْ      وفي الليلةِ الظلماءِ يفتقَد البدرُ

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ