ــ
بعض
الرؤساء لم يقرؤوا قصة الراعي
الكذاب
بلال
داود*
في
كتاب القراءة للصف الثالث
الابتدائي ، كان عندنا قصة
،خلاصتها أن راعيا
وقف يوما ، فوق
تل مشرف على القرية ، ومن
ورائه المراعي الخضراء ، وأخذ
ينادي بأعلى صوته ، مستغيثا من
ذئاب تهاجم القطيع ، فترك أهل
القرية أشغالهم وحملوا فؤوسهم
، وركضوا لنجدة الراعي
ونجدة أغنامهم التي في عهدته ،
ولما وصلوا ،
وجدوه مستغرقا في الضحك على
ما فعله بهم ، وكرر فعلته غير
مرة ، وفي يوم جاءه فعلا
قطيع من الذئاب
فجعل يصرخ ويستغيث ، ولكن
أحدا من أهل القرية لم
ينجده ، فقد سبق أن سموه
الراعي الكذاب .
بعض
الرؤساء لم يقرؤوا هذه القصة ،
قلم تصلهم الموعظة ، منهم رؤساء
دول عظمى ، ودول صغرى ، وبين
العظمى والصغرى دول
متمعظمة ( إن صح التصريف) .
الرئيس بوش مثلا ، بعد أن
انفضحت بعض أكاذيبه ، لم يعد
معظم شعبه
يصدقه ، فكان التحول نحو الحزب
الآخر في الانتخابات
البرلمانية الأخيرة ، بالإضافة
إلى ذلك سارع بعض أركانه ، إلى
تكذيب فريته
الفاضحة ، باتهام إيران تقديم
أسلحة للمتمردين في العراق ،
ليسقطوا بها طائراته
، ويقتلوا
جنوده ، فلا طائراته تسقط
بنيران وكلاء طهران ، ولا جنوده
يقتلون على أيديهم ، بل العكس هو
الصحيح ،
إذ يحرم قتال الأمريكان عند
وكلاء طهران ، بينما يحل ذبح
غيرهم .
البعض
يتصور أن هذه
الأكذوبة خطوة
في التهويل وتبرير الحشود ،
لحرب قادمة مع إيران ، والبعض
يقول أن السيد بوش يقدم خدمة
لإيران ، بتحسين صورتها ، في
عيون أبناء المنطقة ، انطلاقا
من نظرية عدو عدوك صديقك
، بعدما انكشف مشروع إيران
الخاص .
مهما
تكن دوافع الكذب عند السيد بوش ـ
و كلها مدانة ـ فقد يجد البعض
عذرا له ، فالتراث الأمريكي
يعظم رعاة البقر (الكاوبوي) ،
الذين يعملون بشكل جماعي ، و
أسلحتهم معهم ، ويحقر راعي
الأغنام ، الذي يعمل بشكل منفرد
.
الرئيس
نجاد مازال يشنف الآذان ،
بمناسبة و غير مناسبة ، أنه
سيزيل إسرائيل من الخريطة ،
مدغدغا مشاعر أبناء المنطقة ،
الذين يعيشون
قمع واستبداد الأنظمة
الديكتاتورية ، التي وعدتهم
بالصمود والتصدي ، قرابة نصف
قرن ، فلم
يجدوا منها
غير الصمود على كراسيهم ،
والتصدي لكل مواطن
حر شريف ، وفي الوقت نفسه
يمضي السيد نجاد في تحقيق
المشروع الإيراني ، الذي
ترقص إسرائيل طربا على أنغامه ،
في العراق ولبنان وفلسطين و
سوريا .
وأثناء
العزف المنفرد الصاخب ، على وتر
إزالة إسرائيل من الوجود ، وبعد
المسابقة العالمية التي أقامها
للرسوم الكاريكاتيرية إنكارا
للمحرقة اليهودية المزعومة ،
لم تعترض دولنه في الجمعية
العمومية للأمم المتحدة على
قرار تجريم من ينكر الهولوكوست .
قد
يجد البعض عذرا للسيد نجاد من
كلماته ، فهو من قال عن نفسه أنه
مجرد بوق ناقل لما يقرره أصحاب
القرار ، وقد يقول قائل أن قصة
الراعي الكذاب كتبت باللغة
العربية ، وهو يقرأ الفارسية ،
وإن كنت أظن وجود نظائر لقصة
الراعي الكذاب
في كتاب كليلة ودمنة .
جلالة
الرئيس السوري ، يوم اعتلى
العرش ، وعد الشعب أن يفرش له
دروب الحياة ، بورود وأزهار
الحرية والديموقراطية ، ووعد
بتبييض السجون من المعتقلين
السياسيين والمفكرين ، ومعتقلي
الرأي ، واستبشر الناس خيرا يوم
أعلن عن تحويل سجن المزة
إلى متحف ، ووعد بإصدار
قانون جديد للأحزاب لفتح المجال
أمام التعددية
الحزبية ، وإلغاء المادة
الدستورية القاضية بأن حزب
البعث هو قائد المجتمع والدولة
، ووعد بأن لا تكون هناك عملية
استفتاء على الرئاسة في الولاية
الثانية ، بل سيكون هناك
متنافسون متعددون على الرئاسة .
وعد
... ووعد ... و وعد !!!!!! ، غير أن أيا
من هذه الوعود لم يتحقق إلا
عكسها ، فازداد القمع ، وتعاظمت
الديكتاتورية ، و زاد عدد
المعتقلين السياسيين والمفكرين
و معتقلي الرأي ، و ازداد طغيان
الأجهزة الأمنية ليتجاوز حدود
الدولة إلى جيرانها ، وازداد
التهجير والحرمان من الحقوق
المدنية ، وإمعانا في قهر الشعب
المسكين ، تم تكريس قيادة الحزب
للمجتمع والدولة ، واختزل الحزب
بشخص جلالة الرئيس ، و هاهو
الاستحقاق الرئاسي للولاية
الثانية على الأبواب ، ولم تحمل
الأرحام بعد ، قانون الأحزاب
ولا التعددية الحزبية ، ولا
يوجد هناك انتخاب ولا مرشحون .
لو
كنت أمريكيا ، لربما استطعت أن
أصدق بعض أعذار السيد بوش ، الذي
وصل إلى الرئاسة بعد اعتلاء
جلالة الرئيس السوري العرش بستة
أشهر ، واستطاع خلال فترة
رئاسية واحدة احتلال دولتين من
وراء البحار.
ولو
كنت فارسيا ، لربما تغاضيت عن
صوت البوق ، وفكرت بسؤال نافخ
البوق ، وربما تغاضيت أمام
التعاظم في بناء دولة نووية ،
لصالح الإمبراطورية الفارسية
.
ولكني
مواطن سوري ، وقد بذلت جهدي فلم
أجد عذرا واحدا لجلالة الرئيس
المناضل ،
فنحن درسنا في بلد واحد ،
والمفروض أننا درسنا نفس
المناهج ، إلا إذا كان نظام
الصمود و التصدي قد غير المناهج
، بعد انتهائي من المرحلة
الابتدائية ، قبل ولادة جلالته
،إمعانا في تفريغ المواطن
منذ طفولته من أي قيمة أخلاقية
إنسانية .
لو
قدر لي أن أعيد صياغة قصة الراعي
الكذاب ، لختمتها بالحزن الشديد
لأهل القرية على خرافهم
التي نهشتها
الذئاب ، وبالندم الأشد
لأنهم لم يغيروا راعي أغنامهم
يوم عرفوه كذابا
.
*كاتب
سوري
Arcan48@yahoo.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|