ــ
ثورة
8 آذار ..أُمُّ 44 (عاما)
بلال
داود*
في
الثامن من آذار 1963 نقضت آخر عرى
الديموقراطية في سوريا ، وانتهى
آخر عهد برلماني ،
وفرض قانون الطوارئ ، عن
طريق انقلاب عسكري شاركت فيه
القوى الثورية المنادية
بالوحدة والحرية والاشتراكية ،
بنفس الترتيب أو بتقديم وتأخير
، كل بحسب ترتيبه للأولويات ، من
ناصريين ووحدويين وقوميين و
بعثيين و
اشتراكيين وماركسيين
....
في
أشهر قليلة تمت التصفيات قبل
النهائية بين الرفاق المشاركين
في الثورة ومحبيهم
ومؤيديهم ، لينتقل إلى الدور
النهائي ، حزبُ البعث العربي
الاشتراكي وحيدا
، وفي التصفيات النهائية التي
استغرقت سبعا عجافا
، تمت فيها تصفية الرفاق
بالرفاق ،
انتهت مقاليد السلطة كاملة
بيد الرئيس الراحل حافظ
أسد لم يشاركه فيها أحد طيلة
ثلاثين عاما
، مما سهّل نقل جميع هذه
السلطات إلى وريثه الشاب
الدكتور بشار
، من خلال مسرحية هزلية
قصيرة أداها مجموعة من
الكومبارس سيئي المستوى ، وبعض
الخياطين الذين أعادوا تفصيل
الدستور السوري الذي سبق أن
فصله الرئيس الأب على مقاسه في
القرن العشرين
، ليناسب
مقاس وذوق الدكتور الشاب
، في القرن الحادي والعشرين
.
وصل
حزب البعث إلى السلطة ، و شعاره
( أمة عربية واحدة ـ ذات
رسالة خالدة ) ، وأما أهدافه فهي
( وحدة ـ حرية ـ اشتراكية ) .
شعار
وثلاثة أهداف ، كلها أو معظمها
مطلب جامع للمواطنين في الوطن
العربي ، وليس في سوريا فقط ،
فمعظم الناس (إن لم نقل جميعهم )
، يحلمون بالوحدة الكبرى بين
أقطاره ، ليعيشوا في كنف دولة
عملاقة قوية متكاملة متماسكة ،
بكل التركيبية النسيجية من عرق
ودين ومذهب ولون
، وخصوصا إذا تحقق الهدف
الثاني وهو الحرية ، التي تكفل
لكل مواطن ،
حرية الاعتقاد و التفكير
والتعبير والحفاظ على تراثه ،
وحرية العمل والتملك والانتقال
والسفر، وحرية تشكيل الأحزاب
والجمعيات والنقابات ...،
ويبقى الهدف الأخير وهو
الاشتراكية محط
خلاف بين مؤيد ومعارض بحسب
تفسير الاشتراكية ، من قائل
بأنها اشتراكية ماركسية
، إلى قائل بأنها اشتراكية
اجتماعية تناسب خصوصية الوطن
العربي ، وقد افتتن الناس فترة
بهذه الكلمة ، حتى الإسلاميين
كتبوا في اشتراكية الإسلام التي
تحقق العدالة الاجتماعية لكل
المواطنين .
اليوم
، والنظام السوري يحتفل بذكرى
الثورة الرابعة والأربعين ،
ويلزم الشعب
بالاحتفال والرقص على جراحه
، يحق
لنا نحن أفراد الشعب السوري
المسكين ، الذين بصمنا بأيدينا
وأرجلنا و ألسنتنا و أعيننا ،
كرها أو جهلا أو طمعا ، على
تنصيب حزب البعث قائدا لمجتمعنا
ودولتنا ، يحق لنا أن نسأل ماذا
أنجزت هذه الثورة
من أهدافها ، التي مازال
النظام يتشدق بها ، وإن زاد
عليها بعض الرتوش مثل الصمود
والتصدي .
الوحدة
: قدمت الثورة عددا من النماذج
الفاشلة للاتحاد الثنائي
والثلاثي والرباعي والخماسي
، لتزرع اليأس في قلوب كل
العرب ، من إمكانية قيام أي نوع
من الاتحاد أو الوحدة ، وفوق هذا
لم تستطع الحفاظ على وحدة
الأراضي السورية ، فالجولان
مازال يرزح تحت نير الاحتلال
الاسرائيلي منذ أربعين عاما ،
وهو ما يقارب عمر الثورة ، ونسي
الناس أن لواء اسكندرون كان
يوما من الأراضي السورية ، فضلا
عن ذلك لم تحافظ على الكودة في
القربى مع
الشقيقة لبنان ، بل أكثر من هذا
لم تتمكن من إقامة علاقة غير
الخصومة والمؤامرات ، مع
نسختها العراقية.
الحرية
: اختزلت الحريات
كلها بحرية الحاكم ، يفعل ما
يشاء من غير حساب ، فيعطي ويمنع
، ويخفض ويرفع
، فقدم نموذجا ليس له مثيل
في الاستعباد و الإذلال والتعسف
والطغيان ، فاق فيه استالين
الاتحاد السوفييتي ، إذ لا يزال
قابعا في غياهب السجون من طال
عمره من الرفاق ، منذ
أيام التصفيات الأولى ،
يضاف إليهم عشرات الألوف
بأعداد تراكمية إلى يوما
هذا ، وترك للمواطن حرية الخيار
بين الانتساب إلى حزب البعث أو
الجبهة التقدمية بقيادة حزب
البعث ،
كما ترك له حرية الخيار بين
التسبيح بحمد الحاكم الذي
استعبده ، أو التهليل له و
التعظيم والتمجيد
.
الاشتراكية
: بدلا من اشتراك أفراد الشعب مع
الدولة في ملكية أدوات ووسائل
الإنتاج والتصنيع والأراضي
الزراعية ،( كما تدعي النظرية
الاشتراكية) ،
فقد شارك أشخاص النظام كل
أفراد الشعب ما يملكون ، ثم آلت
إليهم كل الملكيات ، والمليارات
والمصانع والأراضي ،و
الامتيازات والوكالات التجارية
، وبقي الشعب مشتركا فيما بينه
بالخوف و الفقر والبؤس والتخلف .
أما
شعار العروبة البراق ، فيوشك
النظام أن يكتبه بالفارسية ،
بعد أن دق الأسافين بينه وبين
العرب ، وهو يرتمي في أحضان
إيران ، مطالبا بتحالف
استراتيجي معها .
ثورة...
وحزب ...ونظام ... ومنجزات
أكثر من الحصر في مجلدات ،
فضلا عن مقال ، ليس فيها سطر
واحد يمت إلى الشعارات والأهداف
المعلنة بصلة
من قريب أو بعيد ، فما هي مبررات
الاحتفال بذكرى هذه الثورة ،
بحزبها ونظامها ، بعد أن سقط
القناع من البداية ؟؟؟؟
ثورة
8 آذار خلال أعوامها ال 44 بحزبها
ونظامها ، كانت
أشبه بأمّ أربع وأربعين ، تبث
سمومها لتشويه كل فضيلة
أخلاقية ،
و قتل و إقصاء الأحرار
الشرفاء ،
في ظل قانون الطوارئ الذي حافظت
عليه من يومها الأول ، و رغم ذلك
بقي كثير من شرفاء شعبنا محصنا
ضد سمومها ، ينتج الأمصال
المضادة لها
، ولئن زج النظام
بواكيرهم في السجون عشرات
السنين ، وأعدم
مئات الآلاف منهم ، وهجر
الملايين إلى
أصقاع المعمورة ، فإن شعبنا
استمر في إنبات الأحرار على
الدوام ،
أمثال ميشيل وعارف وجاموس و
العبدالله والبني
و رياض و الغزنوي
و شيخ آلي ، و غيرهم كثير ....
وما يزال .......
*كاتب
سوري
Arcan48@yahoo.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|