ــ
ثورة
الثامن من آذار/مارس والفسـاد
بدرالدين
حسن قربي*
تتكرر
في مثل هذه الأيام ككل عام ذكرى
أليمة ونكدة على السوريين -
يسميها النظام السوري ثورة
الثامن آذار/مارس - تُذَكِّر
الناسَ بيوم نحسٍ مستمر كان منذ
44 سنة، استولى فيه حزب البعث على
السلطة بالقوة العسكرية
الباطشة، وليُؤسِّس نشوء نظامٍ
احتل مراتب متقدّمة على مستوى
العالم قمعاً وديكتاتوريةً
وفساداً.
مايعنينا
في هذه المناسبة العاطلة مآلات
الوضع الاقتصادي العام في سورية
بعد هذه السنين العجاف من حيث
الفساد والإفساد والنهب
والتشبيح. ابتداءً يمكن القول
دون تردد أنه بات للفساد
إمبراطوريات، وغدا له (أباطرة)
عتاولة نجدهم في كل منشآت الوطن
وحاراته وزواريبه لايتركون
شيئاً يفوتهم، يلهطون ويبلعون،
وباتوا نظاماً (مافياوياً)
ممتداً في كل مناحي العمل
والحياة العامة في الدولة حتى
أضحوا أقوى من النظام الرسمي
نفسه، لأن الأخير أمسى تبعاً
للأول أو أن تداخل الإثنين معاً
ووحدة الحال بينهما جعلت منهما
وجهين لعملة واحدة.
امبراطورية
الفساد اليوم باتت أخطبوطاً
ودماً فاسداً مليئاً بالإيدز
يسري في كل عروق النظام العام
وشرايين البلد، لها سياساتها
وخططها ومصطلحاتها وقواعدها
وابتكارتها وتسمياتها
وتربيطاتها، ولها عتاولتها
وفتواتها المتنفذين في الدولة
أمناً وجيشاً وسياسةً
واقتصاداً وإعلاماً وحزباً.
تكلمت
جريدة الثورة الرسمية
وبالمستندات عن إمبراطورية
الفساد والنهب في أكثر من عدد،
وفي كل مرة تتكلم عن قصصٍ أكثرَ
رعباً وأقوى فحشاً من سابقاتها.
ولكنّ حديثها في 21 فبراير
الماضي كان الأبلغ فيما أوردته
خلال الشهر كله، إذ تحدثت عن
الفساد في الجمعيات التعاونية
السكنية في دمشق نموذجاً من
تسخير العمل لمصالح شخصية،
ونهبٍ بمئات الملايين بل
بالمليارات لتصب في جيوب
(بارونات أو هَوَارِين) الفساد
وعتاولته من رؤساء وأعضاء، من
شركاء ومنتفعين ومساندين
ومشرفين، يصح أن يُطْلَقَ عليهم
بامتياز النهابون والحيتان أو
الشفَّاطون و(اللهيطة). وأوردت
عدداً من أسماء هذه الجمعيات
نموذجاً مثل جمعية أرض الأحلام
وجمعية ست الشام و جمعية
القنوات والمنهل.
كما
تكلمت عن فضائح 600 شاحنة
(هيونداي) ووكيلها ومعه العديد
من التجار والمتورطين
والمزورين في الجمارك وغيرها
بمبالغ مالية تجاوزت 25 مليون
دولار ضلت طريقها ولم تذهب إلى
الخزينة العامة للبلد.
ثم عن فضيحة مدير مؤسسة
الاتصالات واثنين من معاونيه
على خلفية مذكرة التفاهم التي
تم توقيعها مع جمعية (بيتكا)
بشأن تطوير وحل مشكلات الانترنت
في وزارة الاتصالات ومن ثمّ
إعفاؤهم من مناصبهم.
الحديث
عن التمثيل للفساد يطول، ويكفي
الإشاره إلى تقرير منظمة
الشفافية العالمية عن مؤشرات
مدركات الفساد لعام 2005 ومقرها
برلين أنه وضع سورية في المرتبة
67 عالميا في انتشار الفساد بين 163 دولة شملتها
الدراسة، ووضعتها في المرتبة 93
لعام 2006 . وللتوضيح،
فإن ارتفاع رقم المرتبة يعني
مرتبةً متقدمة في انتشار الفساد
ومرتبةً متأخرةً في مكافحته،
وهذا يعني أن هنالك زيادة
ملحوظة وكبيرة في معدلات الفساد
من عام 2005 إلى عام 2006 . وبالطبع
مثل هذه التقارير تتحدث عما تم
كشفه من الفساد وليس حجم الفساد
الحقيقي.
وبالمناسبة
حصلت سورية على 2.9 نقطة من أصل 10 في
مجال مكافحة الفساد في القطاع
العام وفقاً لمؤشر مدركات
الفساد 2006 الصادر عن المنظمة
نفسها التي تعنى بهكذا دراسات،
لاسيما أن أبحاثها في كل
البلدان المشمولة بالدراسة
أوصلتها إلى نتائج كثيرة من
أهمها أن الفساد أكبر معوّق
للإصلاح والتنمية لمن يعقلون .
كما
أرجع تقرير منظمة الشفافية
أسباب انتشار الفساد في سورية
إلى أسبابٍ رئيسة متعددة
ومختلفة:
طغيان
السلطة التنفيذية على السلطة
التشريعية، ضعف الجهاز القضائي
وغياب استقلاليته، غياب حرية
الاعلام، ضعف دور مؤسسات
المجتمع المدني، تدني رواتب العاملين وغياب التشريعات
والأنظمة التي تكافح الفساد.
وعلى
الرغم مما تكلم عنه التقرير
العاطل لمنظمة الشفافية التي
يعلم ربنا نواياها ومقاصدها فإن
الدولة- وللأمانة نشهد- أنها
تعمل وتسعى وتحاول في مكافحة
الفساد، ولايمر اجتماع أو مؤتمر
أو تصريح لرئيس الحكومة أو
الحكومة وحتى الرئيس بشار نفسه
إلا وينال الفسادَ بعضٌ من
الكلام والتهديد والوعيد
بملاحقته، واستئصال كل ظواهره
ومظاهره، واتخاذ الاجراءات
الرادعة والحاسمة بحق الفاسدين
والمفسدين والمتجاوزين إلى آخر
هذه المعزوفة.
ولكن
كيف السبيل إلى الإصلاح
واجتثثات فسادٍ بات عمره 44
عاماً واكبت نشأته الثورة
العتيدة، وقويت شروشه من خلالها
وفي أجوائها العامة من إعلان
حالة الطوارئ في البلاد، وتداخل
السلطات الثلاث، واحتكار
السلطة الشمولية لمعظم قضايا
البلد والدولة، وعدم وجود صحافة
مستقلة أو رقابة من منظمات
المجتمع المدني أو لجان
وفعاليات مجتمعية..!؟
ولأن
الفساد الذي بلع البلد وثروات
البلد ليس سببه الرئيس فئة صغار
الموظفين والحرفيين والكسِّيبة
وطبقة العمال الكادحين
والفلاحين، وإنما (مافيات)
كبيرة تبلع وتلهط وتشفط على
الثقيل، وترعى عمليات نهب منظمة
ومحمية لثروات البلد ومقدراته
بحيث باتت من أصحاب المليارات. قراصنة
ونهابون ليسوا في أساسهم ولا
مبتدئهم من أصحاب الثروات ولا
الأموال، ولكنهم خلال العهد
الميمون لثورة البعث وحركة
التصحيح التالية غَدَوا من
أصحاب وملاك المليارات،
ومعظمهم بل كلهم من المتنفذين
والهوامير في السلطة الحكومية
أو الأمنية أو العسكرية.
وبما
أن الحكومة تريد عن حق وحقيقة
محاربة الفساد ومكافحته، وتحب
أن تترك شرف مقارعة الفساد
ومنازلته من اختصاصها، وتحتكره
لنفسها، ولاتريد شراكة أحدٍ من
جمعيةٍ أهلية أو لجنةٍ أو شيء من
مثله، لأنها لاتحب دوخة
الجمعيات والذي منه، من مبدأ
(باب بيجيك منه ريح، سدّه
واستريح)، فهي قد رفضت وترفض حتى
الترخيص لجمعية أهلية لمكافحة
الفساد علماً أن من ضمن
أعضائها برلمانيون وبعثيون
ومستقلون.
ولأنها
لن تستطيع محاربة الفساد أو
مكافحته حتى لو صَحّ منها العزم
وصدقت النية، لأن هذا معناه
نهايتها. فاقتلاع الفساد معناه
اقتلاع النظام الرسمي في البلد
كله، لتجذر الفساد وعصيانه على
العلاج والمعالجة كالغرغرينا
في الجسد التي تعني معالجتها
القطع والبتر. وشاهدنا فيما
نقول شهادة بليغة للدكتور/ سمير
سعيفان رئيس المركز العربي
للتنمية قال فيها: كانت هناك
محاولات من الحكومة لمكافحة
الفساد لكنها باءت جميعا
بالفشل.
إننا
لن نسأل: لماذا..!؟ طالما أنه لم
يُفْصِحْ. ولكننا
على كل حال ننصح الحكومة بأن
تترك كل من جمع ألف مليون دولار
حلالاً أو حراماً وتسامحه مع
كتاب شكر وتقدير من قبيل إن كانت
حلالاً فهي حقه، وإن كانت
حراماً فهو حرامي صغير، وتبدأ
بكل من جمع مافوق هذه الأرقام من
أصحاب خمسة مليارات أو أقل أو
ستة أو عشرة ..الخ وتسأله على
المكشوف: من أين لك هذا.؟ ويجب أن
تكون نيتها صافية نقية غير
خبيثة، وليس هدفها الفضائح –
والعياذ بالله – لأن الكل رفاق
ومناضلون ومُصحِحون وصامدون
وممانعون، بل يكون هدفها كشف
الحقيقة للعمال والفلاحين
والحرفيين وصغار الكسبة (ممن
بشهق ومابلحق)، وممّن قامت
الثورة باسمهم ولايجدون
الأساسيات من عملٍ أو مدرسة
أوخدمةٍ طبية لهم ولعيالهم في
بعض الأحيان وفي بعض المناطق
حسب قول الرئيس بشار نفسه إلى
محطة ال بي بي سي البريطانية. نصيحتنا
أَوْجَزَهَا الدكتور/ سعيفان
بقولٍ بليغٍ أيضاً: يجب أن نبدأ
بمحاربة الفساد الكبير
لأن الفساد الصغير يستظل
بالفساد الكبير.
فإذا
علمنا أن الفساد وامبراطورية
الفساد هما انعكاس لفسادٍ آخر
هو فساد امبراطورية السياسة،
ندرك تماماً عِظَمَ الكارثة
التي لحقت بالبلد في عهد الثورة
والثائرين والصامدين
والمقاومين وحجم معاناة ناسنا
وجماهيرنا الغلابة المقهورين.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|