ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 17/03/2007


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ــ

عندما لا يراك الرقيب في نهارك ....

يأتيك في المنام

الطاهر إبراهيم*

ما نكتبه حول المعاناة التي يجدها أحدنا في علاقته المقلقة مع عناصر أجهزة الأمن، يظنها بعض القراء محض خيال، نستحضرها في مقالاتنا لنزيد القارئ إثارة وتشويقا. ولو اطلع القارئ على ما يعانيه الواحد منا في نومه، وما يجد من أحلام مفزعة لعذرنا. قد ننسى تلك المعاناة في زحمة الحياة، فإذا ما تذكرنا ازددنا سوداوية مع تَذكّر رقيب الأمن وملاحقته لنا ، حتى ونحن  في الاغتراب نكابد مشاق الهجرة مع الأهل والأولاد.

الذي نفد بجلده وهرب خارج بلده من كرباج الرقيب وزنازين المعتقلات، يعتبر ذلك رضى من الله عليه، وأنه وُلِدَ من جديد. كيف لاوقد أعتقه الله من بلاء لا يعرفه كثير من خلق الله في البلاد التي تخف فيها سطوة أجهزة الأمن أوتكاد تنعدم. لم يعد أحدنا في المهجر يستيقظ يوما ما قبل صلاة الفجر على صوت قرع عنيف على أُكْرَةِ باب داره الحديد، وما أن يفتح باب داره العربية، حتى يمتلئ صحن الدار بعشراتٍ مدججين بالسلاح، وكأن داره قلعة من قلاع القرون الوسطى دخلها الفاتحون من ثغرة في سورها الحصين.

في معظم بلاد الله المترامية الأطراف، لا يكاد يجد الإنسان كثيرَ أهمية لهذا الدفتر الصغير الذي غُلِّفتْ أوراقه بجلد ملون أحمر أو أخضر أو كحلي يسمى جواز سفر. أما إنسان الدول القمعية، فإن أقدامه تحفى وجلد بشرته لوحته الشمس من كثرة الوقوف ساعات طوالا أمام إدارة الهجرة ينتظر ساعة الفرج أمام كوة توزيع الجوازات. أماإذا كنت ممن صوفهم أحمر –يكون الصوف أحمر فاتحا أو قانيا تبعا لتصنيفك الحزبي، ويكون داكنا إذا كنت إسلاميا- فلا تتعب نفسك، وارض بعملك المتواضع في بلدك، فليس لك جواز سفر.

في بلاد الغربة رجوعك من قنصلية بلادك فارغَ اليدين لن يحل المشكلة، إذ لا بد من جواز السفر، إلاإذا نويت العيش في دارك رهين المحبسين، خائفا ومن دون عمل، وهو أمر أشق مما يعانيه الذين فشلوا داخل أوطانهم في الحصول على جواز سفر. فأولئك لا يسألهم أحد عن جواز سفر في بلادهم. أما في بلاد الغربة فإنك ستدخل بيتك وقد اربدّ وجهك وتغيرت ملامحك، فتسودّ معيشة أهل بيتك، لأن جواز السفر كالخبز اليومي لا يستغنى عنه. ولا تنتهي معاناتك مع حصولك على جواز السفر بعد معرفة كلمة السر التي تفتح لك الطريق إلى مكتب المسئول الأمني في القنصلية أبي هاني أو أبي مهند أو... غير أن الانعكاسات النفسية عن ذكرياتُ الماضي القريب أو البعيد الذي عشته هنا أو في وطنك ستراها بمنفاك أضغاثَ أحلام يختلط فيها حاضرك بماضيك وبأمور شتى.  

بعد يومك الطويل الذي قضيته في القنصلية تلهث وراء جواز سفر لك أو لأولادك، تعود إلى بيتك لتجد أن أخاك قد هاتَفَكَ وقال إن الأمن العسكري رفض الموافقة على جواز سفر ابنك الذي بلغ الثامنة عشرة. أو أن الأمن السياسي لم يصادق على الوكالة التي أرسلتها له ليبيع دارك ويرسل لك ثمنها لتنفقه على أولادك الذين يتابعون دراستهم الجامعية بعيدا عنك في بلدٍ آخر . وفي ظل حالات الإخفاق هذه لا تجد أمامك إلا فراشك تأوي إليه متعبا مهموما هاربا من واقع مثقل بالهموم، ثم لا تلبث أن تدخل في عالم آخر.

ولأنك مشتاق لوالدتك التي أقعدها المرض، سترى نفسك قرب فراشها تقبل يديها ورجليها. أو تزور قبر والدك تقرأ له الفاتحة، وكان قد توفي يوم كنت معتقلا. أوتزور صديق شبابك وقد أبعدك عنه غيابك خارج القطر. أو تتفقد شجرات الكرز وقد تفتحت أزاهيرها وعطر الجو رائحتها المنعشة. وربما تذكرت وأنت مستغرق في منامك هذا، أنك لا بد ستمر على مخفر الأمن العام على الحدود وأنت عائد من زيارتك هذه، إذ لا بد من ذلك إلا إذا كنت تعتمر "طاقية الإخفاء" وأنى لك ذلك؟ فيعتصر الخوف فؤادك.

وربما يكون قد وصل خبرك إلى سمْع الرقيب – غير العتيد- فتحيط بالبيت الذي أنت فيه مجموعة الاقتحام كالتي جاءت لتعتقلك في ذلك اليوم البعيد القريب. في هذا الجو المشحون بعواطف شتى يأخذ القلق والخوف من نفسك كل مأخذ، فتتسوّر جدار الدار لتلقي بنفسك من علٍ خارج السور من الطرف الآخر للبيت. الغريب أنك لا تحس بآلام السقوط فوق بلاط الشارع، ربما لأن ألم الخوف أشد من ألم السقوط، وربما لأنك في عالم الأحلام حيث لا تجري عليه مقاييس الواقع.

ولسوء الحظ وربما لحسنه، فإنك تتغير في المنام من حال إلى حال فلا قيد يحكم في المنام.   وربما انتقل بك المشهد إلى زنزانة في معتقل، فقلبك معلق دوما ببابها تتوقع أن يأتي خفير ليقول لك جاء الفرج، هيا أخرج عنا ولا تعد إلينا. فإذا صدق حدسك ووصلت باب المعتقل صاح بك خفير آخر إلى أين؟ فتحس أن قلبك قد انخلع من الخوف والرهبة.

عند هذا الحد تتحرك بك غريزة حب النجاة فتجد نفسك، بسرعة الخيال، على الحدود تبحث عمن يدلك على طريق تعبر منه إلى البلد المجاور، من دون أن تمر على مخفر الأمن، فلا ترى أمامك إلا الرقيب، فتحس أن جبلا قد أطبق على صدرك من اليأس، فتصرخ بأعلى صوتك: يا رب ... فتفتح عينيك على يد زوجتك تربت على وجهك بحنان وهي تقول بسم الله الرحمن الرحيم، وترقيك بالمعوذتين. فتتعوذ بدورك بالله الرحمن الرحيم من الشيطان الرجيم ومن شر الرقيب، وأنت تتمتم موجها كلامك الهامس لخياله الذي يرفض أن يخلي سبيلك حتى في منامك: أما زلت ورائي حتى في بلاد الغربة؟!

*كاتب سوري

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ