ــ
ومضات
محرّضة (14):
سورية
الوطن.. بين شوفينية البعث
وشوفينية
بعض الإخوة الكرد..!
عبد
الله القحطاني
(إخواننا
الكرد في سورية اليوم ، لا يرون
وطنهم ومواطنيهم ، إلاّ من خلال
الأفكار الشوفينية ،
والممارسات القمعية ، للرفاق
المتطرفين ، في حزب البعث..!).
1- تلك هي
المسألة ، وهاهنا تكمن عقدة
الإخوة الأكراد تحديداً !
• لهم
تاريخ طويل في الزعامات السورية
، بشتّى أنواعها ، السياسية ،
والعسكرية، والأمنية ،
والإدارية .. من أعلى المستويات
إلى أدناها , منذ بدايات عهد
الاستقلال حتى اليوم!
• عاشوا
في سورية قروناً ، في خلطة تامّة
مع أبناء الشعب السوري ، وتعايش
تامّ، ومصاهرة ، وقرابة ،
ومشاركة ، وجيرة ، وصداقة ،
وزمالة .. دون أن يحسّ الكردي ،
أنه كردي في مواجهة عربي ، ولا
العربي ، أنه عربي في مواجهة
كردي..!
• لو
سئل أي مواطن سوري عادي ، عن
العرق الذي ينتمي إليه رئيس
الجمهورية فلان، أو رئيس
الوزراء فلان ، أو رئيس أركان
الجيش فلان ، في أيّة مرحلة من
مراحل التاريخ السوري الحديث ،
لحكّ جبهته بهدوء ، وقال : لا
أدري !
• ولو
سئل أيّ طالب ، في أيّة جامعة أو
مدرسة سورية ، عن قومية المدرس
الذي يدرسه المادّة الفلانية ،
لأجاب : لا أدري !
• ولو
سئل أيّ موظف ، في أيّة دائرة
رسمية ، عن العرق الذي ينتمي
إليه رئيسه المباشر، أو الرئيس
الأعلى للدائرة كلها ، لأجاب :
لا أدري !
• ولو
طلِب اليومَ ، من أيّ مثقف جامعي
، أن يذكر أسماء خمسة رؤساء
جمهورية سوريين ، وخمسة رؤساء
وزارات ، ويذكر مع كل منهم العرق
الذي ينتمي إليه ، لعجز عن
الإجابة ، لأن الشعب السوري
مختلط ، ممتزجة أعراقه ،
متقاربة ملامحه وأخلاقه ! وقد
يستطيع الحدس والتخمين ، من
خلال بعض الأسماء التي فيها
أحرف غير عربية ، والتي فيها ما
يدلّ على أصل قديم غير عريي ..
أنها ربّما كانت لشخصيات ذات
أصل غير عربي ، دون إقامة أيّ
وزن ، لهذه الأحرف والأسماء
والأصول القديمة !
• ليس
ثمّة مدينة في سورية ، أو بلدة ،
إلاّ فيها أكراد. ولا يعلم
الكثيرون مِن أهلها أنهم أكراد !
• المناطق
التي تسكنها أكثرية كردية ،
يتكلم سكانها اللغة الكردية ،
دون أدنى إحساس بالحرج .
• في
المجالس المختلطة ، والأسواق
المختلطة ، يتكلم الأكراد فيما
بينهم ، باللغة التي يرغبون ،
دون خوف من أن يكون مواطنوهم
العرب ، يتذمّرون من اللغة غير
العربية التي يسمعونها .
وكثيراً ما يترجم بعض الأكراد ،
لجلسائهم ، الكلام الذي تمّ
تداوله باللغة الكردية ، دون أن
يشعر أيّ من الحاضرين بالحرج ،
سواء أكان عربيا أم كرديا..!
2- كان هذا قائماً في سورية كلها ،
بالأمس البعيد والقريب !
3- وهو قائم اليوم في أكثر مناطق
سورية ( على المستوى الشعبي
تحديداً ).
4- الحماقات الإجرامية ، والجرائم
الحمقاء ، التي مارسها الرفاق
المناضلون ، من متطرّفي البعث ،
في بداية عهد الثورة البعثية
الميمونة ! عام /1963/، تجاه فئات
الشعب السوري كلها ، لاسيّما
الإخوة الكرد ، بدأت تشكّل
مناخاً نفسياً جديداً ، لدى
شريحة واسعة، من أبناء الأقليات
العرقية عامّة ، وأبناء الكرد
خاصّة ( مع ملاحظة هامّة لا تخفى
على أي متابع ، مهتمّ بالشأن
السوري ، منذ تلك
الفترة إلى اليوم ، وهي أن
الذين استلموا السلطة البعثية
(الآذارية !) وصاروا يمارسون
عسفهم ، ضدّ أبناء الشعب عامّة ،
وأبناء الأقليات العرقية خاصّة
، هم من أبناء الأقليات
الطائفية والمذهبية في البلاد..!
وهذا مدوّن في مذكّرات عدد من
قادة البعث ، كما هو مدوّن في
كتابات بعض الباحثين الأجانب ،
الذين كتبوا دراسات جامعية عن
سورية ، في مرحلة ما بعد
الاستقلال. ومن أبرز هؤلاء
الباحثين ، الكاتب البريطاني (
باتريك سيل ) والكاتب الهولندي
(فاندام).
5- الحماقات الإجرامية البعثية ،
ضدّ الكرد ، انصبّت ، بمجملها ،
على أكراد الجزيرة السورية ،
الذين عدَّهم الرفاق أجانبَ ،
وحرموهم من الجنسية السورية ،
ومن أكثر حقوق المواطنة
المرتبطة بها ، وأولها حيازة
وثائق رسمية ، تثبت جنسيتهم ،
وتمنحهم ما يترتب عليها ، من
علاقات اجتماعية ، وأنشطة علمية
وثقافية ، ونحوها ، من حقوق
العمل والسفر والتملك..).
6- المناخ النفسي والاجتماعي
والاقتصادي البائس ، المتولّد
عند الإخوة الكرد ، من جرائم
الرفاق ، وجَد مَن يستغله ،
ويغذيه بالأحقاد ، والأفكار
المتطرفة ، في الاتّجاه المضادّ
، مع توسيعه لدى بعض فئات الكرد
، ليشمل العلاقة العربية
الكردية برمّتها ! وكان أكثر
المتبنين لحقوق الكرد ، هم من
الفئات العلمانية الشيوعية،
والشوفينية الكردية!
7- بدلا من أن تكون قضية الكرد ،
قضية حقوق مسلوبة ، لفئة
اجتماعية من أبناء الوطن، في
زمان ما ، ومكان ما ، وفي ظل حكم
شاذّ معيّن .. صارت قضيةَ شعب
مضطهد ، له صفاته الخاصّة ،
وشخصيته المميزة ، وتاريخه
العريق الخاص ، المستقل عن
تاريخ شركائه في الوطن والمصير!
8- أثرت النزعات القومية ، ونزعات
التفكيك ، التي صنعتها
الصهيونية العالمية،
والاستعمار الأمريكي الجديد ..
أثرت في توجه القوى السياسية
الكردية ، التي تبنت قضية الشعب
الكردي ، فصار هؤلاء يطرحون
مشروعات ضخمة واسعة للكرد ،
ويغذون أجيالهم بطموحات عريضة ،
تتعلق بإنشاء دولة كردية خاصّة
، ملتحمة بدولة كردستان الكبرى
، التي تشمل الأكراد في أربع دول
متجاورة ، هي : العراق ، وإيران ،
وتركيا، وسورية !
9- صناعة الأحلام الوردية العريضة
، من خلال الشعارات التجارية
البراقة ، ثم تزيينها وتقديسها
وعبادتها .. انتقلت من تجار
الشعارات الشوفينيين العرب ،
إلى تجار الشعارات الشوفينيين
الكرد !
10- حين وصل بعض الشوفينيين العرب
، إلى السلطة في بلادهم ، عبر
شعاراتهم، اختلفت أساليب
تعاملهم مع شعاراتهم ، من دولة
إلى أخرى ، حسب حال الزعماء
الثوريين ، الذين اغتصبوا
السلطة ، في كل دولة : فمنهم مَن
(مَـيّع) شعاره حتى لم يعد يبدو
من ملامحه الأصلية شيء ! ومنهم
مَن طور شعاره ، ليتناسب مع
المرحلة الجديدة التي هو فيها ،
والتي تقتضي تركيز جهوده كلها
للمحافظة على السلطة ، من أجل
تحقيق الشعارات ! فصارت السلطة
هي الوثن الحقيقي
، للحاكم في دولته ! وظلّ الشعار
الوثن غطاء تجارياً ، فكرياً ،
فلسفياً ، غامضاً .. يرفعه
الحاكم لتعزيز احتفاظه بالسلطة
!
11- القوميون الذين لم يصلوا إلى
السلطة ، اختلفت بهم السبل ؛ إذ
خابت آمال بعضهم، فتخلوا عن
شعاراتهم ! وبعضهم سجّـل تجاربه
المرّة في مذكرات خاصّة ،
وانزوى في بيته يجتر ذكرياته !
وبعضهم ما يزال يمضغ شعاراته ،
لأنه لا يجد غيرها !
12- تجربة الكرد في العراق ، هي
النموذج الوحيد ، الذي يتطلع
إليه أكراد سورية وغيرهم ، على
مستوى التجربة القطرية !
والفروق كبيرة جداً ، بين واقع
الكرد السوريين على الأرض ،
وواقع الكرد العراقيين .. من حيث
الكثافة السكانية ، والتوزع
الجغرافي، والتجربة الطويلة في
الصراع ، الخاصّ بكرد العراق ،
والذي لا يمكن للكرد السوريين
إعادة إنتاجه في سورية !
13- على مستوى الطموحات القومية
العليا الواسعة ( الأحلام
العريضة) بإنشاء دولة كردستان
الكبرى ، يبدو الأمر أقرب إلى
الوهم المستحيل ، منه إلى الحلم
الممكن ، من الناحية العملية
الموضوعية ، في الظروف المحلية
، للدول التي يتمركز فيها الكرد
، وفي الظروف الإقليمية ، وفي
الظروف الدولية الراهنة ..!
14- دولة إسرائيل التي قامت على
أساس قومي ديني ، جاءت نتيجة
لحربين عالميتين: كثف اليهود
هجرتهم بعد الحرب العالمية
الأولى ، برعاية دولة الانتداب
البريطانية.. وأعلنوا قيام
الدولة ، بعد الحرب العالمية
الثانية ، بدعم دولي قوي ، من
الدول المنتصرة في الحرب ،
المهيمنة على قرارات العالم ،
عبر مجلس الأمن وغيره !
15- الظروف المحلية والإقليمية
والدولية ، التي خدمت إسرائيل ،
وأتاحت لليهود إمكانية إنشاء
دولتهم ، ليس ثمّة واحد منها ،
فيما يتعلق بقيام الدولة
الكردية .. بل إن الظروف القائمة
، معاكسة لأحلام الكرد تماماً !
16- عودة الإخوة الكرد ، إلى روح
وطنيتهم السورية ، بسائر
مفرداتها وتفصيلاتها الإيجابية
، المذكورة أعلاه ، والتي سادت
العلاقة ، بينهم وبين إخوانهم
العرب ، قروناً عدة ـ مع تحصيل
بعض الحقوق الثقافية
والاجتماعية الخاصّة ـ .. أكرم
لهم ، وأكثر قابلية للتحقق ،
وأقلّ جهداً ، وأقلّ خداعاً
للنفس ، وأقلّ انخداعاً
بالشعارات البراقة ، التي جعل
منها تجار السياسة أوثاناً
مقدّسة ، كأوثان التجار العرب ،
المشار إليهم آنفاً ، والذين
تبدو اليوم ملامح تجارتهم على
الأرض جليّة ، في حياة الشعوب
والأوطان ! وإلاّ ، هل يستطيع
ساسة الكرد ، الذين يحملون
الشعارات العريضة البراقة ، أن
يقنعوا عشرات من سكان أية مدينة
سورية ، بترك مدينتهم ،
وأعمالهم ، وبيوتهم .. ليهاجروا
إلى الدولة (الحلم) في الجزيرة
السورية !؟ وإذا لم يستطيعوا ،
فماذا يفعلون بالأكثرية
الساحقة ، من أبناء الكرد ،
الموزعة في سائر المدن السورية
، التي ترفض مشروعهم ، بل تقاومه
!؟
17- ويبقى السؤال الأخير، مطروحاً
على عقلاء الإخوة الكرد : هل
مشكلتكم هي مع سورية ، الوطن
والشعب ، أم هي مع مجموعة متطرفة
منحرفة من الحكام ، أفسدت
البلاد كلها ، وظلمت الشعب كله ،
وأنتم جزء أصيل من الشعب
المظلوم ، وجزء أصيل من القوى
الشعبية ، المطالبة بتحرير
الوطن ، من الاستعمار البشع ،
الذي تمارسه عصابة الحكم عليه ،
وعلى أهله.. وإعادته إلى أبنائه
جميعا !؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|