ــ
لقطة
" اعتصامية "
دكتور
عثمان قدري مكانسي
في أمريكا يتظاهر الناس معبرين
عن مخالفتهم لتوجهات الإدارة
الأمريكية ، ويسيّرون الحشود
الضخمة مستنكرين كثيراً أو
بعضاً من تصرفات الإدارة دون أن
يخافوا اعتقالاً أو صداماً
مسلحاً أو مطاردة عنيفة
للمتظاهرين ...
بل إن الحكومة تسيّر مع هذه
الحشود بعض المؤسسات الخدمية
للحفاظ على صحة المحتجين وإسعاف
من يسقط منهم وهو يهتف ، أو
لمعالجة بعض الحالات الطارئة
لمواطنيهم المحتجين .
يستمعون إليهم حين يقيم هؤلاء
السرادقات يخطبون فيها ،
ويقدمون بعد ذلك مطالبهم ،
فيتلقفها المسؤولون باحترام
سواء رضوا بها أم رفضوها .
وفي أوربا تنطلق المظاهرات تُسقط
وترفع ، وتصرخ في المسؤولين
وتطالب ، والشرطة من حولهم
يحرسونهم ، ويحافظون على أمنهم .
ويطمئن المحتجون أنهم سيعودون
إلى بيوتهم آخر المطاف دون أن
يعترض طريقهم أحد ، أو أن يضربهم
معتد ، أو يسيء إليهم مسيء .
في سورية المقهورة يتوجه
المتظاهرون والمحتجون إلى مكان
الاجتماع الذي تنادَوا إليه ،
فلا يصل إليه أحد ..!
لماذا يا ترى ؟ هل ضلوا
الطريق ؟ أو فقدوا البوصلة ؟ أو
تغير مكان الاعتصام ؟ أو حصل شيء
آخر لم يكن في الحسبان ؟ أو كان
ولكن أصر المعتصمون
والمتظاهرون على تحديه أو
تناسيه ؟!
تعالوا نوجه الكاميرا إلى مكان
الاعتصام وما حوله وإلى الشوارع
المؤدية إليه لنستجلي الأمر ثم
نصدر الحكم دون الوقوع في الخطأ
، فالوقوع في الخطأ ظلم فادح
للنظام الأمني الظريف !! في دمشق
" المناضلة " واعتداء على
لطافته التي اعتاد عليها
المواطنون زهاء نصف قرن من
الزمان ...
الشرطة السرية والأمن بأنواعه
الأربعة عشر – ولا أدري أزادت
هذه الأنواع أم لم تنقص ! تحيط
بمكان الاعتصام إحاطة السوار
بالمعصم أو قل – بشكل عفوي –
إحاطة الحديد البارد بجسم
الضحية المعتـَقـَل ، ينظرون في
وجوه القادمين يتفرسون فيهم ،
أهم يا ترى معتصمون أم هم من
غيرهم؟ ثم يضطرون – للتخلص من
الإشكال – فيمنعون المارين من
موظفين ومراجعين وسكان من
اجتياز هذا المكان كي يتفردوا
بالمقصودين في هذا اليوم الأغر
الذي يثبت فيه هؤلاء الجلاوزة
انتماءهم وولاءهم للنظام وخدمة
المتنفذين الشرفاء ! الذين
يسهرون على مصالح العباد ويسعون
إلى خدمتهم بكل أنواع الشدّة
والغلظة والتكبيل والتقييد . ..
ويتابع المتفرسون في الوجوه
والمتصنتون المتصيدون للحديث
والهمهمات عملهم بهمة ونشاط ،
فيمنعون من وصل إلى المكان على
الرغم من الحواجز والتفتيش أن
يبقى واقفاً – وهذا قبل أن
يلتقط هؤلاء أنفاسهم ويجتمعوا
– وذلك بالمصارعة الحرة يقوم
بها متخصصون بهذا الفن ، يُلقون
القادمين أرضاً .. ثم يأتي دور
آخرين مهمتهم الضرب بالعصي
الكهربائية والصعقات
الكهرامغناطيسية كي ينشطوا
ذاكرة من وقع أرضاً فيسمع بعد
ذلك أمرين اثنين مهمين جداً ..
أما أولهما فالسباب والشتائم
المنتقاة بدقة وعناية تستفز
النائم وتصيب اليقظان بالجلطة ،
فهي شتائم – من تحت الدست – تدل
على أدب قائليها وعظم أخلاقهم .
وأما ثانيهما فمنطلق من جوقات
منتشرة هنا وهناك تسبح بحمد
النظام ترفع عقيرتها بتعداد
المآثر الراقعة ، عفواً الرائعة
للنظام بـ " سيمفونية "
أسدية تذكرنا بأنكر الأصوات
التي ذُكرت في القرآن الكريم !!.
ثم يُنقل المتظاهرون – بكل أدب
واحترام ! – إلى زنزانات عشر
نجوم ،
يقوم على خدمتهم رجال أرق من
النسيم ، يذيقونهم الكرَم
العظيم! ..
كما أن من لم يصل المكان اختطفته
الأيادي الرحيمة إلى السيارات
الفارهة ! فيحشرونهم فيها براحة
وكياسة ! ليوصلوهم إلى بيوتهم من
الطرف الآخر من المدينة مشياً
على الأقدام ، بكل أدب واحترام
،ودون جدل ولا خصام .
كما أن هؤلاء وإن فاتهم كرم
الضيافة هذه المرة فإن أسماءهم
دوّنت في المفكرة ليقوم القوم
الكرام !! بزيارتهم كل حين وأوان
،أو يستقدموهم لزيارتهم بين حين
وآخر مع فركة أذن ، واحمرار عين .
أو ابتسامة صفراء من وجه قبيح
يذكرنا بالآية الكريمة "
طلعها كأنه رؤوس الشياطين
".....
هذا أقل ما يجري في الداخل مع
أصحاب الكلمة الحرة والرأي الحر
، فماذا فعل وزير خارجية النظام
مع ضيفه البلجيكي الذي تجتمع
المعارضة السورية على أرضه ؟
إنه لم يستطع أن يهضم تصرف
البلجيكيين في السماح للمعارضة
السورية أن تجتمع في عاصمتهم
بروكسل ، فما كان من وليد المعلم
إلا أن صرخ في وجه وزير خارجية
بروكسل الضيف قائلاً : نبيع
ورقتنا للأمريكيين وليس
للأوربيين . ..!!
فغادر الضيف دمشق المحروسة وهو
في غاية الاستياء من الأدب الذي
أفاضه عليه مضيفه الألمعي ..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|