ــ
ومضات
محرضة (16) :
أوبئة
العصور كلها ، أقـلّ بشاعةً
من
حاكم مستبدّ واحد!
( وما تفعله أسرة آل أسد في سورية ، نموذج
صارخ ، في الدلالة على ذلك !).
عبدالله القحطاني
1-
الاستبداد مستنقع بشع ، ويل
لشعب يبتلى به ، ثم يغفل عنه ، أو
يتمهّـل في تطهيره..!
•
إنه أشدّ بشاعةً من أوبئة العصور كلها ،
وأشدّ خطراً من حشرات الأرض
السامّة جميعاً ، وأقسى ضراوة
وافتراساً ، من وحوش الغابات
قاطبة..!
•
كل أوبئة الأرض الفتاكة ، التي مرّت على
البشر، في عصورهم المختلفة ،
أقـلّ سوءاً من الاستبداد !
السلّ ، والطاعون ، والجدري ،
والكوليرا ، والتهاب السحايا،
والتهاب الكبد الفيروسي ،
والملاريا ، والأيدز ، والسرطان
.. وكل ما يمكن أن يخطر في بال
الإنس والجنّ ، من أوبئة مدمّرة
جائحة ، أقـلّ ضرراً على
الشعوب، وفتكا بها ، وسَحقاً ،
ومَحقاً ، وتشويهاً لكيانها ،
وتدميراً لبلادها ، وتضييعاً
لمستقبلها، وتحطيماً لحضارتها
، ومَسخاً لتاريخها ... من حاكم
مستبدّ واحد ، يَجعل نفسَه
إلهاً لا رادّ لكلماته (لا
يـُسأل عمّا يفعل !) وهو ( فعّال
لِما يريد !) .
•
وكل حشرات الأرض السامّة ، من أفاع ، وعقارب
، وعرابيد .. وكل وحوش الغابات
المفترسة ، من ذئاب ، وأسود ،
ونمور، وفهود ، وضباع ، وثعالب ،
وخنازير.. ومعها كلاب الكون
المسعورة جميعاً .. لا تفعل
بأمّة ، أو بشعب ، ما يفعله
الحاكم المستبدّ المتجبّر..!
2- لماذا !؟
- لأن
الأوبئة والحشرات والوحوش ،
واضحة الضرر للجميع ، يخشاها
الجميع ، على أنفسهم وأولادهم
وأقاربهم ، فيهبّون كلهم ،
لمقاومتها !
- لأن الأوبئة والحشرات والوحوش ،
لا تفرّق بين الناس ، فتقرّب مَن
ينافق لها ، وتقدّم له
الإغراءات ، ليظلّ عبداً ذليلاً
، خانعاً لها ، تستخدمه ضدّ
الآخرين ، من أبناء وطنه، الذين
لا ينافقون ، ولا يتزلفون ، ولا
يبيعون أنفسهم ومصائر أوطانهم ،
بأيّ ثمن غال أو زهيد !
- لأن الأوبئة والحشرات والوحوش ،
لا تملك ألسنة تكذب بها على
الناس ، وتزعم لهم أنها تريد لهم
الخير ، وأنها ماجَثمَت على
صدورهم ، إلاّ من أجل مصالحهم ،
ومصالح أجيالهم وأوطانهم ، ومن
أجل تحرير أراضيهم ، التي
اغتصبها أعداؤهم ..!
- لأن الأوبئة والحشرات والوحوش ،
ليس لديها وسائل إعلام ، تسبّح
بحمدها ، صباحَ مساءَ ، وتهتف
لها ، وتصفق ، وتزيّن فسادها ،
وظلمها ، وتسلّطها ، واستبدادها
، وتحكّمها بأعناق الناس
وأرزاقهم ، وتجعل هذه البلايا
كلها ، نعماً ربّانية ، مَنّ
الله بها على عباده ، أبناء
الوطن الذي يتحكّم بمصيره
حاكمهم التقيّ البرّ العادل !
- لأن الأوبئة والحشرات والوحوش ،
تتسلط على أجسام البشر وحدَها ،
ولا تَسعى إلى تدمير عقولهم
وقلوبهم ، وتزييف وعيهم
وإرادتهم ، وخنق حريّاتهم ،
وهدر كراماتهم، وتحطيم
شخصياتهم بالرعب الحادّ
والمزمن ، الذي يمسخ الكيان
الإنساني ، ويجعله أقـلّ قيمة
وقدراً وتماسكاً ، من أيّ حيوان
متوحّش أو أليف !
- لأن الأوبئة والحشرات والوحوش ،
لا تسرق أموال الناس الخاصّة
والعامّة ، وتنهب ثروات البلاد
، وتكدّسها لحسابها في المصارف
الأجنبية ، وتنشئ بها شركات
ومؤسّسات خاصّة ، وتترك أهل
البلاد يتضورون جوعاً ، ثمّ
يدفعهم الجوع ، إلى التخلّي عن
الأخلاق الفاضلة ، بمدّ الأيدي
إلى الأموال الحرام ، من رشوة ،
وسرقة للمال العام ..! أو يدفعهم
إلى هجر الأوطان ، بحثاً عن لقمة
العيش الكريمة الحلال !
- لأن الأوبئة والحشرات والوحوش ،
لا تتعمّد إفساد الأخلاق
والمروءات لدى الناس، ولا
تتعمّد إثارة الأحقاد
والعداوات بينهم ، ولا تسخّر
بعضهم ليتجسّس على بعضهم الآخر،
ويقدّم فيه تقارير ، تؤدّي إلى
حبسه ، وتدميره في السجن
بالتعذيب والأمراض ، وبتحطيم
العقل والإرادة والكرامة ..!
- لأن البلايا المذكورة آنفاً ،
لا تبيع الأوطان للأعداء ، لقاء
مال أو منصب ، ثم تدّعي أنها
تشكّل جبهة مضادّة لهؤلاء
الأعداء ، وأنها ستحرّر منهم
ثرى الأوطان ، وتحرّرمن هيمنتهم
إرادة الإنسان !
3- والغريب الشاذ (اليوم) :
أن
الناس يهبّون جميعاً ، للتصدّي
للبلايا المذكورة آنفاً ، وهي
لا تعدل شيئاً ، بالقياس إلى ما
يفعله الاستبداد ، بالشعوب
والأوطان ، وما يتسبّب به ، من
عاهات نفسية وفكرية مزمنة ،
للبشر، تستمرّ
إلى ما بعدَ رحيله ، سنواتٍ
طوالاً.. وربما تنتقل إلى
أحفادهم ، وأحفاد أحفادهم ..!
أمّا أخطر وباء ، فيمكن أن يفتك
بجيل واحد ، لا يتعداه . وغالباً
ما ينحصر ضرره في منطقة واحدة ،
أو اثنتين ، من مناطق الدولة
التي يمّر بها.. ولا يوغِل رعبه ،
وفساده ، وتشويهه للكيان البشري
..في نفس كل صغير وكبير، من أبناء
البلاد !
ونقول :
إن مسلك الناس هذا ـ في التصدّي
للبلايا الأقـلّ ضرراً ، وتركِ
الطغيان الأخبثِ والأشدّ فتكاً
ـ غريب اليوم (اليوم .. تحديداً !)
لأن الناس عرفوا اليوم ، من
جرّاء منجزات العلم ، وانتشار
المعلومات ، وزيادة الوعي .. ما
لم يكن يعرفه آباؤهم وأجدادهم ،
من الكوارث والمصائب التي
يسبّبها الطغيان والاستبداد !
4- فما السرّ !؟
ربّما
زعم بعض المنظّرين ، أن السرّ
يكمن في قوّة التحالف الجديد ،
بين شياطين الإنس ، من سادة
العالم الجدد ، ووكلائهم
المحلّيين في بلادنا ، وإحكامِ
التعاون على توظيف وسائل
التوعية الحديثة ، في تشويه
الوعي الجديد ، الذي اكتسبه
الناس من وسائل التوعية الحديثة
نفسِها ! إذ لم تبقَ مـُوبِقة
خلقية ، أو فكرية ، أو نفسية ..
إلاّ دخلت كل بيت ! فصار
الكذّابون ، من ساسة وإعلاميين
، ومهرّجين ، وفقهاء مزيّفين ..
هم قادة الفكر والتوعية ! وصار
كتّاب السيناريوهات ، ومخرجوها
، وممثلوها.. هم قادة التربية
النفسية والخلقية ! وصار
المثقفون والكتّاب والأدباء ،
المتزلفون المنافقون .. هم قادة
الثقافة والأدب والإبداع ، وهم
الذي يعلّمون الناس ، كيف يصل
المنافق المتزلف، الوصولي
الرخيص .. إلى المناصب العليا ،
وينال الجوائز السخيّة ، وكيف
يـُحرَم الحرّ الشريف ، صاحب
المبدأ والكرامة ، حتى من حقوقه
الإنسانية ، العادية البسيطة ..
بل يحاصَر في كلمته ، ورزقه ،
وقوت عياله .. بل يتعرض للسجن ،
والإهانة ، والنفي، والقتل ..
بسبب تمسّـكه بالمبادئ والقيم
النبيلة !
5- فمَن يتحرك لتطهير المستنقع
الآسن البشع !؟
الإجابة
على هذا السؤال ، متروكة لقادة
الشعوب ، الذين نَدبوا أنفسهم ،
لإنقاذ أنفسهم وشعوبهم
وأوطانهم ، مِن بلاء الاستبداد !
وكل منهم يتحمّـل مسؤوليته ،
أمام ربّه ، وأمام نفسه ، وأمام
شعبه ..! كلّ في موقعه الذي هو فيه
، قائداً سياسياً كان ، أم
زعيماً شعبياً ، أم ناشطاً
نقابياً ، أم وجيهاً اجتماعياً
، أم زعيماً قبلياً ، أم كاتباً
، أم مفكّراً ، أم منظّراً ، أم
تاجراً ، أم ضابطاً يحترم شرفه
الشخصي والعائلي ، وشرفه
العسكري ، أكثر من احترامه
للنجم النحاسية المتلامعة على
كتفيه ، والتي يَصنع الرجال
قيمتَها ، ولا تصنع هي قيمة
للرجال !
ولكل
أجل كتاب .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|