ــ
اقترعوا
أو قاطعوا .... الأمر سيان، فنحن
ناجحون!
الطاهر إبراهيم*
تصر البعض من أنظمة الحكم
العربية على إظهار نفسها على
أنها أنظمة ديموقراطية، فتدعو
كل أربع سنوات إلى تجديد
مجالسها النيابية. وفي نهاية كل
دورة من دورات تلك المجالس، تدب
الحركة عند من يهتم لهذا الأمر
ترشيحا وانتخابا، استعدادا
للدورة الجديدة. ومع التأكيد
على أن القضية لا تبعد كثيرا عن
الشكل الخارجي للعملية
الانتخابية إلا أنها لا تكاد
تقترب مما يحصل في الدول
العريقة ديمقراطيا إلا في عدد
محدود من الدول العربية. مقاربة
هذا الاستحقاق تختلف بين دولة
وأخرى. ورغم هذا الاختلاف في
المظهر، فالنتائج تبقى متقاربة
إلى حد بعيد وهو عدم تمثيل الشعب
على الحقيقة في تلك المجالس
المنتجة، (بالجيم بعد التاء لا
بالخاء بعد التاء).
ففي مصر يدعى الناخبون كل أربع
سنوات لانتخاب مجلس نيابي جديد.
وقد كانت وزارة الداخلية في عهد
الرئيس حسني مبارك تبتكر وسائل
مختلفة لإبعاد المعارضين -
خصوصا جماعةَ الإخوان المسلمين-
عن مجلس الشعب. ولأن هذه الوسائل
كثيرا ما كانت تصطدم مع الدستور
المصري، فقد تم حل عدة مجالس
نيابية بعد انتخابها بعد أن
طُعن فيها دستوريا أمام القضاء
المصري. ورغم محاولات وزارة
الداخلية لإسقاط مرشحي الإخوان
المسلمين، منها منع الناخبين من
الوصول إلى صناديق الاقتراع،
فقد استطاع بعض المرشحين اجتياز
الحواجز والوصول إلى مجلس الشعب
المصري. وقد سجلت الانتخابات
المصرية الأخيرة أن رئيس اللجنة
العليا للانتخاب أعلن نجاح مرشح
الحزب الوطني الدكتور مصطفى
الفقي الكاتب المعروف والوزير
في عدة حكومات، مع أن قاضي
الدائرة الانتخابية كان قد أعلن
،قبل ذلك، فوز منافسه الإخواني
عليه.
في سورية ما كانت وزارة الداخلية
بحاجة إلى تزوير الانتخابات كما
كان يحصل في مصر ،لسبب بسيط هو
أنه في سورية يتم ابتداء -قبل
إجراء الاقتراع- حجز ثلثي مقاعد
أعضاء مجلس الشعب لصالح حزب
البعث وأحزاب الجبهة التقدمية
المنضوية تحت جناح النظام، تم
النص على ذلك في قانون الانتخاب.
هذا "الحجز" لا يتم في
الظلام بل في ضوء النهار. حيث
يخصص نصف عدد المقاعد لحزب
البعث وسدسها لأحزاب الجبهة
التقدمية، أما ثلث مقاعد مجلس
الشعب الباقية فتطرح للاكتتاب
عليها من قبل مستقلين يتنافسون
من خارج أحزاب الجبهة. وضمن هذا
الإطار فإن ثلثي مقاعد مجلس
الشعب السوري يكون الاقتراع
عليها تحصيل حاصل، لأنها حسمت
عن طريق التعيين قبل يوم
الاقتراع.
كثير من السوريين يعتقدون أن
القضية بين نظام الحكم وبين
المعارضين أكبر من مجلس نواب
يُنتخب أو يُعين. إذ أن ذلك
يعتبر واحداً من كثير من
التناقضات بين المعارضة وبين
النظام الذي يرفض أن يشاركه أحد
في الحكم بعدأن نصت المادة (8) من
الدستور السوري على أن "حزب
البعث قائد للدولة والمجتمع".
ما يعني أن لا شراكة، بل انضواء
تحت جناح النظام كما فعلت أحزاب
الجبهة التقدمية، وهذا شبه
مستحيل أن تقبله المعارضة،
خصوصا جماعة الإخوان المسلمين
التي لا تقبل بأقل من وجود سياسي
كامل في مناخ ديموقراطي تعددي،
وفي ظل تداول للسلطة من خلال
صناديق الاقتراع.
ورغم التشدد الذي ينهجه النظام
السوري تجاه المعارضة الداخلية
والخارجية، إلا أنه حاول أن
يظهر كأنه لا يحسب كبير حساب
لهذه المعارضة. خصوصا وأنها لم
تستطع، حتى الآن على الأقل، أن
تسوّق نفسها كبديل مقنع عن هذا
النظام عند من يهتم بسورية
كدولة مؤثرة على ما يحصل في
المنطقة من أحداث، خصوصا فيما
يتعلق بأزمة العراق والصراع بين
العرب وإسرائيل.
البعض ربما يعزو فشل المعارضة
السورية في فرض نفسها كبديل من
النظام لأنها لا تريد أن تدفع
الثمن الباهظ الذي دفعته
المعارضة العراقية يوم كان
الرئيس الراحل صدام حسين في
السلطة. قد يكون هناك من هم
مستعدون لدفع الثمن، لكنهم
أقلية وضعفاء. ما يزيد في في
رجحان كفة النظام السوري أنه
يعرف أن الجهات المؤثرة دوليا
غير راغبة في تغييره، في الوقت
الحاضر على الأقل، نُقل ذلك في
الآونة الأخيرة عن مصدر فرنسي
وثيق.
هناك من يرجع ضعف المعارضة
السورية لكونها فشلت في تغيير
أساليبها السياسية بعد أن أصبحت
–في نظر بعض السوريين- بالية
وعتيقة وغير فعالة في مواجهة
نظام متشبث بالحكم إلى درجة
الالتحام به. كماأن هذه
المعارضة لم تحاول أن تفتش عن
سبب فشلها في إرغام النظام على
الرحيل، أو على الأقل في جعله
يضطر لمشاركة المعارضين في
الحكم بصورة أو بأخرى. بعض
المراقبين يقول إن المعارضة لم
تفشل ولكن النظام هو الذي نجح في
إحباط مسعاها. يبقى أن القضية
قضية توصيف نسبي لحالة يتم
التعبير عنها من الزاوية التي
ينظر منها هذا المراقب أو ذاك.
يجب أن نعترف أن نظام الحكم
السوري تمرس –على مدى ثلاثة
عقود من حكم الرئيس الأسد الأب-
بأساليب جعلته يبني علاقات
وثيقة، إقليميا ودوليا، ما جعله
يوحي لمن يهمه الأمر، بأن
البديل منه هو الفوضى التي
ستضرب سورية، إذا ما فكرت هذه
الدولة أو تلك بالعمل على
تغييره على الطريقة العراقية أو
عن طريق انقلابات أيام زمان في
الخمسينيات والستينيات من
القرن العشرين، وقد جاء حزب
البعث إلى السلطة في واحدة
منها، مما قد يوحي لهذه الجهة
الدولية أو تلك بأن تحاول إعادة
إنتاج ذلك الأنموذج في الساحة
السورية من جديد.
يبقى أن نقول إنه لا معنى لإصدار
بيانات تدعو لمقاطعة انتخابات
تجري بقانون الانتخاب الذي
أشرنا إليه أعلاه. لأن المقاطعة
لن تغير النتائج المعروفة
مسبقا، إلا إذا كان القصد من
الدعوة تسجيل موقف يؤكد رفض
الجهة التي أصدرتها لقانون
الانتخاب إياه.
الذين أدرجت أسماؤهم في قوائم
"ثلثي أعضاء مجلس الشعب"،
يهزون رؤوسهم عند ما يقرؤون
بيانات تدعو السوريين لمقاطعة
الانتخاب، ويبتسمون قائلين:
اقترعوا أو قاطعوا! .... فنحن
ناجحون.
*
كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|