ــ
ألا
فليسقط النظام الأمني
المهندس غسان
النجاّر*
نسمع بين الحين والآخر همسا - -
كلاما علنا وسرا ! !
نقرأ على صفحات المواقع
الاليكترونية: أن فلانا أستدعي
لجهاز الأمن – وما أكثرها –
فخرج ولم يعد ! وأن فلانا آخر
اختطف ولم يعرف مصيره وأن أهله
يبحثون عنه جيئة وذهابا بين
المراكز الأمنية دون جدوى... وأن
ثالثا ورابعا... وعاشرا مكث في(
ضيافة )المخابرات !! بعد تعاون
مخزي وتنسيق بين أجهزتنا
الأمنية وأجهزة ( العدو ) فيما
يسمى ( مكافحة الإرهاب )، وخرج
بعد شهرين، سنة أو سنتين، وهو
يروي على الملأ قصة تعذيبه 0
هذه الحالات المتكررة ! متى تنتهي
من قاموسنا المجتمعي ؟ متى نشعر
أن في بلدنا دستورا وقانونا غير
معطّل ، أمنا وأمانا معمّم ، كي (
نبصم ) أن بلدنا دولة حضارية ،
مدنية ، عصرية ، دولة قانون
ونظام ، دولة مجتمع مدني
ومؤسسات ، لايمارس فيها شريعة
الغاب ولا يأكل القويّ فيها
الضعيف ؟؟!
متى نستشعر أنّ هناك سيادة
للقانون.. والقانون تخضع له
الرقاب ، رقاب الجميع ، كبيرهم
قبل صغيرهم ، قويّهم قبل ضعيفهم
، غنيّهم قبل فقيرهم ، وأنّ
الناس جميعا سواسية أمام
القانون ؟! مصداقا لقول الرسول
الأعظم محمّد(ص):
( كان الناس إذا سرق فيهم القويّ
تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف
أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو
أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطع
محمّد يدها ) .
(إن رئيس الدولة العربية
الإسلامية الثاني: أبو بكر
الصدّيق ، صرّح في خطاب ( القسم )
قائلا :
إني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم ،
فان أحسنت فأعينوني وان أسأت
فقوّموني ، القويّ فيكم ضعيف
عندي حتى آخذ الحقّ منه ،
والضعيف فيكم قويّ عندي حتى آخذ
الحقّ له ، أطيعوني ما أطعت الله
ورسوله (دستور البلاد ) فان عصيت
(خالفت الدستور ) فلا طاعة لي
عليكم ) 0
الدساتير في العالم جميعها تنصّ
في موادها ، أنّ حريّة التعبير
وحرية الاعتقاد وحرية الرأي
مكفولة ومصانة بحكم القانون ،
فهل هي مصونة في بلادنا
؟؟! 0
أخبرني أكثر من صديق – وأنا في
جولة بين المحافظات – أنّ عناصر
المخابرات يجدّون في طلبي ،
ويتعقّبون أثري،
ويبحثون عني ، وكأنني أنا
المجرم الّذي ارتكب الموبقات أو
سرق المليارات وخان الأمانات ! !
0كيف يطلب منّي القانون – وهو
الحكم – أن أتعامل مع أجهزة
أمنية ؟ يفترض أن تكون وظيفتها
مراقبة الجواسيس
وتعقّب أثر عملاء
الدول
الأجنبية أو ملاحقة المجرمين
والإرهابيين والعصابات
المسلّحة؛ وهي وظيفة الأمن
الجنائي 0
إذا كنت قد اقترفت ذنبا منصوصا أو
اخترقت قانونا فمن المفترض أن
تصلني مذكّرة خطيّة رسمية
لمراجعة الدوائر القضائية أو
النيابة العامة أو قاضي التحقيق
المدني أو الجزائي ، عندها
سأسعى بكلتا قدميّ إلى
المثول أمام الجهات المعنية
، ولأوكل محام – يترافع مدافعا
عنّي –وهو ما كفله القانون ،
لأردّ على أية تهمة توجّه اليّ
،فيما لو اخترقت القانون –
لاسمح الله – وإذا رأى قاضي
التحقيق المدني أنّ هناك ما
يستوجب توقيفي – على ذمّة
التحقيق – فحيّ هلا لأنّ
القانون يعلو ولا يعلى عليه 0
إذا ما هو الهدف الّذي يقصده
النظام الأمني من إرسال رسائل
تعقّب من هذا النوع وتهديد
المواطنين الأبرياء ؟! 0
انّ ا لنظام الأمني المخابراتي
يقصد من هذا السلوك – الخارج عن
القانون – عدّة أهداف :
1. ترويع
الشعب وتخويفه وتسليط الضوء على
أجهزة الأمن المخابراتية ؛
أنّها العين الساهرة لكل من
تسوّل له نفسه معارضة النظام ،
أو يخالفه الرأي ، فهو يحصي على
المواطنين أنفاسهم وحركاتهم
وسكناتهم ، وعلى الناس أن
يجبنوا فلا يتكلّموا ويناموا
فلا يستيقظوا ، حسب قول الشاعر
العراقي الساخر ( الرصافي ):
يا قوم لاتتكلّموا
إن الكلام محرّم
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوّم
وهم لا يزالون بدعوى إملاء
البيانات والاستمارات وللمرّات
المئات طالبين معلومات عن
الأخوة والأخوات والجدّين
والجدّات والآباء والأمهات
والأصهار والزوجات والأعمام
والعمّات ، والأخوال والخالات
،بل عن الأقارب من رابع
الدرجات
من المعتقلين والمعتقلات ، مما
يبعث على الاشمئزاز ويثير دفين
الذكريات ؛ وأمّا سجناء تدمر
تحديدا والّذين خرج القليل منهم-
بقدرة القادر- أحياء ومعاقين
فيفرض عليهم مراجعة الأجهزة
الأمنية مرّة كل شهر ويطلب منهم
التجسس على مواطنيهم وكتابة
التقارير وخاصّة عن أئمّة
المساجد وخطب الجمعة 0
2. الاحتمال
الثاني: - مفترضا حسن النية –
أنّ الدعوة مقصودة للحوار
والنقاش وليس للتهديد والوعيد
كما هو الغالب؛ ولكن أليس
الحوار يجب أن يكون بين فريقين
متكافئين ؟ بمعنى هل يعقل أن
يحاور شخص أعزل طرفا آخر مشرعا
وراءه مسدّسا أو سوطا وكرباجا
وبساط الريح وعندها ستكون
النتيجة أيضا الاحتمال الأول :
الترويع والتهديد ثمّ التقية
والنفاق وهذا لن يكون من أشخاص
باعوا أنفسا تموت غدا بأنفس لا
تموت أبدا 0
وإذا
كان الحوار هو المطلوب حقّا
فالفريق الأول يجب أن لايكون
طرفا أمنيا يمتلك من الأقبية
ووسائل التعذيب ما ينتزع بسهولة
اعترافات كاذبة ليدرأ عنه
العذاب ،
نعم سيعترف أنّه جاسوس لإسرائيل
، عميل لدولة أجنبية ، مخرّب،
إرهابي ، متطرف ، تكفيريّ ، خائن
.... الخ ،
فهذا أمر بالغ السهولة
0
وبناء
على ذلك ؛ إن كانت غاية الحوار
هي الوصول إلى حالة من القناعة
والإقناع ، وتبادل وجهات النظر
فهذا يتمّ بين فئات
مثقّفة فكرية مدنية وليست
عسكرية أو أمنية
ونؤكد بهذه المناسبة أنّ
الحوار هو السبيل الوحيد إلى
الديمقراطية والدولة المدنية
العصرية 0
إن التهديد لايعطي نتيجة
لاستقرار حكم ، ولا يخلق مناخا
لبسط أمن وطني جماعي ، فهذا عدا
عن أنّه غير قانوني ويخالف
الدستور في مواده المنصوصة ( 25 و26
)عن حرّية الفرد في الاعتقاد
والفكر ، في الرأي والتعبير ،
فهو أيضا لا يبشّر بوحدة
وطنية بين كافّة فئات المجتمع
تقف سدّا منيعا أمام أيّ تدخّل
خارجي 0
وعليه إذا كان الحوار البنّاء
والنقاش السلمي الهادئ هو
المقصود من ملاحقتي وتتبّع أثري
- وأشكّ في ذلك- فليكن بالاسلوب
الحضاري فعنوان بريدي
الاليكتروني معروف وصندوقي
البريد هو : حلب 0 ص0ب /10719 / وعندها
نجلس حول طاولة مستديرة نتبادل
الرأي لما فيه خير البلاد
والعباد ، هذا إن تواضعت الدولة
لمواطنيها وسلكت هذا النهج
المدني الحضاري 0
3. الحالة
الثالثة : هي عملية خطف لهذا
المواطن أو ذاك ، ثمّ مصير مجهول
وتصفية وتسليم الجثّة للأهل ثمّ
يتحدّث عن عصابة قد قتلته ،
ويغلق التحقيق عن حادث غامض أو
مجرم مجهول أوانتحار مريب وأنا
أربأ بدولتنا أن تصل إلى هذا
الحضيض والى الدرك الأسفل
والنفق المظلم من إرهاب الدولة
المنظّم ، فهذا يعيد نا – لا سمح
الله – إلى المربّع الأول من
عام ثمانين وتسعمائة وألف
والّذي وقفت النقابات العلمية
– وأنا واحد منهم – ضدّ تعسفه
وطغيانه ودفعنا ثمن هذا الموقف
اثني عشر عاما من سني الاعتقال
دون تهمة أو محاكمة0
وأعود فأقول : ماذا يريد النظام
الأمني من ملاحقة أثري وترويع
أهلي وتهديد أقاربي ؟ ؟!
إذا كان المقصود هو السكوت عن
كلمة الحق والتبشير بدولة
الحريّات والديمقراطية
والانصراف عن الدعوة إلى الخير
وصلاح المجتمع ومحاربة الظلم
والفساد ؛ فهذا دونه خرط القتاد
، فأنا سليل أسرة – ولا فخر –
وقف زعيمها يحارب ظلم
الإقطاعيين في مدينة معرّة
النعمان حينا من الدهر في
الثلاثينات من القرن الماضي 0
وهذا ليس تحدّيا لأحد بل هو أمر
مستوجب علينا أداؤه بنص القرآن
في محكم كتابه:
"ولتكن منكم أمّة يدعون إلى
الخير ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر واؤلئك هم المفلحون
" آل عمران104
إن دعوتي السلمية هذه واضحة
العيان ، ساطعة البنيان ، بدون
لبس أو بيان ، منشورة بتفصيل على
صفحات الإنترنت
وقد وجّهت رسالتي الاولى بذلك
إلى السيد الرئيس ، لم يصلني
جوابها، ليس لي من غاية سوى
الإشفاق على وطني أن يغتاله
أعداؤه من وراء الحدود ، وليس من
هدف سوى الدعوة إلى الإصلاح
المنشود والقضاء على الفساد
المنكود
والحرص على وحدة الأمة وتأسيس
المصالحة الوطنية والسلم
الأهلي 0
فإذا كان ثمن هذه الدعوة هو
الاعتقال والسجن فهي خلوة في
سبيل الله ، وان كان ثمنها الموت
أو القتل فهي شهادة في سبيل الله
، وبذلك أفوز بإحدى الحسنيين 0
أمّا إذا كانت الأجهزة الأمنية
تهدف من الملاحقة والتضييق أن
أغادر وطني وأهجر بلدي بعد
السبعين من عمري؛ فهذا
محال لأنني أقسمت أن أموت فوق
ترابه – إن قدّر الله 0
ألا فلتسقط دولة الأمن
والمخابرات ولتحيا دولة
القانون والمؤسسات 0
ما أريد إلا الإصلاح – مااستطعت
– وما توفيقي إلا بالله عليه
توكلت واليه أنيب 0
*نقابي
ghassan-najjar@maktoob.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|