ــ
النظام
السوري والمُعْتَقَلات
بدرالدين
حسن قربي*
أعتذر
ابتداءً من قول كلمات يمكن أن
تعيد الأرق لعينٍ أخذها شيء من
وسنٍ بعد طول سهاد، والخَلَجَ
لقلبٍ هدأ قليلاً بعد طول
اضطراب، والذكرى الأليمة
والمؤلمة التي تطاولت ثمّ غفت
متدثّرةً رحمةً من الله بالرقيق
الرقيق من النسيان.
منذ
عشرة أيام صرخت المنظمة العربية
لحقوق الإنسان الأردنية
مطالبةً بالعديد من مواطنيها
وناسها المعتقلين في السجون
السورية ممن طال عليهم الأمد
لأكثر من 25 عاماً ومنهم دون ذلك،
وفيهم الشباب ومنهم الصبايا.
ومن تابع المؤتمر الصحفي
للمنظمة وماكان فيه من أحاديث
ومعلومات، لاشك يتعاطف مع هكذا
مشاهد إنسانية تصعب على أشد
القلوب قساوة، وأقل النفوس
نخوةً وشهامةً.
وكل ماسمعناه يدعو إلى
الحزن والأسى حتى القرف من
تصرفاتٍ لأجهزةٍ وأنظمةٍ
قميئةٍ تجاه مواطنيها
وجيرانها، ولكنّ عشقنا للحياة
الحرة والأبيّة وإصرارنا عليها
يجعلنا نواجه ونسعى، نفضح
وننادي في الخلائق، حتى يشرق
صباحنا، وينبلج فجرنا.
ومنذ
سنتين تقريباً بدأ اعتصام
العديد من أهالي المحتجزين
والمعتقلين اللبنانيين في
السجون السورية ومازال في
الساحة المقابلة لمبنى الأمم
المتحدة في بيروت. ومع كل (عجقة)
الأخبار التي تصلنا من لبنان
على مدار الساعة بمناسبة
الاعتصام الإلهي وخلافه، فإن
خيمة معتصمي الأسرى والمعتقلين
يتناوب عليها آناء الليل وأطراف
النهار عدد من الأمهات العجائز
الصامدات والمقاومات الصابرات
عن حق وحقيقة، اللائي يشكين إلى
الله همهن وحزنهن من ظلم نظام
الجار.
ونظرة إلى الجميع تكفي لمن
كان له قلب أن يحس بحجم معاناة
هؤلاء (العواجيز) كمداً وحسرةً
ومرضاً وكآبةً ونوحاً على غياب
أكبادهم في ظلمات المعتقلات
السورية، وهم يعيشون على أملٍ
يقتانونه قطرةً قطرةً،
وينتظرون ساعةً من نهار يرون
فيها عودة أحبائهم ومفقوديهم
قبل أن يُودِّعوا فيها الحياة.
وفي كل مرةٍ أتحسس فيها
معاناتهم، وأسمع نجواهم وأرى
دموعهم، فتختلط المعاناة
والنجوى والدموع، وأسأل نفسي من
فينا الشاهد ومن هو المشهود في
قصة شاهدٍ ومشهود..!؟
أيضاً
ومنذ سنيين والجمعية
الفلسطينية لحقوق الإنسان تكتب
وتنشر وتنادي: بلادي بلادي..! أين
أنت وآلاف الأحبة في سجون
الأعادي..! والمئات
المئات منهم في سجون العباد..! في
الشام أبحث عنهم..؟ أسمع همساً:
ضاعوا هنا ... في سجونها ماتوا
وفي غياهبها .. وينادون: بلادي
بلادي.
فضلاً
عن السجناء الفلسطينيين
واللبنانيين والأردنيين فهنالك
أيضاً ملف داخلي سوري عالق،
هوأكبر من كل الملفات السابقة،
فيه عشرات الآلاف من المفقودين
والمعتقلين ممّن لايُعرَف عنهم
شيئاً، أحدهم شقيق كاتب هذه
السطور المفقود في معتقلات
النظام منذ أكثر من 27 عاماً ولم
نسمع عنه خبراً سواءً كان سجينَ
رأي أو سجينَ تجاوز القانون.
المعلومات
والأخبار تؤكد أن كل المنظمات
الحقوقية المحلية والإقليمية
والدولية ومعهم الخيّرون
مازالت تركض وراء هذه الملفات
الإنسانية تناشد النظام السوري
الإفراج عن هؤلاء المعتقلين أو
الكشف عن مصيرهم وأحوالهم
والسماح لأهلهم بزيارتهم وفهم
أسباب اعتقالهم والتعامل
بشفافية مع هذا الأمر ولكن عمّك
أصمخ ولامجيب.
إننا
قد نتفهم بأنه قد يكون للسلطات
السورية مبرراتها في الاعتقال
والاحتجاز، ولكن مالايفهم في
هذه القضية الإخفاء والتعتيم
والسكوت المطلق فضلاً عن العناد
والمشاكسة في التعاون مع الجهات
المعنية لحل هذا الموضوع كلياً
أو حتى التخفيف منه جزئياً.
وزير
الداخلية السوري ومِن بعده وزير
الإعلام أكدا قديماً وحديثاً
ومجدداً وفي كل مناسبة لم
تفتْهما، أن ليس في سورية
معارضين معتقلين بسبب من رأي أو
فكر، وإنما هنالك (بعض
الموقوفين) معتقلون بسبب كسر
القانون وتجاوزه. وهو أمر
يُسَجِّل موقفاً رسمياً جدلياً
غير مفهوم ولا مبرر، لأننا لو
مشينا وراء تصريحات الوزراء
فإننا وراء باب الدار نسأل: فأين
إذاً المعتقلون المفقودون؟
ماهو المبرر القانوني
والإنساني والوطني والأخلاقي
لعدم الاعتراف بوجود معتقلين
لديكم أو السماح لأهلهم وذويهم
برؤيتهم طالما كانوا ممن
تجاوزوا القانون بارتكاب جنحة
أو جناية ما فضلاً عن أن يكونوا
سجناء رأي أو فكرٍ معارض..!!؟
لماذا لايُخبَر أهلهم وحسب
الأصول القانونية بما فعل
أبناؤهم وأزواجهم وآباؤهم من
جنحٍ وجنايات، فضلاً عما صدر
عليهم من الأحكام ومن ثمّ يتاح
لهم الاتصال بهم حسب القوانين
والأعراف المدنية المرعية، (وهيك)
تستبين الأمور على (بلاطة)؟
ان
منظمات حقوق الانسان المحلية
والدولية مدعوة الآن أكثر من أي
وقت مضى، وكذلك كل أحرار العالم
من أصحاب الضمير الحر وكل العرب
الشرفاء مدعوون أيضاً للمشاركة
والمطالبة بهكذا عمل إنساني،
وكلٌ على طريقته للعمل لاطلاق
سراح المعتقلين تعسفاً وظلماً
وبطشاً ودون وجه حق
فضلاً عن فتح ملفاتهم.
ومع
إصرار النظام السوري على رفضه
معالجة هذه الملفات الإنسانية،
ومعاندته ومعاكسته (وتطنيشه)
للتعاون وكأن شيئاً لم يكن،
ولاسيما في وقتٍ تحتاج فيه
سورية شعباً ووطناً أن تكون
كتلةً في مواجهة التحديات التي
تعتريها، مما يستوجب إغلاق هذه
الملفات ولو جزئياً تجميعاً
لعناصر القوة في الأمة، فإننا
نرى من واجب كل المنظمات
الحقوقية بكل مراتبها وجميع
أصحاب الضمير الحر والحس
الإنساني أن تتحمل مسؤولياتها
– بعد وصولها لطريق مسدود مع
النظام - وتسلّم هذه الملفات
الإنسانية إلى الأمم المتحدة
لتحمل مهمتها ودورها في هذا
الأمر واستصدار القرارات
الدولية اللازمة لمعالجة عناد
النظام واستهتاره ومراوغته.
قد
نسمع من يعارض، وقد نرى من
يستنكر مثل هذا الطلب أو هذا
الاقتراح ويقول فينا مايقول،
ولكننا نقول للجميع: ماذا
تريدوننا أن نفعل؟ أو ماهو الحل
الذي عندكم وقد أعيانا الحل؟
إننا
نقول على رؤوس الأشهاد، هذا هو
حلنا، حل المضطرين الذين لم
يجدوا سواه بعدما أعياهم الحل
وأعياهم النظام.
قال
لي صاحبي معترضاً: عندي بعض
التساؤلات وأرجو أن تفهمني
جيداً.
إن
سورية بلد الصمود والمقاومة
والممانعة ولاأحد يستطيع
المزاودة على النظام فيها
عروبةً وصموداً ومواقف، وهو صوت
المقاومة في المنطقة.
ثمّ في أغلب دول العرب يوجد
سجناء رأي ومعتقلون، والنظام
السوري المخابراتي الشمولي ليس
بدعاً بين هذه الدول.
فلماذا تحريك مثل هذه
القضية الآن، والنظام السوري
تمارس عليه الضغوط الأمريكية
والأوروبية لفرض مشاريعها على
المنطقة؟
إنني أعتقد أن تحريك هذه
المسألة الآن هو نوع من الدعم
والعون بطريقةٍ ما للمشروع
الأمريكي لزيادة الضغوط على
النظام والنيل من صموده
ومقاومته وممانعته ومحاولة
تركيعه من خلال المساعدة في
استصدار قرار دولي يسهل ضرب
النظام. وإلا
لماذا تطالبون بمعتقلي النظام
السوري ولا تطالبون بالسجناء
الفلسطينيين والعرب في
المعتقلات الإسرائلية وسجناء
معتقل غوانتنامو...!!؟
قلت
لصاحبي: لاأستغرب تساؤلاتك في
هذا الزخم من التضليل الإعلامي
الذي يمارسه النظام القمعي
والاستبدادي ليغطي السماوات
بالقبوات، ويخلط عباس بدباس
والحابل بالنابل، فيَضِلّ
ويُضل، وإنها لاتعمى الأبصار
ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور.
لن
أجادلك أن النظام يتستر بالصمود
والمقاومة والممانعة بينما هو
غاطس لعقب أذنيه بالمحاولات
لإعادة الحرارة إلى الخط
الأمريكي والمفاوضات مع اليهود
حتى أثناء الاعتداء الإسرائيلي
على لبنان الصيف الماضي، ثم إن
الجولان محتل من 40 عاماً وليس
فيه للنظام مقاومة.
كما أن الموضوع الذي نسعى له
ليس وليد هذه الأيام بل بدأ قبل
سنين عديدة تزيد عن 15 عاماً، لم
يكن فيها أحاديث عن ضغوط ولا
مشاريع الشرق الأوسط الكبير
وغيره. ولكن
إن كنت تعني بكلامك
أن الأمة مستهدفة من
أعدائها عموماً ومشاريعهم ضدها
كثيرة، فإن المشاريع
والمؤامرات لم تتوقف منذ عشرات
السنيين والحبل على الجرار،
وأنا معك ولكن ليس من المعقول أن
نرجئ حلول مشاكلنا حتى تتوقف
المؤامرات التي لن تتوقف
يقيناً، فضلاً عن أن معارك
الأنظمة الثورية مستمرة وليس
لها نهاية.
فهل نوقف فينا نبض الحياة؟
بمعنى لانستطيع أن نقول
للشاب الفلسطيني توقف
ولاتتزوج، والفرح ممنوع لأن
البلد تحت الاحتلال، وانتظر حتى
يزول الاحتلال فتتزوج وتخلّف (عيال)،
فهذا منطق مرفوض.
أما
أن مثل هذه المطالبات تعين
وتؤازر الضغوط الدولية على
النظام كما تسهل صدور قرارت
دولية تسهل على أمريكا وغيرها
ضرب البلد والنظام، فإني أزعم
أن مثل هذا الكلام يفتقد الدقة
ومردود عليه، لأن النظام لو
توجه لحل هذه القضية الإنسانية -
وَحَلُّها بيده - لفقدت مثل هذه
المطالبات وغيرها أي ضررٍ عليه
فضلاً عن أنها تدعم وضعه وتقوي
موقفه فيما يزعم من المواجهة
إلا إذا كان النظام يعتقد أن
إطلاق حريات أناس (تختخوا) في
زنازينه وسجونه لسوف يعطله عن
تحرير فلسطين والجولان ويفقده
خاصيّة الممانعة فهذا أمر آخر
يحتاج إلى بحث.
أما
عن ربط حل مشكلة المعتقلين لدى
النظام السوري بسجناء
غوانتنامو واسرائيل فإني
أستغرب مثل هذا الربط وهذا
التعليق الغريب والعجيب لوحدة
المسارات. هل
تعتقد أن السجّان واحد في سورية
واسرائيل وغوانتنامو لتقول
بالمطالبة بالجميع معاً ولربط
إطلاق المعتقلين بمسارٍ واحد .
إني أعتقد أن أمر الناس الذين
نطالب بهم ليس في يد أناسٍ
أمريكان ولا يهود لتجعلهم رزمةً
واحدةً إلا إذا كنت تعتقد العكس
فالمصيبة أعظم.
والأهم
من كل ماسبق، ماهو الطريق
الأمثل لحل مصيبة المعتقلين
اللبنانين والأردنيين
والفلسطينيين والسوريين ؟ وهي
قضية إنسانية بكل أبعادها تواجه
معاندةَ النظام واستهتارَه في
كل السنيين السابقة، ورفضَه
تقديم أي حلّ حتى أن اتحاد
المحامين العرب الذي اجتمع في
العاصمة السورية وكذلك مؤتمر
الأحزاب العربية، ظهر عجزهم،
فقرؤوا أعذاراً وحججاً بمثل
ماقرأ به العاجزون أو
المُعجَّزون، وأسمعونا وعوداً
مما سمعوه من أولوية النظام
الآن المواجهة والصمود والدفاع
عن الأمة، و(بس يخلص) النظام من
معركته، فالأمور كلها قابلة
للحل. حتى
القيادات الفلسطينية المقيمة
في سورية من (حماس) والجهاد
وغيرهم من المناضلين لم يحلّوا
شيئاً في هذا الأمر الإنساني
تجاه مواطنيهم ولعلهم معذورون
بانشغالهم فيما بينهم على
الحكومة والوزارت وتحرير
بلادهم من اليهود، وكذلك حزب
الله وبما له من رصيد لدى النظام
السوري كان أعجز من عاجزٍ من أن
يفعل شيئاً في قضية المعتقلين
اللبنانيين لدى النظام السوري
في الوقت الذي استطاع تحقيق
إنجازاتٍ كبيرةً جداً على هذا
الصعيد عند اليهود، فبات
اللبنانييون من نكد النظام
السوري يتمنون لو أن معتقليهم
عند اليهود لعرفوا أخبارهم
ولاستطاعوا مُراستلهم، ولكان
خلاصهم أقرب، ورجعتهم إلى
أحبائهم أسهل وأيسر.
لهذه
الأسباب وغيرها نؤكد ثانية
وثالثة وراربعة على كل الجهات
الاقليمية والدولية المعنية
بحقوق الانسان وحريته أن تهتمّ
بهذه (المأساة الكارثة) بكل مافي
الكلمة من معنى ونقلها إلى
المجتمع الدولي للمعاونة في
حلها.
إن
مطالبتنا النظام السوري بحل هذه
القضايا الإنسانية والأخلاقية
لاعلاقة لها البتة بما يشاع
عنها من مخابرات النظام ومواقعه
الإعلامية، وإنما هي دعوة
إنسانية كريمة لانريد لأحدٍ من
عروبيين وقوميين، أو إسلاميين
وغير اسلاميين، أو مقاومين
ومستسلمين، أو يمينين
ويساريين، أو ملحدين ومؤمنين أن
يفهمها (عدم المؤاخذة غلط) بأن
هدفها – والعياذ بالله - النيل
من صمود النظام وممانعته،
أوإنقاص هيبته أو إضعاف الشعور
القومي لدى المواطنين أو تفشيل
عزمهم، كما أن لاعلاقة لها
باستهداف نظام هوغو تشافيز في
البرازيل، أو دولة حزب الله في
لبنان أو عرقلة برامج الملالي
النوويين، ولا النيل من إرادة
كوريا الشمالية لأن لهم من
يتولاهم ويتابعهم ويتدبر شأنهم.
إن
هذه المناشدات والمطالبات ليس
هدفها حقيقةً النيل من عزيمة
النظام في المقارعة والممانعة،
أو همة الحكومة في المنازلة
والمصاولة، أو عزم القيادة في
المبارزة والمجاولة، أو إضعاف
المقاومة عند المقاومين، أو
توهين النضال عند المناضلين أو
تعطيل النظام عن تحرير
فلسطين واسترجاع الجولان أو
توقيف اتصالاته ومفاوضاته مع
اليهود. ونؤكد – مع التقدير- لكل
أحزاب العرب والعجم، واليسار
واليمين، الإسلامي منهم
والليرالي والعلماني وغيرهم
ممن فاتنا ذكرهم ومع حفظ
الألقاب للجميع أن المناشدة
واضحة، والمطالبة أوضح، هي حل
قضايا إنسانية أخلاقية عالقة
بالتعاون مع المجتمع الدولي.
ياجماعة
..!! هل يعقل أن يكون لعائلةٍ
لبنانيةٍ أو أردنيةٍ أو
فلسطينيةٍ أو سورية سجين أو
أسير أو معتقل عند اليهود في
اسرائيل، ثم تتمكّن من الاتصال
به هي أو غيرها وبصعوبات
لاتستحق الذكر أمام مايعانيه
الناس في بلادٍ تزعم التصدي
لليهود وأعوانهم..!؟
أم على أهالي المعتقلين
والسجناء أن ينتظروا سقوط
السجّان ليبحثوا عن أحبائهم في
قيعان السجون وفيافي الصحاري
وعلى ضفاف العاصي ليجمعوهم
بقايا عظام نخرة. كالذي كان مع
الكويتيين في البحث عن أسراهم
ومعتقليهم..!!؟
لطفك يارب...!!
*كاتب
سوري
cbc@hotmailme.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|