سلبية
التفكير الذاتي
علي
العبد الله*
في ندوة " العالم العربي
تحديات الحاضر وآفاق المستقبل
" التي نظمها مركز الدراسات
التابع لقناة الجزيرة القطرية
يوم 23 ديسمبر الماضي وحضرها
أكثر من خمسين من الإسلاميين
،بين مفكر ومثقف وسياسي، وبعض
القوميين، تبارى المشاركون في
توصيف الواقع السياسي والنضالي
في العالم العربي وزايدوا على
بعضهم في الدعوة إلى "الجهاد"
و "المقاومة " وتوجيه
التحيات والتقدير لدول وقوى
الممانعة العربية والإسلامية.
وقد انطوت مداخلاتهم على تقرير
انتصار حركات المقاومة ودول
الممانعة على الإمبريالية
الأميركية وعملائها، وعلى
الدعوة إلى متابعة الهجوم حتى
تحقيق الهدف النهائي للحركات
المجاهدة، وقد كان لافتا إجماع
المشاركين على تحقق فيها
الانتصار في العراق، لبنان
وفلسطين.
أثارت مواقف المشاركين في
الندوة،وهي مواقف ليست معزولة
لان لهذا المواقف امتداداتها
وصداها في المجتمع العربي
والإسلامي،تساؤلات حول صدقية
هذه القراءة ودقتها؟.
من يتأمل في المشهد الراهن في
العراق ولبنان وفلسطين يكتشف
دون كبير عناء مستوى عدم الدقة
وضعف الصدقية والذاتية
والرغائبية التي تنطوي عليها
هذه التقديرات . فالعراق الذي
أعلنوا الانتصار فيه ينزلق نحو
مواجهة مذهبية مدمرة تغذيها
ذهنية الانتقام والرغبة في
الإنفراد بالسلطة أو تقسيم
الدولة العراقية إلى دول كي
تفسح لأصحاب النزوع السلطوي
الإمساك بجزء كبير من كعكة
العراق الدسمة،ناهيك عن سعي
إيراني واضح وصريح لوضع اليد
على العراق بكامله أو على الجزء
الشيعي منه ما وضع ليس فقط
أرواح ملايين العراقيين تحت
السكين بل والدولة العراقية
ذاتها في مهب الريح. أما لبنان
فالوضع فيه ليس أقل سوءا،
فبالرغم من النجاح الذي حققه
حزب الله في صد العدوان
الإسرائيلي في حرب الـ 33 يوما
فإن غياب اتفاق على مستقبل
الدولة اللبنانية والصيغة
الأنسب لإدارة الدولة ونمط
النظام السياسي المناسب قد هدد
ليس مستقبل الدولة اللبنانية
فحسب بل وبقاءها وهذا ضّيع
المكاسب التي انطوى عليها هذا
الصمود البطولي. أما فلسطين فإن
الخطر الذي تعيشه أقرب إلى
الخطر الوجودي منه إلى الخطر
السياسي ذلك إن الانقسام
الداخلي لا ينذر باندلاع حرب
أهلية ماحقة وحسب بل وبإعادة
القضية الفلسطينية إلى مرحلة ما
قبل تكون الحركة الوطنية
الفلسطينية- ونجاحها بتجسيد
هوية وطنية وبوضع حقوق الشعب
الفلسطيني على أجندة المجتمع
الدولي الذي أقر بوجود الشعب
الفلسطيني وحقوقه السياسية-
بعودة الحديث عن إعادة الضفة
الغربية إلى الأردن وقطاع غزة
إلى مصر كرد على ما يتوقعه
المحللون السياسيون: قيام
كيانين فلسطينيين واحد في غزة
تحت سيطرة حركة حماس وآخر في
الضفة الغربية تحت سيطرة حركة
فتح. كل هذا يجعل الحديث عن
انتصار خداع للذات والآخر.
ثم إن المشاركين وامتداداتهم في
البلاد العربية والإسلامية لم
يأخذوا بعين الاعتبار ما تنطوي
عليه الحالة الإسلامية بعامة
والجهادية بخاصة من
نواقص وسلبيات كبيرة وخطيرة
بدءا من غياب مشروع سياسي
اقتصادي معقول ومقبول لعدم
استجابة معظم البرامج
والمشاريع المطروحة من قبل هذه
الحركات والأحزاب لمتطلبات
المشروع الناجح بتوفير شرطي
المعقولية والعملية إلى الدور
التفتيتي الذي يلعبه برنامج
الحركات الجهادية المتشدد،
فالإسلام السياسي بطبعته
الجهادية خيار تفتيتي لأنه قائم
على الانشقاق أصلا، ناهيك عن
تبسيطيته وضحالته بالنسبة
لتعقيدات الوضع الدولي الراهن
فالباحث في بنية هذه الحركات
ورؤاها الفكرية سيلمس هشاشة حتى
الأساس الديني لهذه الحركات ،
حيث أن معظم مؤسسي وقادة هذه
الحركات ليسوا على إطلاع كاف
على الشرع ومقتضياته فقد لاحظ د.
قدري حفني ، أستاذ التاريخ في
جامعة القاهرة ، بحق "أن معظم
أمراء الجماعات الإسلامية
وكوادرها ليسوا من طلاب العلم
الشرعي ، وهذا جعلهم أحاديين
ومتشددين لأن طلاب العلم الشرعي
يدرسون المذاهب الإسلامية
والمقارنة بينها، فيدركون
التعددية والنسبية التي ينطوي
عليها التشريع الإسلامي"
فابن لادن رجل أعمال، وأيمن
الظواهري طبيب، ومحمد عبد
السلام فرّاج موظف في ديوان
جامعة القاهرة،وشكري مصطفى
مهندس زراعي...الخ ، يعيدنا هذا
إلى مقولة منسوبة إلى الحسن
البصري : " تعلموا قبل أن
تتعبدوا لأن الذين يتعبدون دون
علم كثيرا ما يتحولون إلى غلاة
ويصلون في سلوكهم حد القتل".
بالإضافة إلى إن مرجعية هذه
الحركات الفكرية محدودة في عدد
من الفقهاء، فقد كان لافتا أن
حركة الجهاد الإسلامي في مصر،
التي تبنت العنف في بداية
ظهورها ، قد اعتمدت في مبادرتها
لوقف العنف عام 1997 على ذات
المرجع الذي اعتمدته عند تبنيها
للعنف : فقه ابن تيمية . وهذا عكس
طبيعة المخاطر التي ينطوي عليها
التفكير الفقهي السائد
وانفصاله عن العصر.
كما لم يلتفت المشاركون في
الندوة إلى دور عوامل ليس لهم يد
فيها فيما اعتبروه "انتصارهم"
حيث لعبت عدة معطيات تاريخية
وآنية دورا ايجابيا لصالح
انتشار هذه الحركات وكسب
الأنصار والمتعاطفين بدءا بـ
"وجود حقيقة محورية- حسب
غراهام فولر الشرق الأوسط 24/9/2001-
هي أن الإسلام هو المحرك
الطبيعي للسياسة عبر العالم
الإسلامي. ففي العالم الإسلامي
يعتبر الإسلام مقياسا للعدالة
والإنسانية والحكم الصالح
ومحاربة الفساد، ويمثل الإسلام
مرجعية عقائدية للصراعات
الداخلية ضد الحكومات
الاستبدادية العلمانية،
ولصراعات الأقليات المسلمة من
أجل التحرر من السلطات غير
الإسلامية القاسية في كثير من
الأحيان" إلى فشل التجارب
السياسية والاقتصادية التي
تبنتها الأنظمة في الدول
العربية والإسلامية إلى سلوك
الإدارة الأميركية المعادي
للإسلام ، والذي عزز موقف هذه
الحركات بين المواطنين
المسلمين في كل دول العالم
وحولها في نظرهم
إلى حركات
مدافعة عن الإسلام ، مرورا
بتأييد فقهاء كبار- مع أن هؤلاء
الفقهاء يخالفون هذه الحركات في
معظم رؤاها الشرعية والسياسية-
لها بتبرير عملياتها على خلفية
رؤية الإسلام لمقاومة الاحتلال
والعدوان ومناصرة المسلمين
بعضهم بعضا.
لذا كان مطلوبا من هؤلاء
المشاركين تناول كل الصورة
والكشف عن السلبيات الخطيرة
التي ينطوي عليها المشهد
السياسي الراهن وعدم التوقف عند
حدود الظواهر الخارجية الخادعة
والتعاطي مع تفاصيل الصورة التي
تكشف المخاطر والنواقص الكامنة
وعدم الانزلاق إلى
التغني بانتصارات ما زالت
بعيدة، والتخلي عن التفكير
الأحادي والالتباسات التي
تتولد عنه، وإدانة الممارسات
التي تقوم بها حركات السلفية
الجهادية مثل :
1- موقفها
من بقية المسلمين وتكفيرها لهم
وعدم التردد في قتلهم ،كما حصل
في السعودية والعراق وباكستان
والمغرب والجزائر ومصر
وأفغانستان ، وهذا يجعلها محط
تساؤل واستنكار في أوساط
المسلمين الذين تدعي أنها "تجاهد"
من اجل حمايتهم والدفاع عن
مصالحهم .
2- أساليبها وأدواتها ( القتل
بالسيارات المفخخة وقصف
الأحياء ودور العبادة والذبح ..
الخ) والتي
تثير الرعب والاشمئزاز في
الرأي العام العالمي وهذه
يجعلها مدانة ومنبوذة .
3- دخولها
في معارك لا تتحكم بنتائجها
وتعجز ، بالتالي، عن تحاشي
انعكاساتها السلبية على
المسلمين ، ما يجعلها مصدرا
للمخاطر والشرور ،وهذا
يضعف، على المدى المتوسط ،
موقفها بين أنصارها
والمتعاطفين معها ويجعل
مستقبلها غامضا.
فآفاق المستقبل التي لم يتطرق
إليها المشاركون ترتبط
بمتغيرات وتحولات الواقع ما
يجعلها متغيرة متحركة وتستدعي
التفكير الدائم والمتواصل
والتكيف مع التغيرات
والمعادلات التي تترتب عليها.
* كاتب سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|